مجازر الدروز في النصارى الموارنة


بسم الله الرحمن الرحيم

 


الزمان / 4 جمادى الأولى 1261هـ

المكان / جبل عامل لبنان - الشام

الموضوع / مجازر الدروز في النصارى الموارنة

الأحداث /

إن أحداث التاريخ مليئة بالعبر والدروس التي تحتاج إلى قلب واع ليدرك عبرها ويفهم دور دروسها وإنها لتتشابه فيما بينها بصورة كبيرة حتى أن الناظر لتلك الأحداث ليظن أنها تعيد نفسها ولكن الحق هي لا تعيد نفسها بل تتشابه في كثير من أجزائها لأن الأهداف واحدة والدوافع معروفة والعدو واحد والغرض واضح والمخططات تتشابه في ظل وحدة الأهداف والدوافع، وصفحتنا تلك توضح هذا الكلام بجلاء، فهي حلقة من حلقات الكيد الصليبي بأمة الإسلام عن طريق إثارة الفتن والثورات والاضطرابات داخل بلاد المسلمين ليكون ذلك ذريعة وسلماً للتدخل في شئون المسلمين ومن ثم احتلال بلادها ومحاربة دينهم، فالدول الاستعمارية الصليبية القديمة إنجلترا وفرنسا وروسيا كانوا يعملون تحت مظلة كره الإسلام وأهله مع أنهم فيما بينهم في منتهى الشحناء والبغضاء فانجلترا بروستانتنية وفرنسا كاثوليكية وروسيا أرثوذكسية وهذا التنافر جعل مخططاتهم رغم وحدة الهدف تتعارض فيما بينهم ولربما يحدث تناحر وتحارب وللأسف لا يستفيد المسلمون من ذلك.



تبدأ أحداث هذه الصفحة عندما تنامت قوة محمد علي واكتسحت جيوشه الحجاز وقمعت ثورة اليونان وانضم إليه الأسطول البحري العثماني وهذا أدى به إلى طلب الشام لأملاكه وسير جيوشه الفتية بقيادة ولده إبراهيم باشا وكان كأبيه في القوة الشدة والدهاء فاكتسح الشام وواصل تقدمه حتى صار على أبواب استانبول عاصمة الدولة العثمانية، وهنا خشيت الدول الأوروبية الصليبية من ظهور قوة إسلامية جديدة تحل محل العثمانيين الذين كانوا في منتهى الضعف على الرغم من أن الصليبيين هم الذين شجعوا محمد علي في بادئ الأمر لكنهم شعروا بخطورته فقرروا تحجيمه وبالفعل تم ذلك وعاد محمد علي إلى سابق ملكه القديم في مصر فقط وخرجت جيوش إبراهيم باشا من الشام وحصل خلو في السلطة في هذه المنطقة نظراً لأن الخليفة قد عزل أمير الشام \'بشير الشهابي\' والذي فر لإنجلترا.



كانت منطقة الشام عموماً منطقة ملتهبة تموج بالفتن الطائفية والاضطرابات بين أهالي البلاد لتركيبتهم المتباينة وعقائدهم المختلفة، وكان أشد هذه المناطق التهاباً واضطراباً هي منطقة جبل لبنان وكان يسكن هذا الجبل وضواحيه الدروز والموارنة، أما الدروز فهم فرقة من فروق الباطنية التي تظهر الإسلام وتبطن الكفر وخطرها وضررها على الإسلام أشد من اليهود والنصارى وكان هؤلاء الدروز تحت حماية ورعاية إنجلترا، أما الموارنة فهم من النصارى الكاثوليك وكانوا تحت حماية ورعاية فرنسا وكانت الأغلبية للدروز وكانوا شديدي العدواة للموارنة لا بدافع عقائدي إنما بدافع من إنجلترا التي كانت تؤلب الدروز على الموارنة ليجبروهم على ترك مذهبهم الكاثوليكي والتحول للمذهب البروتستانتي، وكان وجود إبراهيم باشا في الشام قامعاً لثورات الشام خاصة الدروز على الموارنة لذلك استغل الدروز خروج إبراهيم باشا وذلك سنة 1257هـ وقاموا بالهجوم على دير القمر وارتكبوا أبشع الجرائم من قتل وسلب وسبي للنساء والأطفال مما جعل فرنسا تهدد بالدخول في الشام لإنقاذ بني ملتهم وحاول الخليفة حل المشكلة المتفاقمة هناك فعين والياً عثمانياً وحرم منطقة الجبل من كل امتيازاتها السابقة \'والتي قد حصلت عليها بضغط من الدول الأوروبية\' ولكن الدول الأوروبية لم توافق فاضطر أن يعيد للجبل امتيازاته وحاول حل المشكلة عن طريق تعيين مسئولين أحدهما درزي والآخر ماروني وذلك عام 1258هـ ولكن هذا الأمر لم يستقم لاختلاط الطوائف في القرى.



حاول الخليفة حل المشكلة بطريق آخر وهو أن يضم منطقة شمال الجبل وهي منطقة الموارنة إلى ولاية طرابلس ولكن الموارنة احتجوا على ذلك وعدوه إضعافاً لشأنهم فأعيدت مسألة تعيين مسئولين للجبل ولكن الدروز احتجوا على الأمر وأصروا أن يكون الموارنة تحت سيطرتهم وسلطانهم ولما مال الخليفة لهذا الرأي أعاد الموارنة فكرة انضمامهم إلى ولاية طرابلس حيث فضلوا أن يكونوا تحت أي ولاية أخرى ولا يكونوا تحت سيطرة الدروز فاستحسن الخليفة هذا الرأي وشرع في تنفيذه ولكن الدروز لم يعجبهم ذلك.



قام الدروز في 4 جمادى الأولى 1261هـ بارتكاب مذبحة مروعة عندما هجموا على مقر إرسالية كاثوليكية فرنسية وقتلوا رئيس الدير واثنين من الرهبان ومثلوا بجثثهم ثم أحرقوهم وأحرقوا مقر الإرسالية والكنيسة الكاثوليكية حتى تركوها قاعاً صفصفاً وعلى مقربة منهم مقر إرسالية أرثوذكسية وبروتستانية أمريكية وإنجليزية ولم يتعرض لهما أحد بسوء ليعلم الموارنة أنهم لو كانوا بروتستانت أو أرثوذكس ما تعرض لهم أحد، وهنا أرسلت فرنسا ستة آلاف جندي من أجل حماية رعاياها فأرسلت الدولة العثمانية جيوشها في المنطقة وأعلنت الأحكام العرفية وشكلت مجلس مكون من عشرة أشخاص مختلفي المذاهب من أجل تسيير النظام في المنطقة، والجدير بالذكر أن هذه القضية لم تغلق إلى هذا الحد بل تبع ذلك مجازر خطيرة ولم تتوقف إلا بعد تحقيق هدفها المنشود ألا وهو إسقاط الخلافة العثمانية واحتلال بلاد المسلمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply