المرأة تربية ومكانة


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى:

أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله - تعالى -وتوبوا إليه..

أيها الإخوة المؤمنون، أهينت كرامتها، وهضمت حقوقها، وكان يتشاءَمون منها، ليس لها حق الإرث.وليس لطلاقها عددٌ محدود.

ولا لتعدد الزوجات حد، كانت تورث وتباع كالبهيمة والمتاع.

و تكره على الزواج والبغاء بأنواعه المتعددة. وتعددت الجاهليات والنهاية واحدة.

جاهليةٌ تبيح للوالد بيع ابنتهِ ووأدها حيةٌ في مهدِها ( وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِالأنثَى ظَلَّ وَجهُهُ مُسوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ القَومِ مِن سُوء مَا بُشّرَ بِهِ أَيُمسِكُهُ عَلَى هُونٍ, أَم يَدُسٌّهُ فِي التٌّرَابِ أَلاَ سَآء مَا يَحكُمُونَ ) [النحل: 58، 59].

كم من الأعاصير العنيفة التي واجهتها المرأةُ؟ وكم من حقول الشوكِ عبَرتها في عمق التاريخ؟ وكم من سياط الذل والخسفِ التي نزلت على جسدها وقلبها، أجمع الجاهليون القدماء على إهانتها. ونظروا إليها بعين الشكِّ والعار. وفرَضُوا عليها الفسادَ والعُهرَ امتداداً لجاهليات كانت تهين المرأة كالجاهلية الرومانية والبابلية واليونانية كما أثبت ذلك التاريخُ. فكانت المرأة بعد كلِّ ذلك مكلومةَ الفؤاد.. ممزقة النفس دامعةَ العين.. واهيةَ الجسد والروح.

لكن الإسلام الذي جاء مخلصاً للبشريةِ بتعاليمه الساميةِ.. أكرم المرأة وجعل لها المكانة الخاصةَ والرعايةَ الكريمةَ.. جاء الإسلام وأعطى للمرأةِ حقوقاً حمتها ورعى منزلتها وأعلا مكانتها، فالمرأة إلى جانب الرجل تكلَّف كما يتكلّف الرجلُ إلا فيما اختصَّ به ( مَن عَمِلَ صَـالِحاً مّن ذَكَرٍ, أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيّبَةً )[النحل: 97].

فمنزلة المرأة في الإسلام عزيزةً كريمةً أماً أو زوجة أو أختاً أو بنتاً، تقوم بدورها إلى جانب الرجل، تؤازره وتشدٌّ من عزمِه، تناصره وتقوي همته، تحفظُه إن غاب وتسره إن حضرَ إليها، وتضحي بدورها لأجل دين الله، وتساهم في بعث الأمل بنصر الله.

فسميَّة - رضي الله عنها - أول شهيدةٍ, في الإسلام وخديجةُ بنت خويلدٍ, الزوجة التي شجعت رسول الله على دعوته لدين الله. وعائشةُ وأسماءُ وأم سليم وأمٌّ عِمَارة كلَّها أسماءٌ سطَّرت تاريخاً حافلاً في نصرةِ الإسلام، وسجَّل لهن التاريخ ولغيرهن أروعَ المواقف في نصرتِه وتأييدِه. وتربية المنزل لذلك وتهيئة أولئك الأبطالُ في بيوتهن الذي صنعوا التاريخ الإسلاميَّ وفتوحاته.

وسارت تعاليمُ الإسلام بالمرأة فأدبَّها الإسلام، وحرَّرها من رقِّ الجاهلية وصان حقوقها، وخصها بما يناسب فطرتها.

ومع ضعف الإسلام في النفوسِ أهله وذلَّتهم وصلت المرأة في زمننا وعالمنا العربِّي والإسلاميِّ إلى جاهليةٍ, معاصرةٍ, في زمننا هذا، أرادت هذه الجاهلية إخراج المرأةِ عن دورها الحقيقيَّ، تعقد لها المؤتمرات أو قُل المؤامرات. وأنشأت لها منظمات الحرية المزعومة والتحرير الموهوم، فوأدت هذه الجاهلية المعاصرةُ المرأةَ، ليس وأداً بالتراب لكنه وأدٌ فكريٌ وأخلاقيٌ، وأدٌ لرسالتِها، وأدٌ لفكرِها، وأدٌ لأخلاقها، فتأثرت المرأة المسلمةُ بهذه الهجماتِ الشرسة وجَلَبتَ لها مدنية هذا العصرِ ذبحاً صارخاً للأعراضِ ووأداً كريهاَ للغيرةِ. وتحريفاً لدورها في الحياة، يمجِّدون الفردَ ويهمِّشون الأسرةَ، ويهتمون بالفرد ويهملون العائلةَ، لا يرون في المرأة زوجةً ولا أماً ولا بنتاً، وإنما يرونها عاملةً وموظفةً، المرأة في مسلكهم آلت إلى سلعةٍ, في سوقٍ, اللذات والشهوات، يستعبدها الرجل الذي يزعمُ تحريرها، يستمتع بها لأنه يريدُ حرية الوصول إليها، وليس حرَّيَّتها.

وهكذا ضاعت المرأة وتشتت الأسرةُ وهدم المجتمع وهُزِمَت وذلَّت الأمَّةُ، فالأم مربية الأجيال أصبحَتَ تربى على الانفتاح اللاأخلاقي وأُهمل إعدادها فضاعت المجتمعاتُ.

والأمٌّ مدرسةٌ إذا أعددتها *** أعددت شعباً طيب الأعراق

أيها الإخوة المؤمنون، إذا كان هذا حال المرأة في زمننا في بلاد الكفرِ والفسوقِ، فلاشك أن مما يُحزَنُ له أنك ترى لوثات هذا الفساد قد سيطرت على عددٍ, من بلدان العالم الإسلاميِّ حتى أصبحت المرأة في بعض دولِ العالم الإسلامية ـ بسعيٍ, من مفسدِيها عبرَ الزمن ـ قرينةً للمرأة الكافرةِ، قرينةً لها بتبذٌّلها وسوء أخلاقِها، وسفورها، تحللت من كلِّ الروابط والقيم الأسرية. وتغلَغلَت تلك الهجماتُ وتمكَّنَت بدعمٍ, من وسائل الإعلام ورعايةٍ, من بعض الجهات المسؤولة في تلك البلدان، لكننا بعد أن رأينا بوادر تلك الهجمات الشرسة تطالُ المرأة في بلادنا حجاباً وخلقاً وعلماً وتعليماً، بدأنا نرى ثماراً جناها بعض دعاة الفسوق والرذيلة في التأثير على المرأة المسلمة، غاظهم حال المرأة لدينا وكيف حافظت بالرغم من كل تلك التغيٌّرات والهجمات على عفافها، غَاظَهم أنها استجابت لرَّبها وأقامت دينَها وأكملَت تعليمها مستقلة عن الرجالِ، فأصبحت مِثالاً حياً، وطريقاً يُحتذى، جمعَتَ بين تعاليم الإسلام آداب الدين، واستوعبت ما يفيدها من علوم العصر، ومن خلال ميادينها المستقلة تمكنت المرأة في بلادنا أن تساهم بعطائها في المجتمع والوطن مجتنبةً الويلات التي يعاني منها المستسلمون والمتخاذلون.

أيها الأحبة، ومع كلِّ هذه الفضائل التي تعيشُها المرأةُ في بلادنا إلا أنَّنا نَرى هجمات مبطنةً وظاهرةً، نرى بوادرها تغزو مجتمعنا.. وتستغلٌّ المناسباتِ والأزماتِ لتمرير أهدافها على المرأة، ونشطُوا في حرب القيم وعكس المفاهيم، وارتبطت هجماتُهم الماكرةُ بمصالحَ ماديةٍ, وإعلاميةٍ, وأهدافٍ, وطنيةٍ, مزعومةٍ, وضرورات عصريةٍ, تراثيةٍ, وعبر جهاتٍ, مسؤولة.

وحدّوا جهودهم وشحذوا ألسنتَهم وبَرَوا أقلامهم، وعقدُوا المؤتمرات والندوات وسطَّروا المقالات.. وامتطوا صهوات الهيئات لتحقيق مآربهم. وأنت إذا نظرتَ إلى تلك المبادئ البائسة التي تحاك لنسائِنا ومجتمعنا فإنك تراه ينادي بها ويدافع عنها ويتحمس لها نخبٌ علمانيةٌ ذاتُ هيمنةٍ, على مجرياتِ الفكرِ والصحافةِ والإعلامِ، تأملوا كيف تعاونت تلك الأقلامُ الساقطةُ والأفلامُ الهابطة، تمزق حجابَ العفةِ ثم تتنافسُ وتتسابق في شرحِ المعاصي وفضحِ الأسرارِ وهتك الأستارِ وفتح عيون الصغار قبل الكبار، انظروا كيف انبرت تلك الألسنة والأقلام للحرب على جهاتٍ, الحكومية التي تخدم تعليم المرأة في الجرائد أو تقدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويريدون بكيدهم إسقاط تلك الجهات ألا ساء ما يريدون أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ [الأنعام: 31].

إن المعششَ في عقولِ هؤلاء أن التقدم العلمي والسباق التقنيَّ لن يتحَّقَقَ إلا على أنقاض الفضيلةِ والإيمان والالتزام بأحكام الإسلام وتقويض جهات التعليم والدعوة والحسبة التي تميزت بها بلادنا، لن يتحَّقَقَ التقدٌّمُ في نظرهم إلا من خلالِ تقليدٍ, صليِّبي أو بوذيِّ في تعليمهم واتباعِهم في إعلامهِم.. هُزموا في نفوسِهم ففقدوا القدرةَ على التمييزِ بين الحقِ والباطلِ، وسعَوا بكلِّ ما أُوتوا لتنفيذِ خطَطِهم وأجلبوا خيلهم ورجلهِم.. ولبَّسوا على المسؤولين وغشٌّوا الناسَ وهم يُظهرُون حبَّ الإصلاحِ، في حيِن أنَّهم مفسدونَ، يدعَّون الوطنيَّةَ وهم يسعون لخراب الوطنِ. وكيدهم هذا يظهر تارةً ويختفي تارةً، فكلما رأوا الأجواء مناسبةً أوقدوا نار حربهم وكثفوا هجومهم، فإذا كبتوا كما كبت الذين من قبلهم اختفوا كما الجرذان في جحورهم، لكنهم لا يلبثون أن يخرجوا إذا رأوا طعماً لهم. وإن كانوا قد حققوا بعض مراداتهم فلنعلم أنهم بإذن الله خاسرون أمام سياجات متينةٍ, من إيمان المجتمعِ وأخلاقهم وغيَرِتهم على نسائِهم وتعاونهم فيما بينهم على مقاومة هذه الأدواء، ولنثق أنَّهم وإن تحقَّقَت لهم بعضُ مطالبهم لاسيَّما بدعمٍ, صليبي، فإنَّهم لن يُحقِّقُوا آمالَهم في تغريبِ المجتمعِ وصرفِ المرأة عن مهمتها الأساس ببناءِ بيتَهِا على الإيمانِ والتقوى، ويجبُ أن نتكاتفَ جميعاً قادةً وشعباً ورجالاً ونساءً وآباء وأمهات على ردِّ هذه الهجمات وعلى أن نحُصِن أنفسنا تجاهها، وأن يبحث كلُ واحد منا عن دورٍ, يساهم من خلاله في تحصينِ المرأةِ في مجتمعنِا أمام هذا المكر والكيدِ، لاسيما ونحن ولله الحمد نفاخر بنسائنا في بيوتنا من أمهاتٍ, وزوجاتٍ, وبناتٍ, وأخواتٍ,.

أيٌّها الإخوةُ المؤمنون، إن طريقة السلامةِ لنسائِنا في المجتمع ـ لمن يريد السلامة ـ لن يكونَ إلا بعدَ الإيمانِ بالله ورحمتِه وعصمتِه، إن طريقَ السلامةِ ينبعُ من البيتِ والبيئةِ.. فهناك بيئاتٌ تُنبتُ الذلَّ وأخرى تُنبتُ العزَّ، وثمة بيوتاتٌ تظلَّلها العفةُ والحشمةُ، وأخرى ملؤها الفحشاءُ والمنكَرُ. وإننا ولله الحمدِ في الوقتِ الذي نُفَاخِرُ فيه بما آلتَ إليه عددٌ من بيوتِ المسلمين من سترٍ, للأعراض وحمايةٍ, للمرأةِ فإننا نخشى ونستغربُ من تغيِّرٍ, سريعٍ, طال عدداً من بيوتنِا الإسلاميةِ.

يجبُ أن نعلمَ أنَّ هذه الحربَ المبطنةَ والظاهرةَ على المرأةِ في بلادنا لن تُحَقِّقَ أهدافَها وتنالَ مرادَها إلا حينَ نغفلُ عن بيوتِنا ونهملُ التواصي فيما بينَنا على الحقِّ والتواصي على الصبِر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. إننا سنواجهُ هذه الهجمات على المرأةِ إذا استطعنا أن نجعلَ منها عضواً فاعلاً في المجتمعِ محصَّناً تحصيناً ذاتيَّاً ضدَّ ما يرادُ بها.

ولنعلم أن تأسيسَ الجيلِ على إيثار الحقِّ والخيِر والفضيلةِ وحبِّ العلمِ ومآثر الأخلاق ومعالي الأمورِ يكون بفضلِ الله ثم بأمٍ, عرفت قدّر نفسها ووعَت دورَها ورسالتَها، فهي المدَّرسةُ الأولى والمعلّمةُ الرؤوم، يستمدٌّ منها الطفلُ ـ بتوفيق الله ـ مفرداتِ اللسانِ وأركانَ الإيمانِ ومعالَم الإسلامِ ومناهجَ السلوكِ، هذا الدورُ العظيمُ الذي يُوازي كلَّ وظيفة.

لكنَّ هذا الدورَ للمرأةِ لن يأتَّي بالأماني، ولا يتحقَّقُ بالتنظيِر فقط بل هو مهمةٌ كُبرى وجهادٌ مستمرٌ يبدأُ بإعداد المنزلِ والبيئةِ الصالحةِ التي تترَّبى فيها البنتُ من صِغَرِها تترَّبى على لوحاتِ الفضيلةِ ومناظرِ العفافِ والتفاهم لا التخاصم فيما بين الأبِ والأمِّ، على تربيةِ الأولادِ على الخيِر، حينَ ُتتلى في المنزلِ آياتُ القرآنِ الكريم وتطبّق وتتلَقَّى أحاديثَ الرسولِ وتعيشُ سيرتَه وقصص صحابته.

يبدأ إعدادُ المرأة عندَما يخفقُ قلبُها بحبِّ الله - تعالى -وحبِّ الأنبياء والصالحين والمسلمين لا بحبِّ مغنٍ, ساقط.. أو رياضيٍّ, ضائعٍ,.. أو إعلامٍ, ماجن.. وفنٍ, هابطٍ,.

يبدأُ إعدادُ المرأةِ عندَما ترى أبوين يُقلِقهُما تخبٌّط المسلمين وتأخُرٌّهم، فتحمُل الفتاةُ منهما همَّ الإسلامِ، فترتفعُ عن صغارِ الهمومِ، و صغائرِ الأمورِ.

لابدَّ أن يبدأ إعدادُ المرأةِ لدينا من خلالِ أبوين مُتحابين جادين يعملان لبناءِ أسرةٍ, قويةٍ, في دينها صحيحةٍ, في جسومِها لتكونَ هذه الأسرةُ لبنةً في بناءِ مجتمعٍ, قويٍ,، وذلكَ حين تترَّبى البنتُ في هذا البيت لتتهَّيأ لبيت الزوجيةِ الذي تؤدِّي فيه دورَها.

أيها الآباءُ والأولياءُ، إنها مهمةٌ عظيمةٌ أوجَبها اللهُ عليكم بتربية البناتِ وإعدادهِن لمواجهةِ أعباءِ هذه الحياةِ.. هذه المهمةُ الكبرى بالتربية التي أعطى اللهُ لها الأجرَ العظيم بإحساِنها يقولُ رسول الله: ((من كان له ثلاثُ بناتٍ, فصبَر على لأواِئهنَّ وضَّرائهنَّ أدخلَه الله الجنَّةَ برحمتِه إياهُن))، فقال رجل: وابنتان يا رسول الله قال: ((وابنتان))، فقال آخر: وواحدة، قال: ((وواحدة)) رواه الحاكم وصححه.

ويقول - عليه الصلاة والسلام -: ((من عال جارتين حتى تبلُغا جاءَ يومَ القيامة أنا وهو كهاتين وضمَّ أصابعَه)) رواه مسلم.

أيها المؤمنون، إن الهجومَ على المرأة يشتدٌّ والمعركةُ ستكونُ أكثَرَ ضراوةٍ, بقدرِ ما تكونُ المرأةُ مستمسكةً بعروةِ الإسلامِ الوثقى، وبقدر ما تُطبِّقُ تعاليم الدينِ ومبادئَ القيمِ عن علمٍ, وحبّ وإيمان، كما هو حالُ غالب نسائِنا ولله الحمد.

وإن المرأة حين تحصن نفسها بهذا الإيمان فإن هذه الهجمات سترد عنها بطرف حسير. ولن تحقق شيئاً في بناء المرأة المتين، يجب أن نعلم أننا كلنا مستهدفون بيوتاً وأسراً ونساءً. وإذا لم نحصن نساءنا علمياً وعملياً وعقلياً وخلقياً، وإذا لم نجعل ذلكَ من أوَّل مهامِنا بحيثُ لا تدعُ لباغٍ, مَنفَذَاً ولا لداع للشهوات والشبهات مدخلاً، إذا لم نفعل ذلك فإن دعاة التغريب والغربة ـ وما أكثرهم هذه الأيام ـ ينتظرون غفلةً منا وتغافلاً ليتوجسوا خلال عقلِ الفتاةِ وقلبِها ويستغلِّوا تعليمَها لتميل ميلاً عظيماً.

أيها المسلمون، حذارِ ثم حذارِ أنُ تُقدِّموا على صلاحِ بيوتكم وبناتِكم همَّاً آخر مهما كانُ ملحاً، حذارِ ثم حذارِ أن تَدعُوا دعاةَ الرذيلةِ على أهوائِهم ليتركُوا بيوتنا قاعاً صفصفاً، وليكونَ العفافُ فيها أثراً بعد عين كما تحقَّقَ ذلك لقرنائِهم في عدد من بلادِ المسلمين.

حذارِ أن تلقي بالمسؤوليةِ عن المرأة في بيتكِ ومجتمعكِ على الحكومةِ وحَدها أو على العلماءِ فقط وإن كانوا مسؤولين بالدرجة الأولى، لكنه تعاونٌ وتعاضدٌ فيما بينَكَ وبينَهم سيُؤتي ثماره بإذن الله، إذا كان الوعُي حاضراً والحذرُ موجوداً والحرصُ مُشتركاً.

إن علينَا جميعاً محاصرةَ الفسادِ وأهلهِ بكل الطرقِ المشروعةِ والمتاحةِ والمباحة، كما علينا مصارحَة كُلِّ مسئول ومناصحته من منطلقِ الحرصِ وحبِّ الخيِر لا الحقد.

مناصحة العلماءِ والآباء، مناصحةُ الجميعِ بالأخطارِ القادمةِ إن أرخوا العنانَ لدعاةِ تحريفِ المرأةِ، وغضٌّوا الطرفَ عن مشاريعهم الهدَّامةِ. وكتاباُِتهم الساقطة، إن الجميع سيجني بالسكوتِ مرارةً وعَلقَماً، والساكتُ عن الحق شيطانٌ أخرس. ولنحذر من المغرياتِ الحديثةِ للمرأة التي تُغريها بالخروج مِن بيتها مهملةً دورَها الأساسَ في المنزلِ. ولنحذرَ كذلك طرائق تشويه حِجابِ المرأة الذي طالَته الموضاتُ والفتحاتُ مِن ُكلِ جانبٍ,.

ولنعلمَ أن استقرارَ المرأة في بيتها خيرٌ لها، ووظيفتُها في بيتِهَا من أشرفِ الوظائفِ في الوجودِ، وما ُيحسنُ هذه المهمةَ ولا يتأهّلُ لها إلا من استكملَ أَزكَى الأخلاقِ، وأنقَى الأفكارِ.

ومن الخطأ في الرأي وفسادِ التصوٌّر الزعمُ بأن المرأةَ في بيتِها قعيدةٌ لا عملَ لها، أو أنَّها عالَةٌ على أهلها كما يقولُهُ البعضُ، فهذَا سوءُ فهمٍ, غليظ وجهلٌ بطبيعة المرأةِ في المجتمعِ. والأشدٌّ الظنُ بأن هذه الوظيفَة قاصرةٌ على الطهي والخدمةِ، إن مهمَّتها الأساسُ تربيةُ الأجيالِ والقيام عليها، حتى تُنبُتَ نباتاً حسناً ذكوراً وإناثاً، وهي مهمةٌ تعدِلَ في الإسلامِ شهودَ الجُمع والجماعات، وتعدلُ حجَّ التطوعِ والجهاد.

جاءت أسماء بنت يزيد الأنصارية - رضي الله عنها - إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله: إن الله بعثك للرجالِ والنساءِ كافَّةً، فآمنّا بك وبإلهك، وإنا معشرَ النساءِ محصوراتٌ، مقصوراتٌ، قواعدُ بيوتِكم، وحاملاتُ أولادِكم، وإنكم معشرَ الرجالِ فُضِّلتُم علينا بالجمعِ والجماعاتِ، وفُضِّلتُم بشهودِ الجنائزِ وفُضَّلتُم علينا بالحجَّ بعدَ الحجِّ، وأعظمُ من ذلك الجهادُ في سبيل الله، وإن الرجلَ منكم إذا خرجَ لحجٍ, أو عمرةٍ, أو جهادٍ,، جلسنا في بيوتِكم نحفظُ أموالكم، ونربِّي أولادَكم، ونغزلُ ثيابكم، فهل نشاركُكم فيما أعطاكم اللهُ من الخيِر والأجرِ؟! فالتفت النبي وقال: ((هل تعلَمون امرأةً أحسنَ سؤالاً عن أمور دينِها من هذه المرأة؟!)) قالوا: يا رسول الله ما ظننا امرأةً تسأل سؤالها فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((يا أسماء أفهمي عنَّي.. أخبري من ورائك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها لمرضاته، واتبعاها لرغباته يعدل ذلك كله)) فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر. أخرجه البيهقي.

إن تاريخ الأمة شاهد صدق لنساءٍ, فضليات جمعن في الإسلام آداباً وستراً ووقاراً دون أن يتعثرن بفضول حجابهن أو يقبلن دعاوى الماكرين والماكرات. وإن من شواهد عصرنا في فتياتنا المؤمنات.. متحجباتٍ, بحجابِ الإسلامِ، مستمسكاتٍ, بهدي السنةِ والكتابِ، قائماتٍ, بمسؤولياتهنَّ خيرٌ ثم خيرٌ من قريناتٍ, لهنَّ شاردات كاسيات ـ عاريات متبرجات تبرَّج الجاهليةِ الأولى لاهثاتٍ, خلف سرابِ حُرِّية صليبيةٍ, مزعومةٍ,، فالله الله أيها الأولياء.

أيها الآباء، أخاطبُ فيكم مسئوليتكم، أناجي قوامتَكم ورعايتَكم، يجب أن نحذرَ من مكر الفسوقِ وجلب أجهزتِه ومجلاتِه لمنازلنِا ومن مكرِ العلمنةِ في بلادنا، نسألُ الله - جل وعلا - أن يُعينَنَا جميعاً على دفعِ شرِّ كُلِّ من يُريدُ إفسادَ نسائِنا وخلطهنَّ مع الرجال، وأن يُعينَنَا جميعاً للتعاون على كُلِّ ما يُحقِّقُ صيانةَ المرأةِ وأن يُهيئَ للمجتمعاتِ الإسلاميةِ القادة الناصحين والعلماءَ العاملين والمربياتِ والمربين المخلصين، إنه ولي ذلك والقادرُ عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي، بعده أما بعد فيا عباد الله اتقوا الله - تعالى -وتوبوا إليه.

أيها الإخوة المؤمنون، نظراً لما يعيشه ويشاهده بعض الأخيار في مجتمعنا ولله الحمد من خير عظيم تتفيء ظلاله المرأة في بلادنا التي تنعم بالستر والعفاف وتتجنب السفور والاختلاط إلا من بعض لوثات التقليد وآثار السفر للخارج، إن كل ذلك الخير الذي يراه بعض الخيرين يدفعهم إلى أن يستغربوا كثرة الحديث عن المرأة. وقد يتهمون أصحابه بالمبالغة وتجاوز الحد.

وبعضهم يستغرب الخوف والقلق الذي ينتاب بعض الغيورين عند أي إجراءٍ, يتعلق بالمرأة قائلين: إن المرأة في مجتمعنا محصنةٌ ضد أيِّ هجمةٍ,. ويجب أن نعلم إخوتي أن هذا الخوف والحرصَ على المرأةِ وحجابها وتعليمها المستقل إنما هو نابع من حِرص الغيورين على المجتمعِ وخوفاً على المرأة وخشيةً من فتنتها، لاسيما مع التجارب المريرة التي رأينا أثرها في بلاد ليست بالبعيدة عنا، وكيف تحول حال المرأة فيها إلى حالٍ, لا يرضي ربنا ولا يرضي أيٌّ غيورٍ, على محارمه.

كتب أحد المفكرين الإسلاميين عن بلده مصر: إن مصر في بداية القرن الماضي كانت تنعم بحجابٍ, لنسائها، وكانت الطالبات مستقلاتٌ عن الطلبة، وكن يأتين إلى المدارس في عرباتٍ, مقفلة ومع آبائهم ويأخذهم الآباء بعد انتهاء الدراسة ثم ذكر كيف بدأ الاختلاط بدعوى نقص المدرسات فوضعوا مدرسين ذكور ثم خلطوا صغار الطلبة مع الطالبات ثم خلطوا المرحلة المتوسطة ثم الثانوية تدريجياً، وتساهل الناس بتقبل ذلك.

وكتب وفقه الله كيف بدأ التغيير بالحجاب بألوانٍ, للعباءات ورفعٍ, لمستواها على الجسم وكشفٍ, للوجه ثم جزءٌ من الرأس حتى ألغي تماماً في مظاهرة نسوية بدعوى مقاومة الاستعمار وفي ميدانٍ, لازال يُسمى ميدان التحرير رمزاً لذلك.

ولما قام أهل الغيرة باستنكار ذلك عنفهم بعضُ المثقفين والنُخب ـ كما يُسمون ـ ووصفوهم بالمتزمتين وهكذا تكالبت مكائد الجهود الشيطانية لإفساد المجتمع المصري وتصدير الفساد منه إلى المجتمعاتِ الأخرى، هذا الفساد الذي يبدأ ببراءة وتسويق من أُناسٍ, وكِل إليهم حمايةُ المجتمع.

وشاركتهم فيه غفلة الناس وحسن ظنهم الذي كان في غير محله، وإن ثار أحدهم فإنما ثورته للتقليد وليست للعقيدة وحماية المجتمع، فإن الحجاب حين يكون عقيدةً فإنه لا يسقط، لكن المحصلة في النهاية أن المجتمع تغير من جذوره إلا بقايا خيرٌ وصحوة لا زالت تزداد يوماً بعد يوم ولله الحمد، وإننا نتحدث عن المرأة ـ إخوتي ـ لكي نبين أن الكيد لها ولسترها يتخذُ وسائل شتى قد تكون بدايته بريئةً كل البراءة، لكن نهايته على المجتمع مريرة.. يأتي الحديث عن المرأة في بلادنا التي في وقت أصبحت الهجمات مركزة عليها وعلى حجابها وعفافها وتعليمها من قنواتٍ, خارجية ومجلاتٍ, داخلية ودعم صليبي ونفاق داخلي.

إننا نتحدث عن المرأة حرصاً على أهم كيانات المجتمع، وإذا كنا لا نرضى المبالغةَ والتهويل واتهام نيات الناس والتكفير فإننا ندعو العقلاء والخيرين، وأهل الغيرة والدين، إلى أن يكون لهم النصيب الراجح والسهم الوافر في الحفاظ على المرأة، نقول لدعاة الإصلاح وأصحاب الغيرة ( وَاتَّقُوا فِتنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَّةً ) [الأنفال: 25]، فإن بداية الخطر الماحق للمجتمع بفتنة النساء إذا تساهلنا مع بدايتها، قال - عليه الصلاة والسلام -: ((اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت بالنساء)) ويقول كذلك: ((ما تركت فتنةً أضر على الرجال من النساء)) فلا مجال إذاً للتساهل، وينبغي أن يساهم كلٌ منا بدوره في الحفاظ على المجتمع بالحفاظ على المرأة وتربيتها وتعليمها وأن تلتزم الحجاب مظهراً ومخبراً.

ومن الواجب إيضاحُ الأمر وبيانُه ومقاومة مظهري الفساد وناشريه حتى لا تزَّل قدمٌ بعد ثبوتها، فيذوق مجتمعنا السوء، نسأل الله - جل وعلا - أن يحمي مجتمعنا ونساءَنا غوائل السوء ومن مكر العلمنة والفسوق.

أيها الأحبة، يجب علينا أن نثق بنصر الإسلام والمسلمين مهما احلولك الظلام، ويجب أن نعلم ـ إخوتي ـ أن تاريخ الأمة مملوء بالعظماء الذين سطروا بجهادهم قصص التضحية والبطولات والحرب المزرية على الأعداء، ويجب أن نستيقن أن فقد أولئك الأبطال وقتل الشهداء لن يفت فينا، فإن أرحام الأمهات الماجداتِ اللاتي أنجبنهم لن تعدمَ بإذن الله أن تنجب لنا أبطالاً عظاماً يعيدون لنا مجد الإسلام، وإن هذه التراكمات من الضحايا المؤلمة والتنازلات المخذِّلة والمصائب المهلكة التي تطال إخواننا في فلسطين وكل مكان ينبغي ألا تجلب لنا اليأس، بل هي دافع لمزيد من العمل وبذل الجهد لإكمال مشوار أولئك الأبطال في فلسطين والشيشان وغيرها من بلاد الإسلام.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply