بسم الله الرحمن الرحيم
الإيمان هو الحياة، وقل إن شئت أصل الحياة ذلك لأنه منهج كامل للإنسانية جمعاء، بل هو سر عظمة هذا الكائن وتفوقه الروحي الذي أهله لتلقي الخطاب الإلهي بكل مفرداته وحيثياته فأصبح بذلك سيد الكون.
فالحياة بالإيمان رحلة عظيمة وجميلة تنداح على طريقها أغصان السعادة وتبتسم أنفاس الزمن كلما حرك مشاعرها الإيمان،لأنه يمثل المفهوم الحقيقي للحياة الذي يتجاوز القلوب إلى قوالب الوجود فإذا بصاحبه يمضي في عزم لا تلين له قناة.
يدرك تماماً أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن الأمة بكل مقوماتها المادية والمعنوية أمام أقدار الله وقدرته لا تمثل شيئاً، فما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن، ولذلك ينفض يده من كل حرص يسوقه إلى أن يحني رأسه لغير الله، أو يذل لمخلوق مثله فيتحقق له التحرر الحقيقي الذي من ورائه يعلن العبودية لله عندئذ يتصور الوجود قوة واحدة تدور في مشيئة الله المطلقة حيث التوجه الحقيقي الذي منه يستقي تصوراته وقيمه وموازينه وشرائعه وقوانينه فتنتفي عنه المصلحة والهوى ويختفي الهلع والطمع وتزول هواجس النفس ومخاوفها لتحل محلها قيم الإيمان فتحتكم إلى النصوص الشرعية فيرتفع ذاتاً ويسمع منهجاً ويصدق نهجاً وتوجهاً فيستعلي بهذا الشعور على ما يصدر عن الأرض وإن زعم أصحابها أنها قيم إنسانية لأن المعتبر عنده أن الحسن ما حسنه الشرع ودل عليه بدلالته المعتبرة.
وإذا كنا نقول أن الإيمان دليل الفطر السليمة في مكونات الذات الإنسانية فإن العمل الصالح دليل على صدق الإيمان وصحة هذا الاعتقاد، فالبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً.
فتحقق الإيمان ينبثق عنه العمل الصالح كثمرة طبيعية له وحركة ذاتية تنتقل من الضمير الإنساني إلى الضمير الواقعي فتلتقي توجيهات السماء بعالم الأرض فإذا أنت بزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه.
من هنا يعطى المفهوم الصحيح للعمل الصالح الذي يتحول من مجرد أمنيات أو نيات تسكن الضمير فتقعد به تحت مبررات الدعة والراحة إلى حركة تجوب آفاق النفس لتستقر في عمق الحياة وصميم الواقع عطاء يتجدد وإعماراً يفرح أولياء الله ويغيظ أولياء الشيطان، لكن المعتبر في هذا العمل مداره على صحة النيات وصحيح الاعتقاد وإلا أصبح كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف أو كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.
إن الإيمان والعمل الصالح دلائل واضحة في طريق معرفة الحق كما أن هذا الحق يصدر عنه استخلاف لهذه الأرض لتصبح عندئذ حراسته وعدم العدول به فريضة تحمل تبعاتها الجماعة المؤمنة التي من أوائل أهدافها إقامة توحيد الحاكمية في الأرض شأن توحيد الأسماء والصفات من هنا كان من ركائز هذه الجماعة قديماً وحديثاً التربية الأخلاقية وتزكية النفس بما ينهض بهذا الحق وأصحابه فمعوقات هذا المبدأ تتداخل فيه العوامل البشرية والمادية فهوى متبع وشح مطاع وإعجاب بالرأي وولوع بالمصلحة وتأثر بالبيئة وتربص بالحق وأربابه لكن في ظل هذه التربية الإيمانية تخرج من قال: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإذا ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
ومن خاطب ملك الروم بقوله: من أمير المؤمنين إلى كلب الروم، ومن وقف على بساط رستم يخاطبه: جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
ونحن بهذا المنهج قادرون على معاودة المسار وإعادة هذا الحق إلى نصابه ليتحقق بإذن الله أمر الله في الأرض وما ذلك على الله بعزيز .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد