حفظ كتاب الله بين القواعد الأساسية والطرق العمليّة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

كثيراً ما سُئلت عن الطريقة المثلى لحفظ القرآن الكريم، وكنت دائماً أجيب السائل من خلال تجربتي المتواضعة في حفظ القرآن الكريم، إلى أن جاءت الفرصة اليوم لأوثق هذه التجربة من خلال هذا التحقيق الذي نقدمه للقارئ العزيز ، وليعذرني صغار السنº إذ إنني أخص في المقام الأول كبار السن، سواء كانوا رجالاً أونساء، فالصغار يجدون من يحفّظهم في المدارس والمساجد، لكن الكبار الذين انشغلوا بأمور الحياة - أعانهم الله - لا يجدون في الغالب من يفعل معهم ذلك.

 

قواعد أساسية وخطوات عملية

لاشك أن إنجاز أي عمل يتطلب توفر قواعد أساسية لإتمامه، وحفظ القرآن عمل، وهذا العمل حتى يتم على أكمل وجه لابد من توفر عناصر أساسية في الحافظ تسبق عملية الحفظ، وهي:

1 - النية الخالصة، بمعنى أن يكون وجه الله - تبارك وتعالى - هو المبتغى بهذا العمل.

2 - العزيمة الصادقة التي يجب أن تحوّل الأقوال إلى أفعال، فإذا كنت فعلاً تتمنى حفظ كتاب الله كما تقول ويقول الكثيرون، وتردّد مثلهم هذه الكلمة \"نفسي أحفظ القرآن\"، فعليك بالعمل.

3 - الدعاء الدائم.

4 - إلغاء مقولة: \"راحت علينا\"، ومقولة: \"عقلي قفّل\"، التي يرددها الكثيرون من الكبار، صحيح أنه قد يكون الحفظ في الكبر صعباً، لكن إذا لم تستطع حفظ كتاب الله كاملاً، فليس أقل من أن تحفظ أجزاء منه.

بعد أن عرفنا هذه القواعد الأساسية، ننتقل إلى الخطوات العملية التي ترافق عملية الحفظ، والمتمثلة فيما يلي:

1- اختر(اختاري) الوقت الأنسب للحفظ، وأفضل الأوقات للحفظ بعد الفجر أو عند السحر أو بعد المغرب.

2 - حدد(حددي) وقتاً للحفظ يتم الالتزام به، ويُستحسن أن تعد جدولاً يشمل برامج يومك ويبين مواعيدها.

3 - اختر(اختاري) المكان الأنسب، وأفضل الأماكن بيوت الله، وهذا بالطبع للرجال، أما المرأة فتحفظ في بيتها.

4- لا تتعجل(لاتتعجلي) في الحفظ، فقد كنت أحفظ في كل يوم صفحة واحدة على الأغلب، مع أني كنت أستطيع حفظ أكثر من ذلك، وذلك لأني أحببت أن أسير على قاعدة \"قليل دائم خير من كثير منقطع\"، وفي هذا إشارة أيضاً إلى أنه ينبغي أن تعرف قدراتك وتسير وفقاً لها.

5- استغل(استغلي) كل دقيقة في وقتك، فبعد حفظ المقدار المحدد راجعه في السيارة، وبين الآذان والإقامة وبين المحاضرات -إذا كنت طالباً-، أو في وقت الاستراحة إذا كنت موظفاً أو عاملاً.

6- ليكن المصحف - ذا الحجم الصغير- دائماً في جيبك أو قريباً منك لمراجعة ما حفظت، ولتحفظ حينما تشعر بالرغبة في ذلك.

7 - إذا شعرت بأنك غير قادر(قادرة) على الحفظ في ساعة ما فلا تواصل(تواصلي) الحفظ، بل انتقل(انتقلي) إلى أي عمل آخر للترفيه عن نفسك، ثم عاود(عاودي) الحفظ بعد ذلك.

 

طرق الحفظ

في بعض مراكز التحفيظ تُطبق طريقة حفظ سطر سطرº إذ يحفظ الطالب سطراً واحداً ثم يحفظ السطر الثاني فيكررهما معاً، ثم يحفظ الثالث فيكررها جميعاً، وهكذا إلى أن يُتمّ الصفحة، وذلك بالطبع مع استخدام الصوت المرتفعº لأن استخدام حاستي السمع والبصر أحرى للحفظ، كما أن هناك طريقة أخرى طبقتها على نفسي وتتمثل في تلاوة الصفحة كاملة، ثم تقسيمها بالنظر إلى نصفين، ويتم ترديد النصف الأول إلى أن يتم حفظه، ويُطبق ذلك على النصف الثاني ثم تُقرأ الصفحة كاملة، بالإضافة إلى طريقة تكرار القراءة.

 

إيجابيات الكبار

وفي سؤال وجهته للدكتور عبد الرحمن الجمل - الأستاذ المشارك في كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة، ورئيس دار القرآن الكريم والسنة- حول ما إذا كان هناك طرق يُفضّل أن يتبعها الكبار في الحفظ أجاب: \"لا مانع من أن يسلك الكبار الطرق التي يسلكها الصغار في الحفظº فالطرق هي الطرق، لكن الأمر يحتاج إلى تركيز\".

وحول الإيجابيات التي يتمتع بها الكبير، وهي ما تميزه عن الصغير، والتي يمكن أن تمثل دافعاً للكبير لحفظ كتاب الله وتثبيته قال:

 الكبير مدرك أكثر للأجر المترتب على حفظ القرآن الكريم.

 الإخلاص وطلب الأجر من الله، وهذا غير متوفر عند الصغير.

 الالتزام مع مجموعة يحفظ معهم ليشجع بعضهم البعض.

 الرجوع إلى التفسير، بحيث يستطيع الكبير من خلاله ربط الآيات بعضها ببعض، وربط نهايات الآيات.

 

إلزام نفسه بحفظ معين يومياً.

 التركيز على المتشابهات، وذلك من خلال قراءة الكتب التي تناولت هذا الموضوع، مثل كتاب: البرهان في متشابه القرآن، ودرة التنزيل وغرة التأويل، بالإضافة إلى أن هناك مجموعة كتب للدكتور فاضل السامرائي في هذا المجال.

 الكبير قادر على اختيار الشيخ الحافظ والمتقن.

 الكبير أقدر على أن يقرن الحفظ بالعمل، وهو ما يرسخ الحفظ.

 اللجوء إلى الله على الدوام لطلب العون والتوفيق.

 

إذا هبت ريحك فاغتنمها

كنت مصراً على أن أثبت ما ذكرته في بداية موضوعي من أن حفظ القرآن ليس مرتبطاً بسن معينة، وأن الكبار في السن قد يحفظون كتاب الله إذا وُجدت عندهم العزيمة لذلك، فبحثت إلى أن اهتديت إلى ضيائي السوسي - الذي حفظ القرآن وعمره 38 عاماً - فسألته عن الطريقة التي اتبعها في الحفظ فقال: لم اعتمد طريقة محددة، مشيراً إلى أن الطريقة الوحيدة التي سار عليها هي طريقة تكرار القراءةº إذ حافظ على قراءة الجزء اليومي دون انقطاع، وذلك منذ ما يزيد على عشرة أعوام، إلى أن وصل إلى مرحلة يقرأ فيها طرف الآية فيستمر في القراءة غيباً ولا يحتاج إلا لتثبيت فواصل الآيات \"نهاية الآيات\"، ثم اعتمد أسلوب ترديد الربع اليومي الذي يريد حفظه، وبالفعل حفظ القرآن الكريم على ثلاثة مراحل:

الأولى: مرحلة السجن وحفظ فيها (15) جزءاً خلال أربعة أشهر.

الثانية: مرحلة الإبعاد وثبّت فيها الأجزاء الخمسة عشر وحفظ خمسة أخرى، وذلك خلال تسعة أشهر.

الثالثة: حفظ الأجزاء العشرة الأخيرة خلال ستة أشهر، بالإضافة إلى التثبيت الكامل، وكان ذلك في البيت، وتزامن مع مزاولته لمهامه الطبيعية في العمل والبيت.

ويقدم السوسي -الذي أتم الحفظ قبل سبعة أعوام من الآن- نصيحته إلى كل من رغب في الحفظ فيقول: \"لا تيأس، فللنفس عزمات، فإذا هبت ريحك فاغتنمها، هناك فترات صفاء لابد أن تُستغل في الحفظº لأن النفس تفتر، وهذا طبيعي لكن لابد من الاستئناف من جديد\".

 

تجاوزن الأربعين

وحتى لا يقول قائل: \"هذه التجربة تجربة رجل، والأمر عسير على النساء\" أو \"هذه حالة نادرة\"، قررت البحث عن تجارب أخرى لأناس آخرين خاضوا التجربة، فكانت المفاجأة عندما أُبلغت بوجود حافظات للقرآن الكريم في أحد المساجد بمدينة غزة، فزرت المكان على الفور، والتقيت بالسيدة يسرى - التي حفظت القرآن الكريم وعمرها أربعون عاماً- فحدثتني قائلة: لقد كانت البداية في دورة الأحكام التي أخذتها، ثم بعد ذلك بدأت بالحفظ، والتحقت بمشروع \"100 حافظة خلال عام\" الذي أطلقته دار القرآن الكريم والسنة، مضيفة: \"وبفضل الله مَنّ الله عليّ بحفظ كتابه الكريم\".

وحول ما إذا كان صحيحاً ما يدّعيه البعض بأن كبار السن لا يستطيعون الحفظ. قالت: هذا غير صحيحº فالإنسان إذا نوى على شيء فسيعينه الله، مشيرة إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل عليه الوحي، وهو في الأربعين من عمره، وكثير من الصحابة حفظوا القرآن وهم في سن متأخرة.

كما التقينا بسيدة أخرى رفضت ذكر اسمها - وهي في الستينيات من عمرها- وقد شارفت على إتمام الحفظ، فكانت نصيحتها لكل من أراد الحفظ:

- إخلاص النية لله.

- العزيمة الصادقة.

- كثرة الدعاء في الليل أن يمن الله عليك بهذه المنة العظيمة.

- المداومة على التكرار.

- عدم التكلم في لغو الحديثº لأن المرء بذلك سينسى ما يحفظ.

- الإكثار من فعل الخيراتº لأن أبواب الطاعات تسهل عليك حفظ القرآن.

 

صوّر ورقة المصحف

ولكن ماذا لو لم يكن لديك -أخي القارئ- أو أختي القارئة وقت للحفظ، وخاصة في شهر رمضان بسبب الأعمال المتراكمة عليك، مع أن الأصل أن يُخصص وقت للحفظ كما أسلفنا، لكن إن كنت تعاني من هذه المشكلة فما هو الحل؟ لا تحزن(لاتحزني)º الحل موجود بإذن الله - تعالى -، فما عليك إلا أن تنفذ(تنفذي) التالي:

 صوّر(صوّري) ورقة المصحف المقرر حفظها، ولتكن أمامك في مكان عملك: على (طبلون) السيارة، على المكتب، في المطبخ، شريطة أن تكون في مكان يسهل على العين النظر إليه.

 انظر(انظري) إليها مراراً.

 ضع(ضعي) الشريط في المسجل، واستمع(استمعي) إلى نفس الصفحة، وبذلك تفعّل حاستي السمع والبصر.

 كرر(كرري) النظر والاستماع مرات عدة، ثم في المساء لن يأخذ حفظ هذه الصفحة معك أكثر من خمس دقائق.

في الختام أقول: إن حفظ كتاب الله - تبارك وتعالى- ليس أمراً صعباً، إنه يسير على من يسّره الله عليهº لذلك ما عليك إلا أن تخطو الخطوة الأولى، وتختار(تختاري) بعد ذلك أي الطرق التي ذكرت تناسبك أكثر، وإن أردت أي استشارة فنحن بين يديك.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply