بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمينº اتصف بالكبرياء والعظمة، وتفرد بالجبروت والقهر والقوة، فقال - سبحانه - في الحديث القدسي ((الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحدة منهما قذفته في النار)) أحمده حمداً يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك لهº كتب البلاء على المؤمنينº تكفيرا لسيئاتهم، ورفعا لدرجاتهم ((وَنَبلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينَا تُرجَعُونَ)) (الأنبياء: 35)
وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسولهº اصطفاه ربه نبيا ورسولا، وجعله عبدا شكورا، ولما تحزبت الأحزاب وحاصروا المدينة، وعظم الكرب، واشتدت المحنة لجأ إلى الله - تعالى - فدعاه قائلاً: ((اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم)) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله - عز وجل -º فهي العدة للبلاء والمحنة ((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَّهُ مَخرَجاً)) (الطلاق: 2).
أيها الناس: العلو على الناس، والفساد في الأرض، هو حصيلة قناعات عقلية، واعتقادات باطنية بالتميز والتفوق، تقود إلى الكبر، ثم إلى العلو والفسادº ولذا جاء الإسلام بحسم هذه المادة الفاسدة، واستئصلها من نفوس البشر، وذلك ببيان أن أصل البشر وجنسهم واحد، وأن التفاضل بينهم بالإيمان والعمل الصالح ((يَا أَيٌّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقنَاكُم مِّن ذَكَرٍ, وَأُنثَى وَجَعَلنَاكُم شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُم إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) (الحجرات: 13).
وما كان هذا النداء العظيم، وهذا البيان الكبير الذي جاء في الكتاب العزيز إلا حماية للبشر من الكبر والعلو أن يسري إلى قلوبهم، ويفتك بأخلاقهم، فينتج عنه الفساد والدمار، واستسهال قتل الناس، واسترخاص الدماء، وتسويغ كل أشكال الحروب والدمار، كما وقع كثيرا - ولا يزال يقع - بأيدي الصهاينة الإنجيليين، والصهاينة التوراتيين، فقتل واحد من أفرادهم أو أسره يقيم الدنيا ولا يقعدها، وقتل مئات من غيرهم، وأسر آلاف من رجال ونساء، وملئ السجون بهم، وتدمير بلدان، وتشريد أمم، وتيتيم أطفال، وترميل نساء، لا يحرك ساكنا، بل هو أمر مشروع، ودفاع عن النفس، ما دام هذا الدمار على غير جنسهم وعرقهم.
إن شريعة الإسلام قد أبدت وأعادت في صفة الكبر الذميمة وبينت أنها سبب للآثام، وطريق إلى رفض الحق، ونصر الباطل، وغمط الناسº والله - عز وجل - قال لإبليس الطريد اللعين حين أخرجه من الجنة بسبب كبره((قَالَ فَاهبِط مِنهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخرُج إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ)) (الأعراف: 13).
فعامله الله - تعالى -بنقيض ما أراد من العلو والعظمة، وكتب عليه الصغار أبدا، والصغار أشد الذل والهوان، وفي الآية الأخرى((قَالَ اخرُج مِنهَا مَذؤُوماً)) (الأعراف: 18).
إن من اتصف بالكبر والعلو لا ينال إلا الهوان والصغار بحكم الله - تعالى -المتكبر المتعال الذي حكم على من رفضوا الحق، وجادلوا فيه فقال - سبحانه - فيهم ((إِن فِي صُدُورِهِم إِلَّا كِبرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ)) (غافر: 56)
وبين - سبحانه وتعالى - أن أهل العلو والاستكبار مصروفون عن تدبر آيات الله - تعالى -الشرعية، وعن فهم سننه الكونية ((سَأَصرِفُ عَن آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَإِن يَرَوا كُلَّ آيَةٍ, لاَّ يُؤمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوا سَبِيلَ الرٌّشدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنهَا غَافِلِينَ)) (الأعراف: 146).
ووالله الذي لا يحلف إلا به إن هذه الأوصاف لموجودة في قوى الظلم والطغيان في هذا العصر، ومن وافقهم في ظلمهم وسوغه لهم من المنافقين والظالمين والجاهلين.
ولقباحة العلو والاستكبار، وما يخلفه من الأفعال الرديئة، والأخلاق الذميمةº تعوذ موسى - عليه السلام - من أهله وقد رأى فتكه بقلب فرعون: ((وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ, لَّا يُؤمِنُ بِيَومِ الحِسَابِ)) (غافر: 27).
وأمة بني إسرائيل أمة قد اصطفاها الله - تعالى - على من كان قبلها من الأمم، وفضلها عليهم، وجعل النبوة فيهم، وامتن عليهم - سبحانه - بذلك ((يَا بَنِي إِسرَائِيلَ اذكُرُوا نِعمَتِيَ الَّتِي أَنعَمتُ عَلَيكُم وَأَنِّي فَضَّلتُكُم عَلَى العَالَمِينَ)) (البقرة: 47).
وذكرهم نبيهم موسى - عليه السلام - بهذه النعمة العظيمة فقال لهم: ((يَا قَومِ اذكُرُوا نِعمَةَ اللّهِ عَلَيكُم إِذ جَعَلَ فِيكُم أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مٌّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَم يُؤتِ أَحَداً مِّن العَالَمِينَ)) (المائدة: 2. ).
ولكن كفار بني إسرائيل بدلوا دين موسى وداود وسليمان - عليهم السلام -، ثم قتلوا يحيى وزكريا - عليهما السلام - في جملة من الأنبياء الذين قتلوهم، ثم كذبوا عيسى ومحمدا - عليهما السلام -، ووضعوا السم لأفضل البشر، وخاتم الرسل - صلى الله عليه وسلم -، فمات متأثرا بسمهم، وحاولوا قتل عيسى - عليه السلام - إلا أن الله - تعالى - نجاه منهم، ورفعه إليه، وسينزله في آخر الزمان لقتالهم على دين خاتم الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم -.
إن أفعال بني إسرائيل القبيحة من تكذيب الرسل وقتلهم، واحتقار غيرهم من البشر وظلمهم، وبطر الحق، وغمط الناس ما كان إلا بسبب كبر وعلو امتلأت به نفوسهم، واسودت به قلوبهم، وفسدت به أخلاقهم، فلا يرون الحق إلا في أقوالهم وأفعالهم ولا عجب حينئذ أن نرى اليهود يعتدون على الدول، ويبيدون البشر، ولا يذرون حجرا على حجر، ولا عجب أيضا أن يؤيدهم في علوهم وظلمهم، ويباركه لهمº إخوانهم من صهاينة النصارى الإنجيليين، ويزعمون أن اليهود بظلمهم وإجرامهم إنما يدافعون عن أنفسهم فحسبº وذلك لأن مشرب الطائفتين واحد، وثقافة العلو والاستكبار تردهم من مصدر واحد، من توراة محرفة، وتلمود مؤلف، جعل لهم ميزات على سائر البشر، ومنحهم الأرض ومن عليها ملكا لهم يفعلون بها وبأهلها ما يشاءون مباركين من الرب - سبحانه وتعالى -، هكذا يعتقدون فيعملون بما يعتقدون، - تعالى - الله العلي الكبير عن إفكهم وظلمهم، وعاملهم - سبحانه - بما يستحقون.
وعلوهم الذي أخبر عنه القرآن لا يخفونه هم عن الناس، بل يظهرونه ويعلنونه، ويفاخرون به على غيرهم، في عنصرية بغيضة، واحتقار لغيرهم ممقوت. ودونكم أيها المسلمون بعضا من أقوالهم لتعرفوا مدى علوهم، وتفهموا لم يفعلون ما يفعلون في هذا الزمان الذي ساد فيه رعاة البقر، وأكلة الخنزير، وزعموا أنه عصر التحضر والرقي البشري، يقول كبير الصهاينة التوراتيين في وقته، رئيسهم ابن جوريون عقب انتهاء عمليات العدوان الثلاثي على مصر مخاطبا جنده (لقد أرجعتمونا إلى المكان الذي أُعطينا فيه القانون، وفيه كلفنا الرب بأن نكون شعباً مختاراً) ويقول آخر منهم (سيسود شعبنا اليهودي كل الشعوب الأخرى. إن إسرائيل هذه هي الأمة العليا التي تملك القدرة على التوسع، وأن تصبح سيدة العالم دون النظر بعين الاعتبار إلى ما يمكن أن يكلف هذه الشعوب الأدنى مقاماًº لأن الأمة العليا وحدها فقط هي زهرة البشرية وذروتها وما خُلقت الأمم الأخرى جميعاً إلا لتخدم هذه النخبة)
ويخطب أحدهم فيهم فيقول: (كل إنسان آخر على الخطأ وأنت اليهودي وحدك على الصواب، لا توجد حقيقة واحدة في العالم وهي بكاملها ملكك أنت) ثم يقول: (إن التوراة والسيف أنزلا من السماء معاً) مشيراً إلى العقيدة والقوة المعتمدة على السيف والسلاح.
ويقول أحد حاخاماتهم: (إن الفرق بين اليهودي وبين غير اليهودي كما الفرق بين الروح الإلهية والبشر. فشعب إسرائيل صفوة الشعوبº إذ هو مخلوق من روح الله، بينما أرواح الشعوب الأخرى مخلوقة من النجاسات الثلاث). - تعالى -الله عن إفكهم علوا كبيرا.
فلا تعجبوا - أيها الإخوة - من أفعالهم التي تنقل إليكم هذه الأيام لحظة بلحظة في فلسطين ولبنانº لأنهم لا يرون غيرهم إلا بحسب مقولاتهم وقناعاتهم تلك.
ولا تعجبوا أيضا من سكوت مختلف طوائف النصارى الغربيين ممن يملكون القدرة على الإنكار عليهم، ووضع حد لجرائمهمº لأن الجميع من كفار بني إسرائيل، ولو زعموا أنهم أتباع عيسى - عليه السلام -، وعبدوه من دون الله - تعالى - فهو بريء منهم، ولسوف يقاتلهم مع الطائفة المؤمنة من أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم -، فيكسر صليبهم، ويقتل خنزيرهم.
وأما أمة العرب فقد ضيعوا أمر الله - تعالى -، فوكلهم الله - تعالى -إلى أنفسهم، فذلوا وهانوا، واستبيحوا شر استباحة º إذ أدار المعارك الأولى مع اليهود قوم من العرب أداروا ظهورهم لدينهم، وتنكروا لكتاب ربهم، ورفعوا شعارات القومية العربية في مقابل القومية الطورانية التركية، فنقلوا المعركة من ميدانها الديني الشرعي إلى جاهلية عمياء، وعصبية خرقاء، وركبوا ما ركب اليهود من عصبية الدم والعرق، فضربوا في النكبة، ثم قضي عليهم في النكسة، فأعلنوا الاستسلام، واستجدوا السلام من اليهود وحلفائهم في الغرب، ووعدوا شعوبهم إن قبلوا الاستسلام بأحلام وردية، وجنة شرق أوسطية، عبر السلام البارد ثم الدافئ ثم سلام الشجعانº ليعلن هذه الأيام أمين المنظمة العربية عن موت عملية السلام وانتهائها بعد ثمان وعشرين سنة ميلادية من التخبط والضياع، والتعلق بالأوهام، وإحسان الظن بالأعداء، فيا للفضيحة التي التي دونها التاريخ بمداد الخزي والعار في هذا الزمان.
وكيف يظن هؤلاء المخدوعون أن الذين صنعوا لليهود دولة في عقر ديارنا، ومكنوهم من التفوق على مجموع قوتنا وجيوشنا يمكن لهم في يوم من الأيام أن يقفوا معنا ضد اليهود أو يمكنونا من صدهم أو إضعافهم، هيهات هيهاتº فالله - تعالى - يقول: ((وَالَّذينَ كَفَرُوا بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ,)) (الأنفال: 73).
والعجيب أن كثيراً من العرب لا يزالون يتصورون أنه لا حل للأزمة مع اليهود إلا بكسب صداقة أصدقاء اليهود، والمراهنة على الضغوط، التي تمارسها ضدهم الدول الكبرى والمنظمات الدولية، وهذا وهم آخر، فالله - تعالى -يقول: ((يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ, وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللّهَ لاَ يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأتِيَ بِالفَتحِ أَو أَمرٍ, مِّن عِندِهِ فَيُصبِحُوا عَلَى مَا أَسَرٌّوا فِي أَنفُسِهِم نَادِمِينَ)) (المائدة: 51-52).
وقد أزالت هذه الأحداث كثيرا من الأوهام، وأثبتت ما قرره القرآن من حقيقة الأعداء، ولا مخرج للأمة من هذه الأزمة العظيمة إلا بالرجوع إلى الله - تعالى -، والاستمساك بدينه، والثقة به وحده دون غيره، ونبذ كل الأسباب البشرية التي ما زادت الأمة إلا ضعفا ووهنا، وزادت الأعداء تسلطا وبغيا، وقطع كل الحبال إلا حبل الله - تعالى -، فهو حبل النصر والعز والتمكين ((يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدَامَكُم)) (محمد: 7).
((أَيَبتَغُونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً)) (النساء: 139).
جعلنا الله - تعالى -من أنصار دينه، ومن أهل عزته وكرامته.
اللهم يا غوث المستغيثين، ويا ناصر المستضعفين انصر المسلمين على اليهود ومن حالفهم، وأنج المستضعفين من المؤمنين في لبنان وفي فلسطين يا رب العالمين.
اللهم يا قاصم الجبابرة، ويا كاسر الأكاسرة، ويا مذل القياصرة أنزل الذل والهوان والعذاب على اليهود وحلفائهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين، أنت حسبنا ونعم الوكيل، وأنت مولانا فنعم المولى والنصير، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وأطيعوه ((يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَولاً سَدِيداً * يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِع اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظِيماً)) (الأحزاب: 7. -71).
أيها المسلمون: لقد قضى الله - تعالى - وقضاؤه نافذ لا محالة - بأن ذلة بني إسرائيل وهوانهم دائم معهم، ملازم لهم، أينما كانوا، وفي أي زمان عاشوا إلا بحبلين اثنين لا ثالث لهما:
حبل من الله - تعالى - بدخولهم في دين الإسلام كما دخل فيه سيدهم وابن سيدهم عبد الله بن سلام - رضي الله عنه -، أو بدخولهم تحت دولة الإسلام بعقود أمان أو ذمة.
وأما الحبل الثاني فهو حبل القوى النافذة من البشر، وهو حبل الناس.
((ضُرِبَت عَلَيهِمُ الذِّلَّةُ أَينَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبلٍ, مِّن اللّهِ وَحَبلٍ, مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ, مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَت عَلَيهِمُ المَسكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَانُوا يَكفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيرِ حَقٍّ, ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعتَدُونَ)) (آل عمران: 112).
ومن قرأ تاريخ اليهود طيلة عهودهم التي أعقبت عهد الاصطفاء يجد أنهم ما خرجوا عما قضاه الله - تعالى -عليهم من الذل والهوان إلا بهذين الحبلين، وفي دولة الإسلام دخلوا تحت حماية المسلمين بعقد الذمة حتى سقطت خلافة بني عثمان، فانحاز اليهود إلى قوى الاستعمار يتعلقون بحبلها، ويستمدون القوة منها إلى يومنا هذا، ولا يمكن أن ينفرد اليهود بقوة لوحدهم، ولا أن يواجهوا غيرهم بأنفسهمº فلا بد من حبال عسكرية وسياسية واقتصادية تمدهم بالمعونة والقوة، هذا هو قدر الله - تعالى -عليهم، وحكمه فيهمº جراء علوهم وإفسادهم.
ثم قضى - سبحانه وتعالى - فيهم بالهلاك والدمار إن أفسدوا في الأرض المباركة وهي أرض بيت المقدس وما حولها، وأخبر أنهم سيفسدون مرتين، وأن علوهم سيزداد، وأن تسليط عدو عليهم يستبيحهم يكون في أوج علوهم واستكبارهم، وأنهم إن عادوا إلى الفساد والعلو عاد الله - تعالى -عليهم بالعذاب والنكال على أيدي بعض عباده، وتلك سنة دائمة ثابتة فيهم، قررها القرآن العظيم، ووقعت في تاريخهم ((وَقَضَينَا إِلَى بَنِي إِسرَائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفسِدُنَّ فِي الأَرضِ مَرَّتَينِ وَلَتَعلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاء وَعدُ أُولاهُمَا بَعَثنَا عَلَيكُم عِبَاداً لَّنَا أُولِي بَأسٍ, شَدِيدٍ, فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعداً مَّفعُولاً * ثُمَّ رَدَدنَا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيهِم وَأَمدَدنَاكُم بِأَموَالٍ, وَبَنِينَ وَجَعَلنَاكُم أَكثَرَ نَفِيراً * إِن أَحسَنتُم أَحسَنتُم لِأَنفُسِكُم وَإِن أَسَأتُم فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُم وَلِيَدخُلُوا المَسجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ, وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوا تَتبِيراً * عَسَى رَبٌّكُم أَن يَرحَمَكُم وَإِن عُدتٌّم عُدنَا وَجَعَلنَا جَهَنَّمَ لِلكَافِرِينَ حَصِيراً)) (الإسراء: 4-8).
إن قضاء الله - تعالى - فيهم ظاهر، وحكمه فيهم واضح، وسنته فيهم ثابتة ((وَإِن عُدتٌّم عُدنَا)) أي: إن عدتم إلى العلو والفساد عدنا عليكم بالعقوبة والعذاب، وقد عادوا إلى العلو والفساد فسلط الله - تعالى -عليهم أمة الفرس فخربوا عمرانهم وأبادوا خضراءهم، ثم عادوا إلى الفساد والعلو بعد بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسلط الله - تعالى - المسلمين عليهم في غزوات النضير وقينقاع وقريظة وخيبر، فكانوا بين القتل والسبي وبين الطرد والجلاء، ثم عادوا للعلو والفساد فسلط الله عليهم أمة الألمان النازية فطاردوهم وعذبوهم وحرقوهم.
وبعد توطينهم في بيت المقدس زاد علوهم، واستفحل فسادهم، وأمدهم إخوانهم وحلفاؤهم والمسارعون فيهم بحبالهمº ليعلوا علوا كبيرا، وليتبروا ما علوا تتبيرا، ولسوف يحق عليهم وعد الله - تعالى -، وتدركهم سنته الأبدية ((وَإِن عُدتٌّم عُدنَا)) وسنة الله - تعالى - فوق إرادة البشر، وقدرته - سبحانه - غالبة لأسلحتهم وأسلحة من يصلونهم بحبالهم، وما نفع أجدادهم من قبل ما توثقوا به من حبال البشر، وقطعت سنة الله - تعالى -كل حبل ممدود إليهم ((فَهَل يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحوِيلاً)) (فاطر: 43) وكلما زاد علوهم، واستفحل فسادهمº دل ذلك على قرب عذابهم، ودنو هلاكهم، عجل الله - تعالى -ذلك بمنه وفضله، وحفظ المسلمين من شرهم وعلوهم وفسادهم.
ألا فاتقوا الله ربكم، واستمسكوا بدينكم، وانصروا إخوانكم في الأرض المباركة بكل ما تستطيعون من أنواع النصرة، ومن أعظم ذلك الدعاء الخالص الصادق، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده، إنه على كل شيء قدير.
ألا وصلوا وسلموا على نبيكم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد