حوار مع حسن الحداد حول ما كتبه عن الأشاعرة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 


لقد ذكرت في مقالاتك عن الأشعرية عدة أمور وأتيت ببعض الشبهات على معتقد أهل السنة وقد رددت على هذه الشبهات في حاشيتي على القواعد المثلى إلا أني أريد أن أقف مع بحوثك في بعض الجزئيات وهي:

1-ذكرت الثناء على عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري ونقلت أقوال الأئمة في ذلك ونحن لا ننكر ذلك إلا أنك لم تذكر أن أبا الحسن الأشعري قد أثبت الصفات في أهم كتابين له وهما:

أ - الإبانة وطبعت منه أكثر من طبعة ولوهبي غاوجي نظرة عليها.

ب - رسالة الثغر وقد حققها كل من الدكتور محمد الجلينيد من نسخة مخطوطة بتركيا، وحفظها أيضاً عبد الله الجنيدي لنيل الشهادة العالية في الجامعة الإسلامية في المدينة وقد رجع إلى مخطوطة في الهند إضافة إلى نسخة تركيا.

وقد أثبت الأشعري في هذين الكتابين:

أ - الاستواء ص232 من رسالة الثغر.

ب - وقال في ص236 من رسالة الثغر التي حققها الجنيدي

وأجمعوا على وصف الله بجميع ما وصف به نفسه ووصفه به نبيه من غير اعتراض فيه ولا تكيف له وأن الإيمان به واجب وترك التكييف له لازم.

وفي كلامه دليل على أن الواجب ترك التكييف لا الكيفية وان هذا هو المراد من التفويض عند السلف

قال في ص69 من رسالة الثغر التي حققها الجلينبد:

أجمعوا على أنه - عز وجل - يسمع ويرى وأن له - تعالى -يدين مبسوطتين وأن الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه من غير أن يكون جوازاً وأن يديه - تعالى -غير نعمته وقد دل على ذلك تشريفه لآدم - عليه السلام - حيث خلقه بيده، وتقريعه لإبليس على الاستكبار عن السجود مع ما شرفه به بقوله: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} [ص: 75] ا0هـ

وفي هذا رد على القائلين بالتفويض في معاني نصوص الصفات

وانظر رسالة مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات للقاضي وعلاقة الإثبات والتفويض لرضا معطي، وعقيدة الحافظ ابن كثير و التفويض والتأويل للغنيمي.

وقال في ص65 من رسالة الثغر: وأجمعوا على أن صفته - عز وجل - لا تشبه صفات المحدثين كما أن نفسه لا تشبه أنفس المخلوقين واستدلوا على ذلك بأنه لو لم يكن له - عز وجل - هذه الصفات لم يكن موصوفاً بشيء منها في الحقيقة ومن لم يكـن له (فعل، لم يكن) فاعلاً في الحقيقة ومن لم يكن له إحسان لم يكن محسناً ومن لم يكن له كلام لم يكن متكلماً في الحقيقة ومن لم يكن له إرادة لم يكن في الحقيقة مريداً وإن وصف بشيء من ذلك مع عدم الصفات التي توجب هذه الأوصاف له ولا يكون مستحقاً لذلك في الحقيقة، وإنما يكون وصفه مجازاً أو كذباً ألا ترى أن وصف الله - عز وجل - للجدار بأنه يريد أن ينقض لما لم يكن له إرادة في الحقيقة كان مجازاً وذلك أن هذه أوصاف مشتقة من أخص أسماء هذه الصفات ودالة عليها فمتى لم توجد هذه الصفات لمن وصف بها كان وصفه بذلك تلفيقاً أو كذباً فإذا كان الله - عز وجل - موصوفاً بجميع هذه الأوصاف في صفة الحقيقة وجب إثبات الصفات التي أوجبت هذه الأوصاف له في الحقيقة وإلا كان وصفه بذلك مجازاً كما وصف الجدار بأنه يريد لما لم يكن له إرادة مجازاً. ا ه

ولهذا أثبت الباقلاني الذي أثنيت عليه في مقالتك بأنه إمام من أئمة المسلمين وعلى العقيدة الصحيحة فقد أثبت في كتابه تمهيد الأوائل ص295 اليدين والوجه لله - تعالى -ورد على من زعم أن اليد بمعنى النعمة أو القدرة ولنقرأ كلامه فإنه مهم جداً

فإن قال قائل: فما الحجة في أن لله - عز وجل - وجهاً ويدين؟

قيل له: قوله - تعالى -: لله {ويبقى وجه ربك ذو الإجلال والإكرام} وقوله: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي؟} فأثبت لنفسه وجهاً ويدين.

فإن قالوا: فما أنكرتم أن يكون المعنى في قوله: {خلقت بيدي} أنه خلقه بقدرته أو بنعمته؟ لأن اليد في اللغة قد تكون بمعنى النعمة وبمعنى القدرة كما يقال: \" لي عند فلان يد بيضاء \" يراد به نعمة وكما يقال: \" هذا الشيء في يد فلان وتحت يد فلان \" يراد به أنه تحت قدرته وفي ملكه ويقال: \" رجل أيد \" إذا كان قادراً وكما قال الله - تعالى -: {خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً} يريد عملنا بقدرتنا وقال الشاعر

إذا ما راية رفعت لمجد **** تلقاها عرابة باليمين

فكذلك قوله: {خلقت بيدي} يعني: بقدرتي أو نعمتي

يقال لهم: هذا باطل، لأن قوله {بيدي} يقتضي إثبات يدين هما صفة له فلو كان المراد بهما القدرة لوجب أن يكون له قدرتان وأنتم فلا تزعمون أن للباري - سبحانه - قدرة واحداً فكيف يجوز أن تثبتوا له قدرتين؟

وقد اجمع المسلمون من مثبتي الصفات والنافين لها على أنه لا يجوز أن يكون له - تعالى -قدرتان فبطل ما قلتم وكذلك لا يجوز أن يكون الله - تعالى -خلق آدم بنعمتين لأن نعم الله - تعالى -على آدم وعلى غيره لا تحصى ولأن القائل لا يجوز أن يقول \" رفعت الشيء بيدي \" أو \" وضعته بيدي \" أو \" توليته بيدي \" وهو يعني نعمته وكذلك لا يجوز أن يقال: \" لي عند فلان يدان \" يعني نعمتين وإنما يقال \" لي عنده يدان بيضاوان لأن القول \" يد \" لا يستعمل إلا في اليد التي هي صفة للذات

ويدل على فساد تأويلهم أيضاً أنه لو كان الأمر على ما قالوه لم يغفل عن ذلك إبليس وعن أن يقول: \" وأي فضل لآدم عليّ يقتضي أن أسجد له وأنا أيضاً بيدك خلقتني التي هي قدرتك وبنعمتك خلقتني؟ \" وفي العلم بأن الله - تعالى -فضل آدم عليه بخلقه بيديه دليل على فساد ما قالوه.

فإن قال قائل فما أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة إذ كنتم لم تعقلوا يد صفة ووجه صفة لا جارحة؟

يقال له: لا يجب ذلك كما لا يجب إذا لم نعقل حياً عالماً قادراً إلا جسماً أن نقضي نحن وأنتم على الله - تعالى -بذلك وكما لا يجب متى كان قائماً بذاته أن يكون جوهراً أو جسماً لأنا وإياكم لم نجد قائماً بنفسه في شاهدنا إلا كذلك.

وكذلك الجواب لهم إن قالوا: فيجب أن يكون علمه وحياته وكلامه وسائر صفاته لذاته أعراضاً أو أجناساً أو حوادث أو أغياراً له أو حالة فيه أو محتاجة له إلى قلب واعتلوا بالوجود. ا ه



2- إخراج الأشاعرة عن ملة الإسلام:

لم يقل أحد بأن الأشاعرة خارجون عن ملة الإسلام بل الناس فيهم قسمان:

أ - أن الأشاعرة من أهل السنة وهذا قول الإمام السفاريني في كتابه اللوامع.

ب - إن الأشاعرة من أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة وبه قال الشيخ ابن عثيمين.

ولشيخ الإسلام رأي أن الأشاعرة هم أهل السنة في المكان الذي لا يوجد فيه غيرهم كما ذكر ذلك في مواضع من كتبه.



3- قولك أن الظاهر من نصوص الصفات غير مراد

فالجواب أن ظاهر النصوص ما يتبادر منها من المعاني بحسب ما تضاف إليه وما يحتف بها من القرائن ونقول رداً على كلامك.

ماذا تريد بالظاهر؟ أتريد ما يظهر من النصوص من المعاني اللائقة بالله من غير تمثيل فهذا الظاهر مراد لله ورسوله قطعاً وواجب على العباد قبوله، والإيمان به شرعاً لأنه حق ولا يمكن أن يخاطب الله عباده بما يريد منهم خلاف ظاهره بدون بيان كيف؟

فتبين بذلك أن من قال: إن ظاهر نصوص الصفات غير مراد فقد أخطأ على كل تقدير لأنه

أ - إن فهم من ظاهرها معنى فاسداً وهو التمثيل فقد أخطأ في فهمه وأصاب في قوله \" غير مراد \"

ب - وإن فهم من ظاهرها معنى صحيحاً وهو المعنى اللائق بالله فقد أصاب في فهمه وأخطأ في قوله \" غير مراد \" فهو إن أصاب في معنى ظاهرها أخطأ في نفي كونه مراد وإن أخطأ في معنى ظاهرها أصاب في نفي كونه مراداً فيكون قوله خطأ على كل تقدير.

والصواب الذي لا خطأ فيه أن ظاهرها مراد، وأنه ليس إلا معنى يليق بالله.



4- ذكرت أن إثبات أهل السنة للصفات يؤدي إلى التجسيم لأن ظاهر الصفات في لغة العرب الجوارح ونقلت في اليد عن القاموس وشرحه

ونحن نقول لك أنت أثبت صفة الإرادة لله واقرأ ما قاله أهل اللغة في الإرادة:

قال الراغب فيما نقله عنه السمين في عمدة الحفاظ (2/141) \" والإرادة في الأصل (قوة) مركبة من شهوة أو حاجة وأمل وجعلت اسماً لنزوع النفس إلى الشيء مع الحكم فيه بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل فإذا استعمل في الله - تعالى -فإنه يراد به المنتهى دون المبتدأ فإنه يتعالى عن معنى النزوع ا0هـ

فهو استعمل الإرادة في أصل المعنى ثم قال إن إرادة الله تخالف هذا.

وقد نقل هذا المعنى المناوي في التوقيف ص48

وقال ابن عباد في المحيط (9/347):

\" والإرادة: أصلها الواو وتقول: راوته على فعل كذا: أي أردته والريدة: مصدر الإرادة والإرتياد والرود

والإرادة: التمكث عن حاجتك حتى تكاد تفوتك وأصله من أرود إرواداً إذا تمكث.



وقال الكفوي في الكليات ص74\" والإرادة: هي في الأصل قوة مركبة من شهوة وحاجة وخاطر وأمل ثم جعلت اسماً لنزوع النفس إلى شيء مع الحكم فيه أنه ينبغي أن يفعل أو أن لا يفعل.

وفي \" الأنوار \": هي نزوع النفس وميلها إلى الفعل بحيث يحملها عليه ويقال للقوة التي هي مبدأ النزوع والأول مع الفعل والثاني قبله

وتعريفها بأنها اعتقاد النفع أو ظنه أو هي ميل يتبع ذلك الاعتقاد أو الظن.

كما أن الكراهة نفرة تتبع اعتقاد الضر أو ظنه إنما هو على رأي المعتزلة.

والاتفاق على أنها صفة مخصصة لأحد المقدورين بالوقوع.

وقيل في حدها: إنها بمعنى ينافي الكراهة والاضطرار فيكون الموصوف بها مختاراً فيما يفعله.

وقيل إنها معنى يوجب اختصاص المفعول بوجه دون وجه لأنه لولا الإرادة لما كان وقت وجوده أولى من وقت آخر ولا كمية ولا كيفية أولى مما سواها.

والإرادة إذا استعملت في الله: يراد بها المنتهى وهو الحكم دون المبدأ فإنه - تعالى -غنى عن معنى النزوع به.

واختلف في معنى إرادته - تعالى -والحق أنه ترجيح أحد طرفي المقدور على الأخر وتخصيصه بوجه دون وجه أو معنى يوجب هذا الترجيح.

وهي أعم من الاختيار فإنه ميل مع تفضيل.

وقال الأزهري في تهذيب اللغة (14/163): والإرادة أصلها الواو ألا ترى أنك تقول راودته أي أردته على أن يفعل كذا وتقول راود فلان جاريته عن نفسها وراودته هي عن نفسه إذا حاول كل واحد منهما من صاحبه الوط، والجماع ومنه قول الله جل وعز {تراود فتاها عن نفسه} ا0هـ

وانظر اللسان (5/365) وشرح القاموس (2/358) فهل نأخذ بنصيحتك وننفي الإرادة عن الله على اعتبار إن هذا قول أهل اللغة في الإرادة كما نفيت أنت الصفات بحجة أنها جوارح عند أهل اللغة وبالتالي وافقنا المعتزلة والفلاسفة في نفي صفة الإرادة أم ستقول بإثباتها مع القطع بنفي المشابهة لله؟

فان قلت الثاني فنحن نقول في سائر صفات ربنا كذلك

وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك

والله من وراء القصد.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply