تأملات على ضفاف سورة الحجرات ( 15 )


 بسم الله الرحمن الرحيم

 امتدادا لتأملات الماضية فقد طلب مني ان أسلط الضوء بشكل أعم لتتسع مساحة الفائدة عن قضية منتشرة بين الناس وهي الغمز واللمز. فأقول مستعينا بالله وأسأله أن بفتح علينا من حكمته – سبحانه -.. قرأت مقالاً لأحدهم في إحدى الجرائد السيارة قد سطر كلاما يظن هو أن فيه قيمة فكرية ستضاف لفهم القارئ الذي سيتلقى هذا المقال بالقبول والتسليم - هكذا سول له قلمه - ولم يعلم أن هذا القارئ قد تخرج من مدرسة التبعية بدرجة النضج, وصار يقرر هو ما يفهمه دون أن يفرض عليه, أقول تأملت هذا المقال فوجدته يطفح بالغمز واللمز ومحاولة إسقاط الفشل الذي يعيشه هو وجريدته على بعض الرموز الشامخة التي لم يستطع بمقاله أن يهز غصن من أغصانها المتماسكة قيد أنمله.. المهم وجدت هذا المقال مدخلاً للحديث عن مفردات الغمز واللمز.. فمن كمال تعاليم الإسلام أنه وضع سياجا خاصا لحماية نفسيات أتباعه من أجل رفع هامتهم وقدرهم عند أنفسهم وغيرهم, وذلك للدور الذي ينتظر المسلم عبر سنوات حياته, لذلك حرم أن تطعن هذه النفسيات بما يسوؤها, وأشد ما يؤلم النفس أن توصم في عقلها, وفكرها الذي هو, فكيف سيقبل منها وهي محاطة بزوابع الغمز واللمز,, فيا ترى ماهو الغمز واللمز..؟ تأمل مرة أخرى الغمز واللمز ,ماذا تجد,,؟ ألا تشم رائحة التنقص,,؟ إذا الغمز واللمز هو التنقص, والاحتقار والازدراء للغير امعاناً في إسقاطه وعادة لا يوجد هذا الغمز واللمز إلا لأناس قد وصلوا إلى درجة عالية من شيء ما,, لم يستطع الغامز أن يصل ليه,, فيبدأ  بإرسال مفردات التشفي وإصباغ هالة التصغير, والتحقير المبطن بسياج المديح المكشوف إمعاناً في الكيد, والحسد المنبعث منه رائحة الحقدº ليسقط هذه الشخصية عند السامع البسيط أو القارئ العادي الذي لا يقرئ عادة ما خلف السطور ويكتفي من الفكرة المطروحة ما يراه أمامه فيصدق هذا, وتصطبغ رائحة التنقص في شخصيته المتأثرة أصلاً, فيصدق ويبدأ بدوره يروج لهذه الفكرة للفت الأنظار إليه بأنه مثقف, ومتابع يبنما هو إمعة يقاد بحبل الكلمات الرنانة المطلية بمساحيق التثقف المزعوم. ومن أشد وسائل الغمز واللمز ما يرسل بقذائف النصح والحرص بينما يراد منها التشفي ــ ليس إلا ــ احدهم يكتب مقالا عن قضية معينة تهم المجتمع تتعلق بقضية دفاعية عن الأمة, فيكسو نفسه أولاً إزار العلم والمعرفة والتنظير والفهم, فيوهمك بقبول ما يقول, وأحياناً يستعين ببعض النصوص الشرعية لتعطي فكرته جواز مرور للقبول, ثم تجده يبدأ بإرسال القذائف هنا وهناك مستهدفة بعض الرموز المعينة قد تخالفة, فهو يريد إسقاطها, فتبدأ مناورات الغمز واللمز, ثم يبدأ بوصفه بصفات تنقصية ظاهرها الحرص, وباطنها الازدراء والكره, وإمعاناً في تسليط الضوء على المراد غمزه ولمزه يذكرك أيها القارئ بمفردة كانت ملازمة لهذه الشخصية واشتهر بها, أو يذكرك بعنوان كتاب أو وصف شريط له أو يلمح باسمه من بعيد بذكر معنى يعطيك الاسم من حيث لا تشعر, فتشعر به وتعرفه وأنت لا تدري. فإذا لم تكن محصنا برأي مستقل وعقل غير تابع فأنت تحلل وتعرف أين هي الحقيقة, فلا ينطلي عليك هذا الهراء ــ الغمز واللمز ــ وإلا تجد نفسك قد وقعت أسيراً لفكرة هذا الغامز مع تصديقه, ثم تبدأ أنت تمارس الدور وأنت لا تدري.. إذ الغمز واللمز والتنابز بالأوصاف والألقاب هي صفات ذم وتقبيح واستهزاء للغير, وعادة لا تطلق إلا على أناس قد نجحوا في شيء ما,, والغامز واللامز قد حرم هذا النجاح مع قلة الحيلةº لبلوغ شيء من نجاح هذه الشخصية فلا يملك إلا هذا الطريق,, وهو الحقد الكامن في حنايا النفس.. ومما يشعل نار هذا الحقد ويزيد في هيجانه أن المغموز والملموز لا بفطن له و يلقي به على هامش النسيان والتجاهل وعدم الالتفات.. فيزبد في احتراقه.. ويكفي بهذا المرض قبحا أن الله - سبحانه وتعالى - قد نهى عنه وقد كساه - سبحانه - بوصف أشد قبحاً ونفوراً حينما وصف هذا المريض المبلي بهذا المرض, كالذي يأكل من لحم الميت ــ هل تقدر أنت على هذا؟؟ ــ والميت هنا ليس حيواناً بل إنسانا من جنس الغامز.. فما أصعب ان يكون الإنسان أسير هوى نفسه بينما يظن أنه حر طليق..؟ 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply