بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
شيخنا الكريم عبد الرحمن السحيم جزاك الله خيرا على تسهيل حصولنا على استفسارتنا وما يتشابه علينا لا أطيل عليك، لكن يوجد لدي سؤال عسى أن يوفقني الله وأجد الإجابة عند فضيلتكم وسؤالي ينص على:
هل يجوز لمسلم يعيش في بلاد غير المسلمين أن يتاجر في الخمور أو يعمل بمكان يبيع الخمر مثل مقهى أو ما شابه ذلك؟ أرجو من فضيلتكم أن توافيني بالرد في أقرب وقت وجزاكم الله خيرا ووفقكم إلى ما يحبه ويرضاه..
احترامي وتقديري لفضيلتكم..
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
وجزاك الله خيراً. ووفقك الله لما يُحب ويَرضى..
لا يجوز لرجل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يَعمل في متاجر الخمور ومقاهيها.
ولا يجوز له أن يُتاجِر بها لا في بلاد المسلمين ولا في بلاد الكفار.
والخمر مَلعون فيها عشرة:
قال -عليه الصلاة والسلام-: أتاني جبريل فقال: "يا محمد إن الله -عز وجل- لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومستقيها". [رواه الإمام أحمد وغيره[.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لُعِنَتِ الخمرة على عشرة وجوه: لُعِنَت الخمر بعينها وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها". [رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه[.
ولم يَستَثنِ من ذلك شيئاً.
فعاصرها أو مُعتَصِرها وحاملها وبائعها ومشتريها وساقيها كلهم ملعونون على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سواء قدّموا ذلك للمسلم أو للكافِر.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- حَرَّم بيع الخمر على الإطلاق.
قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن الله ورسوله حَرّم بيع الخمر والميتة والخنـزير والأصنام". [رواه البخاري ومسلم[.
بل أعلَن ذلك عام الفتح.
روى البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عام الفتح -وهو بمكة-: "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام. فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة، فإنه يُطلَى بها السفن، ويُدهن بها الجلود، ويَستَصبِح بها الناس؟ فقال: لا، هو حرام. ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: قاتل الله اليهود! إن الله - عز وجل - لما حَرَّم عليهم شحومها أجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه".
فَقَرَن بيع الخمر ببيع الميتة والخنزير والأصنام.
وهذا هو رأي جماهير العلماء.
ولم يَقُل أحد من أهل العلم بِجواز بيع الخمر على الكفار على الإطلاق، إلا ما ذُكِر من قول شاذ في بعض المذاهب من جواز بيع الخمر على الكفّار المحارِبين!
ومع ذلك هو قول ضعيف شاذّ، لا يُعوّل عليه.
ثم هو مُخالِف للإجماع.
قال الإمام القرطبي في التفسير: أجمع المسلمون على تحريم بيع الخمر والدم، وفي ذلك دليل على تحريم بيع العَذرات وسائر النجاسات، وما لا يَحِلّ أكله. اهـ.
قال ابن قدامة: ولا يجوز بيع الخمر ولا التوكيل في بيعه، ولا شراؤه.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن بيع الخمر غير جائز. اهـ.
ومما يَدلّ على تحريم بيع الخمر للكفار أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمَرَ بإتلاف الخمر التي كانت من أموال أيتام، ولو كان يجوز بيعها لغير المسلمين لأذِن النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيعها على أو على المشركين الذين يشربون الخمر.
روى الترمذي من طريق أنس عن أبي طلحة أنه قال: يا نبي الله إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري. قال: أهرِق الخمر، واكسر الدِّنان.
ولو كان يجوز بيع الخمر على الكفار لما أتلَف -صلى الله عليه وسلم- مال الأيتام، ولأذِن في بيع الخمر على الكفار.
وبائع الخمر على الكفّار يُعين على الإثم والعدوان، وقد قال الله-تبارك وتعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى البرِّ وَالتَّقوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ).
ومن باع الخمر فقد تحايل على ما حرَّم الله، فأشـبَه اليهود الذين قال فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قاتل الله اليهود! إن الله -عز وجل- لما حَرَّم عليهم شحومها أجملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه". [رواه البخاري ومسلم[.
روى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "بَلَغَ عمر أن فلانا باع خمرا، فقال: قَاتَلَ الله فلانا! ألم يعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قاتل الله اليهود حُرِّمَت عليهم الشحوم، فجملوها فباعوها".
فهذه نصوص صحيحة صريحة في النهي عن بيع الخمر.
ولا يجوز تَرك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقول أحدٍ, كائنا من كان.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- عن خياط خَاطَ للنصارى سَير حرير فيه صليب ذهب. فهل عليه إثم في خياطته؟ وهل تكون أجرته حلالا أم لا؟
فأجاب - رحمه الله-:
نعم، إذا أعان الرجل على معصية الله كان آثما، لأنه أعان على الإثم والعدوان، ولهذا لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وساقيها وشاربها وآكل ثمنها. وأكثر هؤلاء كالعاصر والحامل والساقي إنما هم يُعاونون على شربها، ولهذا ينهى عن بيع السلاح لمن يُقَاتِل به قِتالا مُحَرَّماً كقتال المسلمين، والقتال في الفتنة، فإذا كان هذا في الإعانة على المعاصي فكيف بالإعانة على الكفر؟ وشعائر الكفر؟ والصليب لا يجوز عمله بأجرة ولا غير أجرة، ولا بيعه صليبا، كما لا يجوز بيع الأصنام ولا عملها. اهـ.
والله - تعالى -أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد