فقد توقف الحديث في الحلقة السابقة ونحن نتحدث عن خصلة الظلم القبيحة، وتوقف الحديث ونحن على ضفاف الحديث القدسي: \"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي..الحديث\", وقلنا بأن ربنا ليس بحاجة لنا، ولكن ليبين - سبحانه وتعالى - لعباده المؤمنين شناعة هذه الخصلة وهي الظلمº فقد حرمها - سبحانه وتعالى - على نفسه, وتأمل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم تلا قوله – تعالى -: ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد)، وتأمل هذه الآية أيضاً في نفس السياق ( وتلك القرى أهلكناهم ــ لماذا أهلكوا ــ لما ظلموا.. الآية) إذن الأخذ والإهلاك عذابان مختلفان ــ والله أعلم ــ لسبب واحد وهو الظلم. والله - سبحانه وتعالى - يأخذ من في القرى, أي ساكني القرى على اختلاف أجناسهم بغض النظر عن مواقعهم أو مراتبهم إذا انتشر بينهم الظلم, وهذا أمان للضعفاء الذين يقع عليهم الظلم بأن الله القوي العزيز ناصرهم فلا يحزنوا, ولو سبحت ببصرك عبر القرون الممتدة الغابرة الموغلة في القدم، وتأملت الحوادث تجد أن طوائف الظالمين هي أشد أخذاً ونكالاً, منذ اللحظات الأولى لشرارة الظلم على يد ابن الأب الكريم - عليه الصلاة والسلام -, حينما داهمه الحقد على أخيه بسبب ما ناله من كرم الله وجوده بأن قبل منه قربانه, ما الذي حصل؟ فتك الأخ بأخيه بأن قتله, لماذا يا ترى؟, لذلك جعل الله جزاء فعله بأن ينال من الإثم الذي أحدثه الى يوم القيامة, وكرم الأخ الذي فقد حياته، وحرم الازدياد من الطاعات بأن قَبِلََ منه ذلك القربان الذي تقرب به الى الله ــ ألا يلمح هذا إلى شيء ــ؟ والآن دعني آخذ قليلاً مع الزمن الغابر لترى كيف أخذ أولئك الأشقياء الذين سولت لهم أنسهم وغرتهم قوتهم وسلطانهم، وظنوا أنهم باقون فظلموا وبغوا وتكبروا. قوم نوح - عليه الصلاة والسلام -, بداية غيهم أنهم احتقروا نوحاً ومن معه تأمل ما قالوه فقال الملأ الذين كفروا من قومه ,ــ من هم الملأ؟ ــ الكبراء والوجهاء وذوى النفوذ والسلطان ــ قالوا: ولعلك تشم رائحة الاحتقار في لغتهم (ما نراك إلا بشراً مثلنا ), هذا لنوح خاص وهو التنقص له ـ عليه أفضل الصلاة والتسليم -, ثم أكملوا منظومة الاحتقار لبقية القوم المؤمنين: وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا) ماذا يعني هذا؟ ثم انتهى بهم الحديث الى إلغاء الفكرة أصلاً, وهي الرسالة عندما أعلنوها صريحة ( بل نظنكم من الكاذبين ) ولاحظ الظن هنا, قد يكون في العقل الباطن تصديق، ولكن الحقد والتكبر يحجب رؤية الحقيقة أحياناً. بعد هذا العناد والظلم ماذا كانت النتيجة؟ الهلاك والأخذ بالغرق, ولو نتأمل عقابهم نجد أنه غريب مذهل مرعب بأن جمع الله - سبحانه وتعالى - عليهم قوة السماء بالمطر وقوة الأرض بنبع الماء, ليتفق ذلك مع ما ابتدعوه من صد الدعوة بالإعراض والتكبر الظلم, وقد أعطوا أطول فرصة على الإطلاق ( فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون ) الآية لاحظ هنا مفردة الظلم, فلما حانت اللحظة الحاسمة للعقاب أغلق الله - سبحانه وتعالى - الباب أمام نوح بأن لا يشفع أو تأخذه الرحمة بهم, تأمل قول الحق - تبارك وتعالى -: ( ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ) كم هم الأقوام الذين يستحقون أن يأخذهم الطوفان في هذا الزمان..؟؟؟.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد