الخوارج ... قديماً وحديثاً


بسم الله الرحمن الرحيم

 

المتأمل لأحاديث النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الخوارج يجد أنها تنقسم إلى قسمين:

قسمٌ ظهر في زمن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).

والقسمُ الآخر يظهر في آخر الزمان ولا ندري هل نحن في آخر الزمان أم لا فذلك علمه عند الله - عز وجل -، وسوف نورد أحاديثَ وردت في صحيحي البخاري ومسلم ومسند أحمد بن حنبل حتى نتعرف أكثر على هؤلاء الخوارج الذين مرقوا من الدين كمروق السهم من الرمية كما وصفهم الرسول الأكرم - صلى الله عليه وسلم -.



الخوارج قديماً:

أورد البخاري في صحيحه:

3341 - حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال: يا رسول الله اعدل! فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل! فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه. فقال: دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه - وهو قدحه - فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس!! قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى نظرت إليه على نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي نعته*



وأخرج مسلم

1761 - حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: أتى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبض منها يعطي الناس، فقال: يا محمد اعدل! قال: ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل! فقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق! فقال: معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية، حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال سمعت يحيى ابن سعيد يقول أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثني قرة بن خالد حدثني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم مغانم وساق الحديث*



وأخرج أحمد في مسنده

11112 - حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم قسماً إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول الله! فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل! فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله أتأذن لي فيه فأضرب عنقه! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: دعه فإن له أصحاباً يحتقر أحدكم صلاته مع صلاته، وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر في نضيته فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر في رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، منهم رجل أسود في إحدى يديه أو قال: إحدى ثدييه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر، يخرجون على حين فترة من الناس، فنزلت فيهم: ((ومنهم من يلمزك في الصدقات)) الآية قال أبو سعيد أشهد أني سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأشهد أن علياً حين قتله وأنا معه جيء بالرجل على النعت الذي نعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -*

نلاحظ في هذه الأحاديث الثلاثة الشريفة أنها وصفت هذا الخارجي ابن ذي الخويصرة التميمي بأنه له أصحاباً يقرؤون القرآن، ويلهجون به ليلاً ونهاراً، وأنهم كثيرو الصلاة والصيام، ولكنهم فارغوا المحتوى، وقد أمر النبي بقتالهم، بل بين أن من يقاتلهم يومئذ ويهزمهم هم على الحق، ونلاحظ هنا أيضاً أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - استأذن النبي في أن يضرب عنقه لأنه منافق فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك.



الخوارج حديثاً:

أما القسم الثاني من هؤلاء الخوارج فقد جاء وصفهم أيضاً بأنهم يمرقون من الدين، ونعتهم بنفس النعوت، بل أوضح النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم يعتقدون أنهم خير الناس: (يقولون من خير قول الناس)، ولعلهم يكفرون كل من يخالفهم في الرأي.

أخرج البخاري في صحيحه:

4004 - حدثنا قتيبة حدثنا عبد الواحد عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة حدثنا عبد الرحمن بن أبي نعم قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول: بعث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها، قال: فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن بدر وأقرع بن حابس وزيد الخيل والرابع إما علقمة وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء، قال: فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله اتق الله! قال: ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله قال: ثم ولى الرجل قال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه!؟ قال: لا لعله أن يكون يصلي. فقال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه؟! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم، قال: ثم نظر إليه وهو مقف فقال: إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وأظنه قال: لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود*

وأخرج مسلم أيضاً

1762 - حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري قال: بعث علي - رضي الله عنه - وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس الحنظلي، وعيينة بن بدر الفزاري، وعلقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب، وزيد الخير الطائي ثم أحد بني نبهان قال: فغضبت قريش فقالوا: أتعطي صناديد نجد وتدعنا؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم!! فجاء رجل كث اللحية، مشرف الوجنتين، غائر العينين، ناتئ الجبين، محلوق الرأس، فقال: اتق الله يا محمد!! قال فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فمن يطع الله إن عصيته أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني؟! قال: ثم أدبر الرجل، فاستأذن رجل من القوم في قتله - يرون أنه خالد بن الوليد - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن من ضئضئ هذا قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد*

وأخرج أحمد بن حنبل:

3639 - حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يخرج قوم في آخر الزمان، سفهاء الأحلام، أحداث أو قال حدثاء الأسنان، يقولون من خير قول الناس، يقرؤون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فمن أدركهم فليقتلهم فإن في قتلهم أجراً عظيماً عند الله لمن قتلهم*



11221 - حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن أبيه عن ابن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري قال: بعث علي وهو باليمن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بذهيبة في تربتها فقسمها بين الأقرع بن حابس الحنظلي ثم أحد بني مجاشع وبين عيينة بن بدر الفزاري وبين علقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب وبين زيد الخير الطائي ثم أحد بني نبهان قال: فغضبت قريش والأنصار، فقالوا: يعطي صناديد أهل نجد، ويدعنا؟! قال: إنما أتألفهم! قال: فأقبل رجل غائر العينين، ناتئ الجبين، كث اللحية، مشرف الوجنتين، محلوق، قال: فقال يا محمد اتق الله!! قال: فمن يطع الله إذا عصيته أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني؟! قال: فسأل رجل من القوم قتله النبي - صلى الله عليه وسلم - أراه خالد بن الوليد فمنعه، فلما ولى قال: من ضئضئ هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد*

ولنأنس بحديث آخر رواه أبو داود في مسنده

4137 حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي حدثنا الوليد ومبشر يعني ابن إسماعيل الحلبي عن أبي عمرو قال يعني الوليد حدثنا أبو عمرو قال حدثني قتادة عن أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل، ويسيئون الفعل، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، لا يرجعون حتى يرتد على فوقه، هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم، قالوا: يا رسول الله ما سيماهم؟ قال: التحليق!! حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحوه قال: سيماهم التحليق والتسبيد، فإذا رأيتموهم فأنيموهم!! قال أبو داود: التسبيد استئصال الشعر*

ولنرى معاني الكلمات في الحديث الذي أورده مسلم لشارحه:

(كث اللحية) قال ابن الأثير: الكثاثة في اللحية أن تكون غير دقيقة ولا طويلة، وفيها كثافة، يقال: رجل كث اللحية، بالفتح. وقوم كث، بالضم.

(إن من ضئضئى هذا) هو أصل الشيء، وهكذا هو في جميع نسخ بلادنا، وحكاه القاضي عن الجمهور، وعن بعضهم أنه ضبطه بالمعجمتين والمهملتين جميعاً وهذا صحيح في اللغة: قالوا: ولأصل الشيء أسماء كثيرة: منها الضئضئى بالمعجمتين والمهملتين، والنجار، والنحاس، والسنخ، والعنصر، والعيص، والأرومة.

(قتل عاد) أي قتلاً عاماً مستأصلاً كما قال - تعالى -: ((فهل ترى لهم من باقية)).

نلاحظ هنا ما يلي:

1. ذكرت الروايات في القسم الأول أن الذي عارض النبي بقوله: اعدل هو ذو الخويصرة أو ابن ذي الخويصرة وقد هلك في حرب النهروان، كما أن من تطوع لقتله كان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)º أما في روايات القسم الثاني فإنها لم تذكر لنا من هو الرجل كما أن من تطوع لقتله كان خالد بن الوليد (رضي الله عنه).

2. إن توزيع الغنائم كان في القسم الأول كانت بعد منصرفه من حنين على عموم المسلمينº أما في الأخرى فكانت من الأموال التي بعث بها علي (رضي الله عنه)، وقد وزعها على أربعة أسهم للمؤلفة قلوبهم من نجد.

3. في القسم الأول قال النبي: (فإن له أصحاباً) (إن هذا وأصحابه)، أما في القسم الثاني فإنه - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: (يخرج من ضئضئ هذا قوم)(إن من ضئضئ هذا قوماً).

4. إن من علامات هؤلاء الخوارج التحليق والتسبيدº وأنهم يقاتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الشرك.

5. إن الرجل في القسم الثاني كان غريباً على أهل الحجاز حيث وصفوه بأنه يحلق شعره، وأنه كث اللحية، وأنه قصير الإزار، والذي يظهر لنا أن هذا الرجل كان من نجد حيث أن توزيع الذهيبة كانت على أهل نجد، ولنورد رواية لعل بها تقريب للفكرة:

979 - حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا حسين بن الحسن قال حدثنا ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال: قال اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا، قال: قالوا وفي نجدنا؟! قال: قال اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا!! قال: قالوا وفي نجدنا؟! قال: قال هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان* أورده البخاري

وهذه الرواية أيضاً

5306 - ولقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يخرج من أمتي قوم يسيئون الأعمال، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، قال يزيد: لا أعلم إلا قال: يحقر أحدكم عمله من عملهم يقتلون أهل الإسلام فإذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم، فطوبى لمن قتلهم، وطوبى لمن قتلوه، كلما طلع منهم قرن قطعه الله - عز وجل -، فردد ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرين مرة أو أكثر وأنا أسمع* أخرجه أحمد عن ابن عمر.

وهذه الرواية

16449 - حدثنا يزيد أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ومحمد بن عبيد حدثنا إسماعيل عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود الأنصاري قال: أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده نحو اليمن فقال: الإيمان هاهنا، قال: ألا وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين أصحاب الإبل، حيث يطلع قرن الشيطان في ربيعة ومضر، قال محمد عند أصول أذناب الإبل* أخرجه أحمد في مسنده ومعنى الفدادين أي شديدي الصوت.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply