العبادة الحقيقة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 





قال - تعالى -: \"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون\" وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي يرويه عن ربه \"..وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب مما افترضته عليه..\".



إذا قارنا بين ما فهمناه من الآية، وما فهمناه من الحديث يتبين لنا أن الله يريد من عبده أن يعبده، ويحب من هذه العبادة ما قد فرضه عليه منها، فإذا ترك العبد العبادة المفروضة عليه واشتغل بما ليس مفروضا عليه، فهذا يكون عاصيا لله وإن ظن أنه يطيعه. هذا ما ينبغي أن يفهمه جيدا كل مسلمة ومسلمة، وقد فسر أحد علماء السلف قوله - تعالى - \"إلا ليعبدون\" فقال أي إلا ليعرفون، وهذا حق، فلا يصح للإنسان أن يعبد شيئا لا يعرفه، أو يشهد لإنسان لم يسبق له أن رآه، ولم يسمع به، ولم يقرأ له أو عنه، ولهذا فالعبادة أساسها المعرفة. والعبادة بدون معرفة جهد من غير طائل، فلا بد من معرفة الشيء وأصله قبل أدائه وما يترتب عنه في حالة الأداء أو عدمه. فالله - سبحانه - أراد منا أن نعبده، هل هذه العبادة هي فقط أن نقوم ونقعد بضع دقائق في كل صلاة، وها قد حققنا العبودية لله وأدينا مهمتنا المنوطة بنا في هذا الكون كما أراد منا الله،



لا!! بل العبادة أولا وقبل كل شيء هي معرفة الله الذي نعبده، وهذه المعرفة ليست أن نعرف أسماءه وصفاته الواجبة والمستحيلة في حقه - تعالى -، وإن كان هذا واجبُ معرفته، وها قد تمت معرفتنا بالله، بل لا بد من هذا كله أن نستشعر عظمته في قلوبنا ونستحضره في كل لحظة من حياتنا، ليس معنى هذا أن نتخيله بعقولنا القاصرة المحدودة، فهي أعجز من أن تفعل ذلك، بل يكفي أن نتأمل ما حولنا من نعمِ وما في أنفسنا، وما يجري في حياتنا، وفي هذا الكون من حولنا، عندئذ نحس بعظمته تملأ صدورنا، وذلك ما يجعلنا نؤدي ما فرضه علينا ونحن في غاية الرضا والاٍ,نشراح، ونتجشم في سبيل ذلك الصعاب دون أن نحس بشيء من الفتور يعترينا، لأن معرفة الله تورث محبته، وإذا سكنت محبة الله في قلب عبد فإنها تدفعه إلى طاعته واِمتثال أوامره واِجتناب نواهيه، كما قال البوصيري - رحمه الله -:



وإذا حلت الهداية قلبا *** نشطت للعبادة الأعضاء



ولهذا فإذا كان هناك من يحب الله وهو لا يؤدي فرائضه فهو دعِيٌَ كذاب، كما قال الإمام الشافعي:



تعصي الإله وأنت تظهر حبه *** هذا لعمري في القياس بديع



لو كان حبك صادقا لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع



إن من يعرف الله حق المعرفة فإنه يقوم بأداء ما افترضه عليه خير قيام، والعبادة مجالها رحب فسيح، وفرائض الله الواجبة الأداء كثيرة متعددة إلا أنها تختلف حسب درجات أهميتها في حياة الإنسان ونفسه ومجتمعه، فهي وإن كانت كلها فرائض إفترضها الله على عباده إلا أنه بحسب مرتبتها يكون الثواب أو العقاب، هذا في الفرائض. أما السنن فهي دونها وهي أيضا منها مراتب تكون أهميتها فيها حسب مرتبتها، وهذه الفرائض التي فرضها على عباده، نهاهم - سبحانه - أن يؤدوا فرضا منها ويتركوا آخر أو يحافظوا على فرض ويتهاونوا في غيره، فقال - تعالى - \"أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم، إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون\" فلا بد من أداء الفرائض كلها.



إن هذه الفرائض التي نحن ملزمون بأدائها، فيها صلاح نفوسنا وأسرنا ومجتمعاتنا، فإذا نحن أديناها كما أمرنا الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فسيصلح كل هؤلاء، ولكن إذا أدينا فرضا وتركنا آخر، أو اشتغلنا بفرض على حساب غيره، فسيؤدي هذا إلى وقوع الخلل في إحدى الثلاث التي ذكرنا أو فيها كلها.



والخلل الصغير قد يفسد المجتمع الكبير، ولهذا أمرنا الله أن نكون دائما وسطيين، لا إفراط ولا تفريط.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply