الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيقول ربنا - سبحانه وتعالى -: (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً)[الفرقان: 52].
عباد الله: الجهاد هو بذل كل الجهد والاستطاعة في مدافعة العدو، والأعداء أصناف، فالشيطان عدو للإنسان يدعوه للعصيان ومخالفة أمر الرحمن: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً) [فاطر: 6]. فوجب على المسلم أن يبذل قصارى جهده في مجاهدة الشيطان، وذلك بالاستمساك بالقرآن واجتناب العصيان، والنفس الأمارة بالسوء عدوة للإنسان فوجبت مجاهدتها.
والعدو المعتدى الظالم الذي قاتل المسلمين وأخرجهم من ديارهم كاليهود الذين استولوا على أرض الإسراء والقبلة الأولى وطغوا وبغوا تجبُ مقاتلته وحربه حتى تتطهر الأرض من رجسه.
ومن الجهاد بذل كل ما يُستطاع في سبيل دعوة غير المسلمين إلى الدخول في دين الله، ولقد دعا الله عباده المؤمنين إلى جهاد الكافرين بالقرآن فقال - تعالى -: (وجاهدهم به جهاداً كبيراً) [الفرقان: 52].
القرآن من القوة والتأثير العميق والجاذبية ما يهزم الكفر، ويقضي على الضلال، وهذا الجهاد يكون بابلاغ القرآن إليهم بمختلف الوسائل، ولقد علم الكفار أن لسماع القرآن تأثيراً كبيراً في النفوس، ولهذا كانوا يقولون للجماهير: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون [فصلت: 26].
واليوم هيأ الله لعباده أعظم الوسائل لإبلاغ القرآن للمسلمين ولغيرهم، فالراديو والتلفزيون في كل بيت، وأغلب المسلمين لا يعرفون القرآن، بل منهم من لا يقرأ القرآن إلا على القبور كأنه كتاب الأموات لا كتاب الأحياء. فإذا كان هذا هو حال المسلمين، فما بالك بغيرهم.
إن الواجب يفرض على كل بلد مسلم أن تكون به إذاعة وقناة تلفزية تبلغ القرآن بختلف اللغات للمسلمين ولغيرهم. إن هذا العمل جهاد في سبيل الله، قال - تعالى -: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )[العنكبوت: 69]. وتبليغ القرآن أعظم القربات والطاعات، ولقد يسره الله وسهله للفهم وللحفظ، قال - تعالى -: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر )[القمر: 17].
غير أن الواقع يثبت أن المسلمين هجروا كتاب الله، بينما نجد النصارى يجتهدون أيما اجتهاد في نشر إنجيلهم المحرف وينفقون أموالاً طائلة تجمع من التبرعات ولهم مئآت الإذاعات والقنوات التلفزية التي تدعو للنصرانية المحرفة، ثم هناك عشرات الآلاف من المنصرين ولا نقول (المبشرين) لأن التبشير إنما يكون بالخير والحق يعملون متطوعين في شتى بلاد العالم، فماذا يفعل المسلمون، وماذا يقدمون لدينهم ولكتاب ربهم.
لقد صدق عليهم قول الله - تعالى -: (وقال الرسول يا رب إن قوم اتخذوا هذا القرآن مهجوراً )[الفرقان: 30]. هجروا قراءته، وهجروا حفظه وهجروا فهمه هجروا العمل به، وهجروا أحكامه، هجروه لم يجعلوه دستور حياتهم بينما جاء القرآن لينظم الحياة الدنيا وليسعد الناس بتطبيق أحكامه والعمل به.
عباد الله: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جهاد في سبيل الله، قال نبينا - عليه الصلاة والسلام -: ((جاهدوا بأيديكم وألسنتكم وأموالكم))[1]. فبالنهي عن المنكر يرتدع أهل التبشير يكون أيضاً بالشر فبشرهم بعذاب أليم، وخفت فيها صوت المعروف، وإن من المنكر الذي انتشر، ما يشاهد في الشواطئ من إباحية وفجور: من عري فاضح، وخلاعة ومجون، وفي كل يوم يزداد الأمر سوءاً بفتح المراقص والملاهي الليلية التي تؤجج نار الشهوة الحيوانية بين الشباب، وتتسبب في مزيد من الانحراف بانتشار المسكرات والمخدرات والزنا، ثم ما ينتج عن ذلك حتماً من أمراض ومفاسد لا حد لها، فإلى الله - سبحانه - المشتكي، ونسأله - سبحانه - أن يُطهر بلادنا من جميع الموبقات والمحرمات، وأن يلهمنا رُشدنا، ويجعلنا جميعاً من أهل طاعته بمنه وفضله وكرمه.
[1] أبو داود في الجهاد انظر جامع الأصول 2: 566 .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد