الغرب والإسلام ( 1 )


بسم الله الرحمن الرحيم

 

مشكلتنا، في مواجهة الهجوم على الإسلام، والإساءة إلى رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، وخاصة تلك التي تتكرر من دوائر سياسية ودينية وإعلامية في الغرب.. أننا نتعامل مع هذه الهجمات والإساءات تعاملاً غير صحي، يتسم في أغلب الأحيان، بالتجزيئية والموسمية والانفعالات، التي سرعان ما تتبخر، مع بقاء المواقف المعادية على حالها.. بل ربما هي في تصاعد وازدياد..

وحلاً لهذه المشكلة، فإن العقل المسلم، ومؤسسات العلم والإعلام الإسلامية، عليها أن تعي عدداً من الحقائق، التي تمثل ثوابت حاكمة أو يجب أن تكون حاكمة لمواقفنا إزاء هذه الهجمات.

 

وأولى هذه الحقائق: هي إدراك الجذور العميقة للعداء للإسلام عند الآخرين.. فمنذ ظهور الإسلام بدأ العداء له، والتهجم عليه، والافتراء على رسوله - صلى الله عليه وسلم -. ولقد سجل القرآن الكريم، وسجلت السيرة النبوية، هذه الحقيقة، باعتبارها سنة من سنن التدافع بين الحق والباطل: "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا" (البقرة: 217)، "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير" 109 (البقرة)، "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون" (8) (الصف)، "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون" 36 (الأنفال)... ولقد اعترف كثير من الغربيين بقدم العداء الغربي للإسلام، حتى قال القائد والكاتب الإنجليزي "جلوب باشا" (1897 1986م): "إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط أي مشكلة الغرب مع الشرق الإسلامي إنما يعود إلى القرن السابع الميلادي"! أي إلى ظهور الإسلام!!

فنحن إذن أمام موقف ثابت وقديم.. ولسنا أمام مقال هنا ورسم "كاريكاتوري" هناك.. ومن ثمَّ فنحن في حاجة إلى استراتيجية ثابتة ودائمة لمواجهة هذا العداء وهذه الهجمات.

والحقيقة الثانية: هي أن هذا الغرب الذي تأتي منه أغلب هذه الهجمات ليس كتلة واحدة ولا موقفاً واحداً إزاء الإسلام.. صحيح أن الأكاذيب والافتراءات تملأ الكتب المدرسية الغربية حتى لقد رُصدت هذه الأكاذيب في مشروع بحثي أنجز في ألمانيا، فبلغت ثمانية مجلدات!!.. وصحيح أن هذه الأكاذيب تنتشر في الثقافة الشعبية الغربية التي تصور المسلمين عبدة للثالوث!!.. وتصور رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم -كاردينالاً كاثوليكياً رشح نفسه في انتخابات البابوية، فلما رسب أحدث انشقاقاً هو الأكبر والأخطر في تاريخ النصرانية!!.. إلى آخر مخزون ثقافة الكراهية السوداء في المجتمعات الغربية إن كان له آخر!... لكن.. ومع هذا.. فإن هناك عدداً كبيراً من علماء الغرب ومفكريه قد قادتهم عقولهم إلى احترام الإسلام والثناء على حضارته، والإنصاف لتاريخ الأمة الإسلامية.

ولذلك، فعلينا أن نواجه الافتراءات الغربية بمشروع فكري نقدم فيه للغرب وعلى نطاق واسع... شهادات هؤلاء العلماء والمفكرين الغربيين، المنصفة للإسلام، وذلك من باب "وشهد شاهد من أهلها".. فالأمر المؤكد أن هذه الشهادات ستكون أجدى وأفعل في كشف الزيف الذي تمثله حملات العداء والتشويه للإسلام..

والحقيقة الثالثة: هي أن أفكار الجمود والتقليد والغضب والعنف، التي لا تخلو منها مجتمعاتنا الإسلامية، يسلط أعداؤنا عليها كل الأضواء، بل ويبالغون في تصويرها حتى تغطي على تيار الوسطية والاستنارة والاعتدال في الفكر الإسلامي وهو التيار الأوسع والأعرض والأعمق وذلك لتشويه كامل الصورة الإسلامية، ولإخافة الشعوب الغربية من الإسلام، فتنخرط وراء حكوماتها الاستعمارية في الحرب على عالم الإسلام.. وفي مواجهة ذلك علينا أن نقدم للإنسان الغربي مشروعاً للتعريف بالإسلام نترجم فيه الفكر الوسطي الإسلامي، وأن تقدم هذا المشروع المؤسسات الإسلامية المعروفة بالوسطية والتاريخ العريق مثل الأزهر الشريف وذلك لنقول لهؤلاء الآخرين: هذا هو الإسلام، لمن أراد أن يعرف حقيقة الإسلام.

هناك علاقة جدلية بين "الدفاع" و"الهجوم"، وإذا كان "الدفاع" غير "الاعتذار".. فإن علينا ونحن ندافع عن الإسلام إزاء التهجمات التي توجه إليه، والإساءات التي توجه إلى رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، وخاصة من دوائر الهيمنة السياسية والإعلامية الغربية.. علينا ونحن نعرف الآخرين بحقائق سماحة الإسلام وعدالته أن نتخذ موقف الهجوم على الفكر العنصري والدموي الذي تزخر به المواريث الدينية والحضارية لدى هؤلاء الغربيين الذين يهاجمون الإسلام والذين يبصرون "القشة" في عيون غيرهم، ويتعامون عن "الأخشاب والأشواك" التي تمتلئ بها عيونهم!.. وعلى الذين ينتقدون "الخطاب الديني الإسلامي" أن ينظروا أولاً إلى خطاباتهم الدينية والثقافية، الطافحة بالعنصرية والدموية والاستعلاء والتمركز حول الذات وإنكار الاعتراف بالآخرين...

كذلك، يجب علينا ونحن ندافع عن الإسلام، ونرد سهام خصومه، أن نستخدم سلاح الوعي بحقائق التاريخ.. والوعي بحقائق الواقع الذي نعيش فيه.. فنذّكر الذين يتهمون المسلمين بالعدوانية والإرهاب: أن الشرق قد تعرض لعدوان الغرب واستعماره وقهره ونهبه منذ ما قبل الإسلام.. وبعد ظهور الإسلام.. فالقضية أقدم حتى من الإسلام!..

 فالإغريق والرومان والبيزنطيون قد احتلوا الشرق وقهروه حضارياً ودينياً وثقافياً ولغوياً عشرة قرون من "الإسكندر الأكبر" (356 324ق. م) في القرن الرابع قبل الميلاد وحتى "هرقل" (610 641م) في القرن السابع للميلاد...

 لما حررت الفتوحات الإسلامية أوطان الشرق وضمائر شعوبه من هذا القهر الاستعماري... عاد الغرب ليختطف الشرق من التحرير الإسلامي، فشن عليه حملاته الصليبية التي دامت قرنين من الزمان (1096 1291م)، ولم يتورع الغرب إبان هذه الحروب الصليبية التي رفع فيها أعلام النصرانية عن أن يتحالف مع التتر الوثنيين ضد الإسلام!

 ولما حررت دول الفروسية الإسلامية الشرق من جيوش الصليبيين وأزالت قلاعهم وكياناتهم الاستيطانية.. عاد هذا الغرب الاستعماري منذ إسقاط غرناطة (1492م) إلى القيام بغزوته الحديثة، فالتف حول العالم الإسلامي، ثم أخذ بغزوة بونابرت سنة 1798م في ضرب قلب العالم الإسلامي، ومازلنا نعالج آثار هذه الغزوة، التي مضى على بدايتها خمسة قرون.. والتي لم يتورع فيها الغرب الاستعماري الحديث عن التحالف مع أعدائه التاريخيين اليهود الصهاينة ضد الإسلام والمسلمين كما سبق وصنع الغرب الصليبي بتحالفه مع الوثنية التترية في العصر الوسيط!

 ثم... على الغرب الاستعماري أن ينظر قبل اتهامه الإسلام وأمته بالعدوانية والإرهاب! - أن ينظر إلى خريطة الواقع الذي نعيش فيه..

فشركات الغرب العابرة للقارات والجنسيات، تنهب ثروات العالم الإسلامي وموارده الخام بأرخص الأسعار، في الوقت الذي يصدرون فيه إلينا سلع الاستهلاك الترفي والترف الاستهلاكي بأغلى الأسعار.. ويعملون على حرماننا من التنمية والتقنية وامتلاك أدوات القوة الصناعية!

والقواعد العسكرية الغربية تغطي أغلب بلاد العالم الإسلامي.. حتى لقد تحولت بلاد عربية وإسلامية إلى قواعد عسكرية!!.. ولا شيء غير القواعد!!.. وذلك لحراسة النهب الاقتصادي، والعدوان على سيادة الدول الإسلامية!

والأساطيل الحربية الغربية غدت تحتل بحارنا ومحيطاتنا.. بل وتحولت مناطق من عالم الإسلام إلى مدافن للنفايات القاتلة.. بعد أن تحولت شعوبنا وزراعاتنا إلى حقول تجارب للفاسد والضار من الأسمدة والمبيدات والأدوية!!

 والغرب، الذي يحرم شعوب الإسلام دون غيرها من حق تقرير المصير.. هو الذي يعطي هذا الحق للأقليات التي هي جزء أصيل من الشعوب الإسلامية، حتى غدا هذا الحق لأول مرة في تاريخ الشرعية الدولية.. أداة تفتيت للدول ذات السيادة بدلاً من أن يكون أداة لتحرير الشعوب من الاستعمار، ما حدث ويحدث في "تيمور الشرقية" وفي جنوب السودان.

يحدث ذلك في واقعنا الإسلامي.. بينما لا تجد في الغرب جندياً مسلماً.. ولا شركة إسلامية، ولا حتى سفينة إسلامية لصيد الأسماك!! ومع ذلك يتحدثون عن عدوانيتنا وإرهابنا.. غافلين ومتغافلين عن حقائق التاريخ، وحقائق الواقع الذي نعيش فيه.. فهل نعي نحن دور هذا الوعي بالتاريخ الواقع في هذا الصراع؟!

فصل جديد.. وليس الأخير!

في 30 سبتمبر سنة 2005م نشرت إحدى الصحف الدانماركية "بولاندس بوسطن" رسوماً كاريكاتورية مسيئة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. وكانت هذه الرسوم ثمرة "لمسابقة" أجرتها الصحيفة بين رسامي "الكاريكاتور" ليتخيلوا ويرسموا رسول الإسلام، في الصورة التي رسمتها في مخيلتهم ثقافتهم الغربية وتراثهم عن رسول الإسلام.. وكانت الحصيلة اثني عشر رسماً، منها ذلك الرسم الذي يصور رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم -معتمراً عمامة في شكل قنبلة!!

نعم.. فرسول السلام العادل، والتوحيد الخالص، والرفق بالطبيعة والجمال، فضلاً عن الإنسان والحيوان والنبات، قد صورته الثقافة السائدة في التراث الغربي "إرهابياً"، نشر دينه بالسيف والدم.. وها هي تعاليمه الآن الإسلام قد غدت "الإرهاب" الذي يشيعه في العالم أتباعه "الإرهابيون"!!

وعندما استفزت هذه الرسوم سفراء الدول العربية والإسلامية في "كوبنهاجن" عاصمة الدانمارك ودعتهم السفيرة المصرية للاجتماع والاحتجاج.. وطلبوا مقابلة رئيس الوزراء الدانماركي، رفض مقابلتهم، قائلاً: إن ما نشرته الصحيفة لم يخرج عن حدود القانون.. وإن الحكومة الدانماركية لا تتدخل فيما هو من حرية التعبير!

ومع تسرب أنباء هذه الرسوم إلى أجهزة الإعلام في البلاد الإسلامية، غضبت الجماهير لرسولها الكريم، ولمقدسات دينها الحنيف، فعقدت المؤتمرات، وصدرت البيانات، واندلعت المظاهرات، وسقط الشهداء.. وبدأ جمهور الناس في مقاطعة البضائع الدانماركية.. وانخرطت قطاعات من النخبة في الكتابة والخطابة دفاعاً عن العقائد والمقدسات.

لكن رد الفعل الغربي في الإعلام وفي مؤسسات الاتحاد الأوروبي والحكومات الغربية، كان في مجمله سلبياً.. بل ومعادياً.. فصحف كثيرة في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وهولندا وإسبانيا واستراليا والنرويج وروسيا فضلاً عن إسرائيل قد أعادت نشر الرسوم المسيئة إلى رسول الإسلام.. ومفوضية الاتحاد الأوروبي تضامنت مع الدانمارك، بحجة أن حرية التعبير يجب ألا تتقيد بحرمات مقدسات الإسلام.. بل وهددت هذه المفوضية الدول الإسلامية التي تقاطع البضائع الدانماركية بتطبيق العقوبات عليها، لأن مقاطعة الدانمارك هي مقاطعة لكل دول الاتحاد الأوروبي الخمس والعشرين!!.. ووصل الأمر إلى حد أن أحد الوزراء في إيطاليا دعا إلى شن حرب صليبية ضد الإسلام والمسلمين.. وإلى طبع هذه الرسوم المسيئة إلى رسول الإسلام على القمصان ليرتديها ويتزين بها الأوروبيون!!

وهكذا انشغل العالم بوقائع أحدث فصول الإهانات الغربية لمقدسات الإسلام!

وفي الساحة الإسلامية.. ظن كثيرون أن هذا الحادث الغريب هو حادث مفاجئ.. وشاذ.. وليست له سابقة ولا نظير في التاريخ.. بينما ظن آخرون أن هذا الموقف الغربي، الذي يستبيح إهانة العقائد والمقدسات الدينية الإسلامية، بدعوى حرية التعبير التي يراها "قيمة مطلقة" تعلو على غيرها من القيم حتى إنها غير قابلة للنقاش!... ظنوا أن ذلك الموقف الغربي هو موقف حديث، أثمرته العلمانية الغربية التي سادت في السياسة والدولة والمجتمعات الغربية منذ القرن الثامن عشر والتي نزعت القداسة عن كل مقدسات الأديان.. والتي تطورت في ما بعد الحداثة إلى نزع القداسة حتى عن منظومة القيم والأخلاق.

لكن الذي تريد أن تقدمه هذه الدراسة، من خلال "الوقائع.. والوثائق.. والشهادات الغربية ذاتها" هو البرهنة على أن عداء الغرب للإسلام، وتعمده إهانة مقدساته وفي المقدمة منها رسوله العظيم.. وقرآنه الكريم هو عداء وافتراء له تاريخ!.. وأن تاريخ الغرب في اقتراف هذه الجرائم سابق حتى على علمنة الفكر الغربي والمجتمعات الغربية.. بل إن هذا الموقف الغربي من الإسلام إنما يعود إلى ظهور الإسلام!!

لقد قالها الجنرال الإنجليزي "جلوب باشا" اللفتنانت جنرال جون باجوت (1897 1986م) والذي سبق أن عمل قائداً للجيش الأردني حتى سنة 1956م.. قالها في لحظة صدق فجاءت معبرة أصدق التعبير عن تاريخ الغرب في العداء للإسلام.. لقد قال: "إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط أي مشكلة الغرب مع الشرق الإسلامي إنما يعود إلى القرن السابع للميلاد"!! أي إلى ظهور الإسلام.

 

ليس غرباً واحداً:

وقد حرصنا دائماً، وفي كل ما كتبناه عن مواقف الغرب من الإسلام وحضارته وأمته، على ضرورة التمييز في الغرب بين:

1 الإنسان الغربي: الذي لا مشكلة له مع الإسلام وأمته وحضارته.. والذي يتفهم ديننا وقضايانا عندما تعرض عليه بمنطق وموضوعية.. والذي لنا من بين علمائه ومفكريه العشرات، بل والمئات الذين تحدثوا عن الإسلام وحضارته بموضوعية وإنصاف حتى إننا نتعلم من كتاباتهم.. نحن المسلمين الكثير..

2 والعلم الغربي: الذي هو مشترَك إنساني عام، استفادت فيه النهضة الأوروبية الحديثة من تراث الإسلام العلمي والحضاري، كما سبق واستفاد المسلمون فيه من تراث الحضارات القديمة الإغريقية.. والهندية.. والفارسية التي أحيا مواريثها الإسلام..

3 ومؤسسات الهيمنة الغربية: تلك التي تتركز مشكلة الإسلام والمسلمين معها، لا لأنها غربية، وإنما لأنها "إمبريالية"، سبق لها أن استعمرت الشرق ونهبته اقتصادياً، وقهرته دينياً وسياسياً وثقافياً لمدة عشرة قرون من "الإسكندر الأكبر" (356 323ق. م) في القرن الرابع قبل الميلاد وحتى "هرقل" (610 641م) في القرن السابع للميلاد!

فلما ظهر الإسلام، وحررت فتوحاته أوطان الشرق من هذا الاستعمار والقهر الغربي الإغريقي.. الروماني.. البيزنطي عاد هذا الغرب تحت أعلام الصليب، و"بأيديولوجية" الحرب الدينية المقدسة ليحارب الشرق، ويشن عليه العديد من الحملات العسكرية، التي شاركت فيها دول الغرب وإماراته وفرسان إقطاعه، بقيادة الكنيسة الكاثوليكية.. ولقد استمرت هذه الحملات الصليبية، والكيانات الاستيطانية والإحلالية التي أقامتها في قلب العالم الإسلامي قرنين من الزمان (489 690ه 1096 1291م).

وعندما نهضت دول الفروسية الإسلامية الدولة "الزنكية النورية" (521 648ه 1127 1250م).. والدولة "الأيوبية" (567 648ه 1171 1250م).. والدولة "المملوكية" (648 784ه 1250 1382م).. عندما نهضت دول الفروسية الإسلامية هذه فحررت عالم الإسلام من آثار هذه الحملات الصليبية الغربية.. بدأ الغرب دورة جديدة من دورات صراعه التاريخي ضد الإسلام والمسلمين، وذلك لإعادة اختطاف الشرق من التحرير الإسلامي.. فكانت الحروب التي أسقطت "غرناطة"، واقتلعت الإسلام من الأندلس (897ه 1492م) لتبدأ غزوة الخمسمائة عام!.. الغزوة الغربية الحديثة للشرق الإسلامي، التي لا تزال وقائعها قائمة حتى هذه اللحظات!.

لقد بدأت هذه الغزوة الغربية الحديثة بالالتفاف حول العالم الإسلامي حول إفريقيا (902ه 1497م) واحتلال الكثير من البلاد الإسلامية في شرقي آسيا الهند.. والفلبين.. وإندونيسيا.. ثم استدارت لضرب قلب العالم الإسلامي العالم العربي ابتداء من حملة "بونابرت" (1769 1821م) على مصر والشام (1213ه 1798م).

ولكي يدرك الذين لا يدركون وعي الغرب بهذا التاريخ.. بل واحتفاله بذكرياته.. يكفي أن نعلم أن الغرب قد احتفل بمرور خمسمائة عام على إسقاطه "غرناطة" واقتلاعه الإسلام من غربي أوروبا الأندلس احتفل بذلك سنة 1992م، وذلك بإقامة "دورة أولمبية" في "برشلونة" سنة 1992م أي في مكان الحدث!! وذهب العالم بمن فيه المسلمون! ليلعبوا على أنغام الذكريات الغربية بالانتصار على الإسلام.. وببدء الغزوة الغربية الحديثة لعالم الإسلام من ذات المكان أيضاً البرتغال! وليشاهدوا مع الألعاب الأفلام والمسرحيات التي تتحدث عن هذه الأحداث، في مسلسل الصراع الغربي ضد الإسلام!.. بل وفي العام نفسه (1992م) شن الغرب حربه بقيادة الصرب ضد البوسنة والهرسك، لاقتلاع الإسلام من وسط أوروبا، في الذكرى الخمسمائة لاقتلاعه من غرب أوروبا.

إذن.. فمع هذه المؤسسات الاستعمارية الغربية، ومع هذا المشروع "الإمبريالي" الغربي، الطامع في اغتصاب الشرق ونهب ثرواته وتغريب ثقافته وقهر حضارته ومسخ هويته، تتركز مشكلتنا في العلاقة بالغرب.. وليس مع الإنسان الغربي أو العلم الغربي.

وذلك حتى لا نضع الجميع في "سلة واحدة"، غافلين عن المنهج القرآني في التعامل مع الآخرين كل الآخرين: "ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون" 113 (آل عمران).

وإذا كنا قد نشرنا العديد من الكتب الكبيرة والمتوسطة.. والصغيرة عن تاريخ الغرب معنا نحن المسلمين.. على امتداد قرون هذا الصراع الذي فرضوه علينا.. فإن هدف هذه الدراسة الموجزة هو:

1 إيراد الوقائع والشهادات الغربية، والحقائق التاريخية، التي تحكي تاريخ الافتراءات الغربية على الإسلام، والعداء والعدوان على مقدساته..

2 ولتكون هذه الوقائع والشهادات والحقائق التاريخية في صدر جداول أعمال أية حوارات بين المسلمين والغربيين.. وذلك لتكون هذه الحوارات علاجاً "للمرض" وليست وقوفاً عند العرض.. فضلاً عن أن تكون كحالها اليوم "علاقات عامة" و"مجاملات".

إن التناول الشجاع لحقائق العلاقات بين الغرب والشرق، هو الكفيل بفتح الأبواب ولو ببطء وتدرج لتصحيح مسارات هذه العلاقات..وهو وحده الكفيل بتصحيح المفاهيم الخاطئة، وإعادة بناء الصور لدى الفرقاء المختلفين.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply