بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهنا سؤال مهم، وهو ماهو الأفضل في قيام رمضان أن يصلي الرجل في بيته أو في المسجد مع المسلمين؟
مسألة تجاذبتها الأدلة واختلف فيها السلف رحمهم الله -تعالى-، ولعلي هنا أنقل بعض النقول، ومن أراد المزيد فليراجعه في مظانه.
قال ابن أبي شيبة في المصنف 2/166 من كان لا يقوم مع الناس في رمضان
7714 حدثنا أبو بكر قال ثنا ابن نمير قال ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أنه كان لا يقوم مع الناس في شهر رمضان. قال: وكان سالم والقاسم لا يقومون مع الناس.
7715 حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال: سأل رجل ابن عمر أقوم خلف الإمام في شهر رمضان؟ فقال تنصت كأنك حمار.
7716 حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي حمزة عن إبراهيم قال: لو لم يكن معي إلا سورة أو سورتان لأن أرددهما أحب إلي من أن أقوم خلف الإمام في شهر رمضان.
7717 حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش قال: كان إبراهيم يؤمهم في المكتوبة ولا يؤمهم في صلاة رمضان وعلقمة والأسود.
7718 حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش قال كان إبراهيم وعلقمة لا يقومون مع الناس في رمضان.
7719 حدثنا قطن بن عبد الله أبو مري عن نصر المعلم قال حدثني عمر بن عثمان قال سألت الحسن فقلت يا أبا سعيد: يجيء رمضان أو يحضر رمضان فيقوم الناس في المساجد فما ترى أقوم مع الناس أو أصلي أنا لنفسي؟ قال: تكون أنت تفوه القرآن أحب إلي من أن يفاه عليك به.
(680) من كان يصلي خلف الإمام في رمضان
7720 حدثنا أبو بكر قال ثنا يحيى بن سعيد عن بن جريج عن محمد بن عباد عن عبد الله بن السائب قال كنت أصلي بالناس في رمضان فبينا أنا أصلي إذ سمعت تكبير عمر على باب المسجد قدم معتمرا فدخل فصلى خلفي.
7721 حدثنا وكيع عن سفيان عن ليث عن طاوس أنه كان يصلي معهم في شهر رمضان يصلي لنفسه ويركع ويسجد معهم.
7722 حدثنا محمد بن أبي عدي عن بن عون عن محمد أنه كان يختار القيام مع الناس في شهر رمضان.
وقال الطحاوي في شرح معاني الآثار ج: 1/349 وما بعدها
باب: القيام في شهر رمضان هل هو في المنازل أفضل أم مع الإمام
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عفان بن مسلم قال ثنا وهب قال ثنا داود وهو بن أبى هند عن الوليد بن عبد الرحمن عن جبير بن نفير الحضرمي عن أبى ذر قال: صمت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمضان ولم يكن بنا حتى بقي سبع من الشهر فلما كانت الليلة السابعة خرج فصلى بنا حتى مضى ثلث الليل ثم لم يصل بنا السادسة حتى خرج ليلة الخامسة فصلى بنا حتى مضى شطر الليل فقلنا يا رسول الله لو نفلتنا فقال إن القوم إذا صلوا مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام تلك الليلة ثم لم يصل بنا الرابعة حتى إذا كانت ليلة الثالثة خرج وخرج بأهله فصلى بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح. قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور.
قال أبو جعفر: فذهب قوم إلى أن القيام مع الإمام في شهر رمضان أفضل منه في المنازل، واحتجوا في ذلك بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قنوت بقية ليلته، وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل صلاته في بيته أفضل من صلاته مع الإمام.
وكان من الحجة لهم في ذلك: أن ما احتجوا به من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قنوت بقية ليلته كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه قد روى عنه أيضا أنه قال: "خير صلاة المرء في بيته الا المكتوبة". في حديث زيد بن ثابت.
وذلك لما قام بهم ليلة في رمضان، فأرادوا أن يقوم بهم بعد ذلك، فقال لهم هذا القول، فأعلمهم به أن صلاتهم في منازلهم وحدانا أفضل من صلاتهم معه في مسجده، فصلاتهم تلك في منازلهم أحرى أن يكون أفضل من الصلاة مع غيره في غير مسجده، فتصحيح هذين الأثرين يوجب أن حديث أبى ذر هو على أن يكتب له بالقيام مع الإمام قنوت بقية ليلته، وحديث زيد بن ثابت يوجب أن ما فعل في بيته هو أفضل من ذلك حتى لا يتضاد هذان الأثران.
حدثنا بن مرزوق وعلي بن عبد الرحمن قالا ثنا عفان قال ثنا وهيب قال ثنا موسى بن عقبة قال سمعت أبا النضر يحدث عن بشر بن سعيد عن زيد بن ثابت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجر حجرة في المسجد من حصير فصلى فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليالي حتى اجتمع إليه ناس ثم فقدوا صوته فظنوا أنه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم فقال: ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم منذ الليلة حتى خشيت أن يكتب عليكم قيام الليل، ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته الا المكتوبة".
حدثنا بن أبى داود قال ثنا الوحاظي قال ثنا سليمان بن بلال قال حدثني بردان إبراهيم بن أبى فلان وهو بن أبى النضر عن أبيه عن بشر بن سعيد عن زيد بن ثابت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا الا المكتوبة".
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أسد وأبو الأسود قالا أنا بن لهيعة عن أبي النضر عن بشر بن سعيد عن زيد بن ثابت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أفضل صلاة المرء صلاته في بيته إلا المكتوبة".
وقد روى عن غير زيد بن ثابت في ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضا ما قد ذكرناه في باب التطوع في المساجد فثبت بتصحيح معاني هذه الآثار ما ذكرناه، وقد روى في ذلك عمن بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يوافق ما صححناها عليه فمن ذلك:
ما حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان لا يصلى خلف الإمام في رمضان.
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان عن منصور عن مجاهد قال: قال: رجل لابن عمر -رضي الله عنهما- أصلى خلف الإمام في رمضان فقال أتقرأ القرآن قال نعم قال صل في بيتك.
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن أبى حمزة ومغيرة عن إبراهيم قال لو لم يكن معي الا سورتين لرددتهما أحب إلى من أن أقوم خلف الإمام في رمضان.
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا أبو الأحوص عن مغيرة عن إبراهيم قال: كان المتهجدون يصلون في ناحية المسجد والإمام يصلى بالناس في رمضان.
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا شعبة عن المغيرة عن إبراهيم قال: كانوا يصلون في رمضان فيؤمهم الرجل، وبعض القوم يصلى في المسجد وحده، قال شعبة سألت إسحاق بن سويد عن هذا؟ فقال: كان الإمام هاهنا يؤمنا، وكان لنا صف يقال له صف القراء فنصلى وحدانا والإمام يصلى بالناس.
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان عن أبى حمزة عن إبراهيم قال: لو لم يكن معي الا سورة واحدة لكنت أن أرددها أحب إلى من أن أقوم خلف الإمام في رمضان.
حدثنا يونس وفهد قالا ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا ابن لهيعة عن أبى الأسود عن عروة: أنه كان يصلى مع الناس في رمضان ثم ينصرف إلى منزله فلا يقوم مع الناس.
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا أبو عوانة قال لا أعلمه إلا عن أبى بشر أن سعيد بن جبير: كان يصلى في رمضان في المسجد وحده والإمام يصلي بهم فيه.
وراجع مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر ص 230 ففيه نقول مفيدة.
وقال ابن عبد البر ـ الاستذكار 2/73ـ
القيام في رمضان نافلة، ولا مكتوبة إلا الخمس، وما زاد عليها فتطوع بدليل حديث طلحة "هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع".
وقال -عليه السلام-: "صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة".
فإذا كانت النافلة في البيت أفضل منها في مسجد النبي -عليه السلام- والصلاة فيه بألف صلاة فأي فضل أبين من هذا، ولهذا كان مالك والشافعي، ومن سلك سبيلهما يرون الانفراد في البيت أفضل في كل نافلة فإذا قامت الصلاة في المساجد في رمضان ولو بأقل عدد فالصلاة حينئذ في البيت أفضل، وقد زدنا هذه المسألة بيانا في التمهيد والحمد لله.
قال ابن قدامة في المغني 1/456
فصل: والمختار عند أبي عبد الله فعلها في الجماعة قال في رواية يوسف بن موسى: الجماعة في التراويح أفضل، وإن كان رجل يقتدى به فصلاها في بيته خفت أن يقتدي الناس به.
وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-"اقتدوا بالخلفاء".
وقد جاء عن عمر أنه كان يصلي في الجماعة، وبهذا قال المزني، وابن عبد الحكم، وجماعة من أصحاب أبي حنيفة.
قال أحمد: كان جابر، وعلي، وعبد الله: يصلونها في جماعة. قال الطحاوي: كل من اختار التفرد ينبغي أن يكون ذلك على أن لا يقطع معه القيام في المساجد، فأما التفرد الذي يقطع معه القيام في المساجد فلا. ويروى نحو هذا عن الليث بن سعد، وقال مالك والشافعي قيام رمضان لمن قوي في البيت أحب إلينا لما روى زيد بن ثابت قال: احتجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجيرة بخصفة أو حصير فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها فتتبع إليه رجال وجاؤوا يصلون بصلاته قال ثم جاؤوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنهم فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب فخرج إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مغضبا، فقال ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة" رواه مسلم.
ولنا إجماع الصحابة على ذلك وجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، وأهله في حديث أبي ذر، وقوله: "إن القوم إذا صلوا مع الإمام حتى ينصرف كتب لهم قيام تلك الليلة".
وهذا خاص في قيام رمضان فيقدم على عموم ما احتجوا به، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك لهم معلل بخشية فرضه عليهم، ولهذا ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- القيام بهم معللا بذلك أيضا، أو خشية أن يتخذه الناس فرضا وقد أمن هذا أن يفعل بعده، فإن قيل: فعلي لم يقم مع الصحابة؟ قلنا قد روي عن أبي عبد الرحمن السلمي أن عليا -رضي الله عنه- قام بهم في رمضان. وعن إسماعيل بن زياد قال مر على المساجد وفيها القناديل في شهر رمضان فقال: نور الله على عمر قبره كما نور علينا مساجدنا". رواهما الأثرم.
ولعلي أختم هذه النقول بهذا الأثر عن الحسن -رحمه الله- ففيه اختيار حسن موفق:
مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر ص 231
صالح المري -رحمه الله-: سأل رجل الحسن -رحمه الله- يا أبا سعيد هذا رمضان أظلني وقد قرأت القرآن فأين تأمرني أن أقوم وحدي أم أنظم إلى جماعة المسلمين فأقوم معهم؟
فقال له: إنما أنت عبد مرتاد لنفسك فانظر أي الموطنين كان أوجل لقلبك وأحسن لتيقظك فعليك به.
هذا الاختيار حسنٌ من الحسنِ -رحمه الله- لاسيما إذا ابتليت بإمام لا يحسن القراءة، أو يقصرها جدا.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد