غزوة الغابة أو غزوة ذي قَرَد


 بسم الله الرحمن الرحيم

 

هذه الغزوة حركــة مطـاردة ضد فصيلة من بني فَزَارة قامت بعمل القرصنة في لِقَاحِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وهي أول غزوة غزاها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بعد الحديبية، وقبل خيبر. ذكر البخاري في ترجمة باب أنها كانت قبل خيبر بثلاث، وروى ذلك مسلم مسنداً من حديث سلمة ابن الأكوع. وذكر الجمهور من أهل المغازي أنها كانت قبل الحديبية، وما في الصحيح أصح مما ذكره أهل المغازي(1).

وخلاصة الروايات عن سلمة بن الأكوع بطل هذه الغزوة أنه قال: بعث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بظهره مع غلامه رَبَاح، وأنا معه بفرس أبي طلحة، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على الظهر، فاستاقه أجمع، وقتل راعيه، فقلت: يا رباح، خذ هذا الفرس فأبلغه أبا طلحة، وأخبر رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ثم قمت على أكَمَة، واستتقبلت المدينة، فناديت ثلاثاً: يا صباحاه، ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز، أقول:

 

(خُذها) أنا ابنُ الأكـوَع

 

واليـومُ يـومُ الرٌّضّع

فوالله ما زلت أرميهم وأعقر بهم، فإذا رجع إليَّ فارس جلست في أصل الشجر، ثم رميته فتعفرت به، حتى إذا دخلوا في تضايق الجبل علوته، فجعلت أرديهم بالحجارة، فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله –تعالى- من بعير من ظهر رسول الله-صلى الله عليه وسلم-إلا خلفته وراء ظهري، وخلوا بيني وبينه، ثم اتبعتهم أرميهم، حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة، وثلاثين رمحاً يستخفون، ولا يطرحون شيئاً إلا جعلت عليه آراماً من الحجارة، يعرفها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وأصحابه. حتى أتوا متضايقاً من ثَنِيَّةٍ,، فجلسوا يتغدون، وجلست على رأس قَرن، فصعد إلي منهم أربعة في الجبل، قلت: هل تعرفونني؟ أنا سلمة بن الأكوع، لا أطلب رجلاً منكم إلا أدركته، ولا يطلبني فيدركني، فرجعوا. فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يتخللون الشجر، فإذا أولهم أخرم، وعلى أثره أبو قتادة، وعلى أثره المقداد بن الأسود، فالتقي عبد الرحمن وأخرم، فعقر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله، وتحول على فرسه، ولحق أبو قتادة بعبد الرحمن فطعنه فقتله، وولي القوم مدبرين، فتبعتهم أعدو على رجلي، حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له: ذو قَرَد، ليشربوا منه، وهم عطاش، فأجليتهم عنه، فما ذاقوا قطرة منه، ولحقني رسول الله-صلى الله عليه وسلم- والخيل عشاء، فقلت: يا رسول الله، إن القوم عطاش، فلو بعثتني في مائة رجل استنقذت ما عندهم من السَّرح، وأخذت بأعناق القوم، فقال: (يا بن الأكوع. ملكت فاسجح(2))  صحيح مسلم،(3/1432)(1806)، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد،  ثم قال: (إنهم ليقرون الآن في غطفان) صحيح مسلم (3/1439)(1807)،كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد، وتاريخ الطبري(2/107).

وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة) صحيح مسلم (3/1439)(1807)،كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد. وأعطاني سهمين، سهم الراجل وسهم الفارس، وأردفني وراءه على العَضبَاء راجعين إلى المدينة.

استعمل رسول الله-صلى الله عليه وسلم-على المدينة في هذه الغزوة ابن أم مكتوم، وعقد اللواء للمقداد بن عمرو(3).راجع \" الرحيق المختوم\" ص331-  332.

 

الفوائد المستفادة من غزوة الغابة أو ذي قرد

1-بيان تسمية هذه الغزوة بغزوة ذي قرد، وذلك لأن الماء الذي نزل به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقال له ماء ذو قَرَد.

2-بيان فضيلة سلمة بن الأكوع وأبي قتادة لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- (خير فرساننا أبو قتادة، وخير رجالنا سلمة بن الأكوع) صحيح مسلم (3/1439)(1807)،كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد.

3-تأكد عداوة عيينة بن حصن وبيان خبثة.

4-تقرير بطولة سلمة بن الأكوع وشجاعته.

5-بطلان نذر المعصية، ونذر مالا يملك.

6-حلم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكرمه وحسن سياسته، وكمال أدبه -صلى الله عليه وسلم- . راجع \"هذا الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- يا محب ص 328.

7-تعتبر هذه الغزوة مثالاً حياً للحروب السريعة الخاطفة، التي تعتمد على انتهاز الفرص المناسبة وسرعة الحركة والمهارة الحربية.

8-لقد اجتمعت في الصحابي الجليل مهارت أهلته لتحقيق هذه النتايج السريعة المذهلة وهي: قوة الأيمان بالله تعالى ورسوله-صلى الله عليه وسلم-،ومن أجل هذا بذل كل طاقته التي وهبها الله تعالى له، ويتمتع ثانياً بالشجاعة النادرة، فهو لم يهب الأعداء، ويتمتع بتدريب عالي المستوى من الرياضة البدنية، فهو يعدو سريعاً للحاق بالعدو على قدمية طول النهار، وفي أرض جبلية وعرة، ونجده يتمتع بالصبر وقوة الاحتمال، فقد ظل يوماً كاملاً مصابراً للعدو متتبعاً له حتى ضاق به عدوه ذرعاً، ونجده بارعاً في المهارة الحربية، وذلك في سرعة التنقل بين الظهور والاختفاء حسب احتياجات المعركة. وكذلك كان رامياً باهراً قلما يخطأ سهمه. راجع \"التاريخ الإسلامي\" للحميدي (7/15-17).

 

للمزيد راجع:

\"سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد\" للصالحي (5/95-114)، و\"زاد المعاد\" لابن قيم الجوزية (3/378-379)، و\"الرحيق المختوم\" للمباركفوري (406-407)، و\"ابن هشام\" (3/227-234)، و\"عيون الأثر في سيرة خير البشر\" لابن سيد الناس (2/125-130)، و\"السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية\" لمهدي رزق الله أحمد (497).

والحمد لله رب العالمين.


 


1 - البخاري، الفتح، كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة ذات قرد. وزاد المعاد 2/ 120. وفتح الباري 7/ 460- 163.

2 - أي سهل والمعنى قدرت فاعفُ.

3 - صحيح مسلم ، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها رقم (1807). وزاد المعاد 2/ 120.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply