بسم الله الرحمن الرحيم
هذه وقفة مع سيرة الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، مع جهاده ودعوته بعد هجرته من مكة إلى المدينة حيث هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه المسلمون المهاجرون من مكة بعد أن ذاقوا الأمرين من كفار قريش، فراراً بدينهم ليجدوا الأرض التي أذن الله لهم فيها بالقيام بعبادته، بعد مناصرة الأنصار لهم والدخول في الإسلام.
ولكن لم يسلم المجتمع المدني من بعض القلاقل والمكايد من اليهود والمنافقين..وستكون الخطبة اليوم عن العلاقة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين اليهود منذ وصوله المدينة حتى وفاته - صلى الله عليه وسلم -.
اليهود أيها الإخوة: جماعة نزلت يثرب هروباً من الرومان قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - بحوالي أربعمائة عام وقد بلغ المقاتلون منهم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - حوالي (2000) رجل، ألفي رجل قادر على حمل السلاح، فهي جالية كبيرة، تنقسم إلى ثلاثة أقسام، بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة.
وبعد أن استقر النبي - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرون، والأنصار بالطبع بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - في تنظيم المدينة وكتب وثيقة موادعة ومعاهدة مع الجالية اليهودية، واشترط عليهم أن لا يمالئوا عدوه وأن ينصروه على من دهمه، دفاعاً عن المدينة، وأقرهم على دينهم، فمن أسلم فله النصرة وهو من المؤمنين، وأن لا يخرج أحد منهم إلا بإذن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن يُنفِقَ اليهودُ مع المؤمنين ما داموا في حرب وغيرها من الشروط التي أوردتها كتبُ السيرة في معاهدة النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم والتي فيها أن أي شجار أو أي إشكال يحصل في المجتمع المدني مرده إلى الله وإلى الرسول، وخاصة لو حصل بين مسلم ويهودي.
أما ما يحصل في الأحوال الشخصية بين اليهود أنفسهم فالرسول مخير بين أن يحكم بينهم أو لا يحكم، كما قال - تعالى -: فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين.
أيها الإخوة: بالرغم من طباع اليهود المعروفة وكما جاء أنهم قوم بهت يبهتون الناس ويفترون عليهم، حتى عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - لم يسلم من بهتانهم وزورهم حينما علموا بإسلامه، كما ذكر البخاري أن عبد الله بن سلام حينما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فنظرت إلى وجهه فعرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب وسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أشياء فحينما أجابه النبي عما سأل أعلن إسلامه وقال يا رسول الله: إن اليهود قوم بهت وإنهم إن يعلموا بإسلامي يبهتوني فأرسل إليهم فسلهم عني.
فأرسل إليهم فقال: ((أي رجل ابن سلام فيكم؟)) قالوا: حبرنا وابن حبرنا وعالمنا وابن عالمنا قال: ((أرأيتم إن أسلم تُسلمون؟)) قالوا: أعاذه الله من ذلك: فخرج عليهم عبد الله بن سلام فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا، وجاهلنا وابن جاهلنا فقال: يا رسول الله ألم أخبرك أنهم قوم بهت!!؟.
أيها الإخوة: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلاً أعلى في التعامل معهم، وهم العدو المراوغ الذي يستخدم كل أساليب المراوغة والخداع.. لقد زار النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن جارٍ, له يهودي حينما علـم بمرضه وعرض عليه الإسلام فقبل الابن وأسلم ففاضت روحـه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الحمد لله الذي أنقذه بي من النار)) أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -.
وقد كان اليهود يحظوا بالرعاية في المجتمع الإسلامي في المدينة النبوية وما حولها. فهل هم حافظوا على هذه العلاقة بينهم وبين المسلمين؟ هل قاموا بدورهم في بناء المجتمع والحفاظ عليه؟ في الواقع أنهم ما فتئوا في طعن الإسلام وفي إيذاء المسلمين والتربص بهم وبالنبي - صلى الله عليه وسلم - في كل لحظة.. فغدروا ونقضوا العهد مراراً وتكراراً وأعلنوا الحرب سراً وجهاراً على الإسلام وعلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فهذه بنو قينقاع أظهروا البغض والحسد حينما انتصر النبي والمسلمون في غزوة بدر الكبرى، وأخذوا يظهرون بغضهم وحسدهم في أقوالهم وأفعالهم، فجمعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ونصحهم ودعاهم للإسلام، فردوا بقولهم: يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا.
وهذا منتهى التحدي والتهديد بالرغم من أنهم جالية تحت رئاسة النبي - صلى الله عليه وسلم - بموجب المعاهدة التي بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقام رجل منهم من بني قينقاع في السوق بعقد ثوب امرأة من المسلمين خلفها وهي جالسة دون أن تعلم فحينما قامت انكشفت عورتها وصاحت في المسلمين، فقام أحد المسلمين وقُاتل اليهودي فقتله، وقـُتل المسلم من اليهود الذين في السوق، فجهز النبي - صلى الله عليه وسلم - جيشاً وحاصرهم في حيهم مدة خمسة عشرة ليلة واستسلموا ونزلوا على حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لهم النساء والذرية فقط، أما الأموال فللمسلمين، والرجال يقتلوا، فكلمه المنافق عبد الله بن أبي سلول وألح في ذلك.. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هم لك)) تنازلاً لرغبة ابن سلول وأمر بإجلائهم عن المدينة.
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين.
وماذا فعل بنو النضير أيضاً؟ خططوا لقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في السير أنهم طلبوا من النبي أن يخرج إليهم في ثلاثين رجلاً وهم أيضاً سيخرج منهم ثلاثون رجلاً ليستمعوا منه فإن صدقوه آمنوا به.. فحينما اقترب النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه المكان المحدد للاجتماع اقترح اليهود أن يجتمع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه ثلاثة من أصحابه بثلاثة من أحبارهم، فإن أقنعهم آمنوا كلهم وكان مع الثلاثة اليهود خناجرهم مخفية تحت الثياب، ولكن النبي جاءه خبر بالمؤامرة فرجع ولم يقابلهم.
والرواية الثانية التي في السيرة تذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب إليهم ومعه بعض الصحابة ليأخذ منهم دية رجلين قتلا خطأً فقالوا: نعم، اجلس هنا، وانتظر حتى نجمع لك المبلغ، فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت جدار.. فقال اليهود: هذه فرصة لو يصعد أحدهم بحجر فيلقيه على رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقتله ويتخلصوا منه، فجاء الوحي بالخبر ورجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة.
فسواء صحت هذه الرواية أو التي قبلها، فالتخطيط واحد والغدر واحد.. فحـاصرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ست ليالٍ, فنزلوا على الصلح ووقعت معاهدة ثانية معهم على أن لهم ما حملت الإبل إلا السلاح واحتملوا ما أقلت الإبل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم فكانوا يخربون بيوتهم فيهدمونها فيحملون ما وافقهم من خشبها.
وبهذه المعاهدة الثانية حقن النبي - صلى الله عليه وسلم - دماءهم وأجلاهم عن ديارهم قال - تعالى -: \" سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذابُ النار ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب \".
وما زال الغدر مستمراً من اليهود وكذلك نقض العهود حيث تعاون اليهود مع الكفار والمشركين في غزوة الخندق، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بغزوهم في بني قريظة بعد غزوة الخندق، وحاصرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان سعد بن معاذ - رضي الله عنه - حليفهم فقالوا ننزل على حكم سعد بن معاذ، فحكم فيهم أن تقتل المقاتلة وتسبى النساء والذرية وتقسم أموالهم، فأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((قضيت بحكم الله)).
وبذلك تبرأ سعد من اليهود ومن موالاتهم خلاف المنافق عبد الله بن أبي بن سلول الذي شفع لهم ولم يرض بقتلهم موالاة لهم وحباً فيهم، فإنه منهم والعياذ بالله.
ثم نفذ القتل في كل رجل منهم، وأخذ المسلمون النساء والذرية والأموال غنيمة لهم جزاءً لخيانتهم وغدرهم حيث نقضوا العهد وتحالفوا مع المشركين، مع الأحزاب، بقصد قتل المسلمين وأخذ أموالهم وذرياتهم ونسائهم، وتبعهم بعد ذلك اليهود الذين تجمعوا في خيبر وخاصة بنو النضير الذين أجلاهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم للإسلام وأن في كتبهم ذكره وذكر بعثته وهم قد جحدوا رسالته ونقضوا العهود معه، ووقفوا مع الأحزاب ضده، ولكنهم لم يستجيبوا ولم يعتذروا عما فعلوه، فعمد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى قتل زعمائهم ثم حاصرهم في حصونهم، وأعطى اللواء لعلي ابن أبي طالب - رضي الله عنه -، ففتح الله على المسلمين وتهاوت الحصون أمام المسلمين فمنهم من قُتل، ومنهم من أُسر وسُبَي، ومنهم من استسلم دون قتال، فأبقاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في أرضهم لزراعتها ولهم نصف الثمار.. وبعد ما قاموا بزراعتها. بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن رواحة لتقدير الثمار.. فأرادوا أن يرشوه أو يفعلوا شيئاً معه ليأثـّروا على تقديره، فقال لهم: يا أحفاد القردة والخنازير، تعلمون أنكم والله أبغض الناس إلي، وأن رسول الله أحب الناس إليّ، ولكن لا يجعلني حبي له وبغضي لكم أن لا أعدل.. فحكم فيهم بالعدل، فتعجبوا منه ومن عدالته - رضي الله عنه -، وقالوا: رضينا بما قلت.
أيها الإخوة: هؤلاء هم اليهود وهذه أخلاقهم وطبائعهم وسيبقون كذلك، ولكن المصيبة هي فينا نحن المسلمين، وخاصة ممن هو مسؤول وتحمل الأمانة وأصبح من ولاة أمر المسلمين.
يقول أحدهم: إن السلام مع اليهود خيار استراتيجي أي أنه لا يمكن أن يحيد عنه أبداً، لأن السلام بزعمه يعتبر أهم مصلحة له ولأمته، وهذا والله عين النفاق والموالاة للكفار.
لقد تهافت هؤلاء على الصلح مع اليهود وحاولوا ذر الرماد في العيون حينما قرءوا على الناس وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وترقبت الأمة وأخذت تنظر إلى أي مدى سيكون السلام، فإذا هو استسلام وتبعية وذل وهوان وانحدار في إثر انحدار.
لقد سمعتم أيها الإخوة وشاهدتم ما عرضته وسائل الإعلام هذه الأيام من صور ومشاهد فيها استهزاء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، واستهزاء بالقرآن الكريم، فعلها اليهود، والمسلمون دون حراك، إلا من أصوات لا تكاد تبين، وكنت أتمنى كما هو حال كثير من الناس، أن يعلن الجهاد، وتستنفر الجيوش لحرب اليهود، هذه الجيوش التي تنفق عليها المليارات من الدولارات ونراها في الاستعراضات العسكرية بمناسبات مختلفة، ولا أدري هل هي تبنى فقط للاستعراضات، بينما يقوم فتية من الصغار بحمل الحجارة يلقون بها في وجه اليهود على قدر استطاعتهم، ونحن ليس لدينا إلا الاستنكار والشجب والصراخ والعويل والاستنجاد بهيئة الأمم وما يسمى بمجلس الأمن.
إن قضية فلسطين هي قضية إسلامية جهادية.. فهي ليست قضية قومية ولا قضية أرض أو حدود أو شرق أوسطية بل هي قضية تهم كل مسلم على وجه الأرض، وقريباً بإذن الله ستتحد أمة الإسلام تحت خلافة راشدة وترفع راية الجهاد في وجه اليهود... نحن شرقي نهر الأردن وهم غربيه ((حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم هذا يهودي خلفي تعال واقتله إلا شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود)) هذا هو الوعد الحق، هذا وعد الصادق المصدوق. أما المنافقون ومن سار في ركابهم من الذين يرون أن السلام خيار استراتيجي، يعدون بالسلام الدائم، وهو وعد كاذب.
أيها الإخوة: إن الذي وضع السم للنبي - صلى الله عليه وسلم - هم اليهود الذين قتلوا الأنبياء من قبل.. وقد تأثر النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا السم حينما مرض قبل وفاته، وحينما توفى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الثاني عشر من ربيع أول، فرح اليهود بموته واعتبروا أنفسهم ممن شارك في قتله. فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد