بسم الله الرحمن الرحيم, والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين.. وبعد:
وقف بنا الإبحار عند ذلك السؤال الذي قال: كيف يلزم من لم ير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء لا يمكن حدوثه إلا بمشاهدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسماعه..؟
وقلنا أنه اعتراض وجيه, ولكن إذا اتسعت دائرة فهمنا لكتاب الله - سبحانه - واستوعبنا شمولية الإسلام بشكلها الصحيح لهان الفهم وسهل الاستيعاب وزال الغموض المصطنع. فنحن إخوان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين أتينا بعده, كما عبر هو - عليه الصلاة والسلام - بذلك بأننا إخوانه والذين رأوه هم أصحابه كما قال لهم عندما قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي.
إذن الصحابة عليهم مسؤوليتين الأولى: الانخفاض والإنصات والإطراق له والخضوع بالصوت إلى درجة الهمس, ولا ينتج هذا إلا إذا استحكم الحب والانقياد لما يقول، وهذا يسهل عملية التلقي والاستيعاب لتعاليم الإسلام، لذلك الصحابة هان عليهم الفهم فضحوا بأرواحهم في سبيل دينهم, وهي المسؤولية الثانية..
أما الذين لم تكتحل عيونهم برؤيته - صلى الله عليه وسلم - وهم إخوانه فعليهم مسؤولية خطيرة منقسمة بوحدتها إلى قسمين, القسم الأول: الحب الذي يجب أن يملأ جنبات القلب بكل ما تعنيه هذه المفردة من المعنى اللغوي والشرعي, والقسم الثاني الانقياد, ويحاكي هنا خفض الصوت عند سماع ما جاء به إما من كلام الباري - سبحانه وتعالى - أو من حديثه هو - صلى الله عليه وسلم -, لعله زال اللبس عليك..؟
ولعلي آخذك برحلة إلى الوراء قليلاً إلى العهد النبوي الشرف واعرض عليك مشهداً من أحد المجالس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصحابة عنده - رضوان الله عليهم -, عندما قال أحدهم: لم أستطع أن أملأ عيني من وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حياءً وتعظيماً ومهابة مؤطرة بإطار الحب الصادق فهل يستشعر من جاء بعده هذا المعنى؟ ثم يكمل السياق القرآني أمراً آخر مندرج في نفس المعنى وهو الجهر بالقول, ( ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض..) ولاحظ هنا جمال العبارة ورقتها وصيغة الأمر فهو يحيط بك من جميع الجهات,, وقد رتب الباري - سبحانه وتعالى - على هذا المسلك الأجر العظيم موعده مستقبلي غيبي له دلالة إيمانية أيضاً, لأنك إذا انتظرت أمراً غيبياً وأنت مؤمن به وفيه ما يسرك وهو مستقبلي الحدوث تجدك تحترم وتقدس وتداوم على هذا الفعل، وهو التعظيم في القلب, والممارسة في الجوارح. فتزداد منزلتك عند الله وأنت لا تشعر ـ ولا تنس أن فضل ربك لا ساحل له, والله ذو الفضل العظيم ـ ويستمر الثناء والمديح لتلك الفئة التي تمارس هذا العمل, والله ـ سبحانه ـ قد امتحن قلوبهم للتقوى, حيث نفذوا هذا الأمر ـ وهو خفض الصوت وعدم الجهر بالقول لشخص الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعدما أسر التعظيم له قلوبهم, وحين نفذوا هذا الأمر كافأهم الله - سبحانه - بأن أعد لهم ثلاث أنواع من الثواب _ وهذا قد يكون لهم ولغيرهم الذين جاؤوا من بعدهم والذين سيجيئون, بشرط التقيد بما تقيد به صحابته - صلى الله عليه وسلم -, - والله أعلم - وأنواع الثواب التي تتضح جلية في النص القراني هي:
1- مغفرة
2- أجر
3- نوع الأجر عظيم, لاحظها في الآية.. قد يكون هناك أجر ويكون غير عظيم ـ لاحظت الفرق ـ أجر وهو من النوع العظيم, بالإضافة إلى المغفرة وهو السماح والعفو عن الذنوب الماضية التي قد اقترفت أثناء الحياة وفي فترة التكليف .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد