أوضاع المسلمين في البوسنة تتحسن


بسم الله الرحمن الرحيم

أكد الشيخ د. حسن كفازيفيتش مفتى توزلا، ونائب مفتي جمهورية البوسنة والهرسك أن أوضاع مسلمي البوسنة تحقق تقدماً على مختلف الجهات، فقد تمكّنّا في الفترة الأخيرة من توحيد القوات المسلحة في البوسنة بعد أن كانت مقسمة إلى ثلاث كيانات، وهو ما ينطبق على قوات الشرطة، والكثير من المؤسسات البوسنية، وكشف مفتى توزلا في حواره مع شبكة (الإسلام اليوم) عن وجود مفاوضات مكثفة حالياً لتعديل اتفاقية (دايتون) بين الأطراف الثلاثة: البوسنيون والصرب والكروات، وإدخال تعديلات ضرورية عليها تدعم إنشاء دولة مركزية قوية في البوسنة كي تخدم مصلحة الجميع.

وأشار مفتى توزلا إلى أن الوعي الديني الإسلامي في البوسنة يتقدم باطّراد، وهناك إقبال من الأطفال والشباب على الصلاة في المساجد، وحفظ القرآن الكريم، والتزود بالثقافة الإسلاميةº مقللاً من شأن التقارير التي تتحدث عن النشاط التنصيري في البوسنة، التفاصيل الكاملة للحوار مع مفتى توزلا في السطور التالية:

* في البداية نرجو أن توضح لنا طبيعة الأوضاع في البوسنة بعد مرور عشر سنوات على اتفاقية (دايتون)؟

- طبعاً أوضاع المسلمين في البوسنة والهرسك تحسنت في الفترة الأخيرة على جميع المستويات سياسياً واقتصادياً واجتماعياً إن لم يكن هذا التحسن على المستوى المطلوب، إلاً أن شغلنا الشاغل حالياً هو إعداد دستور جديد للبوسنة يصحح النصوص الفضفاضة التي يتم العمل بها منذ انتهاء الحرب، وهناك مباحثات بين القوى والأحزاب السياسية المختلفة حالياً، ولتنفيذ هذا الهدف نأمل أن يتضمن الدستور الجديد تغييرات جذرية تصب في مصلحة البوسنة كدولة قوية وموحدة بعد أن عانت من التقسيم ونظام الكانتونات طوال العقد الماضي.

أما على المستوى الاقتصادي فنحن نمر بمرحلة انتقالية من اقتصاد اشتراكي إلى اقتصاد رأسمالي ليبرالي، ومن الطبيعي في هذا التحوّل أن تحدث مشاكل وصعوبات شأننا شأن أي اقتصاد في العالم، كما يسير مشروع خصخصة الشركات والمؤسسات المملوكة للدولة على قدم وساق على الرغم من وجود عدد من المؤشرات السلبية على أساس أن هذا الطريق هو أول السبل لتحقيق حلمنا بالانضمام للاتحاد الأوروبي.

* لكن هذا الأمر ليس سهلاً إطلاقاً، بل تحكمه تعقيدات ومطالب عديدة يجب عليكم الوفاء بها حتى تبدأ المفاوضات بين سراييفو وبروكسيل؟!

- ندرك أن وجهتنا النهائية ستكون للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي شأننا شأن جميع دول البلقان، وندرك أيضاً أن هذا ليس سهلاً بالنسبة للبوسنة على وجه الخصوص، وإذا أردت دليلاً على هذا فانظر إلى وضع تركيا الدولة المسلمة الكبيرة التي لا تعرف مصير مساعيها للانضمام للاتحاد الأوروبي، وهو أمر يثير المخاوف من إمكانية تكراره في البوسنة، لذا فقد دخلنا في حوار مع المسؤولين في بروكسيل لبحث إمكانية انضمام البوسنة في المستقبل للاتحاد، والخطوات التي ينبغي علينا الوفاء بها لتحقيق هذا الهدف.

* لكن لم نتحدث عن العقبات الداخلية التي تواجه هذا الأمل، ومنها الخلافات بين البوسنة والكروات والصرب؟!

- هناك محاولات لحل هذه الخلافات عبر حوار يشارك فيه جميع الفرقاء في البوسنة بضغوط من بروكسيل وقوى أخرى خصوصاً أن استمرار هذه الخلافات ستضعف أي آمال للبوسنة لدخول الاتحاد الأوروبي، والبحث عن سبل لحل المشاكل حول استمرار نظام الكانتونات، والكيانات الثلاثة في البوسنة، واستبداله بحكومة مركزية قوية تعيد تطبيع الأوضاع داخل الجمهورية البلقانية، ومما يدفعنا للتفاؤل بنجاح هذا الأمر أن هناك قوى كبرى تسعى لوجود دولة قوية في البوسنة حفاظاً على مصالحهمº إذ ينظرون إلى هذا الأمر كعامل استقرار في منطقة البلقان.

* ترددت أنباء عن إجراء تعديلات حول اتفاق (دايتون) ما مدى صحة هذه الأنباء؟

- مهما يُقال عن هذه الاتفاقية فيكفى أنها أوقفت الحرب، وحقنت سيل الدماء المسلمة على يد الصرب، فقد شاهدنا ساعتها على أجهزة الإعلام الأطفال يحاربون في ساحات القتال، بمعنى أننا كنا قد وصلنا إلى حالة مأساوية، أما بخصوص التعديلات فقد دخلت الأطراف الثلاثة في حوار جدي لتعديل الاتفاقية بما يخدم وجود دولة مركزية قوية في البوسنة، وهناك إشارات إيجابية في هذا الإطار، فمثلاً كانت هناك ثلاثة جيوش في البوسنة، وانصهرت حالياً في كيان واحد، ونفس الكلام ينطبق على أجهزة الشرطة، فضلاً عن توحّد كيان وزارات الدفاع والداخلية، ولم يكن هذا الأمر متاحاً في السابق.

* تحدّثت تقارير عن تدمير الصرب لأكثر من ألف مسجد بوسني، إلى أين وصلت محاولات ترميم هذه المساجد؟

- نعم لقد قام الصرب بتدمير هذا العدد الهائل من المساجد، لكننا استطعنا بدعم كثير من الدول العربية والإسلامية من ترميم (400) مسجد منها، وتم استغلال هذه المساعدات في إنشاء كتاتيب لتحفيظ القرآن، والتي تحقق نتائج مبهرة في البوسنة حالياً، ولكن ما أحب الإشارة إليه أن هناك قضية أهم وهي قضية فرض الصرب وصايتهم على الأوقاف الإسلامية في البوسنة، ورفضهم تركها لأصحابها، مستفيدين من بعض القيود التي وضعها الاتحاد الأوروبي التي تعرقل مساعي المسلمين لوضع أيديهم على أوقافهم الكفيلة بإحداث طفرة تنموية في وسط مسلمي البوسنة، لكن هذا يحتاج لدعم عربي وإسلامي، وتدخل لدى الاتحاد الأوروبي لتمكين المسلمين من بسط نفوذهم على المساجد والمراكز الإسلامية، والأراضي الزراعية التابعة لهم.

* ما هي طبيعة الدعم العربي الإسلامي المقدم حالياً للبوسنة؟

- الدعم العربي والإسلامي ضعيف جداً باستثناء بعض الدول الإسلامية، لكنه دعم بسيط ولا يستطيع تمويل مشاريع تنموية ضخمة، وتتوقف المساعدات حالياً على بناء مساجد، وإقامة مراكز إسلامية، أو منح بعض طلاب البوسنة منحاً في الجامعات الإسلامية، وهو ما لا يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية الضعيفة جداً، تتفشى البطالة والركود بشكل متزايد وهو ما يجعل هناك حاجة لانسياب الاستثمارات العربية والإسلامية على جمهورية البوسنة.

* بلا شك إن قضية الوعي الديني تمثل تحدياً قوياً يواجه مسلمي البوسنة بعد سنوات الحرب، ما هي جهودكم في هذا المجال؟!

- الوعي الديني لمسلمي البوسنة يرتفع بشكل متزايد، وهناك إقبال كبير على المساجد، وعلى حفظ القرآن والتزود بالثقافة الإسلامية، لدرجة أن حفظة القرآن من الأطفال في البوسنة يفوق العديد من الدول العربية والإسلامية، ولكن هذا التقدم لا ينفي أن هناك آثاراً خطيرة للسبعين عاماً من الشيوعية ومحاربة الإسلام، غير أن هذا الأمر يتلاشى بالتدريج وسط زخم وسعي مسلمي البوسنة للتزود بالثقافة الإسلامية والانتفاع بها.

* لكن هذا الوعي لم يمنع جحافل الجماعات التنصيرية من الانتشار في البوسنة؟!

- نعم هناك نشاط مكثف لهذه الجماعات، ورصد أموال بالملايين لحملات التنصير من جميع الكنائس، إلا أن هذا الأمر لم يؤت ثماره، فمثلاً في منطقة توزلا التي أتولى فيها الآن منصب المفتي لم أر مسلماً واحداً اعتنق النصرانية، وأنا هنا لا أعرف من أين تأتى وسائل الإعلام بهذه المبالغات عن تنصير عشرات الآلاف في البوسنة.

* شارك عدد كبير من المجاهدين العرب في تحرير البوسنة، غير أن الكثرة منهم طُردوا من البوسنة بضغوط غربية بعد أحداث سبتمبر، ما موقفكم من ذلك؟

- قبل أن أجيب على هذا التساؤل جدير بي أن اذكر أن مسالة خروج المجاهدين العرب من البوسنة سبقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بكثيرº إذ جاءت ضمن اتفاق (دايتون) ضرورة تحدد مصير المجاهدين العرب بحجة أن وجودهم خطر على القوات الدولية الموجودة في البوسنة، غير أن الحكومة البوسنية وقتذاك خيّرت المجاهدين العرب بين العودة إلى بلادهم، وبين الاستمرار شريطة الحصول على الجنسية البوسنية، وقد وافق الكثير منهم على هذا، وهم موجودون حالياً في معظم مدن البوسنة، ولم يتم ترحيل أحد منهم بصورة إجبارية.

* اندلعت مؤخراً أزمة الرسوم المسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم - كيف تفاعل الشعب البوسني مع هذه الأزمة؟

لقد تفاعل المسلمون بشدة مع هذه الأزمة، وخرجت تظاهرات كثيرة تندد بهذه الرسوم المسيئة، وواكب ذلك حملة مقاطعة لبضائع الدنمارك والنرويج في بلادنا، وقد أعطت هذه الأزمة مؤشراً مهماً عن تنامي الوعي الديني في البوسنة خصوصاً بين الشباب الذين هبّوا للدفاع عن نبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم -.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply