البلاغة النبوية


 بسم الله الرحمن الرحيم  

هذه هي البلاغة الإنسانية التي سجدت الأفكار لآيتها ، وحسرت العقول دون غايتها ، لم تُصنع وهي من الإحكام كأنها مصنوعة ، ولم يُتكلف لها وهي على السهولة بعيدةٌ ممنوعة.

ألفاظ النبوّة يعمرها قلب متصل بجلال خالقه ، ويصقلها لسان نزل عليه القرآن بحقائقه ، فهي وإن لم تكن من الوحي ولكنها جاءت من سبيله، وإن يكن لها منه دليل فقد كانت هي من دليله ، مُحكمة الفصول ، حتى ليس فيها عروة مفصولة ، محذوفة الفضول ، حتى ليس فيها كلمة مفضولة .

وكأنما هي في اختصارها وإفادتها نبض قلب يتكلم ، وإنما هي في سموها وإجادتها مظهر من خواطره صلى الله عليه وسلم.

إن خرجت في الموعظة قلتَ : أنين من فؤاد مقروح ، وإن راعت بالحكمة قلتَ : صورة بشرية من الروح في مَنزع يلين فينفر بالدموع ، ويشتد فينزو بالدماء. وإذا أراك القرآن أنه خطاب السماء للأرض، أراك هذا أنه كلام الأرض بعد السماء .

وهي البلاغة النبوية ، تُعرف الحقيقة فيها كأنها فكر صريح من أفكار الخليقة º وتجيء بالمجاز فترى من غرابته أنه مجاز في حقيقة. وهي من البيان في إيجاز تتردد فيه

\"عين\" البليغ فتعرفه مع إيجاز القرآن فرعين º فمن رآه غير قريب من ذلك الإعجاز فليعلم أنه لم يلحق به هذه \" العين \" . على أنه سواء في سهولة إطماعه º وفي صعوبة امتناعه º إن أخذ أبلغ الناس في ناحيته،لم يأخذ بناصيته، وإن أقدم على غير نظر فيه رجع مبصراً ، وإن جرى في معارضته انتهى مقصراً.

من كتابه : تاريخ آداب العرب ، الجزء 2 .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply