لغة الشعر عند الصعاليك قبل الإسلام دراسة لغوية أسلوبية


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

لغة الشعر عند الصعاليك  قبل الإسلام دراسة لغوية أسلوبية رسالة تقدم بها الطالب وائـل الحربـي إلى مجلس كلية التربية في جامعة بابل وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها بإشراف الأستاذ الدكتور علـي ناصـر غالب ذو الحجة  1423 ه  شباط 2003 م

الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، فان هذا بحث لغوي أسلوبي في شعر الصعاليك قبل الإسلام، يدرس اللغة بوصفها الركيزة الأولى في فن الشعر، وهو يهدف إلى الكشف عن اثر اللغة في البناء الشعري، والعلاقة بينهما، وتحديد أهم الملامح الأسلوبية التي يتسم بها شعر الصعاليك، مكتفياً بعشرة شعراء؛ هم الأكثر شهرةً ونتاجاً.

وقد أملت على الباحث طبيعة البحث تقسيم الدراسة على المستويات اللغوية الأربعة: الصوتي، والصرفي، والتركيبي، والدلالي؛ فجعلت لكل مستوى فصلاً منفرداً.

يسبق الفصول الأربعة تمهيد في طبيعة لغة الشعر، ومفهوم الصعلكة، وأسباب نشوئه، وتعريف بالشعراء الصعاليك قبل الإسلام، ومصادر شعرهم في البحث، وأهميته.

أما الفصل الأول، فقد خصصته للمستوى الصوتي، وقد تضمن دراسة للتركيب الصوتي من حيث مدى الائتلاف والتنافر، وللدلالة الإيحائية للأصوات وقيمتها التعبيرية، ولمجموعة من الظواهر الصوتية، للكشف عن اثر الجانب الموسيقي فيها، كما توقف البحث عند بعض الروايات الشعرية، محللاً اثر الأصوات في ظهور بعضها، في ضوء ما يوفره علم الصوت الحديث، ثم حدد البحث أهم الظواهر اللهجية في شعرهم، مما يدخل في مجال الأصوات، ودرس ظاهرة القلب المكاني، بوصفها ظاهرة لغوية تتغير فيها طريقة نطق الكلمة، وترتيب الأصوات فيها، وهي مما عده كثير من الدارسين، من مظاهر اختلاف اللهجات.

أما الفصل الثاني، فقد خصصته لدراسة الصيغة الصرفية، وأثرها في شعر الصعاليك؛ من حيث ان الشعر استعمال فني للغة، في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة، وقد انقسم على أربعة أقسام، هي: الأسماء، والمصادر والمشتقات، والجموع، والأفعال، وفيه دراسة القيمة الإبلاغية للصيغة الصرفية، وقد ظهرت، في هذا الفصل، مجموعة من الملامح الأسلوبية في استعمال الصيغة الصرفية، ولاسيما في المصادر والمشتقات،  والأفعال؛ ذلك انها تضم دلالات متأتية من الصيغة الصرفية، زيادة على الدلالة المعجمية.

أما الفصل الثالث، فقد خصصته للمستوى التركيبي، وقد تضمن دراسة لبناء الجملة في شعر الصعاليك، من حيث أهم أنماطها وأساليبها، وتحديداً لمجموعة من الظواهر النحوية، وتوقف عند الظواهر التركيبية الأسلوبية في لغة الشعر، وهي: التقديم والتأخير، والتعريف والتنكير، والحذف والذكر، ثم كشف عن أهم الملامح الأسلوبية في بناء الجملة الشعرية عند الصعاليك.

أما الفصل الرابع، فقد خصصته للمستوى الدلالي، ودرست فيه الظواهر اللغوية الدلالية الواضحة في شعرهم، وهي: الترادف، والاشتراك اللفظي، الذي ذكرت فيه أمثلة التضاد أيضاً، وذلك لقلتها في شعرهم، ثم حصر البحث أهم الألفاظ الغريبة، على وفق آراء العلماء القديمة، والباحثين المحدثين، كما درس اللفظ بين الاستعمال الحقيقي والمجازي، وهو ما يمكن ان يعد لبنة متواضعة في دراسة تطور دلالة الألفاظ وتاريخها.

وقد انتهى الباحث، بعد ذلك، إلى الخاتمة التي تم تضمينها خلاصة للبحث، واهم النتائج.

أما مصادر البحث، فقد تنوعت؛ إذ أفدت فيه من الكتب اللغوية: القديمة والحديثة، بمختلف ميادينها، ومن الكتب البلاغية والنقدية أيضاً.

وبعد هذا وذاك، فإني أتقدم بالشكر الجزيل إلى الأستاذ الدكتور علي ناصر غالب، المشرف على هذه الرسالة، الذي لم يدخر جهداً في تقديم العون والإرشاد ، فالله اسأل ان يبقيه لنا ذخراً، وللمتعلمين هادياً.

الخـاتـمــة

يُمثل هذا البحث دراسة لغوية أسلوبية لشعر الصعاليك، في عصر ما قبل الإسلام، تنطلق من ان الشعر تعامل فني مع اللغة. وقد انصب البحث على لغة الشعر، بغية الكشف عن العلاقة بين اللغة والشعر، وأثر كل منها في الآخر، وذلك عن طريق الدراسة التطبيقية على شعر الصعاليك.

وقد تبين، من خلال البحث، ان شعر الصعاليك يمتاز بالتآلف الصوتي، والبعد عن تنافر الأصوات، أو تعاظلها، إلاّ ما ندر مما ذكر في أثناء البحث. أما ما يبدو على شعرهم من غرابة صوتية أو ثقل أو نشوز صوتيين، فقد أرجعه البحث إلى غرابة بعض الألفاظ، وقلة استعمالها، مما يوحي بثقلها، أو تنافر أصواتها.

وقد امتاز شعرهم بالاستعمال الشفاف للكلمات والأصوات، ولاسيما الألفاظ التي تتكرر فيها الأصوات، كالأفعال الرباعية المضاعفة. وكشف البحث عن الظواهر الصوتية في شعرهم، مثل: حذف الصوت، أو زيادته، وتخفيف الهمز، والإبدال، وغير ذلك. وعرض ذلك على الميزان العروضي لمعرفة أثر الجانب الموسيقي – بوصفه مزية من مزايا الشعر – في الجانب اللغوي والصوتي للمفردة.

وبعد دراسة بعض الروايات الشعرية صوتياً اتضح ان بعضها قد نتج من تقارب الأصوات: صفة أو مخرجاً، وهذا يؤكد ما ذهبت إليه بعض الدراسات الحديثة في هذا المجال. كما تم تحديد أهم الظواهر اللهجية في المستوى الصوتي، فانتهى البحث إلى تأكيد الرأي القائل بأن الشاعر قد يسمع لغة غيره من القبائل فيستعملها في شعره، وظهر ان استعمالهم اللهجات يمثل جذراً لما نجده من اقتراض الشعراء المحدثين والمعاصرين للهجات في شعرهم، وان الشعراء الصعاليك كانوا يقترضون – في أغلب الأحيان – من لهجات قبائل لا ينتمون إليها، ماعدا صعاليك هذيل، وهذا ناتج من اغتراب الصعاليك عن قبائلهم وكثرة تنقلهم بين القبائل.

وحصر البحث أهم الألفاظ التي أصاب صورتها الصوتية تغير صوتي ناتج عن طريقة الشاعر في نطق الكلمة، وهو ما عده كثير من الدارسين مظهراً من مظاهر اختلاف اللهجات، وقد ظهر ان بعض الألفاظ المقلوبة ناتج عن ميول لهجية، وان معظم الألفاظ المقلوبة أكثر استعمالاً من اللفظ الأصلي، وقد أضاف البحث ألفاظاً جديدة مقلوبة إلى ما أحصاه الدكتور عبد الفتاح الحموز، وهذا يوفر لنا عملاً جامعاً للألفاظ المقلوبة في العربية.

وقد درس البحث الصيغة الصرفية وأثرها في النص الأدبي، على وفق ما ظهر في الدراسات اللغوية الحديثة، فتبين ان استعمالهم للأبنية الصرفية موافق لما عليه الشعر العربي عامة، نحو كثرة بناء (فعل) في الأسماء والمصادر، وظهر ان الشاعر الصعلوك يكثر من أبنية المشتقات ويحشدها في البيت أو الأبيات المتقاربة مما يشكل ملمحاً أسلوبياً في شعرهم، ثم أن الصعلوك قد يلجأ إلى استعمال أبنية تدل على المبالغة، وحشدها في مواطن متقاربة، تعبيراً عن شدة انفعاله، واتضح ان جموع التكسير تكثر في شعرهم بشكل واضح، مما يضفي على النص دلالات وثراءً موسيقياً، لما تمتلكه هذه الجموع من تعدد في الأبنية واختلاف دلالة كل بناء، واحتواء كثير منها على أصوات مد تساعد الشاعر في عملية الإنشاد.

وكشف البحث عن أهم الكلمات التي عدها الصرفيّون – فيما بعد - شاذة أو نادرة في الجموع ، وقد كان من خصائص شعرهم الأسلوبية نزوعهم إلى استعمال الفعل بشكل واضح وهو غالباً ما يكون دالاً على الماضي، بدلالة صيغته، أو بدلالة السياق. ومن الملامح الأخرى ، ظاهرة التناوب بين صيغتي (فعل ، وأفعل) وكثرة الفعل المزيد، الذي كان عاملاً في إبعاد الشعر عن المألوف، وإضفاء الجدة عليه، أو زيادة مبالغته وقوته، وكثرة الأفعال الرباعية، لاسيما المضاعفة، مجردة ومزيدة، وهي تضفي على الشعر نغماً موسيقياً، وقد امتاز شعر الشنفرى بكثرة الأفعال المبنية للمجهول موازنة بغيره من الشعراء الصعاليك.

ان انتشار الأفعال في شعرهم، يشكل ملمحاً أسلوبياً يعبر عن طبيعة حياة الصعلوك، لما فيها من حركة وتنقل وقلق، وجدت طريقها في الإفصاح عن طريق الفعل الذي يمثل الحدث.

وقد قدم البحث دراسة للجملة في شعر الصعاليك، فعرف بأهم أنماطها وأساليبها من حيث كثرة الاستعمال، فاتضح – على سبيل المثال – ان الجملة الشرطية كثيرة في شعرهم، وهذا يعود – في أغلب الظن – إلى ما يمتاز به هذا الأسلوب من مرونة لغوية، نابعة من تعدد أدواته ، مما يوفر أفقاً أكثر رحابة في القول، والإعراب عن مكنونات النفس، ثم انه أسلوب مركب يوافق طبيعة الشاعر الصعلوك وحدة طبعه، وإحساسه بالخطر والموت الداهمين.

وحدد البحث مجموعة من الظواهر النحوية التي جاءت أراء بعض النحاة غير موافقة لما فيها ، مثل ورود الاسم في موضع الفعل خبراً لـ ( كاد)، أو تقدم خبر كان على   اسمها ، وهو ما منعه الكوفيون، وغير ذلك.

ودرس البحث ظواهر لغوية مهمة في بناء الجملة، وهي: التقديم والتأخير، والتعريف والتنكير، والحذف والذكر، وقد كان لها أثرها في اكتناز النص بالدلالات وتعميق إيحاءاته. ورسم البحث أهم الملامح الأسلوبية الأخرى، في بناء الجملة، نحو تشاكل بناء الجملة، ومد التركيب النحوي ، وانتشار الجملة الفعلية ... وغير ذلك.

ودرس البحث ظاهرتي الترادف والاشتراك اللفظيّ لمعرفة العلاقة بينهما، بصورة تطبيقية على شعر الصعاليك، وقد اتضح أن ظاهرة الترادف تمدّ الشعراء بمادة لغوية تغنيهم في الإفصاح عن أفكارهم المتشعبة، وأن كثيراً من المترادفات في شعرهم كان ناتجاً عن المجاز، وأن أغلب هذه المترادفات كانت تعبّر عن حالة انفعال شديدة، مثل المبالغة لإخافة العدو بذكر السيف وصفاته مثلاً، وغير ذلك. وقد كانت الألفاظ المترادفة في شعرهم مفردات محورية، لأنها لم ترد في سياق الوصف، وإنما هي جزء من حياة الصعلوك التي يمثلها شعره، وظهر أنّ أكثر الألفاظ التي وردت في الاشتراك اللفظيّ، تعود إلى اختلاف دلالة الألفاظ بين لهجات القبائل العربية آنذاك، وقد تأكد أن للمجاز أثره في خلق هذه الظاهرة، إذ يؤدي إلى تنوع الدلالة، أو نقلها إلى دلالة جديدة، قد يصعب تمييزها من الدلالة الأصلية.

وحصر البحث أهم الألفاظ الغريبة والنادرة في شعرهم، في ضوء آراء العلماء، كما ذكرنا ألفاظاً لم تذكرها المعجمات اللغوية القديمة، يمكن، عن طريق استدراكها وغيرها، ثم تأصيلها، بناء معجم موسوعي للغة العربية، كما تبين أنهم كانوا يقصدون إلى الدلالات الحقيقية غالباً، لأنهم يطلبون الوضوح ، فهم طرقوا أموراً واقعية ومحسوسة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply