بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال:
عندنا إمام استحسن في كل يوم جمعة بعد الموعظة أو الدرس كما نسميه عندنا و قبيل خطبة الجمعة أن يقوم ببعض الأدعية لأناس مخصوصين (كمن يُريد الزواج، أو الشفاء، أو ينشد الرزق أو الولد، أو غير ذلك) يبعثون بها إليه في قصاصات أو أوراق صغيرة.
فما حكم الشرع في هذا الفعل المحدث الذي أحدثه في كل يوم جمعة؟
الجواب:
تضمن السؤال عدَّة مسائل فيما يلي بيان الحكم الشرعي فيها فُرادى:
المسألة الأولى: الموعظة التي يؤديها بعض الأئمة في كثير من البلدان (و خاصَّةً بلدان الغرب، و المغرب العربي) و اتِّخاذ ذلك عادةً يُتعبَّد بها، إنما هو من البدع المحدثة التي ما أنزل الله بها من سلطان، بل هي من أشنَع البدع لأنها تضاهي ما جاء به الشرع الحنيف من الوعظ يوم الجمعة بالخطبتين و حسب.
و ينطبق على هذه البدعة قول الإمام الشاطبي في تعريف البدعة [كما في كتابه الشهير الاعتصام: 1 / 37] بأنَّها طريقةٌ في الدين مختَرَعةٌ، تضاهي الشرعيَّة، و يُقصَد بالسلوك عليها ما يُقصَد بالطريقة الشرعية، أو المبالغة في التعبد لله - تعالى -.
قلتُ: و أي وعظٍ, أو درسٍ, يكون يوم الجمعة بين يدي الخطبتين، أو بعدهما، أو بينهما (كما يُفعَل في بعض البلاد بدعوى الحاجة إلى خطبة مترجمة)، إنما يراد به ما يراد بالخطبتين نفسهما من النصيحة و التذكرة و بيان الحلال و الحرام، لذلك كان هذا الفِعلُ من المضاهاة لما جاءت به الشريعة، مع ما فيه من إرادة التقرب إلى الله - تعالى -، و يلزم من ذلك الجزم بأنه من البدع المحدثة، و الله المستعان.
المسألة الثانية: طلب الدعاء من الغير أمر مشروع في ذاته، حتى لو كان الطلب من الفاضل للمفضول، لما رواه أحمد و ابن ماجة و أبو داود و الترمذي عَن عُمَرَ بن الخطَّاب - رضي الله عنه -، أنَّهُ استأذنَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في العُمرَةِ، فأذن له رسول الله، و قال: (أي أُخَيَّ! أشرِكنَا في دعائِكَ و لا تَنسنَا) قال أبو عيسى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
و زاد في آخر رواية أحمد و أبي داود: فقال عمر: (ما أحب أن لي بها ما طلعت عليه الشمس).
و قد كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - الدعاء، كما في حديث عكاشة بن محصن - رضي الله عنه - الشهير في الصحيحين و غيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (يدخل الجنة من أمتي زمرةٌ هي سبعون ألفاً، تضيء وجوههم إضاءة القمر). فقام عُكَّاشة بن مِحصَن الأسدي، يرفع نَمِرة عليه، قال: ادع الله لي يا رسول الله أن يجعلني منهم، فقال: (اللهم اجعله منهم). ثم قام رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (سبقك عُكَّاشة).
و لا زالت الأمة تتواصى بالدعاء، و لا يُنكَر هذا على سائل و لا مسؤول، بل كانوا يحتسبون على ذلك الأجر، و يرجون تأمين الملائكة عليه.
فقد روى مسلمٌ في صحيحه عن صفوان بن عبد الله - زوج الدرداء - قال:
قدمت الشام، فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده، و وجدت أم الدرداء. فقالت: أتريد الحجَّ العامَ؟ فقلت: نعم. قالت: فادع الله لنا بخير. فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مُستجابةٌº عند رأسه مَلَكٌ مُوكَّل. كلما دعا لأخيه بخير، قال المَلَك الموكل به: آمين، و لك بِمِثلٍ,).
فخرجتُ إلى السوق فلقيتُ أبا الدرداء. فقال لي مثل ذلكº يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
و نظائر هذا كثيرة من فعل الصحابة الكرام فمن بَعدَهُم.
المسألة الثالثة: لا بدَّ في العبادة المشروعة أن توافق السنَّة في السبب، و الجِنسِ، و القَدر، و الكيفيَّة، و الزمان، و المكان، كما هو مقرَّرٌ عندَ أهل العلم حتى تخلوا عن الابتداع [انظر: الإبداع في كمال الدين و خطَر الابتداع، للشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -، ص: 20 23].
فإن خالفت السنَّة في شيء من ذلك فهي بدعة مردودة على صاحبها، لما في الصحيحين و غيرهما من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أحدث في أمرنا هذا) أي ديننا (ما ليس فيه فهو ردُّ) أي: مردودٌ عليه.
و ما ذكره الأخ السائل من اتخاذ الدعاء للغير على وجه الخصوص بكيفية معينة، و في وقتٍ, معيَّن، يخالف السنَّة في الدعاء للغير بظهر الغيب، و هي الإطلاق و عدم التقييد بزمان و لا مكان، لذلك كان فعل الإمام المذكور بدعةً لا يقَرٌّ عليها، بل يجب النكير عليه لفعلها على النحو المذكور، كما يجب التبيين لمن يقصده بسببها بأنها ردُّ على صاحبها، لما تقدَّم في حديث أم المؤمنين - رضي الله عنها -، و الله - تعالى -أعلَم و أحكَم.
هذا و الله الهادي إلى سواء السبيل، و بالله التوفيق
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد