دارفور.. بعيون استعمارية


  

بسم الله الرحمن الرحيم

قفزت قضية دارفور والأوضاع الإنسانية البائسة التي تعيشها على فوهة «المدفع الأمريكي»، ويبدو أن الحملة الدائرة على العالم الإسلامي تتجه لتدق أبواب السودان بغية كسر مغاليقه بمقامع الشرعية الدولية التي لم يعد لها من اسمها نصيب.

والسيناريو الذي نفذه الاستعمار القديم لاحتلال بلادنا وديارنا هو نفس السيناريو الذي يدور الآن للتدخل في شؤون دول العالم الإسلامي، وفرض الإملاءات عليها، أو احتلالها، وكما قال مونتجمري - أحد قادة الحرب العالمية الثانية، ورجل الإمبراطورية البريطانية الشهير -:

إن احتلال أي بلد يحتاج قبل القوة العسكرية الكافية إلى:

1- غطاء أخلاقي.

2- غطاء دولي.

ولو تتبعنا الحملة الدائرة على العالم الإسلامي منذ تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001م فسنلحظ بسهولة أن الدول التي وقع عليها خيار الاحتلال وهي أفغانستان ثم العراق تعرضت - قبل اقتحام الآلة العسكرية لأراضيها - إلى حملة دعائية وسياسية واسعة، سعت إلى صناعة الغطاءين الأخلاقي والدولي لتبرير الغزو.

فقبل غزو أفغانستان تم تجسيدها للعالم في صورة الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم، لأنها تؤوي قيادات تنظيم القاعدة المتهمة بتفجيرات سبتمبر، ومن هنا يكون احتلالها واجباً لتخليص العالم من خطر الإرهاب «الغطاء الأخلاقي»، وصدرت قرارات من مجلس الأمن تؤيد ذلك «الغطاء الدولي».

هذه الصورة ترتسم أمامنا ونحن نتابع سيناريوهات الإعداد للحملة الجديدة على السودان، بإتقان وبراعة تتناغم فيها الإدارة الأمريكية مع إدارة الأمم المتحدة حتى صار ما تنطق به إحداهما هجوماً، وانتقاداً للسودان، تردده الأخرى مع اختلاف في بعض الألفاظ.

واليوم يجري إنضاج المبرر الأخلاقي من خلال دغدغة عواطف الرأي العام العالمي بمشاهد الوضع المأساوي في دارفور، وهي بالمناسبة - مشاهد يعيشها الإقليم منذ عشرات السنين قبل وبعد حكم ثورة الإنقاذ، وهي من التركات الثقيلة التي ورثها نظام الإنقاذ ضمن ما ورث من تركات في هذا القطر المترامي الأطراف، المتعدد الأعراق.

لكن «المُخرج» الذي يهدف في النهاية إلى تركيع السودان اليوم بنظامه وشعبه وحكومته أراد تحميل كل ما يجري - وهو مأساوي بحق - لنظام الإنقاذ.

اللعبة برمتها صارت مكشوفة، ولم تعد تنطلي على أحد، لكن الذي يجعلها - اللعبة - تسير حتى النهاية وفق ما تريد واشنطن هو منطق «القوة الهائجة» التي لم يعد هناك من يصدها أو يردها!!

وإلا لو كانت الولايات المتحدة والأمم المتحدة بهذا القلب المرهف الرقيق حيال اللاجئين والمضطهدين والجوعىº فلماذا يدق قلبها هلعاً وحزناً على لاجئي دارفور، ويصاب قلبها بالبرود والجمود بل والتحجر حيال 20 مليون لاجئ حول العالم 80% منهم مسلمون - حسب المفوضية العامة لشؤون اللاجئين عام 2003م-، بل ولماذا تعارض الولايات المتحدة عودة 6 ملايين لاجئ فلسطيني (70% من الشعب الفلسطيني) إلى ديارهم، وتصاب الأمم المتحدة بالصمم والبكم عند تذكيرها بقراراتها القاضية بعودتهم؟!

عندما روجت واشنطن أن حربها على أفغانستان والعراق لتخليص البلدين من الإرهاب، ودكتاتورية الأنظمة الحاكمةº شاهد العالم - وما زال - عمليات إبادة وإفقار لأبناء الشعب، وتدمير للوطن.

إن الهدف من «لعبة دارفور» الجديدة أن يصل الخفاش الاستعماري إلى السودان كله، لينشب مخالبه فيه كله، يمتص ثرواته الطبيعية، ويقطعه إرباً إرباً، وقد اختلف قليلاً مع الذين يهونون من إقدام واشنطن على ذلك على اعتبار أن درس أفغانستان جدير بالاعتبار، وأن درس العراق قاس، وعلى اعتبار أن واشنطن لم تحقق ما كانت تريده من القطرين - وهذا حق -، لكننا ينبغي أن ننتبه إلى أن:

إحداث الفوضى، وإعادة الدولة إلى نقطة الصفر اقتصادياً ومعيشياً وسياسياً، وامتصاص أكبر قدر من ثرواتهاº كلها أهداف تحققت، وهي أهداف محورية، فالمطلوب إصابة «الدولة» بالشلل، وإسقاطها في أتون الفقر، وانعدام الحياة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply