بسم الله الرحمن الرحيم
يجد المتتبع لأخبار الباطنية ومذاهبهم تناقضاً ظاهراً، والسر في هذا التناقض يعود إلى أن أهل المذهب هم الذين أرادوا ذلك لكي تتضارب أخبارهم عند الناس، وبالتالي يستطيعون تكذيب ما يريدون مما ينقل عنهم بحجة أن الناس يكذبون عليهم.
ثم هم أيضاً لا يقوم مذهبهم إلا على هذا التلون الكثير، ومن هنا قال الغزالي: (والذي قدمناه في جملة مذهبهم يقتضي لا محالة أن يكون النقل عنهم مختلفاً مضطرباً، فإنهم لا يخاطبون الخلق بمسلك واحد، بل غرضهم الاستتباع والاحتيال، فلذلك تختلف كلماتهم، ويتفاوت نقل المذهب عنهم).
ومهما كان الحال فإن عقائد الباطنية هي مجموعة أفكار ملفقة من مذاهب شتى، وكلها خبط واضطراب، ومن عجيب أمرهم أنهم يستدلون على كفرهم ومحاربة الإسلام ببعض الآيات من القرآن الكريم، وبأحاديث مختلقة مكذوبة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأحاديث صحيحة يحرفون معانيها، ويؤولونها على وفق اعتقاداتهم الإلحادية، وكل عقائدهم ترجع إلى:
إنكار وجود الله - تعالى-.
جحد أسمائه وصفاته.
تحريف شرائع النبيين والمرسلين.
وفي كل ذلك يتسترون:
إما بالتشيع لآل البيت.
وإما بزعم التجديد والتقدم.
وغير ذلك مما يختلقون من الشعارات والأكاذيب المخترعة.
أولاً: عقيدتهم في الألوهية:
فقد اختلفت مذاهبهم فيه على درجات من الكفر والإلحاد كما اتضح من خلاصة معتقداتهم.
فذهب قسم منهم إلى القول بوجود إلهين، لا أول لوجودهما من حيث الزمن، إلا أن أحدهما علة لوجود الثاني، واسم العلة السابق، واسم المعلول التالي، وأن السابق خلق العالم بواسطة التالي لا بنفسه، وقد يسمون الأول عقلاً، والثاني نفساً تخرصاً وكذباً.
بل قالوا: إن السابق والتالي هما المراد باللوح والقلم، واستدلوا من القرآن الكريم بما جاء فيه من صيغة الجمع مثل: (إنا نحن نزلنا)، (نحن قسمنا بينهم).
قالوا: ولولا أن معه إلهاً آخر له العلو أيضاً لما ورد قوله - تعالى -: (سبح اسم ربك الأعلى)، قالوا وهما أيضاً: الرحمن الرحيم.
ولا شك أن هذا يدل على مدى جهلهم بلغة العرب لأنهم من فارس، وبعضهم لم يتقن العربية، وإلا لعلموا أن هذا الخطاب (إنا) أو (نحن) إنما هو من باب التعظيم، والله - عز وجل - له العظمة المطلقة.
وقد ذكر مصطفى غالب - باطني من أهل سلمية - خلاصة معتقدهم في الخالق - عز وجل - فقال: (ولما كان الله فوق العالم وهو غير محدود، فلا يمكن أن يخلق العالم مباشرة، وإلا اضطر إلى الاتصال به مع أنه بعيد عنه، لا ينزل إلى مستواه، ولما كان واحداً فلا يمكن أن يصدر عنه العالم المتعدد، ولا يستطيع أن يخلق الله العالم، لأن الخلق عمل وإنشاء شيء لم يكن، وذلك يستدعي التغير في ذات الله، والإله لا يتغير).
ومعنى هذا الكفر أن الله علة العالم وسبب وجوده فقط، وأن الله فوق العالم، ولا يستطيع أن يتصل به ويخلقه بنفسه مباشرة لأنه واحد، ويستنكف أن يباشر خلق الأشياء بنفسه لترفعه وعلوه، وهذا من أعظم الجهل والغفلة.
وذهب قسم آخر منهم إلى الاعتقاد أن علياًً - رضي الله عنه - هو الذي خلق السموات والأرض، خالق محيي مميت مدبر للعالم، وأنه ظهر في صورة الناسوت - الناس - ليؤنس خلقه وعبيده ليعرفوه ويعبدوه، وقد أنشد بعضهم في سنة سبعمائة قوله:
أشهد أن لا إله إلا حيدرة الأنزع البطين
ولا حجاب عليه إلا محمد الصادق الأمين
ولا طريق إليه إلا سلمان ذو القوة المتين
وذهب بعضهم إلى أن الله - تعالى- لا يصح وصفه بأنه موجود ولا معدوم، ولا معلوم ولا مجهول، ولا موصوف ولا غير موصوف، ولا قادر ولا غير قادر... وهذا ما يقصده مصطفى غالب حين قال:
(وتحدّث الفلاسفة الإسماعيليون عن وجود الله - تعالى-، فأثبتوا ضرورة وجوده عن طريق ليسيّته، وضرورة استناد الموجودات واحتياجها إلى موجد، ونفوا عن الله الأيسية كما نفوا عنه الليسية، وقالوا: إن الله لا يمكن أن يكون ليساً ولا أيساً، أي إنه لا يصح أن يكون الله غير موجود ولا أن يكون موجوداً من نوع الموجودات التي وجدت عنه، ويطلق عليه اسم المبدع الأول، والعقل الأول، والمحرك الأول.. ويأتي بعده في ترتيب العقول، العقل الثاني الذي وجد عن طريق الانبعاث..) إلى آخر تقسيمه الطويل الممل.
إلى آخر خرافاتهم وإلحادهم وغرضهم نفي وجود الله - تعالى - بوجه يدق على عوام الناس، يكون ظاهره التنزيه، والغرض الحقيقي نفي وجود الله - عز وجل -، إذ لا يمكن أن تصدق تلك الأوصاف إلا على معدوم، ومثل هذه المزاعم معلوم بطلانها من دين الإسلام بالضرورة، فلا خالق إلا الله - عز وجل - كما هو معلوم عند أصحاب كل الأديان، وعليّ وغيره في هذا الكون مخلوق لله، أوجده بعد أن لم يكن، لا يملك أحد لنفسه ضراً ولا نفعاً ((وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه - سبحانه وتعالى- عما يشركون)).
ثانياً: اعتقادهم في النبوات:
يجحد الباطنيون النبوات، وينكرون المعجزات، ويزعمون أنها من قبيل السحر والطلاسم، ويفسرون النبوة بأنها عبارة عن شخص فاضت عليه من السابق بواسطة التالي قوّة قدسية صافية مهيأة لأن تنتقش عند الاتصال بالنفس الكلية بما فيها من الجزئيات، كما قد يتفق ذلك لبعض النفوس الزكية في المنام حين تشاهد في مجاري الأحوال في المستقبل إما صريحاً بعينه أو مدرجاً تحت مثال يناسبه مناسبة ما، فيفتقر فيه إلى التعبيرº لأن النبي هو المستعد لذلك في اليقظة.
ويزعمون أن هذه القوة القدسية الفائضة على النبي لا تستكمل في أول حلولها، كما لا تستكمل النطفة في الرحم إلا بعد تسعة أشهر، فكذلك هذه القوة كمالها أن تنتقل من الرسول الناطق إلى الأساس الصامت.
ومن هذا التصور الرديء اعتقدوا أن جبريل عبارة عن العقل الفائض على النبي لا أنه شخص يتنقل من علو إلى سفل، وعلى هذا فهم يعتقدون أن القرآن الكريم تعبير محمد عن المعارف التي فاضت عليه من العقل الذي هو جبريل، وسمي كلام الله مجازاً.
ومن اعتقاداتهم التي بينها الغزالي أنهم قالوا: كل نبي لشريعته مدة، فإذا انصرمت مدته بعث الله نبياً آخر ينسخ شريعته، وحددوا لشريعة كل نبي سبعة أئمة، أولهم النبي الناطق، ثم الأساس الصامت، ثم السوس، ومعنى الناطق أن شريعته ناسخة لما قبله، ومعنى الصامت أن يكون قائماً على ما أسسه غيره.
قالوا: ولكل نبي سوس، والسوس هو الباب إلى علم النبي في حياته والوصي بعد وفاته، والإمام لمن هو في زمانه، ومن هنا زعموا أن آدم سوسه شيئاً، وهو الثاني ويسمى من بعده متماً ولاحقاً وإماماً، إلى أن بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - وسوسه علي بن أبي طالب، وقد استتم دوره بجعفر بن محمد.
فإن الثاني من الأئمة الحسن بن عليّ، والثالث الحسين بن علي، والرابع علي بن الحسين، والخامس محمد بن علي، والسادس جعفر بن محمد، وقد استتموا سبعة معه، وصارت شريعته ناسخة، وهكذا يدور الأمر أبد الدهر.
وفي مثل هذه الضلالات يقول علماؤهم:
(ويعتبر الإمام محمد بن إسماعيل أول الأئمة المستورين والناطق السابع، لأن إمامته كانت بداية دور جديد في تاريخ الدعوة الإسماعيلية، قام بنسخ الشريعة التي سبقته، فجمع بين النطق والإمامة، ورفع التكاليف الظاهرية للشريعة، فنادى بالتأويل واهتم بالباطن) إلى أن يقول حاكياً عن أحد دعاتهم في ضمن فضائل محمد بن إسماعيل: (وعطلت بقيامه ظاهر شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم -).
ووصف مصطفى غالب محمد بن إسماعيل بأنه القيامة الكبرى([1])، لاكتمال الدور به، والابتداء من جديد.
ويقول النوبختي وهو من أعرف الناس بهم:
( وزعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انقطعت عنه الرسالة في حياته في اليوم الذي أمر فيه بنصب علي بن أبي طالب - عليه السلام - للناس بغدير خم، فصارت الرسالة في ذلك اليوم في علي بن أبي طالب، واعتلوا في ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من كنت مولاه فعليّ مولاه)، وأن هذا القول منه خروج من الرسالة والنبوة، وتسليم منه في ذلك لعلي بن أبي طالب بأمر الله - عز وجل -، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك كان مأموناً لعلي محجوجاً به..) إلى أن يقول: (وزعموا أن محمد بن إسماعيل حيّ لم يمت، وأنه في بلاد الروم، وأنه القائم المهدي، معنى القائم عندهم أنه يبعث برسالة وشريعة جديدة ينسخ بها شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم -... ) إلى أن يقول: (واعتلوا في نسخ شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - وتبديلها بأخبار رووها عن أبي عبد الله جعفر بن محمد أنه قال: (لو قام قائمنا علمتم القرآن جديداً)، وأنه قال: (إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) ونحو ذلك من أخبار القائم).
وسبب نقل هذا الكلام إنما هو لإيضاح إصرار الباطنية على نسخ شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن ما يظهره مصطفى غالب وغيره من عتاة الباطنية من التلاعب بمعاني الكلام إنما هو خداع للناس، وستر لهذه العقيدة الخبيثة التي ترد ما أخبر الله به من إتمام الدين إلى أن تقوم القيامة، وينتهي هذا الكون ومن فيه ولا يبقى إلا وجه الله - عز وجل -.
ولا يخفى على القارئ اللبيب ما في آخر كلام النوبختي من عبارات تتفق مع هوى الشيعة الغلاة منهم حول القرآن الكريم.
وأما استدلالهم بأن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، بمعنى يظهر شخص ينسخه، فلا شك أنه كلام يدل على قصر عقولهم، فإن الإسلام والحال ما ذكروا لا يبقى غريباً فقط بل إنه لا يبقى له أي وجود، فكيف يسمونه غريباً وقد انمحى ونسخ، وحاشا أن يتم ذلك.
وكلامهم إنما هو تأويل للحديث، وكذب على الله ورسوله أن يكون المراد من معنى الحديث ما ذكروا، بل إنه يدل على قلة المتمسكين به، والعاملين بأحكامه وتعاليمه كما كان في بدء أمره كذلك.
وأما أن يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - يبشر في هذا الحديث بنسخ شريعته، فإنه لا حقيقة لهذا المقصود إلا في أفهام سخفاء العقول.
وأوَّلوا معجزات الأنبياء تأويلات باطنية، فثعبان موسى أي غلبته عليهم، وإظلال الغمام أي الإمام الذي نصبه موسى لإرشادهم، ومعنى عدم الأب لعيسى أنه لم يأخذ العلم عن إمام مستور معصوم، وإنما استفاد العلم من الله بغير واسطة، والجن الذين ملكهم سليمان باطنية ذلك الزمان، والصيام الإمساك عن كشف السر في تخرصات وتلفيقات يطول ذكرها، ولا خير من وراء بحثها وإنما هي الإشارة إلى التحذير من مسالك هؤلاء، ومن أفكارهم وعباراتهم الخادعة، فلا ينبغي أن يهدر الوقت في التعمق في دراسة هذه الأفكار والردود عليها.
وقد أورد الغزالي في الباب الخامس من كتابه (فضائح الباطنية) أمثلة كثيرة لتلك التأويلات في فصلين:
الفصل الأول: في تأويلاتهم للظواهر، الفصل الثاني: في استدلالهم بالأعداد والحروف، وبيّن زيف أقوالهم في عدة صفحات.
وكذا الديلمي في كتابه \" بيان مذهب الباطنية وبطلانه \" ويحيى بن حمزة العلوي في كتابه (الإفحام لأفئدة الباطنية الطغام) كل هؤلاء وغيرهم من علماء الفرق قد ذكروا أمثلة ومناقشات لدحض أقوال الباطنية، تحتاج إلى دراسة خاصة ووقت متسع لها.
ثالثاً: اعتقادهم في الآخرة:
اتفق كلمة الباطنية على إنكار الآخرة التي جاء الإسلام بتفاصيل بيانها، وأوَّلوا القيامة في القرآن والسنة وقالوا بأنها رموز تشير إلى خروج الإمام، وقيام قائم الزمان إمام العصر، السابع الناسخ للشرع المغير للأمر كما يصفونه، وقالوا أيضاً: إن معنى القيامة انقضاء الدور.
وأنكروا بعث الأجسام والجنة والنار، وقالوا: ( إن معنى المعاد هو عود كل شيء إلى أصله، وأن الإنسان مركب من عالم روحاني وعالم جسماني، فالجسماني منه جسده، وهو مركب من الأخلاط الأربعة وهي: الصفراء، والسوداء، والبلغم، والدم فيتحلل الجسد ويعود كل خلط إلى طيبعته، فالصفراء تصير ناراً، والسوداء تصير تراباً، والدم يصير هواءً، والبلغم يصير ماءً )، وهذا هو المعاد الجسدي عندهم، فلا تعود الحياة إلى الأجساد بعد الموت.
أما الروحاني وهو النفس المدركة العاقلة من الإنسان فإنها إن صفيت بالمواظبة على العبادات، وزكيت بمجانبة الهوى والشهوات، وغذيت بغذاء العلوم والمعارف المتلقاة عن الأئمة الهداة اتحدت عند مفارقة الجسم بالعالم الروحاني الذي كان منه انفصالها، فتسعد بذلك وهذا هو جنتها، بهذه الخرافات فسروا المعاد الأخروي، ولا شك أنها مأخوذة عن مذاهب الهندوس والبوذيينº ولذلك أجمع هؤلاء الباطنيون على القول بالتناسخ الموجود عند البراهمة والبوذيين، وصبغوه في الظاهر بالإسلام فصار الكلام مسلماً والفكر هندوسياً وبوذياً ووثنياً.
وقد أكثر الشيخ إحسان إلهي - رحمه الله - من النقول عن كتب الباطنية، وتأويلاتهم لأخبار القيامة بما لا يتسع لاستقصائه المجال هنا.
رابعاً: اعتقادهم في التكاليف الشرعية:
يتميز مذهب الباطنية بأنه من أشد المذاهب استحلالاً للمحرمات، وأوغل في الإباحية البهيمية، وأكثر تفلتاً عن القيام بالتكاليف الشرعية وتبرماً منها، مع أنهم لا يتظاهرون أمام العامة بترك التكاليف إلا فيما بينهم.
وأما ظاهر مذهبهم فهو لزوم القيام بالتكاليف، بل وأحياناً بعضهم يبالغ في إيجاب أشياء لم تجب ليظهروا بمظهر الزهاد والعباد، وليستفيدوا من جهة أخرى إرهاق الناس بكثرة التكاليف لتضيق صدورهم بها.
وفي مقابل ذلك يركز هؤلاء الفجار على مسامع الناس أن الخروج من تبعة هذه التكاليف أمر ميسر لكل أحد أراده.
وحينما يشتاق الشخص إلى معرفة هذا الأمر لا يجودون به عليه إلا بعد مراحل واختبارات عديدة ليشعر المدعو فعلاً أنه قد وصل إلى السر بعد تعب واجتهاد.
ومعرفة هذا السر يكون بطلب التابع لهم رتبة الكمال في العلوم التي تؤخذ بشرط من نواب الإمام المعصوم المستور، وعلى الشخص أن يجتهد ويسعى في العبادة في أثناء تلقيه لذلك إلى أن يصل إلى رتبة الكمال، وهي في الحقيقة رتبة منتهى الجهل والغفلة، محباً للشهوات والفواحش على حد ما أخبر به النوبختي، حيث قال وهو يعدد عقائد الباطنية:
( وإن الله - تبارك وتعالى - جعل لمحمد بن إسماعيل جنة آدم - صلى الله عليه وسلم -، ومعناها عندهم الإباحية للمحارم، وجميع ما خلق في الدنيا، وهو قول الله - عز وجل -: (( وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربنا هذه الشجرة )).
هذا بالإضافة إلى أنهم يعمقون في ذهن الشخص أن القيام بهذه التكاليف والمنع والإباحية إنما تستهدف من ورائها فائدة واحدة وهي استنهاض همة القلب ليصل إلى معرفة بواطن هذه الأمور، فإذا لم يكن كذلك فإن عليه أن يبقى في عداد الجهال الذين هم مثل الحمير التي لا يمكن رياضتها إلا بالأعمال الشاقة.
في زخرف من القول أخذوه من شتى المذاهب، حيث أخذوا من كل مذهب شرّ ما فيه.
ولقد كان للرافضة عليهم فضل كبير، فقد أخذوا عنهم فكرة الإمام المعصوم المستور، وأنه لا حق إلا ما خرج عن الأئمة، وكذا تحريف الآيات على حسب هواهم، ودعوى وجود الإمام الصامت والناطق، ونسخ الشريعة الإسلامية بمجيء مهدي الشيعة، ومجيء الإمام السابع من الأئمة المستورين عند الباطنية، وأشياء كثيرة لا تخفى على القارئ الكريم، وقد ذكر أكثرها في دراستنا للشيعة سابقاً.
فهذا الكليني يفسر قول الله - تعالى -: ((وبئر معطلة وقصر مشيد)) عن موسى بن جعفر أنه قال: (( البئر المعطلة الإمام الصامت، والقصر المشيد الإمام الناطق ).
والوالدين الذين ذكرهما الله في قوله: (( أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير )) فسرها الكليني فيما يزعم عن عليّ - رضي الله عنه - قال: ( الوالدان اللذان أوجب الله لهما الشكر هما اللذان ولدا العلم، وورثا الحكم، وأمر الناس بطاعتهما ).
وعن الظاهر والباطن في النصوص يقول الكليني: ( إن القرآن له ظهر وبطن، فجميع ما حرّم الله في القرآن هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الجور، وجميع ما أحل الله - تعالى - في الكتاب هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الحق).
وللطوسي في كتابه (الغيبة) مثل هذا التأسيس الباطني، بل وبالغ الطوسي، وافترى كما يبدو على جعفر بن محمد أنه قال: (حقيق على الله أن يدخل الضلال الجنة، فقال زرارة: كيف ذلك جُعلت فداك؟ قال: يموت الناطق، ولا ينطق الصامت، فيموت المرء بينهما فيدخله الله الجنة).
وإذا كان على حسب هذه الرواية كل من مات بين موت الناطق وسكوت الصامت (أي بين موت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسكوت علي) فكان ينبغي على الشيعة أن يقولوا بدخول الصحابة جميعهم الجنة وهم لا يقولون بذلك، وهذا جزء من تناقضهم، وهو من الأدلة على رغبتهم في تأسيس المذاهب الهدامة التي تخرج المسلم عن دينه.
ولقد انتفع الباطنيون كثيراً بمثل هذه الاعتقادات التي كوَّنوا منها ومن غيرها مذهبهم الرديء الذي خرج بسببه الآلاف المؤلفة من الناس عن دينهم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد