بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
كنتُ أنظر في ترجمة هشام الدَّسْتَوَائِيِّ البصري المتوفى سنة 152هـ ، رَحِمَهُ اللهِ ، في كتاب (سير أعلام النبلاء) للإمام الذهبي ، لكتابةِ ترجمةٍ موجزةٍ له ، وأنا أعمل في مراجعة تحقيق كتاب البيان في عَدِّ آيِ القرآن للداني ، ولَفَتَ نظري في تلك الترجمة ما قاله الإمام الذهبي ، معلِّقاً على قول الدستوائي :” واللهِ ما أستطيعُ أَنْ أقولَ إِنِّي ذهبتُ يوماً قَطُّ أَطْلُبُ الحديثُ ، أُرِيدُ بهِ وَجْهَ اللهِ ، عَزَّ وجَلَّ”.
وأحببتُ أَن أكتبَ ذلك هنا ، ليكونَ تذكرةً لي ، ولإخواني الذين يقفون عليه ويقرؤونه ، لعلهم يستدركون ما قد يكون فَرَطَ منهم ، ويُحَسِّنُونَ النِّيَّةَ وهم يطلبون العِلْمَ أو يُعَلِّمُونَهُ ، واللهُ تعالى وَلِيُّ التوفيقَ.
قال الإمام الذهبي ، رَحِمَهُ اللهُ ، مُعَلِّقاً على قول هِشَام الدَّسْتَوائي :
“قلتُ: واللهِ ولا أنا ، فقد كان السَّلَفُ يطلبون العِلْمَ للهِ ، فَنَبُلُوا، وصاروا أئمةً يُقْتَدَى بهم، وطَلَبَهُ قومٌ منهم أوَّلاً لا للهِ ، وحَصَّلُوهُ ، ثم اسْتَفَاقُوا ، وحاسَبُوا أنفسَهُم ، فَجَّرَهُمُ العِلْمُ إلى الإخلاصِ في أثناءِ الطريقِ، كما قالَ مجاهدٌ وغَيْرُهُ: طَلَبْنَا هذا العِلْمَ، وما لنا فيه كبيرُ نِيَّةٍ ، ثُمَّ رَزَقَ اللهُ النِيَّةَ بَعْدُ.
وبعضُهم يقولُ: طَلَبْنَا هذا العِلْمَ لغيرِ اللهِ ، فَأَبَى أَنْ يكونَ إلَّا للهِ ، فهذا أيضاً حَسَنٌ، ثم نَشَرُوهُ بِنِيَّةٍ صالحةٍ.
وقَوْمٌ طَلَبُوهُ بِنِيَّةٍ فاسدةٍ لِأَجْلِ الدنيا، ولِيُثْنَى عليهم ، فَلَهُمْ ما نَوَوْا ، قال عليه الصلاةُ والسلامُ: (مَن غَزَا يَنْوِي عِقَالاً، فَلَهُ ما نَوَى).
وتَرَى هذا الضَّرْبَ لم يَسْتَضِيؤُوا بنورِ العِلْمِ ، ولا لهم وَقْعٌ في النفوسِ ، ولا لِعِلْمِهِم كبيرُ نتيجةٍ مِنَ العَمَلِ ، وإنَّمَا العالِمُ مَن يَخْشَى اللهَ تعالى!
وقَوْمٌ نَالُوا العِلْمَ ، ووُلُّوا بهِ المناصِبَ ، فَظَلَمُوا ، وتَرَكُوا التَّقَيُّدَ بالعِلْمِ ، ورَكِبُوا الكبائرَ والفواحشَ ، فَتَبّاً لهم ، فما هؤلاءِ بعلماءَ!
وبَعْضُهُم لم يَتَّقِ اللهَ في عِلْمِهِ ، بل رَكِبَ الحِيَلَ ، وأَفْتَى بالرُّخَصِّ ، ورَوَى الشَّاذَ مِنَ الأخبارِ ، وبَعْضُهُم اجْتَرَأَ على اللهِ، ووَضَعَ الأحاديثَ، فَهَتَكَهُ اللهُ ، وذَهَبَ عِلْمُهُ، وصارَ زَادُهُ إلى النارِ.
وهؤلاء الأقسامُ كُلُّهُم رَوَوْا مِنَ العِلْمِ شيئاً كبيراً، وتَضَلَّعُوا منه في الجُمْلَةِ ، فَخَلَفَ مِن بعدِهم خَلْفٌ بَانَ نَقْصُهُم في العِلْمِ والعَمَلِ ، وتَلَاهُم قومٌ انْتَمَوْا إلى العِلْمِ في الظاهرِ ، ولم يُتْقِنُوا منه سِوَى نَزْرٍ يَسِيرٍ ، أَوْهَمُوا به أَنَّهُم علماءُ فضلاءُ ، ولم يَدُرْ في أذهانِهم قَطُّ أنهم يَتَقَرَّبُونَ به إلى اللهِ ، لأَنَّهُم ما رَأَوْا شيخاً يُقْتَدَى به في العِلْمِ ، فصاروا هَمَجًا رِعَاعاً، غايةُ المُدَرِّسُ منهم أَنْ يُحَصِّلَ كُتُباً مُثَمَّنَةً ، يَخْزُنُهَا ، ويَنْظُرُ فيها يوماً ما ، فَيُصَحِّفُ ما يُورِدُهُ ، ولا يُقَرِّرُهُ.
فَنَسْأَلُ اللهَ النَّجَاةَ والعَفْوَ”.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد