اللغة السردية في القصة السعودية: قراءة في نماذج مختارة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الدهون في دراسة نقدية له: اللغة السردية في القصة السعودية قراءة في نماذج متباينة(1) تناول بين أن القصة القصيرة السعودية سطرت وجودها بأقلام ثابتة تكشف تطلعات الإنسان وآراء الناس ؛لذا مال النص القصصي إلى إشراك المتلقي مع أخذ يقترب منه كثيرًا . ودرس الدهون  اللغة السردية عند ثلاثة قاصين سعوديين :هم عبد الرحمن الدرعان ،وفهد الخليوي ،وجبير المليحان ،إذ تميزت اللغة في مجموعاتهم القصصية بطابع مثقل بالمغامرة والتجريب.

ويؤكد (الدهون) في دراسته على أن القاص يدخل في عالمه القصصي ،وهو يعي التكنيك الفني العميق الذي يقيم عليه أحداثه السردية ،وبنائية لغته الإبداعية ،فهو يلجأ إلى تحويل السياق القصصي بما يتواءم ورؤيته وأفكاره التي قد تتجاوز لحظاته الوجودية ليفجر داخل النص أبعادًا دلالية وطاقة إيحائية مركزة تنقل المتلقي إلى عالم له جذوره المتينة من أن يحدده أو يشرع إلى سرد تفصيلاته.

وعرض الدهون للغة الإشارة السردية وتحفيز الذات  في مجموعة (رائحة الطفولة ) لعبد الرحمن الدرعان(2)، ومجموعة (رياح وأجراس) لفهد الخليوي الصادرة عن النادي الأدبي في حائل عام 2008م(3) حيث يرى الدهون أن لغة الإشارة السردية عند الدرعان تنامت قتناثرت إلى وحدات مكثفة ،وفرت من وحدتها المنعزلة لتكون عالما مصطلحيًا يحفز الذات في نسيج من الفن الجميل والحساسية اللطيفة ،وذلك لكي توقظ الوعي فنيًا بضرورة مراعاة عالم الطفولة من أول يوم لولادته ؛لتخرج أجيالا سالمة من آفات الانهزامية وبراثنها.

ويبين (الدهون) أن الدرعان يتكلم بضمير الغائب (هو /الآخر)، والذي له دلالة وثيقة بارتباط الكاتب بالمجتمع، كما يعد وسيلة يستعين بها الكاتب للاستحواذ على فكر المتلقي بطريقة فنية رائعة، وضمير الغائب ينبئ عن فكر المتلقي بطريقة فنية رائعة ،وضمير الغائب ينبئ عن علاقة انفصال عن التجربة الأدبية، والاتصال بالفعل البشري في آن واحد فهو امتزاج لصوتين مركبين يربط الإبداع بتاريخ الوجود.

مجموعته (رائحة الطفولة ) ولا ينسى الدرعان المتلقي ،وهو في أشد حالاته الحالمة في القصد والذي حدا به إلى إبراز الذات الساردة للراوي في نهاية مجموعته ليميط اللثام عن الذات الحساسة. وذلك عن طريق الحديث النفسي في قصة (رسالة )، وقد صاغها في صورة امرأة بلا اسم، وهذا النمط يركز على هموم الفرد المتوحد المعزول والذي اتخذ عالمًا يوتوبيًا يتصل بعالم الصمت المنعزل.

ويذهب (الدهون) إلى أن انشغال التقنيات السردية الناجحة عند فهد الخليوي مرتبط بالخطاب القصصي الذي يقدم فيه سردًا مشهديِا، يسعى خلاله القاص إلى الإمتاع والاقتناع بقضايا مجتمعية ،وأوجاع مدنه ،ومن خلال ذلك المشهد السردي يستطيع القاص بث أفكاره وآرائه؛ لأن الفن في كلياته المميزة ليس محاكاة بل خلق وإبداع، ومعايشة تخلق أبعادها، من دون أن ننسى الوظائف المنوطة به.

ويرى الدهون أن فهد الخليوي أقام مجموعة (رياح وأجراس) على لغة سردية تجاوزت المثال ؛فهي وسيلة في نصوصه للإيحاء، وليست أداة لنقل معان ٍمحددة، فاستطاع التخلص من أسر المفردات الواقعية الكابح

 وبين الدهون أن الخليوي يقع ضمن إطار المشاكسين للأحداث، وعناصر القصة وتجاوزاتها متماوجًا بين النفسي والأسطوري والغيبي، وهو ما قاده إلى تطوير فاعلية ما يضمره من إضافة وتميز وإبداع نحو قوله في قصة (بقايا ذاكرة): يتكيف المرء مع وحدته ،ويتخلص من وهاد الصحراء من ضجيج المدن يتحد مع رموز لا نهائية. والناقد (الدهون) محق فيما ذكر؛ حيث تظهر في مجموعة (رياح وأجراس) بنية اللغة السردية لدى (الخليوي)، وقدرتها كأداة قوية في تثوير النص، والسير به في عمق الأحداث، بحيث ظهر الرصف للجمل وهو يتوحد، ويشكل كلا متكاملًا مع تجربة الكاتب ،وعليه فإن اللغة السردية أسهمت في كشف الأبعاد الدرامية ،والمضامين الدلالية للموضوع.   

ويرى الدهون أن الكتابة عند المليحان في لغته السردية إنتاج قصدي واع وناضج ،إبداع يتحدى الكلاسيكية، ويتطلع إلى أن يملأ البياض والفراغ من سردية اللغة الحديثة، ولعل المليحان استثمر تقنيات السرد الحديث، واستند عليها إلى الاختزال المكثف في الصياغة اللغوية لحظة إنتاج نصوصه.

وهكذا عبر لغة سردية منتقاة تتراوح بين الترميز والتكثيف يقدم المليحان قصصه، وقد استطاع أن يستوعب مضامين ودلالات وتجارب الواقع المعيش، وأن يذيبها في نصوصها القصصية إذابة فنية ،تخدم الغرض الذي جاءت لأجله ،والعواطف طفقت تجيش للتضامن مع المضمون الكلي للقصة(4).

مجموعة جبير المليحان القصصية (الوجه الذي من ماء) الصادرة عن النادي الأدبي في حائل عام 2008م يتبين مدى حركة اللغة السردية داخل النص القصصي واشتغالها في بث إيحاءات النص وتقاطعاتها ونموها عند القارئ.                                                

 لقد ارتفع المليحان بلغته السردية إلى أفق عال اعتمد فيها على الطاقة الإيحائية للمفردات مستغلا في ذلك كثافة اللغة التي جعلت حركية السرد تصل إلى مرتق عظيم ؛ وهذه التغيرات داخل العملية القصصية أفضت إلى اهتزاز البناء الكلاسيكي للقصة على نحو غير متوقع ، ولقد اتخذ القاص من حركية اللغة السردية ؛ليبرز الحس الرومانسي والتواصلية مع الآخر.

وفي إطار نقد النقد يرى الباحث أن الدكتور إبراهيم الدهون استطاع في دراسته أن يحلل اللغة السردية لدي الكتاب: عبد الرحمن الدرعان ،وفهد الخليوي، وجبير المليحان بمهارة، وكشف عن المشهد الثقافي الذي يفيض بالحراك السردي، وهذا ما جعل الحالة القصصية تعيش حالة النجاح والطفرة القوية ،وفي الوقت نفسه نرى أهمية القصة للعالم توهجًا ،فضلًا عن تأثيرها العظيم في نفوس كل طبقات القراء والمجتمع.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين 

المراجع:

(1) إبراهيم الدهون، اللغة السردية في القصة السعودية قراءة في نماذج متباينة، مجلة الجوبة العدد السادس والثلاثون صيف 1433ه، ص31-35.

(2) عبد الرحمن الدرعان، (رائحة الطفولة )، مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية، 2000م

(3) فهد الخليوي، رياح وأجراس، حائل، النادي الأدبي، 2008

(4) إبراهيم الدهون، اللغة السردية في القصة السعودية قراءة في نماذج متباينة، مرجع سابق، ص35

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply