حين نغدر !


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 قال لي يوماً صديقي

وهو مهموم مكدَّر

هل أصاب الناس شر؟

لم يعد في الناس حرّ يتأثر

أأيادي الناس شُلّت

وسيوف الناس تكسر؟

كلهم أضحى قعيداً

دونما بأس مخدّر

 

*****

 

قلت: مهلاً يا صديقي

حينما العزة تفقد

تقذف الأحرار في السجن وتجلد

وعلى أفواههم يبنى جدار ويشيد

ويعود المجد للعزى وتعبد

يصبح الغرقد زيتوناً وتيناً

ويكون التين والزيتون غرقد

ويُعدّ النصح في السرّ غلواً

بينما يركع للطاغوت في الجهر ويسجد

 

*****

 

يا صديقي حين نُغدر

يُلعن المقتول والقاتل يُعذر

يُلعن المظلوم والظالم يُشكر

يا صديقي حين نغدر

كل شيء يتغير

تصبح البسمة جرحاً يتخثر

تصبح اللحظة عمراً

ويكون العمر أقصر

تصبح الحية بيدر

وترى الشعر قبوراً

في ضمير الناس تحفر

وحروف العطف تغدو

كلها أحرف جر

لا يكون الحرف حرفاً

بل يكون الحرف خنجر

ويكون الفجر ليلاً

وظلام الليل أنور

ويكون الجهل علماً

ويكون العلم تاريخاً يزّور

هكذا الأمر تطور

دمنا الأحمر يغدو غير أحمر

هكذا المخفي يظهر

والثقافات تحرر

ودروس الذل يومياً تكرر

ويصير الكل جزءاً

ويكون الجزء كلاً

ويكون العدل بغياً

ويكون البغي عدلاً

وتفيض الأرض علماً

أي تفيض الأرض جهلاً

وإله المرء ما يهوى

وصام المرء لله وصلى

وبكى خوفاً وذلاً

وتولى ما تولى

وهو عبد لهواه ليس إلا

بل هواه ربه - عز وجل -ا

يا صديقي حين نغدر

يصبح الطاغوت - ليس الله- أكبر

كل ما يفعله الطاغوت في الأرض "يبرر"

حين نغدر

تصبح العادات معروفاً وشرعاً

ويكون الشرع منكر

ويقود الناس نذل

ويكون النذل "عنتر"

تصبح التقوى فجوراً

وتقي القوم يسكر

ويصير الحلو مراً

ويكون المرّ سكر

حين يغدو معظم الناس نعاجاً

في جباب الصوف تظهر

وترى بعض رجال

دون أنف يتكبر

وتراه في "شماغ وعقالٍ,"

وله رأس مدور

وله طول وعرض

لكن المسكين منظر

فقد العزة كالديدان في الأرض

بل الديدان أقدر

 

*****

 

تصبح الأوطان منفى

وتكون الدار مهجر

ويباع الحق كالبيض وإن لم

يستسغه البعض يكسر

يا صديقي حين نغدر

يصبح المحتل من أوطاننا

القطر المحرر

 

*****

 

لا تسلني كيف صار العار

عاراً بثمن

كيف شب الظلم ناراً

والجواسيس استبدت بالوطن

لا تسلني كيف قاد الناس

خضراء الدّمن

كل ما كان شعاراً قد

تغشاه العفن

وغدا الذل وعيش الذل

في العالم فن

ويموت الشعب لا يحظى

بقبر أو كفن

أو يعيش الشعب في قيدي

صغار ووهن

هكذا تفعل بالناس الفتن

هكذا قد غيَّر الناس الزمن

حدثينا يا بلادي

أيقظي ميت الضمائر

ذكرينا عبر التاريخ من

ماض وحاضر

بشرينا منذ دهرٍ,

لم تطالعنا البشائر

 

*****

 

يغفر الله لقومي تركوني.. يا بلادي

ودمي في القدس فائر

لم يروني إذ رأوا

عظمي ولحمي المتناثر

كان لي جسم تلاشى

عبر آلاف المجازر

وزعوه كرماد الهند

في كل المعابر

كان لي بيت تهاوى

تحت أضراس الجنازر

كان لي قلب كبير

مزقوه مثل تمزيق الدفاتر

وسألت الناس عني

ما يريد القوم مني؟

ردد الكل سؤالي.. وأجابوا

لا يريدون قتالي

لا يريدون اغتيالي

لا يريدون اعتقالي

لا يريد القوم مني

غير تنفيذ الأوامر

أو بلا شرط أغادر

 

*****

 

حدث الراوي بأن الناس

في شأني تماروا

قال قوم: هو شاعر

قال قوم: هو معدوم المشاعر

قال قوم: هو مغرور مكابر

هل سيلغي بخطابٍ, واحدٍ,

كل المنابر

قال قوم: اتركوه

يزرع القمح ويهدينا البيادر

قال أهل "الحل والعقد" ذروه

هو -كالعادة- خاسر

واكتبوا للناس فتوى ضمنوها

"أنه بالله كافر"!

قرأوا للناس شعري

مثلما تقرأ في النادي النوادر

حدث الراوي وعادت

حفلة الرقص من البيت المجاور

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply