التاريخ يعيد نفسه!!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

اليوم يعيد التاريخ نفسه لطبيعة متلونة لذلك الحزب، وبطولة موهومة ينتصب لها دوماً في ظل تغييب الأبطال الحقيقيين عن الميدان، إنها الطبيعة المتلونة لفعاليات حزب الله التي تنطفئ عاماً، وتشتعل يوماً، لتعود وتنطفئ من جديد، ومع ذلك فإن انعكاساتها العميقة على المجتمع والدولة والجوار العربي تعطي الحق للجميع لمناقشتها.

لو كان لفعاليات الحزب صفة الديمومة كالمقاومة العراقية وشقيقتها الفلسطينيةº لو كانت فعلاً تنسجم مع العنوانº لو عرف لماذا تبدأ حينما تبدأ، ولماذا تنطفئ، لو أنها حق مباح لكامل الطيف اللبناني - ولا نقول العربي -º لو أنها تتحرك بقرار يشترك فيه الآخرون المعنيون وليست مفاجآت تصلهم من المذياع، لو أنها هذه وتلك لهانت الأموال والأنفس، والبني التحتية والاقتصاد، ولما نبس أحد ببنت شفة، كما هو حادث في العراق وفلسطين اللتان لا يعزّ فيهما شيء ما دامت الأرض تحت الاحتلال.

لكنها فعاليات متقطعة تنطق باسم اللبنانيين وهم ممنوعون منها، ومحجوبون عنها، وتنطق باسم العرب والمقدسات وفلسطين ليست على أجندتها [الاستراتيجية وليس الإعلامية]، وواقع الحال يشير إلى أنها فعاليات حدود شريطية، مداها الأيديولوجي والعسكري أقصر مما تبلغه صواريخ الحزب، يحرم من قرارها اللبنانيون، ويطالبون بتسديد فاتورتها بدمائهم وأقواتهم وأمنهم، ولا يحصد أوسمتها سوى حزب الله وإيران وسوريا.

الأهم من ذلك أنها لا تأتي إلا متزامنة مع ظروف سياسية، ومع الحاجة إلى أوراق جديدة لفك أزمة، أو تحريك جمود في المواقف، وإلا فالحزب كما يقول أمينه العام السابق صبحي الطفيلي \"خفر حدود\" يحرس حدود إسرائيل الشمالية التي هي أكثر حدودها أمناً، رغم أنها الوحيدة التي تقع تحت سيطرة ميليشيات شعبية وليس جيشاً نظامياً، أي أن هدنة الحزب مع إسرائيل تنظمها تفاهمات مع الدولة الصهيونية، لكن فعالياته لا تضبطها مشورة مع الدولة اللبنانية.

وقد ألمح السيد نصر الله أكثر من مرة منذ بدء القتال الحالي إلى أن قواعد اللعبة قد تغيرت، أي أنه هناك بالأساس لعبة وقواعد، لكن التغير الذي تحدث عنه نصر الله ليس على الإطلاق، فمصفاة حيفا وتل أبيب اللتان تقعان ضمن مدى صواريخ الحزب \'حيّدتا\' [اللفظ لنصر الله] ولم تقصفا حتى هذه اللحظة.

وقد كانت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس قد طلبت من إيران الضغط على حزب الله بعدم قصف الهدفين، وهو الحلقة الأهم في هذا الصراع.

ما قاله الطفيلي وطالبت به رايس وسعت من أجله طهران شهدت به إسرائيل لحزب الله، فقد امتدحت جريدة هاآرتس في 6/7/2006 الأمين العام للحزب بسبب عقلانيته وتحمله للمسئولية، وأنه حافظ على الهدوء في الجليل الأعلى بشكل أفضل من جيش لبنان الجنوبي، وهو اليوم يتعقل فلا يضرب المنشآت الحيوية لإسرائيل كما صرح بذلك، وقال حسن نصر الله في تجمع حضره مئة ألف في الجنوب بعد الانسحاب: \"إننا لسنا مسئولين عن فلسطين\" كما ذكرت ذلك صحيفة النهار اللبنانية.

وقد سبق كلام [سلطان أبو العينين] أمين سر حركة فتح في لبنان: لقد أحبط حزب الله أربع عمليات للفلسطينيين خلال أسبوع وقدمهم للمحاكمة، ويتابع: نعيش جحيماً منذ ثلاث سنوات ومللنا الشعارات والجعجعة.

ومطلب رايس له أكثر من دلالة، منها: فهو مؤشر لا يحتمل الخطأ على المكان الحقيقي لغرفة عمليات حزب الله، وأن قنوات أمريكا مع إيران مفتوحة على الدوام، رغم الملف النووي، ورغم كل ما يقال، وأن هامش التفاهم قائم وفاعل، وفقاً لعقلية البازار الإيرانية التي تسير مع الزبون إلى آخر خطوة، ما دام أن في النهاية كسباً يرتجى من الصفقة، وهنا يتبادر سؤال طبيعي وتلقائي: أمَا وقد بدأت الحرب المفتوحة فهل ستتحول إلى حرب تحرير طويلة الأمد مثلاً؟! أم أنها ستنتهي كسابقاتها بوقف إطلاق نار مفاجئ تحدد موعده إسرائيل، متبوعاً باتفاقية أمنية جديدة بتفاهمات إقليمية هذه المرة لا علاقة لها بمصالح الأرض التي يدور عليها القتال، ولا يكون قد تبقى لدينا سوى الخرائب؟!

 

رسائل حزب الله التي يبعثها عبر هذه المزاجية المتلونة:

أياً كانت الإجابة على السؤال السابق فإن هناك مجموعة من الرسائل أراد حزب الله بعثها من خلال مغامرته الأخيرة وهي:

الرسالة الأولى: وهي أهم رسالة وأخطرها يبعث بها حزب الله إلى العالم الخارجي عبر مقاومة مزاجية هي رسالة مؤداها أنه دون غيره من يحمل المسئولية، ويرفع السلاح وسط تخاذل الآخرين، وما ذاك إلا من واقع المذهب الذي يعتنقه، الذي ينبغي أن يكون مذهب المرحلة الراهنة، وما سواه مذاهب خائرة.

هذه الرسالة لها وللأسف رواج كبير في الشارعين العربي والإسلامي، وقليل من يعلم - أو يريد أن يعلم - أن الشاب اللبناني المسلم السني، أو الفلسطيني على أرض لبنان، أو الحركات الإسلامية والوطنيةº تُرَدّ رغبتهم في المقاومة أفراداً وجماعات، بل إن هذا الشاب لا يأمن على نفسه في مناطق نفوذ الحزب إن هو قرر الذهاب لهذه الغاية.

قليل من يدرك - أو يريد أن يدرك - أن الحزب يقف سداً منيعاً أمام مقاومة يشد إليها الرحال من جميع أطراف لبنان، ولا نقول أنحاء الوطن العربي أو العالم كما الحال في العراق الذي تطوى الصحاري، وتقطع الأنهر والوهاد للوصول إليه.

والرسالة الثانية: والخطيرة أيضاً فهي اقتران اسم المقاومة اللبنانية التي هي حكر على الحزب بعناوين المقاومة الرئيسة في المنطقة، وتحديداً مقاومة الشعب الفلسطيني، فلا تذكر حماس إلا ذكر، وذكرتا معهما إيران ودمشق، ويترسخ في الأذهان عنوان كبير اسمه \'محور المقاومة في المنطقة\' طهران - دمشق - حزب الله + غزة، هذا المحور مرشح لملء فراغ سياسي في المنطقة، أو هكذا تسعى طهران، وهو محور حقيقي وليس دعائياً، فإن بين أطرافه الحقيقية [إيران - حزب الله - سوريا] من القواسم التاريخية والطائفية، والرؤى المستقبلية المشتركةº ما يمكّنه من التماسك والاستمرار.

كما تجتمع بين أطرافه مقومات البنية القوية من كثافة بشرية، وثروات طبيعية ومائية، إضافة إلى الاتصال الجغرافي بين أجزائه الذي حصل بسقوط العراق، على الرغم من وجود هذا المحور نظرياً منذ سني الحرب العراقية – الإيرانيةº إلا أنه دخل مرحلة التنفيذ الفعلي على الأرض بسقوط العراق.

وكما يقول الأستاذ ربيع الحافظ المحلل السياسي المعروف: يمكن القول: إن دخول المحور الثلاثي حيز التنفيذ، وانفتاح الممر الجغرافي من خراسان شرقاً إلى شواطئ المتوسط غرباً مثل بداية عملية إعادة تكوين للتركيبة السياسية في المنطقة هي الأولى منذ سايكس - بيكو، ونشوء دائرة نفوذ سياسي جديدة بزعامة غير عربية موازية للمنظومة العربية الآفلة.

فثمة تشابه بين المنطقة العربية في ظل انهيار المنظومة السياسية العربية، وانفراط العقد العربي، ودولة إيران من جهة، وبين أوروبا الشرقية في أعقاب انهيار المنظومة الاشتراكية، وأمريكا من جهة أخرىº ففي كلتا الحالتين منظومة إقليمية منهارة، ودول تبحث عن مدار سياسي جديد، ودولة كبيرة تتربص للتوغل في منطقة التخلخل وملء الفراغ السياسي لصالحها.

وتوقيع سوريا لاتفاق التعاون العسكري مع إيران، ودنوها المنتظم من المدار السياسي والاقتصادي الإيراني، ووثوقها بالآصرة السياسية الفارسية الفاعلة على المسرح السياسي الإقليمي والعالمي للعب دور الجامعة في المنطقة على حساب الآصرة العربية المنحلةº يبرز المعالم الأولية للاصطفاف السياسي الجديد في المنطقة.

والحضور الإيراني في سوريا لن يتوقف عند الجانب العسكري، فستتبعه المؤسسة الأمنية الإيرانية، وباقي مؤسسات المجتمع المدني الإيرانيº التي ستتغلغل في زوايا المجتمع السوري، وما فعلته سوريا غيرها أولى به من الدول الأصغر والكيانات الانفصالية الطازجة و\'الفيدراليات\' التي ازدهرت بعد سقوط العراق.

في المقابل نجد محور [الرياض - الكويت - عمان - القاهرة] المنبثق من أطلال النظام السياسي العربي، وكانت عمان قد حذرت من نشوء هلال شيعي في المنطقة، وهو الذي أيدته مصر بالحديث عن ولاء الشيعة العرب لإيران على حساب دولهم، لكنه جهد قليل متأخر، وربما مفاجئ للشارع العربي نظراً لعدم انسجامه مع ثقافة قومية أو قطرية فرضتها الدولة العربية الحديثة على هذا الشارع، ورسختها على مدى تسعة عقود.

الأهم هو أن التحذير لا يحمل مشروعاً، ولا يتخذ من الشعوب شريكاً له، ولم يسند إلى مؤسسات متخصصة لنقل مهمته من صيغة إعلامية إلى صيغة طوارئ ميدانيةº لذا لا يتوقع أن يكون تحذيراً فاعلاً في مواجهة المحور الآخر الذي يحظى ببرنامج ثقافي وفكري، وإعلامي متكامل ومتطور، وإمكانيات هائلة.

بل إن الدول العربية قد ساهمت في خدمة المشروع الإيراني بتسهيلها وسكوتها عن العدوان الأمريكي على العراق, فأخلّت بتوازن استراتيجي تفتقده المنطقة حالياً، فأصبح العراق خاضعاً لاحتلالٍ, فارسيٍ, صفويٍ, بالدبابة الأمريكية!، في حين دفنت الدول العربية رؤوسها في الرمال مثل النعام.

مع هذا كله نقول: ليس الطريق ممهداً أمام إيران ومحورها، وتبقى هي وأيديولوجيتها في وضع أخلاقي وفكري حرج أمام الشارع العربي، لاسيما بعد حرب احتلال العراق، وانكشاف شراكة طهران والمرجعيات الشيعية في المشروع الأمريكي الإقليمي، وتبقى الحاجة قائمة لديه لإعادة تأهيل أخلاقي وأيديولوجي، وبناء للمصداقية.

الوجه الآخر للعقبة الأخلاقية هو أن أطراف المحور الثلاثة تمثل أقليات مذهبية ولَغت جميعها في دماء الأغلبيةº بدءاً بالنظام السوري الذي سحق مدينة حماة، وهمش سنّة لبنان، وحركة أمل التي نكبت الفلسطينيين في مخيمات بيروت، التي خرج من عباءتها حزب الله، وحمامات الدم الإيرانية مع سنة العراق وعربه، وشراكتها المعلنة في إسقاط دولتين جارتين مسلمتين تحت احتلال أجنبي هما: أفغانستان والعراق، ودور المرجعية الشيعية في التمهيد السياسي للاحتلال، ثم التقعيد الفقهي لإدارته وحكوماته.

أمام هذه المعطيات تمثل حماس بما ترمز إليه من معاني الجهاد والمقاومة، والتضحية والصمودº حجر الزاوية في هيكل إعادة المصداقية للمحور، وبالأدق هي الوقود الذي سيستهلكه صاروخ المحور في عملية الانطلاق، ولن تكون حماس [المحاصرة عربياً ومالياً والمستغلة إيرانياً] بتكوينها المذهبي والفكري، ومنطلقاتها وغاياتها المختلفة كلياً عن المحور سوى جزء المركبة الفضائية التي يرمي به نظام الملاحة إلى الأرض ثانية حال استواء المركبة في مدار التحليق الحر.

حاجة الغرباء - مع عروبة المنطقة ومذهبها العام - إلى حماس ماسة، لكن منافسة حماس - خلال فترة زواج المتعة السياسي - على رصيدها في المقاومة، ومصداقيتها المحلية والعربية والعالمية، ومكانتها في الإعلام، ونجاح مذهبها السياسي والفقهي في إدارة شئون شعبها، نقول: منافسة حماس في هذه المضامير مجتمعة هو حاجة ماسة أخرى، وهذه هي مهمة حزب الله الذي يبقى أداة إيران لحجب الشمس، وخلط الأوراق كلما دعت الحاجة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply