بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حقَّ جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يبعثون، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:..
لما كان علم الفروق من العلوم المهمة، التي إذا جهلها طالب العلم وقع في الخطأ، وبمعرفتها تتضح المسائل المتشابهة، مما دفعني إلى دراسة هذه المادة، ومما جعلني أيضا اختار كتاب الطهارة من المغني لابن قدامه واستخرج الفروق الفقهية فيه، والذي وجدت فيه الفائدة والمتعة في استخراج الفروق منه.
وقد اعتمدت طبعة دار عالم الكتب، الرياض، إصدار وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بالسعودية، وقد بوبت المسائل كما في الكتاب، وبدأت بكتاب الطهارة، إلى كتاب المسح على الخفين، من المجلد الأول، وكنت إذا ذكر ابن قدامه الفرق ذكرته كما ذكره، وفي الغالب لا ينص على الفرق، ولكن يفهم الفرق من كلامه.
الباب الأول: ما تكون به الطهارة من الماء
المسألة الأولى:
أنه إذا تغير الماء بجريانه على روق الشجر والكبريت القار لم يسلبه الطهورية.
وإذا ألقي فيه شيئا منها فتغير، سلبه الطهورية.
الفرق بينهما، أن الأول يشق التحرز منه، بينما إذا ألقي فيه فيمكن التحرز منه، فيسلبه الطهورية[1].
المسألة الثانية:
إذا تغير الماء بالتراب لم سلبه الطهورية، سواء وضع فيه بقصد أو بغير قصد ما لم يثخن بحيث لا يجرى على الأعضاء لأنه يصبح طين وليس بالماء، وإن تغير بغيره من الطاهرات سلبه الطهورية[2].
والفرق: أن التراب يوافق الماء في صفتيه، الطهارة والطهورية، فهو طاهر مطهر كالماء، فلا يضر تغيره به، بخلاف غيره من الطاهرات فإنها لا توافق الماء في الطهورية.
المسألة الثالثة:
يعتبر في سلب طهورية الماء وجود رائحة كثيرة ينسب الماء إليها، فيعفى من الرائحة اليسيرة، بخلاف الطعم واللون فبوجودها ولو كانت يسيره وتغير بها الماء سلبته الطهورية.
والفرق: أن الرائحة تحصل عن مجاورة تارة، وعن مخالطة تارة أخرى، فاعتبر الكثرة فيها ليعلم أنها عن مخالطة، بخلاف الصفات الأخرى فلا تحصل إلا بمخالطة[3].
المسألة الرابعة:
لو غسل العضو بماء وعليه طاهر كالزعفران، وتغير به الماء وقت غسله، لم يمنع حصول الطهارة به، ولو تغير به الماء قبل الغسل منع الطهارة به.
والفرق: أن الأول تغير في محل التطهير، أشبه ما لو تغير الماء الذي يزال به النجاسة في محلها، بخلاف الثاني فقد تغير الماء به قبل الغسل، فنسب الماء إليه، والطهارة إنما تكون بالماء المطلق، وهذا لا يقع عليه اسم الماء[4].
المسألة الخامسة:
لو كان مع الرجل ماء، لا يكفيه لطهارته، فكمله بمائع لم يغيره، جاز الوضوء به لا يصح تيممه في إحدى الروايتين، وإن تغير به الماء لزمه التيمم.
الفرق: أنه لما لم تظهر صفة المائع على الماء صار حكم الجميع حكم الماء، بخلاف إذا تغير به الماء فيصبح حكمه حكم المائع، فيتمم لعدم قدرة على الماء[5].
المسألة السادسة:
يكره استعمال ماء سخن بنجاسة إذا كان الحائل غير حصين، ولا يكره إذا كان الحائل حصين
والفرق: أن الأول ماء قد تردد بين الطهارة والنجاسة مع وجود سببها، بخلاف الثاني فإنه غير متردد في النجاسته[6].
المسألة السابعة:
أن الذائب من الثلج والبرد طهور، لأنه كالماء، لكن لو أخذ الثلج فأمره على أعضائه لم تحصل الطهارة.
والفرق: أن الأول ماء في سيلانه فيصل المقصود من الطهارة وهو التطهير، بخلاف الثاني فإنه لا يحصل المقصود من الطهارة وهو التطهير لعدم سيلانه[7].
المسألة الثامنة:
الماء إذا استعملته ذمية في غسل جنابة كان مطهرا، إذا استملته مسلمة في غسل جنابة فلا يكون مطهرا بعد ذلك.
والفرق: أن الماء الذمية لم يزل به مانعا من الصلاة، ولا استعمل في عبادة، أشبه ما لو تبردت به، بخلاف ماء المسلمة فإنه أزيل به مانع من الصلاة، فلم يجز استعماله في طهارة أخرى، كالمستعمل في إزالة النجاسة[8].
المسألة التاسعة:
إذا انغمس المحدث فيما دون القلتين ينوي رفع الحدث صار الماء مستعملا، ولم يرفع الحدث، وإن كان الماء قلتين فصاعدا ارتفع الحدث، ولم يكن مستعملا.
الفرق: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه ; ولأنه بانفصال أول جزء من الماء عن بدنه صار الماء مستعملا، فلم يرتفع الحدث عن سائر البدن، كما لو اغتسل فيه شخص آخر. بخلاف إن كان الماء قلتين فصاعدا ارتفع به الحدثه، ولم يتأثر الماء بالاستعمال ; لأنه لا يحمل الخبث، لقوله - عليه الصلاة والسلام -: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث) [9].
المسألة العاشرة:
إذا اشتبه على الشخص ماء نجس بطاهر، لم يجز التحري فيهما للطهارة وتيمم، بخلاف الشرب فإنه يتحرى يشرب مع الضرورة.
والفرق: أن الأول قد أشتبه المباح بالمحظور، فيما لا تبيحه الضرورة، فلم يجز التحري، كما لو اشتبهت ميتة بمذكيات، فإنه لا يجز التحري، وإن كثر المباح. بخلاف الشرب في حال الضرورة حيث يباح الشرب منه إذا لم يجد غيره، كما لو اشتبهت عليه ميتة بمذكاة في حال الاضطرار، فيتحرى ويأكل للضرورة[10].
المسألة الحادية عشرة:
وإن اشتبهت عليه ثياب طاهرة بنجسة، لم يجز التحري، وصلى في كل ثوب بعدد النجس، وزاد صلاة، وإن اشتبه عليه إناء نجس بطاهر وفيهما ماء، لم يجز التحري، ولزم التيمم.
والفرق: بين هذا وبين الأواني النجسة من وجهين: أحدهما أن استعمال النجس يتنجس به، ويمنع صحة صلاته في الحال والمآل، وهذا بخلافه. الثاني أن الثوب النجس تباح له الصلاة فيه إذا لم يجد غيره، والماء النجس بخلافه[11].
المسألة الثانية عشرة:
ولو اشتبهت عليه القبلة تحرى وصلى، ولو اشتبهت عليه الثياب لم يتحرى، وصلى في كل ثوب بعدد النجس، وزاد صلاة.
والفرق:
بينها وبين القبلة من وجوه: أحدها، أن القبلة يكثر الاشتباه فيها، فيشق اعتبار اليقين، فسقط دفعا للمشقة، وهذا بخلافه. الثاني أن الاشتباه هاهنا حصل بتفريطه; لأنه كان يمكنه تعليم النجس أو غسله، ولا يمكنه ذلك في القبلة. الثالث أن القبلة عليها أدلة من النجوم والشمس والقمر وغيرها، فيصح الاجتهاد في طلبها، ويقوى دليل الإصابة لها، بحيث لا يبقى احتمال الخطأ إلا وهما ضعيفا، بخلاف الثياب[12].
المسألة الثالثة عشرة:
وإن اشتبه ماء طهور بماء قد بطلت طهوريته، توضأ من كل واحد منهما وضوءا كاملا، وصلى بالوضوءين صلاة واحدة. بخلاف إذا اشتبه الطهور بالنجس، فلا يصح الوضوء بواحد منها ولا بهما جميعا.
الفرق: أنه أمكنه أداء فرضه بيقين، من غير حرج فيه، فيلزمه، كما لو كانا طاهرين ولم يكفه أحدهما، بخلاف ما إذا كان احدهما نجسا; لأنه ينجس أعضاءه يقينا، ولا يأمن أن يكون النجس هو الثاني، فيبقى نجسا، فلا تصح صلاته به[13].
المسألة الرابعة عشرة:
إن أخبره ثقة أن كلبا ولغ في هذا الإناء، وقال آخر: لم يلغ في الأول، وإنما ولغ في الثاني. ولم يحددا وقتا وجب اجتنابهما، وإن وقتا وقتا معينا، وكلبا واحدا، يضيق الوقت عن شربه منهما، ابيح استعمال كل واحد منهما.
والفرق: لأنه إذا لم يوقتا وقتا فيجوز أن يعلم كل واحد منهما ما خفي على الآخر، ولأنه خبر ديني، فأشبه الخبر بدخول وقت الصلاة، وإن وقتا فقد تعارض قولاهما، ولا يمكن الجمع بينهما، فيسقطان، ويبقى الماء على طهارته[14].
الباب الثاني: باب الآنية
المسألة الأولى:
يطهر بالدبغ ما كان طاهرا قبل الموت، بخلاف ما كان نجسا قبل الموت فلا يطهر بالدبغ.
والفرق: أن الدبغ إنما يؤثر في دفع نجاسة حادثة بالموت، ليعود إلى الأصل وهو الطهارة، بخلاف النجس قبل الموت فإنه لا يؤثر فيه الدبغ لأنه نجس قبل الموت، فلم يطهر بالدبغ كاللحم، ولأنه حرم بالموت، فكان نجسا كما قبل الدبغ[15].
المسألة الثانية:
لو استعمل المحرم في الوضوء، كالوضئ في آنية الذهب والفضة صحت طهارته وجازت الصلاة به، بخلاف استعمال المحرم في الصلاة، كالصلاة في دار مغصوبة لم تصح صلاته.
والفرق: أن أفعال الصلاة من القيام والقعود والركوع والسجود، في الدار المغصوبة; محرم ; لكونه تصرفا في ملك غيره بغير إذنه، وشغلا له، بخلاف أفعال الوضوء; من الغسل، والمسح، ليس بمحرم، إذ ليس هو استعمالا للإناء، ولا تصرفا فيه، وإنما يقع ذلك بعد رفع الماء من الإناء، وفصله عنه، فأشبه ما لو غرف بآنية الفضة في إناء غيره، ثم توضأ به ; ولأن المكان شرط للصلاة، إذ لا يمكن وجودها في غير مكان، والإناء ليس بشرط، فأشبه ما لو صلى وفي يده خاتم ذهب[16].
المسألة الثالثة:
صوف الميتة[17] وشعرها طاهر، بخلاف عظمه فإنه نجس.
والفرق: أن الصوف والشعر لا يفتقر لطهارة منفصلة إلى ذكاة أصله، فلم ينجس بموته، كأجزاء السمك والجراد ; ولأنه لا يحله الموت، فلم ينجس بموت الحيوان، كبيضه، والدليل على أنه لا حياة فيه، أنه لا يحس ولا يألم، بخلاف العظام فإنه فيها حياة، فقد قال تعالى((قَالَ مَن يُحيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُل يُحيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ, وَهُوَ بِكُلِّ خَلقٍ, عَلِيمٌ)) [18]، وما يحيا فهو يموت ; ولأن دليل الحياة الإحساس والألم، والألم في العظم أشد من الألم في اللحم والجلد، والضرس يألم، ويلحقه الضرس، ويحس ببرد الماء وحرارته، وما تحله الحياة يحله الموت ; إذ كان الموت مفارقة الحياة، وما يحله الموت ينجس به كاللحم[19].
الباب الثالث: باب السواك وسنة الوضوء
المسألة الأولى:
وجوب غسل اليدين إذا قام من نوم الليل قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا، ولا يجب غسلهما من نوم النهار.
والفرق: أن الخبر ورد على إرادة نوم الليل ; لقوله: (فإنه لا يدري أين باتت يده)، والمبيت يكون بالليل خاصة، فلا يصح قياس النهار عليه لوجهين: أحدهما أن الحكم ثبت تعبدا، فلا يصح تعديته. الثاني أن الليل مظنة النوم والاستغراق فيه وطول مدته، فاحتمال إصابة يده لنجاسة لا يشعر بها أكثر من احتمال ذلك في نوم النهار[20].
الباب الرابع: باب فرض الطهارة
المسألة الأولى:
لو غسل رأسه بدل مسحه لم يجز على قول في المذهب، وإن مسح رجليه بدل الغسل لم يجز قولا واحدا.
والرفق: أن الله - تعالى -أمر بالمسح، والنبي - عليه الصلاة والسلام - مسح على رأسه وأمر بالمسح، ولانه احد نوعي الطهارة، فلم يجزئ عن النوع الآخر، كالمسح عن الغسل. بخلاف الرجلين، فإن فيهما شبه بالمغسولات، وقد حدت بحد ينتهي إليه الغسل فأشبها اليدين، ولأنهما معرضتان للخبث لكونهما يوطأ بهما على الأرض[21].
المسألة الثانية:
يجب الترتيب في الطهارة عضوا بعد عضو، ولا يجب الترتيب بين اليمنى واليسرى.
والفرق: أنه وجب الترتيب بين الأعضاء في الطهارة، لأن في الآية ما يدل على إرادة الترتيب. بخلاف اليمنى و اليسرى في اليدين والرجلين، لأن اليدين بمنزلة العضو الواحد، وكذا الرجلان ; فإن الله - تعالى -قال: (وأيديكم)، (وأرجلكم). ولم يفصل، والفقهاء يسمون أعضاء الوضوء أربعة، يجعلون اليدين عضوا، والرجلين عضوا، ولا يجب الترتيب في العضو الواحد[22].
المسألة الثالثة:
إذا توضأ الجنب فله المكوث في المسجد،، وإذا توضأت الحائض لم يكن لها المكوث فيه.
والفرق: أن الجنب إذا توضأ خف حكم الحدث، فأشبه التيمم عند عدم الماء، ودليل خفته أمر النبي الجنب به إذا أراد النوم، واستحبابه لمن أراد الأكل ومعاودة الوطء. بخلاف الحائض إذا توضأت فلا يباح لها اللبث ; لأن وضوءها لا يصح[23].
الباب الخامس: باب الاستطابة والحدث
المسألة الأولى:
إذا استنجى بيمينه كره وأجزأ، وإذا استنجى بعظم أو روث حرم ولم يجزئ.
والفرق: أن النهي عن الاستنجاء بالعظم جاء لمعنى في شرط الفعل، فمنع صحته، كالنهي عن الوضوء بالماء النجس، بخلاف النهي عن الاستنجاء باليمين فقد جاء لمعنى في آلة الشرط، فلم يمنع كالوضوء من إناء محرم[24].
المسألة الثانية:
إذا استنجى بالحجارة اشترط العدد وأقله ثلاثة أحجار، وإن استنجى بالماء فلا يشترط العدد.
والفرق: أنه يشترط في الاستنجاء بالحجارة أمران; الإنقاء، وإكمال الثلاثة، فإذا وجد أحدهما دون صاحبه لم يكف، لقول سلمان: ((لقد نهانا - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار)). بخلاف الاستنجاء بالماء فإنه لا عدد فيه إنما الواجب الإنقاء، لأنه لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك عدد، ولا أمر به، ولا بد من الإنقاء، وهو أن تذهب لزوجة النجاسة وآثارها. فيغسل به حتى ينقي[25].
المسألة الثالثة:
إذا مس الرجل ذكره وجب الوضوء، إذا مست المرأة فرجها فليس عليها وضوء على إحدى الروايتين.
والفرق: لقوله - عليه الصلاة والسلام -: \" من مس الذكر فليتوضأ \" وقد يدعو إلى خروج خارج بلمسه فلزم الوضوء، بخلاف فرج المرأة فلا يتناوله الحديث لأن الحديث المشهور في مس الذكر، وليس مس المرأة فرجها في معناه; لكونه لا يدعو إلى خروج خارج، فلم ينقض[26].
المسألة الرابعة:
إذا لمس الرجل ذكره انتقض وضوءه، وإذا مس الأنثيين لم ينتقض وضوءه.
والفرق: أن الحديث ورد في لمس الذكر، بخلاف الأنثيين فلا يشملها نص ولا هي في معنى المنصوص عليه فلا يثبت الحكم فيها، ولا ينتقض وضوء الملموس أيضا; لأن الوجوب من الشرع، وإنما وردت السنة في اللامس[27].
المسألة الخامسة:
خروج الدم والدود اليسير من السبيلين ينقض الوضوء، وخروجهما من غيرهما لا ينقض الوضوء.
والفرق: أنه خارج من السبيلين أشبه المذي; ولا يخلو من بلة تتعلق به، فينتقض الوضوء بها، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المستحاضة بالوضوء لكل صلاة ودمها نادر غير معتاد. بخلاف إذا خرج من غيرهما فإنه يخرج من محل طاهر العرق فلا ينقض الوضوء يسيره[28].
المسألة السادسة:
إذا أكل من لحوم الإبل أنتقض وضوءه، إذا أكل من لحوم الغنم لم ينتقض وضوءه.
والفرق: ما روى البراء بن عازب قال: {سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الإبل، فقال: توضئوا منها وسئل عن لحوم الغنم، فقال: لا يتوضأ منها}[29].
المسألة السابعة:
إذا لمس الرجل المرأة بشهوة انتقض وضوءه، إذا لمست المرأة الرجل لا ينتقض وضوءها على إحدى الروايتين.
والفرق: عموم قوله - تعالى -: {أو لامستم النساء}، بما أن اللمس ليس بحدث في نفسه وإنما نقض لأنه يفضي إلى خروج المذي أو المني، فاعتبرت الحالة التي تفضي إلى الحدث فيها، وهي حالة الشهوة. بخلاف اللمس من المرأة فإن النص إنما ورد بالنقض بملامسة النساء، فيتناول اللامس من الرجال، فيختص به النقض، كلمس الفرج; ولأن المرأة والملموس لا نص فيه، ولا هو في معنى المنصوص; لأن اللمس من الرجل مع الشهوة مظنة لخروج المذي الناقض، فأقيم مقامه، ولا يوجد ذلك في حق المرأة، والشهوة من اللامس أشد منها في الملموس، وأدعى إلى الخروج، فلا يصح القياس عليهما، وإذا امتنع النص والقياس لم يثبت الدليل[30].
الباب السادس: باب ما يوجب الغسل
المسألة الأولى:
إن رأى في ثوبه منيا، وكان مما لا ينام فيه غيره، فعليه الغسل، أما إن وجد منيا في الثوب الذي ينام فيه هو وغيره ممن يحتلم، فلا غسل على واحد منهما.
والفرق: لأنه لا يحتمل أن يكون إلا منه، بخلاف الثوب الذي ينام فيه هو وغيره، لأن كل واحد منهما بالنظر إليه مفردا يحتمل أن لا يكون منه، فوجوب الغسل عليه مشكوك فيه، وليس لأحدهما أن يأتم بصاحبه; لأن أحدهما جنب يقينا، فلا تصح صلاتهما، كما لو سمع كل واحد منهما صوت ريح، يظن أنها من صاحبه، أو لا يدري من أيهما هي[31].
الباب السابع: باب التيمم
المسألة الأولى:
إذا توضأ لنافلة جاز أن يصلي به فريضة وغيرها، بخلاف إذا تيمم لنافلة فليس له أن يصلي به الفريضة.
والفرق: وذلك لأن النافلة تفتقر إلى رفع الحدث كالفريضة، وإذا ارتفع الحدث تحقق شرط الصلاة وارتفع المانع، فأبيح له الفرض، بخلاف التيمم فإنه لا يرفع الحدث، وإنما تباح به الصلاة، فلا يصلي به إلا النافلة، لأنه لم ينوي الفرض، فلا يكون له، وفارق طهارة الماء; لأنها ترفع الحدث المانع من فعل الصلاة، فيباح له جميع ما يمنعه الحدث، ولا يلزم استباحة النفل بنية الفرض; لأن الفرض أعلى ما في الباب، فنيته تضمنت نية ما دونه، وإذا استباحه استباح ما دونه تبعا[32].
الباب الثامن: باب المسح على الخفين
المسألة الأولى:
المسح على الخف مؤقت بتوقيت، بخلاف المسح على الجبيرة فإنه يسمح عليها إلى أن ينزعها.
والفرق: بخمسة أوجه:
الأول: أنه لا يجوز المسح على الجبيرة إلا عند الضرر بنزعها، والخف بخلاف ذلك.
الثاني: أنه يجب استيعابها بالمسح; لأنه لا ضرر في تعميمها به، بخلاف الخف; فإنه يشق تعميم جميعه، ويتلفه المسح.
الثالث: أنه يمسح على الجبيرة من غير توقيت بيوم وليلة ولا ثلاثة أيام ; لأن مسحها للضرورة، فيقدر بقدرها، والضرورة تدعو في مسحها إلى حلها، فيقدر بذلك دون غيره.
الرابع: أنه يمسح عليها في الطهارة الكبرى، بخلاف غيرها; لأن الضرر يلحق بنزعها فيها، بخلاف الخف.
الخامس: أنه لا يشترط تقدم الطهارة على شدها في إحدى الروايتين[33].
المسألة الثانية:
إذا غسل إحدى رجليه، فأدخلها الخف، ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف، لم يجز المسح عليهما، وإن نزع الخف الأول، ثم لبسه، جاز المسح عليهما.
والفرق: لأنه - عليه الصلاة والسلام - قال: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)، فجعل العلة وجود الطهارة فيهما جميعا وقت إدخالهما، ولم توجد طهارتهما وقت لبس الأول; ولأن ما اعتبرت له الطهارة اعتبر له كمالها; كالصلاة ومس المصحف; ولأن الأول خف ملبوس قبل رفع الحدث، فلم يجز المسح عليه، كما لو لبسه قبل غسل قدميه، ودليل بقاء الحدث أنه لا يجوز له مس المصحف بالعضو المغسول، فأما إذا نزع الخف الأول، ثم لبسه، فقد لبسه بعد كمال الطهارة[34].
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]المغني1/22.
[2]المغني1/23.
[3]المغني1/24.
[4]المغني1/24، 21.
[5]المغني1/27.
[6]المغني1/29.
[7]المغني1/30.
[8]المغني1/34.
[9]المغني1/35.
[10]المغني1/83، 82.
[11]المغني1/86.
[12]المغني1/86.
[13]المغني1/85.
[14]المغني1/87.
[15]المغني1/94، 91.
[16]المغني1/103.
[17]ذكر ابن قدامه أن المقصود شعر ما كان طاهرا في حياته وصوفه. المغني1/106.
[18]سورة يس 79، 78.
[19]المغني1/107، 99.
[20]المغني1/140.
[21]المغني1/188، 182.
[22]المغني1/189، 171، 154.
[23]المغني1/202.
[24]المغني1/216.
[25]المغني1/219، 209.
[26]المغني1/244، 240.
[27]المغني1/246، 240.
[28]المغني1/247، 230.
[29]المغني1/250.
[30]المغني1/261، 260.
[31]المغني1/270.
[32]المغني1/196، 330.
[33]المغني1/356.
[34]المغني1/362.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد