بسم الله الرحمن الرحيم
أرجو التكرم بالإجابة على سؤالي هذا:
حظي الخميني بمكانة عظيمة عند الشيعة وفي الإعلام الغربي، فما الذي أكسبه ذلك؟ وما هو الجديد الذي جاء به الخميني في دين الشيعة وجعل له هذه المكانة عندهم والتي لم تكن لغيره من قبله؟ وما مستنده في ما ذهب إليه؟
وللجواب على هذا السؤال لابد أن نذكر أن الشيعة الإمامية تعتقد بأن الزمان لا يخلو من إمام، وأن عدد الأئمة الاثني عشر مضى منهم أحد عشر ودخل الثاني عشر في سرداب قبل أكثر من ألف عام، وليس من حق أي أحد أن يقوم مقامه أو أن يحكم في الأرض بدلاً عنه، فهم ينتظرون رجوعه ليحكم الأرض بدين الشيعة، غير أن الخميني جاءهم بفكرة جديدة على مذهبهم وهي ما عرفت بـ \"ولاية الفقيه\" وملخصها أن الفقيه المعتبر عندهم له الحق في القيام بما يقوم به الإمام الغائب في كل شيء عدا الجهاد الأكبر، وأن كثيرين من فقهاء الشيعة اليوم مؤهلين للقيام بـهذه الولاية إلا أنه هو الذي تولى العملية كاملة.
ويبرر الخميني استحداثه لهذه النظرية بأن الشيعة انتظروا ألف سنة الآن ولم يخرج الإمام المنتظر وقد ينتظرون ألفا أخرى قبل خروجه فلا يمكن تعطيل الدين والحرمان من دولة شيعية لآلاف السنين قبل خروجه، لذلك يمكن أن يقوم الفقيه في المذهب الشيعي بـهذا العمل نيابة عنه.
وكما ترى فهي نظرية قائمة على أدلة عقلية مجردة، وليس لها أي مستند نصّي في دينهم، لذا فهي أقرب إلى المناورة السياسية منها إلى النظرية الدينية، وفي الوقت نفسه فإنـها لم تحظ بالقبول لدى المراجع الشيعية العليا التي كانت تعدّ أعلى من الخميني نفسه وعلى رأسهم آية الله الخوئي في العراق، الذي كان يعتبر وقت خروج الخميني أعلى مرجع شيعي في العالم. إلا أن نظام الحوزات الشيعي قد مكن الخميني من كسب الأتباع له واحداً واحداً حتى جعل الآخرين أمام الأمر الواقع. ثم حصل له ما أراد من إسقاط النظام الشاهنشاهي في إيران وأقام مكانه نظاماً شيعيا رافضياً متعصباً.
لقد كان الدين الشيعي قبل ذلك ينتظر الإمام الثاني عشر الذي دخل في السرداب قبل أكثر من ألف سنة ومازال حياً إلى الآن ليظهر من سردابه ويقيم له دولة يتبعونه في ذلك. حيث يشترط الشيعة لصحة الدولة في أي وقت من الأوقات أن يرأسها أحد الأئمة الاثني عشر، وقد ذهبوا كلهم ولم يبق غير صاحب السرداب، فبدونه لا يجوز أن يقيموا دولة أو أن يصلوا الجمعة أو أن يجاهدوا ضد عدو (إلا الدفاع عن النفس) وغيرها من واجبات الإمامة، والإمام عندهم معصوم من الخطأ والنسيان.
ولما جاء الخميني بولاية الفقيه قال إن الفقيه الذي ينوب عن الإمام له أيضاً العصمة، لذلك ادّعاها لنفسه وهي اليوم تدّعى لمن جاء مكانه وهو علي خامئني.
ويقول الأستاذ عبد الله محمد الغريب في كتابه وجاء دور المجوس عن ولاية الفقيه عند الخميني في ذلك: \"وهو في واقع الأمر ادعاء للمهدية بأسلوب ذكي وبطريقة محنكة فهو، قد وضع نفسه موضع الإمام له ما للإمام الذي تخلع عليه كتب الشيعة ومدوناتـها صفات أسطورية تذكرك بمعبودات الرومان.
وفي الصحافة والإذاعة الإيرانية يسمى بالإمام وهذه التسمية في مدلول الشيعة لها معنى خاص ومنـزلة فريدة، وهل هناك فرق بين ادعاء المهدية وادعاء النيابة عن المهدي في كل شيء؟ \" انظر وجاء دور المجوس الجزء الأول صفحة 193.
وقد فصّل الخميني نظريته هذه في كتابه \" ولاية الفقيه \" أو ما يسمى بـ\" الحكومة الإسلامية \".
ويبدو أن هذه النظرية قد أعطت مكاسب ضخمة للآيات ليس من السهل أن يتنازلوا عنها، غير أنـها في الباب الآخر فتحت مجالاً نظرياً لتقويض مذهب الشيعة كله من حيث لا يشعرون، فما دام الخميني فتح باب النقاش العقلي لواجبات الإمام ورضي بتعديلها نتيجةً للعقل والمنطق، فمن المتوقع أن يطالب كثيرون بعده بإخضاع بقية تفاصيل الدين للنقاش العقلي، مثل العصمة والرجعة والغيبة بل والإمامة نفسها التي هي أساس مذهبهم وغيرها، بل إن كثيراً من المثقفين في الشارع الإيراني بدؤوا بالفعل يسخرون من فكرة الإمام الغائب علناً، والبعض يسخر من نائبه الحالي الذي لم يكن معصوماً قبل منصبه الجديد ثم صار كذلك!
إن دين الشيعة - فيما يبدو - مرشح لأن تحدث له هزات عظيمة من داخله بسبب نظرية ولاية الفقيه قد تـهوي به إلى الوحل...
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد