أسرى بدر ونزول بعض الآيات


 بسم الله الرحمن الرحيم

 

أسر أبي العاص بن الربيع:

قَالَ ابنُ إسحَاقَ: وقد كان في الأسارى أبو العاص بن الربيع بن عبد العُزَّى بن عبد شمس، خَتَنُ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-وزوج ابنته زينب.قال ابن هشام: أسره خراشُ بن الصِّمة،أحد بني حرام.

 

الذين أطلقوا من غير فداء:

قَالَ ابنُ إسحَاقَ: فكان ممن سمي لنا من الأسارى ممن منَّ عليه بغير فداء من بني عبد شمس بن عبد مناف: أبو العاص بن الربيع بن عبد العُزَّى بن عبد شمس من عليه رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- بعد أن بعثت زينب بنت رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- بفدائه. ومن بني مخزوم (بن يقظة): المطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيدة بن عمر بن مخزوم، كان لبعض بني الحارث بن الخزرج، فترك في أيديهم حَتَّى خلوا سبيله. فلحق بقومه.

قال ابنُ هشام: أسره خالدُ بن زيد، أبو أيوب  الأنصاري، أخو بني النَّجَّار.

قَالَ ابنُ إسحَاقَ: وصيفي بن أبي رفاعة بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ترك في أيدي أصحابه فلمَّا لم يأتِ أحدٌ في فدائه، أخذوا عليه ليبعثن إليهم بفدائه فخلٌّوا سبيله، فلم يفِ لهم بشيءٍ,، فقال حسانُ بن ثابت في ذلك:

 

قفا ثعلب أعيا ببعض الموارد

 

وما كان صيفي ليوفي ذمة

قال ابن هشام: وهذا البيت في أبيات له.

قَالَ ابنُ إسحَاقَ: وأبو عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان بن أهيب بن حُذافة بن جُمح كان محتاجاً ذا بنات، فكلَّم رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-,فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ,لقد عرفتَ ما لي من مالٍ,، وإني لذو حاجةٍ, وذُو عيالٍ,،فامنُن عليَّ,فمنَّ عليه رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-,وأخذ عليه ألا يظاهرَ عليه أحداً,فقال أبو عزة في ذلك يمدحُ رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-,ويذكرُ فضلَهُ في قومِهِ:

 

بأنــك حـق والمليك حميـد

 

من مبلغ عني الرَّسُول محمــدا

لها درجات سهـلة وصعـود

 

وأنت امرؤ بـوئت فينـا مبـاءة

شقـي ومــن سالمته لسعيـد

 

فإنــك من حاربتـه لمحـارب

تأوب ما بي: حسـرة وقعـود

 

ولكن إذا ذكرت بـدرا وأهــله

ثمن الفداء:

قال ابنُ هشام:كان فداء المشركين يومئذ أربعة آلاف درهم للرجل إلى ألف درهم,إلا من لا شيء له فَمَنَّ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-عليه.

 

أسماء خيل المسلمين يوم بدر:

قال ابنُ هشامٍ,:وحدَّثني بعضُ أهلِ العلم أنَّه كان مع المسلمين يوم بدر من الخيلِ فَرَسُ مَرثد بن أبي مَرثد الغَنَوي،وكان يُقَالُ له السَّبَل،وفرس المقداد بن عمرو البهراني،وكان يُقَالُ له بَغزجة ويُقال سبحة،وفرس الزٌّبير بن العَوَّام،وكان يُقَالُ له اليعسوب.

 

خيل المشركين:

قال ابنُ هشامٍ,:ومع المشركين مئةُ فرسٍ,.

 

نزولُ سورةِ الأنفالِ:

قَالَ ابنُ إسحَاقَ: فلمَّا انقضى أمرُ بدرٍ, أنزل اللهُ-عَزَّ وجَلَّ-فيه من القرآن\"الأنفالَ\" بأسرِها،فكان مما نزل منها في اختلافهم في النفل حين اختلفوا فيه:{يَسأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُول فَاتَّقُوا اللّهَ وَأَصلِحُوا ذَاتَ بِينِكُم وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مٌّؤمِنِينَ}سورة الأنفال1 .فكان عُبادةُ بن الصَّامت-فيما بلغني-إذا سُئِلَ عن\" الأنفال\",قال:فينا-معشرَ أهلِ بدرٍ,-نزلت حين اختلفنا في النَّفل يومَ بدرٍ,،فانتزعه اللهُ من أيدينا حين ساءت فيه أخلاقُنا،فردَّه على رَسُولِ اللهِ-صلَّى الله عليه وسلَّم-,فقسمه بيننا عن بواء-يقول على السواء-,وكان في ذلك تقوى الله وطاعتُهُ وطاعةُ رَسُولِهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-وصلاح ذات البين.

 

مَا نَزَلَ في خُرُوجِ القومِ مَعَ الرَّسُولِ لملاقاةِ قُرَيشٍ,:

ثم ذكر القومَ ومسيرَهُم مَعَ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-حين عرف القومُ أنَّ قُرَيشاً قد سارُوا إليهم,وإنَّمَّا خرجُوا يُريدون العِيرَ طَمَعاً في الغنيمةِ،فَقَالَ:{كَمَا أَخرَجَكَ رَبٌّكَ مِن بَيتِكَ بِالحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المُؤمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الحَقِّ بَعدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى المَوتِ وَهُم يَنظُرُونَ} سورة الأنفال(5-6).  أي كراهية للقاء القوم,وإنكاراً لمسير قُرَيش،حين ذكرُوا لهم.{وَإِذ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحدَى الطَّائِفَتِينِ أَنَّهَا لَكُم وَتَوَدٌّونَ أَنَّ غَيرَ ذَاتِ الشَّوكَةِ تَكُونُ لَكُم} أي الغنيمة دون الحرب {وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ} سورة الأنفال(7). أي بالوقعة التي أوقع بصناديدِ قُرَيشٍ, وقادتهم يومَ بدرٍ,.{إِذ تَستَغِيثُونَ رَبَّكُم } أي لدعائهم حين نظروا إلى كثرة عدوهم وقلة عددهم: {فَاستَجَابَ لَكُم} بدعاء رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-ودعائكم:{أَنِّي مُمِدٌّكُم بِأَلفٍ, مِّنَ المَلآئِكَةِ مُردِفِينَ}سورة الأنفال(9).  {إِذ يُغَشِّيكُمُ النٌّعَاسَ أَمَنَةً مِّنهُ}أي أُنزلت عليكم الأمنةُ حين نمتم لا تخافون{وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِّن السَّمَاء مَاء}للمطر الذي أصابهم تلك الليلة،فحبس المشركين أن يسبقوا إلى الماء،وخلَّى سبيلَ المسلمين إليه:{لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطَانِ وَلِيَربِطَ عَلَى قُلُوبِكُم وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقدَامَ} سورة الأنفال (11)   أي ليُذهب عنكم شكَّ الشيطانِ،لتخويفه إيَّاهم عدوهم واستجلاد الأرضِ لهم حَتَّى انتهوا إلى منزلهم الذي سبقوا إليه عدوَّهم.

 

ما نزل في تبشير المسلمين بالمساعدة والنصر وتحريضهم:

ثم قال-تعالى-:{إِذ يُوحِي رَبٌّكَ إِلَى المَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُم فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} أي آزروا الذين آمنوا {سَأُلقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرَّعبَ فَاضرِبُوا فَوقَ الأَعنَاقِ وَاضرِبُوا مِنهُم كُلَّ بَنَانٍ, ذَلِكَ بِأَنَّهُم شَآقٌّوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ العِقَابِ} سورة الأنفال(12،13). ثم قال: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحفاً فَلاَ تُوَلٌّوهُمُ الأَدبَارَ وَمَن يُوَلِّهِم يَومَئِذٍ, دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ, أَو مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ, فَقَد بَاء بِغَضَبٍ, مِّنَ اللّهِ وَمَأوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئسَ المَصِيرُ} سورة الأنفال(15،16). أي تحريضاً لهم على عدوهم،لئلا ينكلوا عنهم إذا لقوهم،وقد وعدهم اللهُ فيهم ما وعدهم.

 

ما نَزَلَ في رمي الرَّسُولِ للمشركينَ بالحَصباءِ:

ثم قال-تعالى-في رمي رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- إيَّاهم بالحصباء من يدِهِ حين رماهم:{وَمَا رَمَيتَ إِذ رَمَيتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى}أي لم يكُن ذلك برميتك،لولا الذي جعلَ الله فيها مِن نصرك،وما ألقى في صدورِ عدوِّك منها حين هزمهم اللهُ:{وَلِيُبلِيَ المُؤمِنِينَ مِنهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}سورة الأنفال(17),أي ليُعرِّفَ المؤمنين مِن نعمتِهِ عليهم في إظهارِهم على عدوِّهم وقِلَّةِ عددِهمºليعرفُوا بذلك حقَّهُ,ويشكرُوا بذلكَ نعمتَهُ.

 

ما نزل في الاستفتاح:

ثم قال:{إِن تَستَفتِحُوا فَقَد جَاءكُمُ الفَتحُ},أي لقول أبي جهل: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يُعرَفُ فأَحِنهُ الغداةَ.والاستفتاح:الإنصاف في الدعاء.يقول اللهُ-جَلَّ ثناؤه-:{وَإِن تَنتَهُوا} أي لقُرَيش {فَهُوَ خَيرٌ لَّكُم وَإِن تَعُودُوا نَعُد} أي بمثل الوقعة التي أصبناكم بها يومَ بدرٍ,{وَلَن تُغنِيَ عَنكُم فِئَتُكُم شَيئًا وَلَو كَثُرَت وَأَنَّ اللّهَ مَعَ المُؤمِنِينَ}سورة الأنفال(19).أي أنَّ عَدَدَكم وكثرتَكُم في أنفسِكم لن تُغنيَ عنكم شيئاً، وإني مع المؤمنين أنصرهم على مَن خالفهم ([1]).

 

للمزيد راجع:

\"سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد\" للصالحي (4/337-341)، و\"زاد المعاد\" لابن قيم الجوزية (3/255)، و\"الرحيق المختوم\" للمباركفوري (335-336)، و\"عيون الأثر في سيرة خير البشر\" لابن سيد الناس (2/83)، و\"السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية\" لمهدي رزق الله أحمد (423).


 


-1 سيرة ابن هشام(2/ 249-311).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply