بسم الله الرحمن الرحيم
دعى اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا مؤخرا إلى مؤتمر بعنوان \"الإعلام الإسلامي في أوروبا، البحث عن دور واضح وفاعل وسط الزحام\"، عقد في الفترة من 17- 18 مايو في بريطانيا وحضره ما يقرب من خمسين شخصاً.
جميل أن يجتمع نفر من العاملين أو المهتمين بما بات يعرف بقطاع الإعلام الإسلامي لمناقشة وضع ودور هذا القطاع الذي لا يزال متخلفا ومستعص على التطوير. وما من شك في أن استمرار مشاريع هذا القطاع في التعثر يستحق أن تعقد له المؤتمرات، وخاصة أن الظاهرة الشعبية الإسلامية العارمة لا يقابلها من المشاريع الإعلامية الإسلامية ما تستحقه. وقد لا يستثنى من ذلك إلا ما تشهده الساحة التركية من تطور جدير بالاهتمام، حيث دخل الإسلاميون الأتراك هذا القطاع من أوسع أبوابه، فأقاموا شبكات التلفزة الأرضية والفضائية ومحطات الإذاعة والصحف والمجلات بمختلف أنواعها من اليومي إلى الأسبوعي فالشهري، ونجحوا في استقطاب عموم الجمهور وليس المتعاطفين معهم وحسب وفي تناول مختلف القضايا التي تهم المجتمع دون حساسيات تنظيمية.
لاشك أن أحد أهم أسباب تخلف الإعلام الإسلامي بشكل عام هو فشل القائمين عليه في التغلب على المركزية الحزبية التي تقلص الصلاحيات وتقتل الإبداع وتقزم كل واحد من هذه المشاريع إلى مجرد نشرة حزبية يسر بها أبناء الحزب، ويسخر بها الخصوم، ولا يسمع بها أو يأبه لها عموم الناس. طبعاً تضاف إلى هذا السبب في بلاد المسلمين أسباب أخرى لا تقل أهمية عنه مثل شحة الموارد، والرقابة الحكومية والملاحقات الأمنية. إلا أن المركزية الحزبية - والمتمثلة بتعيين من لا يفقهون من الإعلام شيئا مسؤولين عن المشاريع الإعلامية لمجرد الرتبة الحزبية أو الحظوة لدى القيادة الملهمة - تظل هي أشد معوقات التطوير. ولا مبالغة في القول بأن معظم مشاريع الإعلام الإسلامية - وهي لا تتجاوز الصحف والمجلات - تدار بشكل لا يختلف كثيرا عن الأسلوب الذي تدار به وسائل إعلام النظام القائم في أي دولة استبدادية شمولية.
إن الفشل الذريع - حتى الآن على الأقل - في أن تتحول وسائل الإعلام الإسلامية الناطقة بالعربية بشكل خاص إلى وسائل تواصل مع الجمهور، يستدعي دراسة جادة من قبل حاملي هذا الهم. إذ لا يخفى على المطلعين على قطاع الإعلام الإسلامي أن مشاريعه المختلفة لا تعدو كونها النواطق الرسمية للأحزاب أو الحركات أو التنظيمات التي تصدرها أو تمولها. وهذا يعني أنها أكثر اهتماما بمراعاة الضوابط التنظيمية من مراعاة متطلبات التنافس على القراء في سوق الإعلام العام. وبما يعني أن هامش الحرية فيها يظل ضيقا، فهو لا يتسع لا لطرح مواضيع قد تعتبر في نظر التنظيم محرمة أو غير مؤاتية، ولا لطرح تحليلات نقدية تتناول التنظيم أو من يقومون عليه. وأذكر أنني مرة كتبت مقالا عن لقاء جرى بيني وبين الدكتور نصر أبو زيد في أحد المؤتمرات بألمانيا وكان له موقف أدهشني وأعجبني حين وقف يرد على الكاتبة البنغالية تسليمة نسرين ويفند ما بدر منها من ترديد لمزاعم المستشرقين والملاحدة من أن الإسلام ضد المرأة وضد حقوق الإنسان وضد المدنية إلخ. وقد عرضت المقال على مجلة إسلامية أسبوعية أكتب فيها من حين لآخر، فأخبرني مدير تحريرها بأن نشر مثل هذا المقال لا يتناسب وسياسة المجلة التي قد يغضب الخروج عنها بعض قرائها. وفي تجربة ثانية امتنعت عدة صحف إسلامية عن نشر مقال لي انتقدت فيه سياسات ومواقف بعض الحركات الإسلامية. وما يحدث معي يحدث مع كثيرين آخرين لا يجدون في الصحافة الإسلامية مجالا للتعبير عن آرائهم، فيضطرون إلى نشرها فيما سواها.
إن مبادرة اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا جيدة وتستحق التأييد، ولكن هل تمكن مؤتمره من التطرق لهذه المسألة أم أن معوقات \"تنظيمية\" و\"بروتوكولية\" قد حالت دون ذلك؟
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد