الطرق الصوفية الطريقة الواحدية في اندونيسيا


 

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه الطريقة نشأت على تربة إندونيسيا، وليست آتية من الخارج، كما أنها تعتبر طريقة مستقلة، وليست متفرعة عن طريقة من الطرق الصوفية.

 

والواحدية طريقة حديثة، لم يبلغ عمرها أكثر من ثلاث وثلاثين سنة، لكنها انتصرت الآن في كثير من مناطق إندونيسيا، فهي إذاً لها رواج وإقبال من بعض المسلمين هناكº فلذلك قامت وزارة الشؤون الدينية التي لها اهتمام بأحوال المسلمين كما أن لها اهتماماً بأمن الدولة، قامت بالدراسة الميدانية لهذه الطريقة في عدة مناطق بجاوا الشرقية وجاوا الوسطى عن طريق المكتب الخاص التابع لهذه الوزارة، وهو مكتب دراسة الفرق الروحانية أو الدينية([1]).

 

* نشأتها ونسبتها:

من الجدير بالتنبيه على أن أتباع هذه الطريقة وبعض الناس غير هؤلاء الأتباع لا يعتبرون الواحدية طريقة من الطرق الصوفية بل يسمونها \"الصلوات الواحدية\"º ذلك لأن أشهر ما فيها ترديد الصلوات التي ألفها مؤسسها بكيفية وآداب معينة على ما سوف أبين بالتفصيل بعد هذا إن شاء الله، كما أنها لا تفرض على أتباعها البيعة التي تكون أصلاً من أصول الطرق الصوفية، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

لكن من حيث أنها تقدم منهجاً معيناً وتعاليم معينة للتقرب إلى الله- تبارك وتعالى -أو لتصفية القلوب على حد تعبيرهم، فلا مانع من اعتبارها طريقة من الطرق الصوفية، كما أطلقت وزارة الشؤون الدينية عليها اسم الطريقة أيضاً في الدراسة الميدانية المذكورة.

 

والكلام عن نشأة هذه الطريقة يعني الكلام عن نشأة الصلوات الواحديةº لأنها فعلاً أهم ما في هذه الطريقة من التعاليم، وبظهور تلك الصلوات ظهر اسم الواحدية.

وقبل ذلك ينبغي التعرف على مؤلف تلك الصلوات الواحدية ومؤسس هذه الطريقة الواحدية.

 

فهو كياهي الحاج عبد المجيد معروف، ولد سنة (1920م)، وتوفي في كدونج لو كديري جاوا الشرقية في (29) من رجب سنة (1409هـ) الموافق (7) من مارس سنة (1989م) ([2]).

وهو قبل تأليفه لتلك الصلوات وبعده كان مدير بسانزين كدونج لو كديري جاوا الشرقية، فهو من العلماء البارزين في منطقته([3]).

هذا القدر من ترجمة حياته هو الذي عثرت عليه، ولم أجد أكثر من ذلك.

والمراد بالصلوات الواحدية هي مجموعة من الأذكار والصلوات التي ألفها كياهي الحاج عبد المجيد معروف، والتي يلتزم بقراءتها أتباعه في أوقات معينة كما سيأتي.

وقصة ظهور تلك الصلوات كما يحكي أتباعه على النحو التالي([4]):

في شهر يوليو سنة (1951م) تقريباً حدث لكياهي الحاج عبد المجيد معروف شيء غير معتاد، وهو أنه في ذلك الوقت رأى إشارة غيبية في يقظته لا في المنام، وتلك الإشارة هي أنه يطلب منه أن ينقذ المجتمع عن طريق القناة الباطنية. فبعد تلك الحادثة أصبح كياهي الحاج عبد المجيد معروف يتضرع إلى الله - سبحانه وتعالى - ويتقرب إليه بإكثار العبادة وقراءة الصلوات المتنوعة.

 

وفي سنة (1963م) حدث له مرة أخرى ما حدث في سنة (1959م) وعليه أن يسرع إلى القيام بما تضمنه الإشارة، وهو إنقاذ المجتمع، فازداد تضرعه لله - تعالى -وتقربه إليه بمجاهدات، وبعد ذلك بمدة -الظاهر في نفس السنة- وقع له للمرة الثالثة نفس ما وقع له في المرتين السابقتين مع شيء من التهديد إن لم يسرع إلى القيام بإنقاذ المجتمع، وكان حينئذ يرتجف لشدة ذلك التهديد، فبدأ عبد المجيد معروف يؤلف الصلوات، وهي كالآتي:

1- اللهم كما أنت أهله صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا وشفيعنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد - صلى الله عليه وسلم - كما هو أهله، نسألك اللهم بحقه أن تغرقنا في لجة بحر الوحدة حتى لا نرى ولا نسمع ولا نجد ولا نحس ولا نتحرك ولا نسكن إلا بها، وترزقنا تمام مغفرتك يا ألله، وتمام نعمتك يا ألله، وتمام معرفتك يا ألله، وتمام محبتك يا الله وتمام رضوانك يا ألله، وصل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه عدد ما أحاط به علمك وأحصاه كتابك برحمتك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.

وبالتالي تسمى هذه الصلاة \"صلاة المعرفة\". ثم يؤلف بعد ذلك بمدة الصلاة الأخرى، وهي كالآتي:

2- اللهم يا واحد يا أحد، يا واجد يا جواد، صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد في كل لمحة ونفس بعدد معلومات الله وفيوضاته وأمداده.

وكل من هاتين الصلاتين تعطى لبعض طلابه ومن يعرفه من الزملاء إجازة منه إياهم.

ثم يؤلف جملاً أخرى (تنص بصراحة على الاعتقاد بالحقيقة المحمدية) وهي كالآتي:

3- يا شافع الخلق! الصلاة والسلام عليك نور الخلق هادي الأنام وأصله وروحه، أدركني فقد ظلمت أبداً وربني، وليس لي يا سيدي سواك، فإن ترد كنت شخصاً هالكا.

وفي سنة (1965م) يؤلف جملاً أخرى (مضمونها مخاطبة الغوث للاستنجاد)، وتلك الجمل هي:

4- يا أيها الغوث سلام الله عليك ربني بإذن الله، وانظر إلي سيدي بنظرة موصلة للحضرة العلية، ثم يؤلف الصلاة الآتية:

5- يا ربنا اللهم صل وسلم على محمد شفيع الأمم والآل، واجعل الأنام مسرعين بالواحدية لرب العالمين يا ربنا اغفر يسر افتح واهدنا قرب، وألف بيننا يا ربنا.

وفي سنة (1971م) أو قبل ذلك بقليل يؤلف الصلاة الأخرى، وهي كالآتي:

6- يا شافع الخلق حبيب الله صلاته عليك مع سلامه، ضلت وضلت حيلي في بلدتي، خذ بيدي يا سيدي والأمة.

وفي سنة (1972م) يزاد إلى ذلك الدعاء الآتي:

7- اللهم بارك فيما خلقت وهذه البلدة يا ألله، وهذه المجاهدة يا ألله.

ثم في سنة (1973م) يأتي دعاء آخر يكمل الدعاء السابق وهو:

8- اللهم بحق اسمك الأعظم وبجاه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وببركة غوث هذا الزمان وأعوانه وسائر أوليائك يا ألله يا ألله يا ألله - رضي الله عنهم -، [3 مرات]، بلغ جميع العالمين نداءنا واجعل فيه تأثيراً بليغاً، [3 مرات].

فإنك على كل شيء قدير وبالإجابة قدير [3 مرات]. ففروا إلى الله، وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً.

هكذا تؤلف بالتدرج الصلوات التي يسمونها \"الصلوات الواحدية\".

ثم حصل فيها تقديم وتأخير وتحديد عدد القراءة وزيادة بعض الجمل الأخرى، وأصبح ترتيب تلك الصلوات كما هي مكتوبة في \"صفحة الصلوات الواحدية\" المنشورة بين الناس على النحو التالي:

1- إلى حضرة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - الفاتحة [7 مرات].

2- وإلى حضرة غوث هذا الزمان وأعوانه وسائر أولياء الله رضي الله - تعالى -عنهم الفاتحة [7 مرات].

3- اللهم يا واحد يا أحد، يا واجد يا جواد، صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد في كل لمحة ونفس بعدد معلومات الله وفيوضاته وأمداده [100 مرة].

4- اللهم كما أنت أهله، صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا وشفيعنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد - صلى الله عليه وسلم - كما هو أهله، نسألك اللهم بحقه أن تغرقنا في لجة بحر الوحدةº حتى لا نرى ولا نسمع ولا نجد ولا نحس ولا نتحرك ولا نسكن إلا بها، وترزقنا تمام مغفرتك يا ألله، وتمام نعمتك يا ألله، وتمام معرفتك يا ألله، وتمام محبتك يا ألله، وتمام رضوانك يا ألله، وصل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه عدد ما أحاط به علمك وأحصاه كتابك برحمتك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين [7 مرات].

5- يا شافع الخلق، الصلاة والسلام عليك، نور الخلق هادي الأنام وأصله وروحه، أدركني فقد ظلمت أبداً وربني، وليس لي سيدي سواك، فإن ترد كنت شخصاً هالكاً [3 مرات].

6- يا سيدي يا رسول الله.

7- يا أيها الغوث سلام الله عليك، ربني بإذن الله، وانظر إلي سيدي بنظرة موصلة للحضرة العلية [7 مرات].

8- يا شافع الخلق حبيب الله، صلاته عليك مع سلامه، ضلت وضلت حيلتي في بلدتي، خذ بيدي يا سيدي والأمة [3 مرات].

9- يا سيدي يا رسول الله [7 مرات].

10- يا ربنا! اللهم صل وسلم على محمد شفيع الأمم والآل، واجعل الأنام مسرعين بالواحدية لرب العالمين، يا ربنا اغفر يسر افتح واهدنا قرب وألف بيننا يا ربنا [3 مرات].

11- اللهم بارك فيما خلقت وهذه البلدة يا ألله، وفي هذه المجاهدة يا ألله [7 مرات].

12- استغراق...(أي: الصمت مدة معينة) ثم قراءة الفاتحة مرة.

13- الدعاء: اللهم بحق اسمك الأعظم وبجاه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وببركة غوث هذا الزمان وأعوانه وسائر أوليائك، يا ألله يا ألله يا ألله رضي الله - تعالى -عنهم [3 مرات] بلغ جميع العالمين نداءنا هذا، واجعل فيه تأثيراً بليغاً [3 مرات] فإنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير [3 مرات].

ففروا إلى الله [7 مرات].

وقل جاء الحق، وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً [3 مرات].

الفاتحة مرة.

هذه هي التي تسمى بالصلوات الواحدية، ألفها عبد المجيد معروف بالتدرج واحدة بعد أخرى. فعبد المجيد معروف هو مؤسس هذه الطريقة الواحدية.

وقراءة تلك الصلوات بآداب معينة تسمى عندهم \"المجاهدة\"([5]).

وإلى هنا يمكن أن تستخلص الأمور التالية:

أ- إن الطريقة الواحدية نشأت في إندونيسيا وبالتحديد في كدونج لو كديري جاوا الشرقية، وذلك في سنة (1963م)، لأن أول صلاة من مجموع تلك الصلوات ألفت في تلك السنة كما سبق، وقد بدأ العمل بقراءتها وإجازتها لبعض الناس، ثم تؤلف الصلوات الأخرى واحدة تلو أخرى إلى أن تركبت مجموعة الصلوات مختلفة الصياغة والمعنى كما هو مذكور أعلاه.

2- إن مؤلف تلك الصلوات هو كياهي الحاج عبد المجيد معروف، إندونيسي الأصل، ولد في كديري بجاوا الشرقية.

وهكذا يذكر مريدو الواحدية أنه \"مؤلف الصلوات الواحدية\"، لكن إذا اتفقنا على أن الواحدية يمكن أن يطلق عليها اسم الطريقةº فنقول بأن عبد المجيد معروف هو مؤسس الطريقة الواحدية.

3- إن هذه الطريقة لا تنسب إلى اسم مؤسسها كما كانت معظم الطرق الصوفية ومنها الطرق الأربع الآنفة العرض، وإنما تنسب إلى كلمة \"واحد\" الواردة في الصلاة الثانية من حيث الولادة والأولى من حيث ترتيب القراءة، وهي: اللهم يا واحد... إلخ.

وهذا ما ينصون عليه في كتاباتهم([6]).

ومن الجدير بالذكر أن هذه الطريقة لها مركز رسمي حيث تقام فيه برامجها وأنشطتها الصوفية التي على مستوى الدولة، وهو مكان نشأتها ومقر مؤسسها، وهو كدونج لو كديري جاوا الشرقية.

وكما أن سائر الطرق الصوفية تضمن لأتباعها نيل شيء معين وتدعي الأفضلية، كما سبق بسط الكلام عن ذلك في كل طريقة من الطرق الأربع السابقة، فإن الواحدية كذلك تضمن لكل من قرأ تلك الصلوات بآداب معينة أنه سوف يجد طمأنينة في القلب، وإلا فليقاض مؤلفها في الدنيا والآخرة([7]).

كما أن أتباع هذه الطريقة يعتقدون أن المقصود من غوث هذا الزمان الوارد ذكره في تلك الصلوات هو مؤسس هذه الطريقة كياهي الحاج عبد المجيد معروف([8])، ويقولون: \"نحن على يقين بأنه لا يوجد من بين الواحديين من هو أفضل من مؤلف الصلوات الواحدية في جميع كمالاته إلى يوم القيامة\"([9]).

وبهذا يتبين لنا أن أتباع كل طريقة من الطرق الصوفية يعتقدون أن مؤسس وشيخ الطريقة التي انضموا إليها هو الغوث أو سيد الأولياء أو قطب الأقطاب، فعبد القادر الجيلاني والنقشبندي والشاذلي والتجاني وعبد المجيد معروف هؤلاء كلهم أغواث.

وقد مضى معنا المراد بالغوث في المصطلح الصوفي، وهو عند أهل الحق لفظ لا يستحقه إلا الله، فهو غياث المستغيث، فلا يجوز لأحد الاستغاثة بغيره لا بملك مقرب ولا بنبي مرسل([10]).

لكن مع كل ما ذكرت لعل الواحدية في هذا الجانب أقل غلواً من بقية الطرق الصوفية المذكورة، فإني لم أسمع حتى الآن، لا من أتباعها ولا من كتاباتها ما يومئ -فضلاً عن التصريح- إلى أن مؤسسها تكلف في إيصال نسبه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو ادعى أنه علم جميع ما سيحدث إلى يوم القيامة ونحو ذلك.

كما أنها في نظري أقل جرأة من غيرها من الطرق فيما تضمنه لأتباعها، فإن الواحدية لا تضمن لأتباعها الذين يداومون على قراءة تلك الصلوات الواحدية أو على المجاهدة، كما يحلو لهم أن يسموها دخول الجنة مثلاً، إنما تضمن حصول الطمأنينة والراحة القلبية فقط، والله أعلم.

 

* مبادؤها ونشاطها:

تختلف الطريقة الواحدية عن عموم الطرق الصوفية في عدم اعتمادها على بيعة المريد([11])، ولهذا لم يدرجها بعض الناس في عداد الطرق الصوفية كما سبق أن أشرت. وهي لا تعرف السلسلة الصوفية أيضاً، إذ تلك الصلوات المذكورة كلها من اختراع مؤسسها كما سبق أيضاً.

ولعلها في هذا الجانب تشبه التجانية، إلا أن التجاني ادعى أن الأوراد التجانية كلها لقنها إياه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مباشرة في اليقظة، فلذلك يقول: \"إنا أخذنا عن مشايخ عدة - رضي الله عنهم -، فلم يقض الله منهم بتحصيل المقصود، وإنما سندنا وأستاذنا في هذا عن سيد الوجود - صلى الله عليه وسلم -، قد قضى الله بفتحنا ووصولنا على يديه ليس لغيره من الشيوخ فينا تصرف وكفى\".

كما أن الواحدية لا تفرض على المريد الخلوة أو العزلة الصوفية المعروفة.

 

وللواحدية مبادئ خاصة، أوجزها فيما يأتي:

* مبدأ العمل:

إن أي عمل عند الواحدية لابد أن يكون مبنياً على أساس: لله بالله - للرسول بالرسول - للغوث بالغوث([12]).

* لله بالله:

مفهوم لله هو أن يكون كل عمل، ظاهراً كان أو باطناً، يتعلق بالله - سبحانه وتعالى -، أو يتصل بالبشر أو المخلوق، واجباً أو سنة أو مباحاً، أن يكون كل ذلك لله وحده.

بالله: يقصدون به أن أي عمل يعمله الإنسان إنما الله هو الذي خلق ذلك العمل، وألا يشعر بأن له قوة من نفسه([13]).

فالمريد الواحدي عندما يعمل عملاً ينبغي له أن ينوي هذه النية: لله بالله.

* للرسول بالرسول:

مفهوم للرسول أن ينوي المريد الواحدي -بجانب النية لله بالله- اتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والدليل على ذلك الآية: (يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم) [محمد: 33] ([14]).

أما مفهوم \"بالرسول\" فهو أن يشعر المريد بأن كل شيء، ومنه تصرفاتنا وأعمالنا، إنما تكون بسبب فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -([15]).

 

* للغوث بالغوث:

مفهوم \"للغوث بالغوث\" هو مثل مفهوم للرسول بالرسول، أي: نية اتباع غوث هذا الزمان، والشعور بنيل فضله في عمل من الأعمال([16]).

هذا هو مبدأ العمل عندهم، أن يكون لله وللرسول وللغوث، وبالله وبالرسول وبالغوث، شيء جديد في دنيا الطرق الصوفية.

وأكرر مرة أخرى أن المراد بغوث هذا الزمان هو مؤلف الصلوات الواحدية نفسه لا غير، فلا يكفي عندهم إخلاص النية لله وحده، بل لابد أن يقرن ذلك النية للرسول والغوث.

أليس في ذلك تناقض؟ أليس إشراك النية للرسول وللغوث يناقض قولهم الصحيح بأن يكون العمل لله وحده؟

هذا بغض النظر عن مشكلة \"الغوث \" نفسه، فإنه ليس له وجود في معجم العقيدة الإسلامية.

* الذكر الواحدي:

صحيح ما قاله الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق من أن الطريقة الصوفية تعني أولاً النسبة إلى شيخ يزعم لنفسه الترقي في ميادين التصوف والوصول إلى رتبة الشيخ المربي، ويكون له بالطبع ذكر خاص ينفرد عن سائر الطرق الصوفية ([17]).

فها هي الطريقة الحديثة، الإندونيسية النشأة، حتى أذكار خاصة تتقدم إلى الساحة لمنافسة الأذكار الصوفية الأخرى.

وهذه الأذكار هي تلك الصلوات الواحدية لا غير، تلك الصلوات التي تمتليء بالتوسلات بل وبالاستغاثة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وبغوث هذا الزمان -على حسب اعتقادهم- وهما من الأموات.

وهم وضعوا لقراءة تلك الصلوات، أو المجاهدة مرة أخرى، آداباً وهي:

1- أن يستشعر المريد مدة المجاهدة مبدأ لله بالله وللرسول بالرسول وللغوث بالغوث.

2- أن يستحضر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أي: أن يشعر بأنه - صلى الله عليه وسلم - حاضر بين يديه.

3- أن يتذلل ويعترف بالذل والإثم.

4- أن يشعر بالافتقار إلى رحمة الله، وشفاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى بركة غوث هذا الزمان وكرامته ونظرته.

5- أن تكون قراءة الصلوات الواحدية بنفس النغم والكيفية التي مثلها مؤلفها كياهي الحاج عبد المجيد معروف.

6- عند المجاهدة الجماعية لابد أن تكون الأصوات متساوية في الارتفاع والانخفاض، ويكون الذكر بصوت جهري مقروناً بالبكاء([18]).

والأمكنة التي اختاروها لتلك المجاهدة هي البيت والمسجد أو المصلى والقبور([19]).

ولعل الواحدية تختلف عن غيرها في كونها شبه منظمة رسمية، حيث تكون لها إدارة مركزية في مدينة كديري بجاوا الشرقية، وتحتها فروع في كثير من مناطق إندونيسيا.

وتلك الإدارات هي التي تنظم نشاطهم القوي البارز، الذي يتمثل في المجاهدات التي تعقد في أوقات ومناسبات عديدة معينة وهي على النحو التالي([20]):

1- مجاهدة يومية:

يقومون بها مرة في اليوم، وذلك بعد صلاة المغرب عادة، أو في أي وقت ممكن، وهذه إما فردية، أو جماعية مع أفراد الأسرة.

2- مجاهدة أسبوعية:

يقام بها في كل أسبوع مع أعضاء الواحدية في قرية واحدة، وأظن أنهم يختارون ليلة الجمعة([21]).

3- مجاهدة شهرية:

يقام بها شهرياً مع الجماعة أيضاً، وهي أكبر وأوسع، لأنها تضم أعضاء الواحدية في ناحية واحدة (كتشامتان بالإندونيسية).

4- مجاهدة ربع سنوية:

وهذه أوسع ضماً من التي قبلها، فهي مجاهدة أعضاء الواحدية في محافظة واحدة، تقام في كل ثلاثة أشهر.

5- مجاهدة نصف السنة:

تقام هذه المجاهدة في كل ستة أشهر، يشترك فيها أعضاء الواحدية في منطقة واحدة، أوسع من مجاهدة ربع السنة.

6- مجاهدة كبرى:

تقام هذه المجاهدة في مقر الإدارة المركزية يحضرها أعضاء الواحدية من جميع مناطق إندونيسيا.

وهناك مناسبتان تقام فيهما هذه المجاهدة الكبرى، وهما شهر محرم في مناسبة مولد هذه الطريقة، وشهر رجب في مناسبة الإسراء والمعراج.

وهناك مجاهدات أخرى ترتبط بمؤسس الواحدية، حيث يطلب من الواحديين القيام بها، وذلك في مناسبة مولده ووفاته.

فتقام المجاهدة في ليلة الجمعة في كل شهر، لأنه ولد يوم الجمعة([22])، وتقام في التاسع والعشرين من شهر رجب في كل سنة، يحضرها أعضاء الطريقة في قرية واحدة، وهذا التاريخ هو تاريخ وفاته([23]).

ومن الأشياء المزعجة، إن جاز هذا التعبير، والمثيرة لردود الفعل من قبل المجتمع، أنهم في تلك المجاهدات يقرؤون تلك الصلوات بصوت عال جماعي، ويطلب منهم أن يبكوا بشكل جماعي أيضاً، كلما اشتد البكاء كلما تكون المجاهدة أكمل.

كما أنهم في آخر المجاهدة، عند قراءتهم الآية: (ففروا إلى الله) يقومون متجهين إلى الجهات الأربع، بدءاً من الغرب ثم إلى الشمال ثم إلى الشرق ثم إلى الجنوب، ثم يعودون إلى جهة الغرب([24]).

وهذا أيضاً من آدابهم التي ما أنزل الله بها من سلطان.

أقول: إن النشاط البارز الذي مارسه شيوخ الطرق الصوفية عموماً هو إنشاء المعاهد التراثية التي اشتهرت باسم بسانزين، فإن معظم شيوخ الطرق الصوفية هم أصحاب تلك المعاهد التراثية.

4- ولعلي في الأخير أسجل بعض الملاحظات، التي نراها بوضوح، وهي كالآتي:

أولاً: في العقيدة، الغلو الشديد في مشايخ الصوفية لدرجة أن بعضهم يستغاث به من دون الله، وهذا عين الشرك الأكبر.

ثانياً: في الشريعة، أنهم يفعلون أنواعاً من العبادات للتقرب إلى الله، لا نجدها في الشريعة الإسلامية، وهذه هي عين البدعة، فالتصوف يؤدي إلى الابتداع في الشريعة.

ثالثاً: في العقل، أنهم يعتقدون أشياء لا يقبلها العقل، وهذه هي عين الخرافة، يعتقدونها ويلغون عقولهم.

 

([1]) اسم هذه الدراسة: \"الطريقة الواحدية بجاوا الشرقية وجاوا الوسطى\"، وزارة الشؤون الدينية جمهورية، مكتب الفرق الروحانية أو الدينية، سمارانج، السنة (1990م)، رقم تقرير الدراسة: (01. 014. p.v.t.l) وعند الرجوع إلى هذا المرجع فيما بعد سوف أذكر: وزارة الشؤون الدينية رقم (4) اختصاراً.

([2]) ينظر: نشرة شهرية (كمبالي)، العدد الخاص، يناير (1993م) (ص: 1) (باللغة الإندونيسية).

([3]) نفس المرحع، (ص: 19).

([4]) لخصت هذه القصة عن تدرج ظهور الصلوات الواحدية من نشرة (كمبالي)، العدد الخاص يناير (1993م)، (ص: 2) وما بعدها.

([5]) ينظر: وزارة الشؤون الدينية رقم (4) (ص: 21).

([6]) ينظر- مثلاً-: PEDOMAN POKOK-POKOK AJARAN WAHIDIYAH الواحدية)، لجنة نشر الصلوات الواحدية المركزية، (ص: 50).

([7]) ينظر: KULIAH WAHIDIYAH\")تعاليم الواحدية)، لجنة نشر الصلوات الواحدية المركزية، كديري، جاوا الشرقية، (ص: 196).

([8]) ينظر: نشرة (كمبالي)، العدد: (4) فبراير السنة (1993م) (ص: 23) (باللغة الاندونيسبة) وأيضا: وزارة الشؤون الدينية رقم (4)، (ص: 88).

([9]) ينظر: نشرة (كمبالي)، العدد: (4) فبراير السنة (1993م)، (ص: 27).

([10]) ينظر: مجموع الفتاوى (11/437).

([11]) ينظر: وزارة الشؤون الدينية رقم (4)، (ص: 21).

([12]) ينظر: دليل أصول الواحدية، (ص: 6).

([13]) ينظر: تعاليم الواحدية، (ص: 91).

([14]) ينظر: تعاليم الواحدية، (ص: 104).

([15]) ينظر: تعاليم الواحدية، (ص: 106).

([16]) نفس المرجع، (ص: 115-116).

([17]) الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، (ص: 540).

([18]) دليل أصول الواحدية، (ص: 48-49) باختصار.

([19]) وزارة الشؤون الدينية، رقم (4)، (ص: 34).

([20]) لخصت هذه المجاهدات من (وزارة الشؤون الدينية)، (رقم: 4)، (ص: 31) وما بعدما.

([21]) فقد دعاني أحدهم، بعد حواري معه، إلى الاشتراك في هذه المجاهدة، وحدد موعدها وهو ليلة الجمعة.

([22]) نشرة (كمبالي)، العدد الخاص (ص: 17).

([23]) نفس المرجع، (ص:24).

([24]) ينظر: وزارة الشؤون الدينية رقم (4)، (ص: 33).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply