هل يعين بروك حاكماً لدارفور قريباً؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

المراجعة المدققة لما يجرى بشأن دارفور في الأمم المتحدة والعواصم الغربية - خاصة واشنطن - وحتى في عواصم عربية بما فيها الخرطوم نفسها يصل إلى استنتاج وحيد هو أن قوات الغزو الغربي بغطاء من الأمم المتحدة ستغزو دارفور بأسرع مما يتصور الكثيرون، وأن يان بروك (مبعوث الأمم المتحدة إلى دارفور) أصبح فعلياً الآن وربما يصبح رسمياً عما قريب حاكماً لدارفور السودانية العربية المسلمة، وأن ردود الفعل المتوقعة في العالم العربي في مواجهة هذا الغزو ستكون أقل مما يتصور الكثيرون أيضاً.

البادي أن قرار الغزو لدارفور تحت مسمى إرسال قوات دولية إلى هناك قد أقر من ناحية المبدأ في معظم العواصم الغربية، وأنه مؤجل إعلانه لبعض الوقت ولبعض الموائمات ليس إلا، وربما المانع الحقيقي هو أن ثمة قضايا ما تزال معلقة بين الدول الغربية حول ترتيبات تنفيذ القرار، لقد تأجل إعلان القرار إلى ما بعد انعقاد اجتماع الاتحاد الأفريقي في الخرطوم - الذي جرى خلاله تمهيد غير مباشر للغزو من خلال رفض تولى الرئيس بشير رئاسة الاتحاد الأفريقي بما أضعف الموقف السوداني أفريقياً -، ثم هو تأجل بسبب انعقاد القمة العربية في الخرطوم، لكن ومن بعدها فالأغلب أن خطوات إعلانه ستجرى بوتائر أسرع، حيث ثمة عملية مخططة لتهيئة الوضع السوداني بشكل أكثر دقة لقبول القرار بأقل قدر من المقاومة، وكذا تجرى حملة إعلامية وسياسية مكثفة لتشويه أفكار الرأي العام حول ما يجرى في دارفور، وإقناعه بمبررات التدخل الدولي على اعتبار أن كل الجهود السابقة فشلت، ولم يعد هناك من حل إلا هو.

معطيات أن القرار قد صدر فعلياً في بعض العواصم وينتظر فقط إنهاء بعض الحوارات والنقاشات، وتهيئة الأجواء قبل إعلانه كقرار رسمي من الأمم المتحدةº باتت متعددة، جهاز الأمم المتحدة أصبح موقفه واضحاً وصوته أعلى من كل الأصوات - وهو في كل الأحوال لا يصدر رأى إلا كمحصلة لمواقف مقرة، إذ هو لا يأتي تعبيراً عن رأي هذا المسؤول الأمني هذا أو ذاك - مطالباً بقوات التدخل الدولي.

يان بروك (مبعوث الأمم المتحدة) بات يخوض حملة سياسية وإعلامية في الآونة الأخيرة لإصدار القرار، إذ غدا يقول في كل مناسبة: إن مهمة الأمم المتحدة فشلت وفق صيغة التدخل الإنساني في دارفور، وأن قوة الاتحاد الأفريقي فشلت في مهمتها، وأن لا حل إلا بقوات دولية سريعة ومجهزة وقادرة على ضبط الأمن والنظام، أو هو قال: " إن قوات الاتحاد الأفريقي البالغ قوامها نحو 7 آلاف جندي في دارفور فشلت في وقف هجمات المتمردين والمليشيات المسلحة على المدنيين، وإن هذه القوات تحتاج تقنيات متقدمة للغاية لكشف تحركات المسلحين لدى اقترابهم من بلدات ومخيمات الإقليم، ما يساهم في إحباط الهجمات"، كما أشار إلى أن الدول الأفريقية لا تمتلك هذه التكنولوجيا "مشدداً أن لا حل إلا بإرسال قوات دولية إلى دارفور.

الفكرة نفسها وبصيغة أشد قوة أصبح ينطق بها لسان كوفى عنان (الأمين العام للأمم المتحدة)، الذي كرر أكثر من مرة دعوته لإرسال قوات دولية، بل وصل الأمر به إلى درجة "التمثيل السياسي" حين قام بزيارة إلى (الرئيس الأمريكي) جورج بوش لكي يرجوه ويلح عليه في إرسال قوات إلى دارفور، وهو ما رد عليه الرئيس الأمريكي بالموافقة شرط أن تكون قوات من حلف الأطلسي.

الاتحاد الأفريقي لم يعد يمانع في الأمر، بل هو اعتمد صيغة تفتح الباب للتدخل الدولي حينما اتخذ القرار الأخير بمد مهمة القوات الأفريقية في دارفور إلى سبتمبر القادم والبالغ قوامها 7 آلاف جندي، إذ هو مع مد العمل للمهمة - تحت ضغط تهديد السودان بالاستقالة منه، وتحت ضغط من بعض الدول الأفريقية القلقة من سيناريو التدخل الدولي - أعلن أنه لا يمانع في وجود قوات دولية ضمن نفس القرار، والأهم من ذلك أن القرار الأفريقي جاء تحت ستار من الإعداد لدخول القوات الغربية من خلال الهجوم على حكومة السودان، وتحميلها مسئولية فشل مهمة القوات الأفريقية، كما هو الحال في تصريحات (رئيس بعثة للاتحاد الأفريقي في دارفور) كولينز إيهيكيري الذي اتهم حكومة الخرطوم بعرقلة قدرة قواته على مراقبة وقف إطلاق النار من خلال فرض حظر للتجول بمدينة الفاشر، وتقييد الوصول إلى مطارها، ومن خلال إرسال مروحيات حربية في مهام هجومية في انتهاك - حسب زعمه - لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أبريل 2004، مدللاً على ذلك بإسقاط المتمردين مروحية حكومية في جنوب دارفور وأسر طيارها، كما هو اتهم الحكومة باستخدام سيارات بيضاء بنفس اللون الذي تستخدمه القوة الأفريقية ووكالات الإغاثة في المنطقة.

أما الدول الغربية المتحفزة لصدور القرار فقد بات مسؤولوها لا يتركون فرصة إلا وأعلنوا خلالها ضرورة إرسال قوات دولية إلى دارفور، والجديد هنا هو أن المنظمات التي تنفذ سياسات الدول الغربية تحت مسميات المجتمع المدني باتت نشطة للغاية في الحفز على هذا التدخل من خلال تقاريرها كما هو الحال في تقرير هيومان رايتس ووتش ومجموعة الأزمات الدولية اللتين أصدرتا تقريرين في أسبوع واحد تطالبان فيه بهذا التدخل الدولي.. وفوراً.

وإذ بقى الموقف العربي في حاجة إيضاح لإكمال الصورة فإن عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية قد فتح الباب لهذا التدخل حين قال بضرورة أن يوافق السودان على إرسال قوات دولية إلى دارفور، في تصريح قد يفهم منه تعزيز موقف الحكومة السودانية، لكنه يمكن النظر إليه بأنه لم يعلن موقفاً رافضاً لهذا التدخل، وأنه وضع "المشكلة" إلى أكتاف الحكومة السودانية وحدها.

 

أسباب تعثر القرار؟

قصة التدخل الغربي في السودان تحت غطاء الأمم المتحدة هي قصة بدأت منذ وقت مبكر، أو منذ بدأت اللعبة الغربية الجارية في دارفور، وكان الداعي المتحمس لها هو (الأمين العام للأمم المتحدة) كوفى عنان الذي ومنذ بداية الأزمة يطالب مجلس الأمن بإصدار القرار، وقتها كان ما عرقل اتخاذ القرار بالدرجة الأولى هو حالة الاختلاف الغربي حول القرار، حين تسابقت كل من بريطانيا واستراليا في إعلان استعدادهما الفوري لإرسال قوات إلى دارفور، مع فرنسا التي أعلنت عن رفع حالة الاستعداد قواتها في تشاد استعداداً للتدخل في دارفور، مع موقف الاتحاد الأوروبي الذي فاجأ العالم بالإعلان عن تعبئة قوات أوروبية باسم الاتحاد الأوروبي للتدخل هناك في سابقة كانت هي الأولى من نوعها التي يعلن فيها الاتحاد عن تدخل قواته حديثة التشكيل للتدخل خارجياً.

كانت حالة الاستعداد للتدخل الفردي من قبل كل دولة هو ما أفشل فكرة التدخل الدولي بسبب الاختلاف حول المصالح بين الدول الغربية في دارفور، وهنا جرى تحريض بعض الأطراف الأفريقية والعربية لاقتراح أن يكون التدخل من قبل الاتحاد الأفريقي، وفى الأغلب كان القرار ناتجاً عن ضغط فرنسي أمريكي - مع اختلاف الأسباب - أكثر من كونه ناتجاً عن رؤية بريطانية، فرنسا لم تحبذ التدخل الدولي وفق الصيغة التي كانت مطروحة وقتها على اعتبار أنها ترى تاريخياً أنها الأولى باحتلال دارفور دون مشاركة أحد، كما هي في ذاك الوقت كانت منشغلة بأحداث أخرى في أفريقيا، فتخوفت من أن تتداخل وتتعقد أولوياتها حال تفجير عدة مشاكل في وقت واحد، وأمريكا كانت تخشى من المشاركة في تدخل عسكري جديد في العالم العربي بالنظر لما هو جارٍ, في العراق كما هي كانت ترى - ولا تزال - أن الصيغة الأنسب للتدخل هي صيغة أن يقوم حلف الأطلنطي بالمهمة لا الأمم المتحدة حتى لو كان التدخل تحت مظلة الأمم المتحدة فليكن ذلك، ولكن بشرط أن يتولى حلف الأطلنطي المهمة فعلياً، وهي تستهدف من ذلك إضعاف الدور الفرنسي بحكم طبيعة علاقة فرنسا بالأطلنطي تاريخياً وفعلياً.

ولذلك لم يكن تدخل الاتحاد الأفريقي سوى حالة مؤقتة، وقنطرة للتدخل الغربي، سواء لأنه أتاح فرصة للحوار والنقاش والاتفاق الغربي، أو لأنه كان معلوما منذ البداية أن قواته لن تنجح في المهمة بحكم أن بعض قادة المتمردين ليسوا إلا منفذين للسياسة الغربية، وهكذا جرت وقائع المرحلة الوسيطة بين التدخل الأفريقي والتدخل الغربي، الحكومة تحاول الدخول في مفاوضات تحت ضغط التمرد، وتحت ضغط من احتمالات التدخل الغربي، والمتمردون يعرقلون المفاوضات ويفشلون مهمة القوات الأفريقية إلحاحاً على بروز فكرة التدخل الدولي لمزيد من الضغط على الحكومة، وبين هذا وذاك دخلت تشاد على الخط لإثارة نزاع مع الخرطوم بما أضاف بعداً جديداً لأزمة دارفور، أعطى الدول الغربية بنداً جديداً في الإلحاح على أهمية التدخل الدولي بزعم أن مشكلة دارفور يمكن أن تتحول إلى أزمة إقليمية، وربما كان خلف ذلك أيضاً أن فرنسا فتحت بذلك مساحة أخرى تبرر تدخلها في دارفور باعتبار أن قواتها (الموجودة في تشاد ) في تماس حدودي مع الأزمة، وبالنظر إلى وجود محاولة لإطاحة نفوذها في تشاد نفسها.

 

الشروط المستحيلة:

غير أن الباعث الأكبر للقول بأن التدخل أصبح قراراً نهائياً الآن هو أن الشروط التي وضعت لعدم التدخل والغزو هي شروط لا يمكن تنفيذها إلا بقرار من الذين حددوا الشروط أنفسهم!

الشروط التي وضعت " لتأجيل التدخل الدولي " هي شروط تتعلق بالتوصل لاتفاق بين الحكومة والمتمردين خلال فترة أشهر، وهو تصور تجد فيه الحكومة السودانية نفسها أمام أمرين كلاهما مر:

أولهما: أن الحكومة تدخل تلك المفاوضات تحت ضغط بأن الفشل فيها يعنى التدخل الدولي دون قدرة منها على الرفض له باعتبارها فشلت في تحقيق شروط عدم التدخل، ومن ثم فليس أمامها إلا تقديم التنازل تلو الآخر إذا هي أرادت منع التدخل الدولي وفق صيغة "بلاء أخف من بلاء"، وفى تلك الحالة فإن المتمردين يدخلون المفاوضات وهم مزودين بقوة التهديد بالتدخل الدولي الذي هو أقرب إلى تحقيق أهدافهم.

وثانيهما أن الدول الغربية الطامحة لاحتلال دارفور والسيطرة على ثرواتها وفى تقسيم السودان إلى الكيانات الأربعة المعروفة في الجنوب الغرب والشرق والشمال هي صاحبة المفتاح في إمداد المتمردين بكل عوامل القوة والضعف أيضاً، وهى صاحبة القرار المسيطر عليهم.

ومع كل ذلك يمكن القول بأن قرار التدخل قد اتخذ، وإننا فقط نطالع تفاصيل التمهيد لإعلانه وبدء الغزو الغربي لدارفور، وأن يان بروك (مبعوث الأمم المتحدة إلى دارفور) لن تنتهي مهمته هناك إلا بتعيينه حاكماً غربياً على دارفور العربية المسلمة، أو بتعيين آخر بنفس الصفة والصفات ليدخل هو التاريخ باعتباره من حقق حلماً قديماً باحتلال دارفور.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply