مجمل الاعتقاد الصحيح في الأسماء والصفات وثمراته


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 





أسماء الله - تعالى - وصفاته من الغيب الذي لا يعرفه الإنسان على وجه التفصيل إلا بطريق السمعº لأن البشر لا يحيطون بالله - تعالى - علماً، كما قال - تعالى -: ولا يحيطون به علما (110) {طه: 110} والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات.

فلا يمكن للعقل البشري أن يستقل بالنظر في أسماء الله وصفاته ومعرفتها على التفصيل إثباتاً ونفياً، ومن فعل شيئاً من ذلك فقد ضل عن الصراط المستقيم.

فيجب على العبد أن يقف عند كلام الله وكلام رسوله، فيؤمن بجميع ما ثبت في النصوص الشرعية من أسماء الله وصفاته، وينفي عنه - تعالى - ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله .

وقد دلت النصوص الشرعية الكثيرة على إثبات صفات الكمال لله - تعالى - على وجه التفصيل فيجب إثباتها له - تعالى - على الوجه اللائق بجلاله، كما دلت النصوص أيضاً على نفي صفات النقص عنه - تعالى -، فيجب نفيها عنه وإثبات كمال ضدها له - سبحانه وتعالى-، وهذا هو الحق الواجب في أسماء الله - تعالى - وصفاته على وجه الإجمال.

وسأتكلم على هذا التوحيد - توحيد الأسماء والصفات - بشيء من الاختصار في المباحث الأربعة الآتية:

طريقة أهل السنة في أسماء الله وصفاته:

طريقة أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته يمكن تلخيصها في ثلاثة أمور رئيسة، هي:

الأول: طريقتهم في الإثبات: وهي إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل، فيؤمنون بأن جميع ما ثبت في النصوص الشرعية من صفات الله - تعالى - أنها صفات حقيقية تليق بجلال الله - تعالى -، وأنها لا تماثل صفات المخلوقين. ويؤمنون كذلك بجميع أسماء الله - تعالى - الثابتة في النصوص الشرعية، ويؤمنون بأن كل اسم يتضمن صفة لله - تعالى -، فاسم \"العزيز\" يتضمن صفة العزة لله - تعالى -، واسم \"القوي\" يتضمن صفة القوة له - سبحانه -، وهكذا بقية الأسماء.

وكل ما ثبت لله - تعالى - من الصفات فهي صفات كمال يحمد عليها، ويثنى بها عليه، وليس فيها نقص بوجه من الوجوه، بل هي ثابتة له على أكمل وجه.

الثاني: طريقتهم في النفي: نفي ما نفاه الله عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله {من صفات النقص، مع اعتقادهم ثبوت كمال ضد الصفة المنفية عنه - جل وعلا -.

وكل ما نفاه الله - تعالى - عن نفسه فهي صفات نقص، تنافي كماله الواجب، فجميع صفات النقص ممتنعة على الله - تعالى - لوجوب كماله.

وما نفاه الله عن نفسه فالمراد به انتفاء تلك الصفة المنفية وإثبات كمال ضدها، وذلك أن النفي لا يدل على الكمال إلا إذا كان متضمناً لصفة ثبوتية يحمد عليها، فإن مجرد النفي قد يكون سببه العجز فيكون نقصاً، كما في قول الشاعر:

قبيلة لا يغدرون بذمة *** ولا يظلمون الناس حبة خردل

وقد يكون سببه عدم القابلية فلا يقتضي مدحاً، كما لو قلت: الجدار لا يظلم.

إذا تبين هذا فمما نفى الله عن نفسه \"الظلم\"، والمراد به انتفاء الظلم عن الله مع ثبوت كمال ضده له - تعالى -، وهو \"العدل\"، ونفى عن نفسه \"اللغوب\" وهو التعب والإعياء، والمراد نفي اللغوب مع ثبوت كمال ضده، وهو \"القوة\"، وهكذا بقية ما نفاه الله - تعالى - عن نفسه.

الثالث: طريقتهم فيما لم يرد نفيه ولا إثباته مما تنازع الناس فيه، كالجسم، والحيز، والجهة ونحو ذلك، فطريقتهم فيه التوقف في لفظه، فلا يثبتونه ولا ينفونهº لعدم وروده، وأما معناه فيستفصلون عنه، فإن أريد به باطل ينزه الله عنه ردوه، وإن أريد به حق لا يمتنع على الله قبلوه(1).

وهذه الطريقة هي الطريقة الواجبة، وهي القول الوسط بين أهل التعطيل، وأهل التمثيل، وقد دل على وجوبها وصحتها العقل، والسمع:

فأما العقل فوجه دلالته: أن تفصيل القول فيما يجب ويجوز ويمتنع على الله - تعالى - لا يدرك إلا بالسمعº لأنه من أمر الغيب الذي لا يحيط به الإنسان علماً فوجب اتباع السمع في ذلك، بإثبات ما أثبته، ونفي ما نفاه، والسكوت عما سكت عنه.

وأما السمع: فمن أدلته قوله - تعالى -: \" ولله الأسماء الحسنى\" فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون 180 \"{الأعراف: 180}، وقوله: \"ليس كمثله شيء وهو السميع البصير 11 \"{الشورى: 11}، وقوله: \"ولا تقف ما ليس لك به علم 36 \"{الإسراء: 36}.

فالآية الأولى: دلت على وجوب الإثبات من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تمثيل، لأن هذه الأمور الثلاثة من الإلحاد.

والآية الثانية: دلت على وجوب نفي التمثيل مع وجوب الإثبات.

والآية الثالثة: دلت على وجوب نفي التكييف، وعلى وجوب التوقف فيما لم يرد إثباته أو نفيه(2).

ومما ينبغي التنبيه عليه هنا أن أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي {ومن بعدهم يؤمنون بأن جميع صفات الله - جل وعلا - الثابتة في الكتاب والسنة صفات حقيقية، لا مجازية.

وقد نقل الحافظ ابن عبد البر الأندلسي المالكي المولود سنة (368ه) إجماع أهل السنة على ذلك (3)، وذكر غير واحد من المتقدمين إجماع السلف على ذلك (4)، فالسلف يعتقدون أن الظاهر المتبادر من لفظ الصفة معنى حق يليق بجلال الله - تعالى - (5)، فيثبتون المعنى الذي يدل عليه لفظ الصفة الوارد في الكتاب أو السنة (6)º لأن الله - تعالى - خاطب عباده في كتابه بلسان عربي مبين، والنبي خاطب أمته بألفاظ عربية صريحة، فوجب إثبات المعنى الحقيقي الذي يدل عليه اللفظ الوارد في القرآن أو السنة في لغة العرب، وهذا هو مقتضى الإيمان بهما ومقتضى الانقياد لما جاء فيهما.

وبهذا يعلم بطلان مذهب المفوضة الذين يقولون: نؤمن بالصفات الواردة في النصوص، لكن لا نثبت المعنى الذي يدل عليه لفظ الصفة، وإنما نفوض علم معناه إلى الله - تعالى -، وهذا مذهب حادث بعد القرون المفضلة (7)، والسلف بريئون منه، فقد تواترت الأقوال عن السلف بإثبات معاني الصفات، وتفويضهم الكيفية إلى علم الله - عز وجل - (8).

فتبين مما سبق أن عقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته إجمالاً هي: الإيمان بجميع ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات، وإثباتها له - سبحانه - على الوجه اللائق بجلاله وعظمته، وعدم التعرض لشيء من ذلك بتحريف أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل، ونفي ما نفاه الله - تعالى - عن نفسه أو نفاه عنه رسوله محمد ، واعتقاد كمال ضده له - سبحانه وتعالى-، مع اعتقاد أن جميع صفاته - تعالى - صفات حقيقية لا تماثل صفات المخلوقين.

والتحريف معناه: تغيير النص لفظاً، أو معنيً، والتغيير اللفظي قد يتغير معه المعنى، وقد لا يتغير. فهذه ثلاثة أقسام:

1- تحريف لفظي يتغير معه المعنى: كتحريف بعضهم قوله - تعالى -: \"وكلم الله موسى تكليما 164 \"{النساء: 164}بنصب لفظ الجلالة ليكون التكليم من موسى (9).

2- وتحريف لفظي لا يتغير معه المعنى: كفتح الدال من قوله - تعالى -: \"الحمد لله رب العالمين 2 \"{الفاتحة: 2}، وهذا في الغالب لا يقع إلا من جاهلº إذ ليس فيه غرض مقصود لفاعله غالباً.

3- تحريف معنوي: وهو صرف اللفظ عن ظاهره بلا دليل، كتحريف معنى اليدين المضافتين إلى الله إلى القوة أو النعمة، وتحريف معنى الاستواء إلى الاستيلاء، وتحريف معنى الضحك إلى الثواب، وغير ذلك، كما فعل الأشاعرة وغيرهم. وهذا من الإلحاد في أسماء الله وآياته، فيتأولون نصوص الصفات على غير تأويلها، ويدعون فيها صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح بغير دليل، سوى آرائهم الكاسدة وشبههم الفاسدة التي ظنوها بينات، وإنما هي في واقع الأمر جهالات وضلالات، فتأويلهم لنصوص الصفات حقيقته تحريف لكلام الله وكلام رسوله عن مواضعه، وكذب وافتراء على الله وعلى رسوله {(10)، فإن التأويل الصحيح هو الذي يوافق ما جاء في الكتاب والسنة، وما خالف ذلك باطل، فإن كل تأويل لم يدل عليه دليل من السياق ولا معه قرينة تقتضيه فهذا لا يقصده الهادي المبين بكلامهº إذ لو قصده لحفَّ به قرائن تدل على المعنى المخالف لظاهره حتى لا يوقع السامع في اللبس والخطأ، فإن الله أنزل كلامه بياناً وهدى، فإذا أراد به خلاف ظاهره ولم يلحق به قرائن تدل على المعنى الذي يتبادر غيره إلى فهم كل أحد لم يكن بياناً ولا هدى. فالتأويل إخبار بمراد المتكلم لا إنشاء فإذا قيل: \"معنى اللفظ كذا وكذا\" كان إخباراً بالذي عنى المتكلم وأراده بكلامه، فإن لم يكن الخبر مطابقاً كان كذباً عليه.

والتعطيل معناه: إنكار ما يجب لله - تعالى - من الأسماء والصفات، أو إنكار بعضها.

فهو نوعان:

1- تعطيل كلي: كتعطيل الجهمية الذين ينكرون الأسماء والصفات.

2- تعطيل جزئي: كتعطيل الأشعرية الذين ينكرون بعض الصفات ويؤولونها، ويثبتون بعض الصفات.

وأول من عرف بالتعطيل من هذه الأمة هو الجعد بن درهم، وكل من جاء بعده من المعطلة فهو مقلد له متأس به في كل ما جاء به من التعطيل أو في بعضه.

والتكييف معناه: حكاية كيفية الصفة، كقول القائل: كيفية يد الله كذا وكذا، وكيفية نزوله إلى السماء الدنيا كذا وكذا. وقد يقيد أو يقرن هذه الكيفية بمماثل فيقول مثلاً: نزول الله - تعالى - كيفيته كنزول المطر - تعالى - الله عن ذلك - فيجمع بين التكييف والتمثيل.

ومعنى التمثيل: إثبات مثيل للشيء، كأن يقول: يد الله مثل يد الإنسان، - تعالى - الله عن ذلك (11).



ثمرات الاعتقاد الصحيح في الأسماء والصفات:

إن معرفة العبد بأسماء الله وصفاته ومعرفته بمعانيها، وإيمانه بأنها صفات حقيقية تليق بجلال الله وعظمته، وأنها لا تماثل صفات المخلوقين يكسبه سعادة الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن بها أو أولها وصرفها عن معناها الحقيقي حرم السعادة، فإيمان العبد بأسماء الله وصفاته له ثمرات وفوائد كثيرة، من أهمها ما يلي:

1- أعظم ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات: تنزيه الله - تعالى - عن النقائص والعيوب، ووصفه بصفات الكمال اللائقة بجلاله، ونفي مماثلتها لصفات المخلوق الضعيف، وإثبات الأسماء الحسنى له - جل وعلا -.

2- أن من آمن بأن من أسماء الله - تعالى - \"العفو\" و \"الغفور\" و \"الرحيم\"، وأن من صفاته \"المغفرة للمذنبين\" و \"الرحمة\" و \"العفو\" دعاه ذلك إلى عدم اليأس من روح الله، وإلى عدم القنوط من رحمته، بل ينشرح صدره لما يرجو من رحمة ربه ومغفرته.

3- أن من عرف أن من صفات الله - تعالى - أنه \"شديد العقاب\"، و \"الغيرة إذا انتهكت محارمه\"، و \"الغضب\"، وأنه \"ذو انتقام ممن عصاه\" حمله ذلك على الخوف من الله - تعالى - والبعد عن معصيته.

4- أن المؤمن إذا أيقن أن من أسماء الله - تعالى -: \"القوي\" و \"القادر\" و \"العزيز\"، وأنه - تعالى - \"يتولى المؤمنين بالحفظ والنصر\" أكسبه ذلك عظمة التوكل على الله، والوثوق بنصره، وعدم الهلع من أعدائه، فيعيش قرير العين، واثقاً بحفظ الله وتأييده ونصره.

5- أن من استقر في قلبه أن من أسماء الله - تعالى - \"البصير\" وأنه - تعالى - يرى دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء، وكذلك إذا علم أن من أسماء الله - تعالى - \"الرقيب\"، و \"العليم\"، وأنه - تعالى - يعلم نيات العباد وخلجات نفوسهم، حمله ذلك على البعد عن معصية الله، وألا يراه الله حيث نهاه، وعلى مراقبته - سبحانه - في كل ما يأتي وما يذر.

6- أن من آمن بصفات الله واستعاذ بها أعاذه الله مما يخاف منه (12).

7- أن من علم أسماء الله وصفاته وتوسل إلى الله - تعالى - بها استجاب الله دعاءه، فحصل له ما يرجوه من مرغوب، واندفع عنه ما يخافه من مرهوب.

وهذا كله قطرة من بحر من ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات (13).



ــــــــــــــ

الهوامش:

1- فإذا سأل سائل مثلاً عن \"الجهة\" هل تثبت في حق الله أم لا؟ قيل له: أولاً: هذه

اللفظة لا نثبتها ولا ننفيهاº لأنه لم يرد في النصوص الشرعية إثباتها ولا نفيها، وثانياً: يقال له: ما مرادك بهذا السؤال؟ فإن قال: أريد أنه - تعالى - في مكان يحويه. قيل: هذا معنى باطل ينزه الله عنه، وإن قال: أريد أنه - تعالى - مباين للمخلوقات فوقها وأنه - تعالى - في جهة العلو المطلق. قيل: هذا حق يجب الإيمان به، لكن لفظة \"الجهة\" لفظة مجملة محدثة، الأولى تركها.

وإن كان قصد السائل الاسترشاد فحسن، وإن كان قصده رد ما ثبت في النصوص الشرعية الكثيرة من إثبات صفة العلو لله - تعالى - فهذا خطأ وزلل يجب عليه أن يتوب عنه.

ينظر مجموع الفتاوى 299/5، 366، الرسالة التدمرية مع شرحها التحفة (القاعدة الثانية 153-161)، شرح الطحاوية ص 97، القواعد الكلية (القاعدة التاسعة)، \"صفات الله - عز وجل -\" للسقاف (القاعدة الرابعة).

2- \"فتح رب البرية بتلخيص الحموية\" للشيخ محمد بن عثيمين (مطبوع ضمن مجموع فتاويه ورسائله 19/4-24).

3- قال في كتابه التمهيد 145/7: \"أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها، ولا يحمل شيئاً منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود. والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة ولله الحمد\".

4- قال الحافظ أبو القاسم الأصبهاني المولود سنة (457): \"ما جاء في الصفات في كتاب الله أو روي بالأسانيد الصحيحة، فمذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظاهرها ونفي الكيفية عنها، لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، وإثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات\". ينظر الحجة في بيان المحجة 188/1، 189. وقال بنحو كلام الأصبهاني السابق: الخطيب البغدادي المولود سنة (392ه) في رسالته في الصفات التي كتبها جواباً لأهل دمشق حين سألوه عن الصفات ص 64. ونقل الحافظ الذهبي في العلو ص236 عن أبي سليمان الخطابي المتوفى سنة (388ه) نحو قول الأصبهاني والخطيب أخصر منه. ثم قال الذهبي: \"وكذا نقل الاتفاق عن السلف في هذا: الحافظ أبو بكر الخطيب ثم الحافظ أبو القاسم التيمي الأصبهاني وغيرهم\". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة \"تحقيق المجاز والحقيقة في صفات الله\" ص121: \"أطلق غير واحد ممن حكى إجماع السلف منهم الخطابي مذهب السلف: أنها - أي أحاديث الصفات - تجرى على ظاهرها، مع نفي الكيفية والتشبيه عنها\".

ونقل الحافظ الذهبي عن أبي القاسم الأصبهاني في كتاب العلو ص 263 أنه قال: \"مذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وأحمد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن راهويه: أن صفات الله التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله من السمع والبصر والوجه واليدين وسائر أوصافه إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور، من غير كيف يتوهم فيها، ولا تشبيه، ولا تأويل\".

5- ظاهر النصوص هو ما يتبادر إلى الذهن من المعاني التي يدل عليها النص، وهو يختلف بحسب السياق وما يضاف إليه الكلام، قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -: \"الكلام المفيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: نص، وظاهر، ومجمل. وبرهان الحصر في الثلاثة: أن الكلام إما أن يحتمل معنى واحداً فقط، فهو النص، نحو: تلك عشرة كاملة. وإن احتمل معنيين فأكثر فلا بد أن يكون في أحدهما أظهر من الآخر أو لا، فإن كان أظهر في أحدهما فهو (الظاهر)، ومقابله (المحتمل) المرجوح، كالأسد، فإنه ظاهر في الحيوان المفترس، ومحتمل في الرجل الشجاع. وإن كان لا رجحان له في أحد المعنيين أو المعاني فهو المجمل، ك \"العين\"، و \"القرء\"، ونحوهما. وحكم النص: أن لا يعدل عنه إلا بنسخ. وحكم الظاهر أن لا يعدل عنه إلا بدليل على قصد المحتمل المرجوح، وذلك هو التأويل. وحكم المجمل أن يتوقف عن العمل به إلا بدليل على تعيين المراد\" أ. ه ينظر مذكرة أصول الفقه ص 176، وينظر القواعد المثلى (القاعدة الرابعة في أدلة الأسماء والصفات).

6- فمثلاً يثبتون المعنى الذي يدل عليه لفظ \"العزة\" في قوله - تعالى -: ولله العزة، وهذا المعنى هو: \"القدرة والغلبة\"، وكذلك يثبتون المعنى الذي يدل عليه لفظ \"استوى\" في قوله - تعالى -: الرحمن على العرش استوى، وهذا المعنى هو: \"العلو والاستقرار\".

7- قال الحافظ الذهبي الشافعي - رحمه الله - تعالى - في كتابه \"العلو\" ص (532) في ترجمة القاضي أبي يعلى: \"المتأخرون من أهل النظر أي أهل الكلام قالوا مقالة مولودة ما علمت أحداً سبقهم بها، قالوا: هذه الصفات تمر كما جاءت ولا تؤول مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد، فتفرع من هذا أن الظاهر يعنى به أمران:

أحدهما: أنه لا تأويل لها غير دلالة الخطاب، كما قال السلف: \"الاستواء معلوم\"، وكما قال سفيان وغيره: \"قراءتها تفسيرها\" يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضايق التأويل والتحريف، وهذا هو مذهب السلف، مع اتفاقهم أيضاً أنها لا تشبه صفات البشر بوجهº إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته.

الثاني: أن ظاهرها وهو الذي يتشكل في الخيال من الصفة كما يتشكل في الذهن من وصف البشر، فهذا غير مراد، فإن الله - تعالى - فرد صمد ليس له نظير، وإن تعددت صفاته فإنها حق، ولكن ما لها مثل ولا نظير\" أ. ه. ونقل الذهبي عن أبي يعلى أنه قال: \"ويدل على إبطال التأويل: أن الصحابة ومن بعدهم حملوها على ظاهرها ولم يتعرضوا لتأويلها ولا صرفها عن ظاهرها، فلو كان التأويل سائغاً لكانوا إليه أسبق\".

وقال علامة الهند محمد صديق حسن خان في قطف الثمر ص 45 بعد ذكره لمذهب المفوضة وذكره لظن بعضهم أن التفويض هو طريقة السلف قال: \"فهذا الظان من أجهل الناس بعقيدة السلف، وأضلهم عن الهدى، وقد تضمن هذا الظن استجهال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة وكبار الذين كانوا أعلم الأمة علماً وأفقههم فهماً وأحسنهم عملاً وأتبعهم سنناً، ولازم هذا الظن أن الرسول {كان يتكلم بذلك ولا يعلم معناه، وهو خطأ عظيم وجسارة قبيحة نعوذ بالله منها\".

8- ينظر مجموع الفتاوى 19/5، 41، 42، 46، 62، 365، التسعينية ص 556 - 573، التدمرية مع شرحها التحفة المهدية (القاعدة الثانية ص 106، 107، والقاعدة الثالثة ص 163-182) شرح الطحاوية (شرح: ما زال بصفاته قديماً.. ص 96)، القواعد المثلى (القاعدة الثالثة)، وينظر كلام العلامة الشوكاني الذي سيأتي قريباً. وينظر قول الإمام مالك الذي سيأتي عند ذكر صفة الاستواء.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 5/41 ،42: º فقول ربيعة ومالك: \"الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول، والإيمان به واجب\" موافق لقول الباقين: \"أمروها كما جاءت بلا كيف\" فإنما نفوا علم الكيفية، ولم ينفوا حقيقة الصفة. ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: \"الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول\" ولما قالوا: \"أمروها كما جاءت بلا كيف\" فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم. وأيضاً فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات\".

9- وقد ذكر الحافظ ابن خزيمة في كتاب التوحيد 78/1، 79 أن بعض المعاصرين له من المبتدعة كان لا يجوِّز أن يقرأ: الله نور السموات الأرض، وأنه كان يقرأ: (الله نوّر السموات والأرض)، وذكر أنه كتب له نصيحة وأرسلها إليه مع بعض أصحابه، وذكر أنه بلغه أن هذا المبتدع رجع بعد ذلك.

10- قال علامة اليمن الإمام محمد بن علي الشوكاني في رسالة \"التحف في مذاهب السلف\" ص47-51:

\"مذهب السلف من الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين وتابعيهم هو إيراد أدلة الصفات على ظاهرها، من دون تحريف لها، ولا تأويل متعسف لشيء منها، ولا جبر، ولا تشبيه، ولا تعطيل يفضي إليه كثير من التأويل، فاشدد بذلك على هذا واعلم أنه مذهب خير القرون، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ودع عنك ما حدث من تلك التمذهبات في الصفات، وأرح نفسك من تلك العبارات التي جاء بها المتكلمون، واصطلحوا عليها، وجعلوها أصلاً يرد كتاب الله وسنة رسول الله {إليه، فإن وافقاها فقد وافقا الأصول المتقررة في زعمهم، وإن خالفاها فقد خالفا الأصول المتقررة في زعمهم، ويجعلون الموافق لها من قسم المقبول والمحكم، والمخالف لها من قسم المردود والمتشابه، ولو جئت بألف آية واضحة الدلالة ظاهرة المعنى، أو ألف حديث مما ثبت في الصحيح لم يبالوا به، ولا رفعوا إليه رؤوسهم، ولا عدوه شيئاً. ومن العجب العجيب والنبأ الغريب أن تلك العبارات الصادرة عن جماعة من أهل الكلام، التي جعلها من بعدهم أصولاً لا مستند لها إلا مجرد الدعوى على العقل، والفرية على الفطرة، وكل فرد من أفرادها قد تنازعت فيه عقولهم، وتخالت عنده إدراكاتهم، فهذا يقول: حكم العقل في هذا الكلام كذا، وهذا يقول حكم العقل في هذا كذا، ثم قابلهم المخالف لهم بنقيض قولهم، فافترى على عقله بأنه قد تعقل خلاف ما تعقله خصمه، وجعل ذلك أصلاً يرد إليه أدلة الكتاب والسنة، وجعل المتشابه عند أولئك محكماً عنده، والمخالف لدليل العقل عندهم موافقا له عنده، فكان حاصل كلام هؤلاء أنهم يعلمون من صفات الله ما لا يعلمه، وكفاك هذا! وليس بعده شيء، وعنده يتعثر العلم حياء من الله - سبحانه وتعالى-\". انتهى كلامه - رحمه الله - مختصراً. وينظر رسالة \"كشف الشبهات عن المشتبهات\" للشوكاني أيضاً ص36-42.

11- ينظر في عقيدة أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات: الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة، السنة للإمام أحمد، الرد على الزنادقة للإمام أحمد، خلق أفعال العباد للإمام البخاري، كتاب الرد على الجهمية للدارمي، كتاب الرد على المريسي له أيضاً، كتاب التوحيد من صحيح البخاري مع شرحه للغنيمان، العقيدة الطحاوية مع شرحها لابن أبي العز الحنفي، شرح اعتقاد أهل السنة للالكائي، السنة لابن أبي عاصم، التوحيد لابن خزيمة الشافعي، الحجة للأصفهاني، التوحيد لابن مندة، الشريعة للآجري، الصفات للدارقطني، الواسطية مع شرحها للهراس، النصيحة للواسطية للجويني، مجموع الفتاوى لابن تيمية، الصواعق المرسلة، تفضيل علم السلف على علم الخلف لابن رجب، الأربعين في صفات رب العالمين للذهبي، التحف في مذاهب السلف للشوكاني، الإقليد للشنقيطي، معارج القبول، تلخيص الحموية، القواعد المثلى، القواعد الكلية، الرسالة السلفية، الأسماء والصفات لعمر الأشقر.

12- ينظر شرح السنة، باب الرد على من قال بخلق القرآن 185/1، ومجموع الفتاوى 229/6.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 111/1: \"والاستغاثة برحمته استغاثة به في الحقيقة، كما أن الاستعاذة بصفاته استعاذة به في الحقيقة، وكما أن القسم بصفاته قسم به في الحقيقة\".

13- ينظر مدارج السالكين: المشهد الثامن 449/1-453، بدائع الفوائد 163/1، طريق الهجرتين ص 42، معارج القبول 126/1-128، الصفات لعلوي السقاف ص31-36. ،

ومما ينبغي التنبيه عليه هنا ما ذكره ابن القيم في بدائع الفوائد 164/1 من خطأ من قال: \"ينبغي التخلق بأسماء الله\". وبين أن هذه العبارة غير سديدة، وأنها مأخوذة من قول الفلاسفة بالتشبه بالإله على قدر الطاقة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply