في وداع رمضان لا يا أمير الشعراء


 بسم الله الرحمن الرحيم

رمـضـانُ ودَّع وهو في الآماق *** يـا لـيـته قد دام دون فراقِ(1)

مـا كـان أقـصَـرَه على أُلاَّفِه *** وأحـبَّـه فـي طـاعـةِ الخلاق

زرع الـنـفـوسَ هـدايةً ومحبة *** فـأتـى الـثمارَ أطايبَ الأخلاق

«اقـرأ» به نزلت، ففاض سناؤُها *** عـطـرًا على الهضبات والآفاق

ولِـلـيـلةِ القدر العظيمةِ فضلُها *** عـن ألـفِ شـهر بالهدى الدفَّاق

فـيـهـا الملائكُ والأمينُ تنزَّلوا *** حـتـى مـطـالعِ فجرِها الألاق

فـي الـعامِ يأتي مرةً..لكنّه ..*** فـاق الـشهورَ به على الإطلاق

شـهـرُ الـعبادةِ والتلاوةِ والتٌّقَى *** شـهـرُ الـزكاةِ، وطيبِ الإنفاق

لا يـا أمـير الشِّعر ما ولَّى الذي *** آثـاره فـي أعـمـقِ الأعـماق

نـورٌ مـن اللهِ الـكـريمِ وحكمةٌ *** عـلـويـةُ الإيـقـاعِ والإشراق

فـالـنفسُ بالصوم الزكى تطهرت *** مـن مـأثـم ومَـجـانةٍ, وشقاقِ

لا يـا «أميرَ الشعر» ليس بمسلمٍ, *** مَـن صامَ في رمضانَ صومَ نفاقِ

فـإذا انـتـهـت أيامُه بصيامِها *** نـادى وصـفَّق (هاتها يا ساقي)

(الله غـفـار الـذنـوب جميعها *** إن كان ثَمّ من الذنوبِ بواقي)(2)

عـجبًا!! أيَضلَع في المعاصِي آثمٌ *** لـيـنـالَ مغفرةً.. بلا استحقاقِ؟

أنـسـيـتَ يومَ الهولِ يومَ حسابِه *** حـينَ التفاف الساقِ فوقَ الساقِ؟

وتـرى الـمنافقَ في ثيابِ مهانةٍ, *** ويُـسـاقُ لـلـنيرانِ شرَّ مساقِ

لا يا «أمير الشعر» ما صام الذي ***رمـضـانُـه فـي زُمرة الفسَّاق

لا يا «أمير الشعر» ما صام الذي *** مـنـع الطعام، وهمه في الساقي

من كان يهوى الخمرَ عاش أسيرَها *** وكـأنـه عـبـدٌ بـلا.. إعتاق

الـصـومُ تـربيةٌ تدومُ مع التٌّقَى *** لـيـكونَ للأدواءِ أنجعَ راقي(3)

هـو جُـنـةٌ للنفس من شيطانِها *** ومـن الصغائرِ والكبائرِ واقي(4)

الـصومُ - يا شوقي إذا لم تدرِه *** نـورٌ وتـقوى وانبعاثٌ راقي(5)

واسـمع - أيا من أمَّروهُ بشعره *** لـيـس الأمـيـرُ بمفسدِ الأذواق

إن الإمـارةَ قـدوةٌ وفـضـيـلةٌ *** ونـسـيـجُـها من أكرمِ الأخلاق

والـشعرُ نبضُ القلبِ في إشراقِهِ *** لا دعـوةٌ لـلـفـسقِ.. والفسَّاق

والـشـعر من روح الحقيقة ناهلٌ *** ومـعـبِّـرٌ عـن طاهرِ الأشواقِ

فـإذا بَـغَـى الباغى بدت كلماتُه *** كـالـساعِرِ المتضرِم.. الحرَّاق

وإذا دعـتـه إلى الجمال بواعثٌ *** أزرى على زريابَ أو إسحاقِ(6)

لـكـنـه يبقى عفيفًا.. طاهرًا..  *** كـالـشّـهـدِ يحلو عند كلِّ مذاق

رمضانُ - يا شوقي - ربيعُ قلوبنا *** فـيـها يُشيعُ أطايبَ الأعباق(7)

إن يـمـضِ عـشنا أوفياءَ لذكِره *** ويـظـلٌّ فـيـنا طيّبَ الأعراق

 

ـــــــــــــــــــ

الهوامش:

* نظمتُ هذه القصيدة معارضة لقصيدة أحمد شوقي التي يقول فيها:

رمضان ولّى هاتها يا ساقي *** مشتاقة تسعى إلى مشتاق

(1) الآماق: العيون.

(2) ما بين القوسين من قصيدة شوقي

(3) راقي «من الرقية» أي معالج.

(4) جنة (بضم الجيم) وقاية وحماية. وفى الحديث النبوي «الصوم جنة».

(5) راقي: سام رفيع.

(6) زرباب وإسحاق من أشهر موسيقيي العرب.

(7) الأعباق: جمع عَبق: وهو الرائحة الطيبة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

وداع رمضان

-

حاتم نصرالله على المنادياى

05:49:33 2019-06-03

فراق اعز شهور العام