بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه واستن بسنته إلى يوم الدين وبعد:
يقول الله - تعالى -: [يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقنا كم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة]، ويقول الله - تعالى -: [يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم].
عباد الله: إن عملية الإنفاق في سبيل الله هي من أعظم التحديات التي تواجه النفس الإنسانية، خاصة أن طبيعة البشر أنهم حريصون كل الحرص على المالº محبون له أشد الحب، {وتحبون المال حبا جما}، {وانه لحب الخير لشديد}، فالذي يستطيع أن يكون المال في يده لا في قلبه فقد نجا من فتنة قدرها الله - تعالى - أصلا على البشر حيث قال الحق -جل جلاله- : {إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم}، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: [إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي بالمال]، فمن الناس من افتتن بالمال فتنة عظيمة حتى أنه أصبح عبدا لذلك المال وللدرهم والدينار فانطبق عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: [تعس عبد الدينار والدرهم]، فلم يعد لهم هم إلا جمع المال دون النظر من أي طريق يجمع وفي أي طريق ينفق، فترك دينه وتفرغ لدنياه، فابتعد عن ذكر الله وترك صلاته وعبادته، وانشغل بالأدنى عن الذي هو خير، واستعمل ماله في سخط الله فتعس وانتكس، وبخل بما أعطاه الله ظانا أن ذلك خيرا له، ولم يسمع قول الله - تعالى -: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير}.
ومن الناس عباد الله: من علم أن المال الذي بين يديه إنما هو أمانة وأنه مستخلف فيه، وعلم أنه ابتلاء من الله امتحنه فيه، فاتقى الله فيما بين يديه وحافظ على توازنه ما بين ماله ودينه، فأدى الحقوق المطلوبة وقام بالواجبات المفروضة، فبارك الله له في ماله في دنياه وضاعف له أجره في الآخرة، وصدق فيه قول الله - تعالى -: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط}.
عباد الله: إن الإنفاق في سبيل الله - سبحانه - هو أحد أهم الأمور التي يقاس بها العبد من ناحية صدقه مع الله - تعالى -وعبوديته له خاصة أن كثيرا من الناس يدّعون الإيمان و العبادة، ويتذرعون أن أبواب الخير موصدة في وجوههم، فكم من الناس يتمنى أن يفتح باب الجهاد حتى ينال شرف الجهاد والشهادة، وقد يقول قائل: لئن فتح الله لنا باب الجهاد ليرين الله ما نصنعº أما علم هؤلاء أن الله - تعالى - قدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفسº لأن الذي لا يقدم ماله لن يقدم نفسه من باب أولى في اللحظة الحرجة، ومن هنا ليسأل كل واحد منا نفسه هل أنا ممن يقولون ما لا يفعلون؟ أم أنني من الصادقين مع نفسي ومع اللهº الذين يصدق فعلهم قولهم.
أخوة الإسلام إن الله - تعالى - لما أمرنا بالجهاد ودلنا على طريقه في كتابه الحكيم، أمرنا أن نجاهد بأموالنا بداية وفي ذلك تهيئة للنفس كي تجود بما هو أكبر من ذ لك، فقال الله - تعالى -: {يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}º ومن هنا فهم سلفنا الصالح من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن سار على هديهم من بعدهم هذا الأمر جيدا، فهذا عمر - رضي الله عنه - قدم نصف ماله وهذا أبو بكر رضي الله - تعالى -عنه قدم ماله كلهº يقول عمر - رضي الله عنه - أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر فجئت بنصف مالي، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أبقيت لأهلك؟ فقلت: مثلهº وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شئ أبداº وهذا أبو طلحة الأنصاري - رضي الله عنه - كان من أغنى الأنصار، قدم لله أحب ماله عنده وهي بئر كانت مستقبلة المسجد وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب وهي(بيرحاء).
وهذا أبو الدحداح الأنصاري الذي اشترى ببستانه نخلة في الجنة حتى قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كم من عذق دوّاح لأبي الدحداح في الجنة) - مرارا.
عباد الله: إن الإنسان الذي عجز عن الجهاد بنفسه لسبب أو لغيره وكانت الفرصة أمامه ليجاهد بماله، ثم قصر بعد ذلك فو الله لا نجد له عذرا أمام الله عند السؤال يوم القيامةº فالإنفاق الإنفاق عباد الله، ونبينا - صلى الله عليه وسلم - يقول: [قال الله - تعالى -: يا ابن آدم أنفق ينفق عليك]، فالله الله على من زاد ماله وباركه بالإنفاق في سبيل الله وانتظر الجزاء من الله في الدنيا والآخرة، متيقنا بقول الله - تعالى -: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه}.
إخوة الإسلام: إن أحبة لنا في فلسطين يضحون بالغالي والنفيس، فتراق دماؤهم وتهدم عليهم بيوتهم ويزج في المعتقلات أبناؤهمº هؤلاء الذين يقومون بواجب الجهاد بالنفس، ويقومون مقام الأمة بالدفاع عن عرضها و مقدساتهاº فبالله عليكم هل من العدل أن نتركهم فريسة سهلة لأعدائنا ونسلمهم لظلم الحاجة والفقر مع قدرتنا مساندتهم والوقوف إلى جانبهم لنسد شيئا من معاناتهم؟!
أيها المسلمون: إن دماء المسلمين تراق على ثرى فلسطين الطهور، وعلى أرض الرافدين في العراق وعلى تراب الشيشان وعلى جبال أفغانستان، فمن لكل هؤلاء الصامدين في وجه الكفر الذي توحد اليوم في مواجهتهم يدا واحدة وملة واحدةº فمتى يا أمة الإسلام سيشعر المجاهد بالطمأنينة على أهله ومن يعول من ورائه حتى يقدم على جهاده واثقا لا يشغل فكره هم ولا غم مع أننا متيقنين أن المجاهد ربط نفسه بالله ونذر روحه لله واستخلفه على أهله ومالهº إلا أن الأولاد مجبنة مبخلة، أما سمعنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: [من خلف غازيا في أهله فقد غزا].
أين نحن من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: [ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهم: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا].
عباد الله: إن من العجيب أن ترى بعض أغنياء المسلمين ينفق ماله في بناء المساجد وترميمها وزخرفتها- على فضل ذلك - في حين ترى كثيرا من المسلمين هم في أمس الحاجة لأمور أساسية لا يكادون يجدونها، خاصة من المجاهدين الذين يقاومون عدوا شرسا يملك كل ما يخطر بالبال من الدعم المادي وغيره، فبالله عليكم من أولى بالنفقة: الأبنية وتشييدها أم المجاهد الذي يقف في وجه الطغيان الصليبي التوراتي الحاقد على كل ما هو إسلامي أو يتصل بالإسلام، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ربى جيلا يعظم حرمة دم المسلم على الكعبةº إخوة الإسلام ليت مساجدنا القائمة تمتلئ بالمصلين الصادقين العاملين فعندها لن يبقى لأعدائنا سبيل علينا.
واسمع أخي في الله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - [ما منكم من أحد إلا سيكلم الله يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو بكلمة طيبة].
عباد الله: يقول الله - تعالى -: {ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وانتم الفقراء وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}º فمن يقصر بشيء من الإنفاق فإنما يذهب الخير عن نفسه، واسمع قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :[أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال - صلى الله عليه وسلم -: فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما آخر].
فيا أخي في الله قدم لآخرتك في حياتك فانك لا تدري ما يحدث ورثتك بمالك بعدك ولا تستقلنّ عملا أو جهدا أنت باذله أو نفقة أنت منفقها، فالنبي - صلى الله عليه وسلم- قال: [من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب فان الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل].
وقد حذر الإسلام من البخل والشح فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن يسفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم].
وقد ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلا بالإنفاق لأمته ففي صحيح مسلم عن صفوان بن أمية قال: لقد أعطاني رسول الله ما أعطاني وإنه لمن أبغض الناس إليّ فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ، قال ابن شهاب: أعطاه يوم حنين مائة من النعم ثم مائة ثم مائةº وفي مغازي الواقدي أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أعطى صفوان يومئذ واديا مملوءا إبلا ونعما فقال صفوان: أشهد ما طابت بهذا إلا نفس نبي.
عباد الله: إن العبد الذي يستطيع أن يخرج سيطرة المال من قلبه حيث يعطي ويعيل من يستحق، وخاصة الجهاد والمجاهدين في هذه الأيام التي بات المجرمون وأعوانهم يحاصرون المجاهدين ويضيقون عليهم في كل سبيلº هذا العبد من أعظم الناس درجات عند الله والناس أيضا، فهو الذي يدخل السرور على قلب الأمة كلها، لأن الأمة عطشى لرؤية عدوها وهو يذوق من كأس المرارة الذي يجرع الأمة منه ليلا ونهارا.
أخوة الإسلام: لئن حرمنا الله بابا من أبواب الجهاد، فإنه جل جلاله فتح لنا أبوابا أخرى، أوسع هذه الأبواب وأعظمها باب الإنفاق في سبيل الله جهادا بالمالº وكما قال الحق - تعالى -: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وصفة المؤمن أنه إذا دعاه الله ورسوله لأمر كان من المسارعين للاستجابة لذلك الأمر ولا يقول إلا سمعنا وأطعنا مصداقا لقوله - تعالى -: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا}، والله - تعالى -هو الذي أمرنا بالإنفاق وأوجبه علينا نصرة لإخواننا فقال - تعالى -: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم بيع فيه ولا خلال}.
ومن هنا عباد الله، وجهنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهذا الخلق فقال: [لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار].
وصدق الله - تعالى -إذ قال: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا}.فنسأل الله - سبحانه - أن يجعل القرآن العظيم ربيع صدورنا ونور قلوبنا، إنه وحده القادر على ذلك، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنهº نفعنا الله وإياكم بالقرآن العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد