آثار الذنوب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:

إليكم بعض مفاسد الذنوب وبعض آثارها على النفس والمجتمع لعل الله - سبحانه وتعالى - أن ينظر إلينا نظرة رحمة ونظرة كرم وفضل فيردنا إليه رداً جميلاً.

فمن شؤم المعاصي وآثارها حرمان العلم فنحن الآن نعيش في جهل. عندنا عاطفة إسلامية نعم لا ننكره, عندنا حماس, عندنا عاطفة والدليل على ذلك هذه الجموع الغفيرة التي تصل في مواسم الخير إلى المساجد إلى بيت الله الحرام, فعندنا عاطفة ولكن نفتقد العلم النافع العلم الشرعي الذي هو قال الله - تعالى - وقال محمد - صلى الله عليه وسلم - فهذا من شؤم المعاصيº لأن المعاصي تسود القلب فلا يستريح الإنسان لذكر الله وإنما يستريح للقيل والقال, وإنما يستريح للأغاني, وإنما يستريح للتمثيليات الخليعة, وإنما يستريح للدنيا وحطامها, وإنما يستريح في كل ما يبعده عن الله السبب في ذلك هي المعاصي.

 

قال الإمام الشافعي - رحمه الله -:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي * * * فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال اعلم بأن العلم نور   * * *  ونور الله لا يهدى لعاصي

قال الله - تعالى - في الحديث القدسي: \"يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم\" هكذا يقول الله - سبحانه - فمن شؤم المعاصي أنها تحرم الإنسان من العلم كم من إنسان تنظر إلى منظره وشكله جيد وتظن أنه في المستوى الذي تريد من العلم من الفهم على الأقل من فهم ما تمس الحاجة إليه ما تمس الضرورة.

أضرب لكم أمثلة أيها الأخوة مما وصلت إليه الأمة من عدم فهم العلم وعدم فهم الدين, تسمع اليوم دعاة كبار وعلماء يركزون أو ربما يجعلون معركتهم مع العلمانية هي إباحتها للخمر أو بيعها للخمر ويظن أن هذا هو مكان الخلل وكأنه إذا مُنِع الخمر فقد عاد الإسلام إلى كل مؤسسة وإلى كل مكان. وأتذكر هنا أن بعض الدعاة كانوا يلومون إخوانهم الذين يدعون المسلمين إلى الالتزام ببعض السنن كإعفاء اللحية. والسواك. وتقصير الثوب والمحافظة على السترة في الصلاة. وجعل اليدين على الصدر. فيقولون هذه عبارة عن أوراق في شجرة. وهذا عدو يريد أن يقلع الشجرة من أصلها أيعيد التاريخ نفسه؟!! الخمر ورقة من شجرة هي شجرة العلمانية المنحرفة ألا ينتبهون لجذور الشجرة وجذوعها وأساسها ألا وهي الديمقراطية والأحزاب وتحكيم غير شرع الله - سبحانه وتعالى - وتحكيم القوانين والدساتير, فلماذا نجعل معركتنا ونحوها من هذه الأمور, لو منع الربا لو منع هذا نعم نحن نشجع أي عمل خيري ونقول هذا خير, لكن ينبغي أن ننبه الأمة إلى أن هذه ليست مشكلتها, ليست هذه معركتها مع العلمنة, ليست هذه معركتها مع الأحزاب المنحرفة, إن معركتها هي الحاكمية لله - سبحانه وتعالى - في جميع شؤون الحياة من هو مصدر التشريع أهو الله أم الشعب, من هو الحاكم أهو الله أم الشعب, من هو الذي يحكم الناس أهو الكتاب والسنة أهي الآراء البشرية, إذن لماذا نقع فيما كنا نضحك به على الآخرين الذين لم يحسنوا الدعوة فنقع في مثل هذا, لا بد أن نعلم أن المعركة وأن أساس الضلال والانحراف هي الدساتير بل الدستور نفسه هو فرع عن الديمقراطية, فمشكلتنا الحقيقية هي الديمقراطية ولهذا لم يكن بعض العلماء صريحين في موقفهم من الديمقراطية يسأل عن الديمقراطية فلا يجيب بجواب كاف.

إذن المعركة أيها المسلمون معركة الإسلام إنما هي مع المذاهب والأفكار المستوردة الديمقراطية والاشتراكية وغيرها إما كتاب وسنة على منهج السلف الصالح - رضي الله عنهم - وإما هو الضلال بعينه, فانظروا حرمان العلم كيف نعالج الهوامش ونعالج الفروع ولا نعالج الأصل فمن شؤم المعاصي والذنوب حرمان العلم, ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنا\" رواه البخاري في كتاب الإيمان وكتاب العلم.

ويقول - عليه الصلاة والسلام -: إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا\" فمن شؤم المعاصي والذنوب رفع العلم, ولهذا إذا رفعت الذنوب والمعاصي وحل محلها التقوى والورع يعود العلم إلى ما كان عليه في الزمن السالف زمن الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم -.

ومن شؤم المعاصي أيها المسلمون حرمان الرزق ومحق البركة في العمر قال - تعالى -: {وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ, مِّنَ السَّمَاء وَالأَرضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكسِبُونَ} [(96) سورة الأعراف] ويقول - جل جلاله -: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَيُشهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلبِهِ وَهُوَ أَلَدٌّ الخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرضِ لِيُفسِدَ فِيِهَا وَيُهلِكَ الحَرثَ وَالنَّسلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبٌّ الفَسَادَ} [204-205 سورة البقرة] ليس معنى هذا أنه يسعى يقطع الزراعة أو يقتل الذرية, وإنما المعنى أنه يفعل المعاصي والذنوب فالمعاصي سبب لهلاك الزروع والثمار: {ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحرِ بِمَا كَسَبَت أَيدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ} [(41) سورة الروم], والمعاصي أيضاً سبب لحرمان الرزق, وكما أنها سبب لحرمان الأمن قال - تعالى -: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَم يَلبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلمٍ, أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مٌّهتَدُونَ} [(82) سورة الأنعام] فبالإيمان والعقيدة يأتي الأمن, وكم من الناس يكون بطلاً شجاعاً ولكن عندما تأتي الفتن والمصائب ماذا به جبان ذليل حقير لا يساوي شيئاً.

الإيمان يكون سبباً للثبات, ويكون سبباً للأمن والسكينة عند اشتداد الأمور بالذات: {وَلَمَّا رَأَى المُؤمِنُونَ الأَحزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُم إِلَّا إِيمَانًا وَتَسلِيمًا} [(22) سورة الأحزاب] بل يقول - سبحانه وتعالى -: {إِذ يُغَشِّيكُمُ النٌّعَاسَ أَمَنَةً مِّنهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطَانِ وَلِيَربِطَ عَلَى قُلُوبِكُم وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقدَامَ} [(11) سورة الأنفال] في المعركة في وقت تطاير الرؤوس وسفك الدماء والنعاس يرسله الله على المؤمنين {إِذ يُغَشِّيكُمُ النٌّعَاسَ} وكأنه ليس هناك موت ولا فزع ولا قتل ولا قتال {إِذ يُغَشِّيكُمُ النٌّعَاسَ أَمَنَةً مِّنهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطَانِ وَلِيَربِطَ عَلَى قُلُوبِكُم وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقدَامَ} [(11) سورة الأنفال].

وفي الوقت الذي فيه المنافقون كما قال الله - تعالى -: {إِذ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُم} [(49) سورة الأنفال] وفي سورة الأحزاب يقول - سبحانه -: {وَزُلزِلُوا زِلزَالًا شَدِيدًا} [(11) سورة الأحزاب] {وَإِذ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [(12) سورة الأحزاب] هكذا وكذبوا على الله كفروا وكذبوا وعده في وقت الأزمة والشدة, فالإيمان والسكينة والطاعة سبب للأمن ورغد العيش: {مَن عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ, أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ} [(97) سورة النحل].

المعاصي أيضاً سبب للوحشة بين الإنسان وبين الله فتراه متضايق في وحشة إن سمع كلامه, لا يريد أن يسمع كلامه إن سمع مذكراً به يُذكر به واعظ وعالم تضايق, إن رأى قوم يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم عدهم سخفاء وعدهم متخلفين, وإن رأى منظراً إسلامياً من مظاهر الإسلام ربما يمد يده لإزالته, لا يحب أن يسمع حتى أن بعضهم وصل به الحال إلى أنه لا يحب أن يسمع بسم الله الرحمن الرحيم, لا يحب أن يسمعها في خطاب أو في ورقة وحشة تكون بين العبد وربه, إذا رأى شخصاً ملتزماً تشاءم به, وإذا رأى شخصاً فاسداً تبسم له, فسبحان الله وحشة تكون بين الإنسان وبين الله فيكره حينئذ كل ما له اتصال بالله حتى بيوت الله يكره البيت الحرام ويكره كل ما له صلة بالله - سبحانه وتعالى - هذه وحشة تكون سبب ماذا سبب الذنوب والمعاصي.

ولكن العكس من تعلق بالله واستأنس به وأطاع الله - سبحانه وتعالى - فإنه ولو كان مفرداً إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي.

فليتك تحلو والحياة مريرة  * * *  وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر  * * *  وبيني وبين العالمين خراب

إذا صح منك الود فالكل هين * * *  وكل الذي فوق التراب تراب

 

هذا شعاره أو الموت أو الدمار والعكس أهل الإلحاد والزندقة يقولون تصميم على المبادئ أو الدمار نسأل الله العافية والسلامة, وهما خطان لا يلتقيان إطلاقاً, كذلك من شؤم المعاصي والذنوب تعسير الأمور فكلما أراد أن يدخل هذا تعسرت عليه.

وكلما أراد أن يفعل شيء تعسرت عليه وبعضهم يزداد بهذا التعسير عمى. وربما يكون هذا التعسير سبباً للمراجعة ومحاسبة النفس, فكم من أناس عسر الله عليهم بعض الأمور وقالوا هذا بشؤم ذنوبنا ومعاصينا ورجعوا إلى الله, لكن بعض الناس لا يزداد إلا عتواً ونفوراً فيسب القدر والعمر والحياة ويزداد معصية, إلى معصيته وشؤماً إلى شؤمه نسأل الله العافية والسلامة قال - تعالى -: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَّهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا} [(4) سورة الطلاق] وقال - تعالى -: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَّهُ مَخرَجًا، وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لَا يَحتَسِبُ} [2-3 سورة الطلاق] وقال: {يِا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إَن تَتَّقُوا اللّهَ يَجعَل لَّكُم فُرقَاناً وَيُكَفِّر عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِر لَكُم وَاللّهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ} [(29) سورة الأنفال] فلا يجد ضيق ولا ضلال لا في المسائل المعيشية ولا في المسائل الفكرية لا في زاده الجسدي ولا في زاده الروحي. ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، وفي زاده الروحي {وَاتَّقُوا اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيءٍ, عَلِيمٌ} [(282) سورة البقرة] {إَن تَتَّقُوا اللّهَ يَجعَل لَّكُم فُرقَاناً} {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَّهُ مَخرَجًا} مخرجاً من الرزق ومخرجاً في الفكر عندما تتكالب عليه الشبهات والشهوات {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَّهُ مَخرَجًا}.

ومن شؤم المعاصي: تعسير الأمور ومن شؤم المعاصي أيضاً ظلمات في القلب ظلمة وضيق وضنك في القلب والعكس راحة المؤمن وطمأنينة وسكينة في قلبه عند ما يذكر الله - سبحانه وتعالى - يأتيه الموت وهل بقي مصيبة أعظم من الموت يأتيه الموت وتنـزع وتسل روحه من بين جسده وهو راض مطمئن يعلم أنه ملاق الله {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبٌّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنتُم تُوعَدُونَ، نَحنُ أَولِيَاؤُكُم فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُم فِيهَا مَا تَشتَهِي أَنفُسُكُم وَلَكُم فِيهَا مَا تَدَّعُونَ، نُزُلًا مِّن غَفُورٍ, رَّحِيمٍ,} [30-31-32 سورة فصلت].

هكذا يهون الله عليه الموت ويرى مقعده, ويسمع الملائكة تبشره ويبشر بلقاء الله فيفرح كما قال - عليه الصلاة والسلام -: \"من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه\" فقالت عائشة يا رسول الله: كلنا نخاف من الموت أو نكره الموت فقال لها - عليه الصلاة والسلام -: إن المؤمن يبشر بلقاء الله فيفرح\" أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -. وإذا وضعت الجنازة على الأكتاف تقول قدموني قدموني, وإن كانت غير ذلك تقول يا وليها أين تذهبون بها.

ومن شؤم المعاصي الظلمة التي تكون في القلب نسأل الله العافية والسلامة, ومن شؤم المعاصي أيها الأخوة الحرمان من الطاعة فكر ما سبب أنك لا تقوم الليل, ما سبب أنك لا تقرأ القرآن إلا في رمضان, ما سبب أنك لا تحافظ على الصلوات في أوقاتها, ما السبب أنك لا تطيع والديك, ما السبب في أنك تؤذي الجيران، فكر ما السبب ما السبب في أنك تأكل الحرام, ما سبب كل ذلك؟ كل هذا سبب المعاصي والذنوب تحرم من الطاعاتº لأنك بمعاصيك وذنوبك تنحط إلى أسفل, وبالطاعات والأعمال الصالحة تعلو بك, لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة, فالأعمال الصالحة ترفعك والأعمال السيئة تخفضك إلى أسفل, وكيف تطلب مكاناً علياً وأنت في أسفل سافلين, فحينئذ المعاصي والذنوب تحرم الإنسان من الطاعة لئلا يصل إلى درجة معينة في العلو وسمو الروح كما, أنها أيضاً تحرم الإنسان من القرب من الله يوم القيامة حتى قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح: \"ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله وإنهم من أهل الجنة\" أو كما - صلى الله عليه وسلم -. وقال - عليه الصلاة والسلام -: \"إن قرب العبد من الله بحسب قربه من الإمام يوم الجمعة\" يعني كلما سارعت وتقربت إلى الله في الأعمال الصالحة كلما قربت منـزلتك من الله - جل جلاله - يوم القيامة {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ} [10-11 سورة الواقعة] قال - عليه الصلاة والسلام -: \"إن أهل الجنة ليتراءون الغرف كما يتراءى أهل الدنيا الكوكب الدري في السماء\" أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -. يعني أن أهل الجنة ينظرون إلى بعض منازل أهل الجنة في الجنة كما ينظر أهل الدنيا إلى بعض الكواكب في السحيق وفي العمق بعده, وهذا كله بسبب قربهم من الله - سبحانه وتعالى -, بسبب ما كانوا يتقربون به من الأعمال الصالحة في الدنيا.

ومن شؤم المعاصي أن المعصية تولد مثلها فشارب الخمر المدمن على الخمر لا يستريح إلا بشربها, والزاني لا يستريح إلا عندما يقضي شهوته, وآكل الرشوة والحرام لا يقر له قرار إلا إذا أكل حراماًَ أي يوم يمر عليه ولم يأكل حراماً فهو يوم شؤم ولكنه في ميزان الله في الحقيقة هو يوم خير في حقه لكن هكذا انعكست الموازين أي يوم لا يأكل الرشوة أو السحت فهو يوم ليس طيباً عنده.

فمن شؤم المعاصي أنها تولد المعاصي فمثلاً الذي ينظر دائماً إلى النساء الكاسيات العاريات والتمثيليات الخليعة لا يستقر بقراءة القرآن, ولا بقراءة الحديث, ولا بسماع المواعظ, ولكنه لا يستقر ولا يرتاح ولا يحس بالطمأنينة إلا إذا شاهد المسلسل أو التمثيلية وما أشبه ذلك, ولكل له وجهته, ولكل له هدفه في الحياة نسأل الله العافية والسلامة مصائب قوم عند قوم فوائد.

وكذلك من شؤم المعاصي أنها تُضعِف إرادة التوبة التي فيها نجاح الإنسان ونجاته فإذا تاب، تاب الله عليه لكن من شؤم المعاصي أنها تضعف إرادة التوبة, فإذا تراكمت الذنوب والمعاصي تسمع الإنسان يقول وماذا تغني عني التوبة, وماذا تنفعني, وكيف تنفعني التوبة وأنا أعصى ثم أرجع ثم أعصي ثم أرجع فتضعف إرادة التوبة عنده فيتحقق هلاكه والعياذ باللهº لأن الناس مهما يلقوا في الذنوب والمعاصي فإن لهم مخرجاً عند الله - سبحانه وتعالى - ألا وهو التوبة والاستغفار قال الله - تعالى -: {لَّقَد كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ, وَمَا مِن إِلَهٍ, إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّم يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ، أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَستَغفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [73-74 سورة المائدة] فإذا حرم الإنسان من التوبة فقد حق عليه الهلاك نسأل الله العافية والسلامة, وأبلغ من ذلك أن من شؤم المعصية أنها لا تزال بالإنسان حتى يصير مستحسناً للمعصية مستقبحاً للطاعة, وهذه درجة أعلى يصبح مستحسن للمعصية يراها حسنة والطاعة يراها عملاً سيئاً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه, فيستحسن المعاصي ويستقبح الطاعات وللمنافقين حظ كبير من هذا, {وَإِذَا قِيلَ لَهُم لاَ تُفسِدُوا فِي الأَرضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحنُ مُصلِحُونَ، أَلا إِنَّهُم هُمُ المُفسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشعُرُونَ} [11-12 سورة البقرة].

ومن شؤم المعاصي أنها تورث الذل وهذا واقعنا واقع العالم الإسلامي بالرغم من معداته العسكرية وطائراته ودباباته دولة واحدة مثلاً من دول المواجهة تملك أكثر من أربعة آلاف دبابة إضافة إلى ما عندها من الصواريخ والطائرات الخ, ثم انظر حجم كل ما عند دولة من دول العالم الإسلامي، ثم هم يعيشون في ذل لم يسبق له مثيل إنه والله ذل المعاصي, إنه والله ذل المعاصي, قال الحسن البصري - رحمه الله -: \"إنهم وإن هملجت بهم البغال وحركتهم البارجين أو بهذا المعنى فلا يزال ذل المعصية في وجوههم\", والله لو طاروا في الطائرات الحربية والدبابات الحصينة إن ذل المعصية في وجوههم وفي قلوبهم والله - تعالى - لا ينصر المسلمين إلا بما عندهم من الإيمان والحكمة والاستقامة {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدَامَكُم} [(7) سورة محمد], وإلا فالعَدَد والعُدَد هذه ليست هي السبب الرئيس في النصر والهزيمة, وإنما السبب في الحقيقة بالنسبة للمسلمين هو إعراضهم عن الله - تعالى - , فهذا الذل الذي تعيشه الأمة ذل الشعوب من الحكام أذلوها تحكموا في أرزاقها تحكموا في معاشها في حرياتها تحكموا في كل شيء, والغلاء شيئاً فشيئاً يزداد وهم خاضعون للأمر الواقع لا يحركون ساكناً إنه ذل المعصية إنه ذل الذنوب..

رأيت الذنوب تُميتُ القلوب   * * * وقد يورث الذل إدمانها

فترك الذنوب حياة القلوب  * * *   فخير لنفسك عصيانها

 

فترك الذنوب حياة القلوب ورفع للذل ولهذا جاء الإسلام يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العبادº لأن فيه طاعة لله - سبحانه وتعالى -, ومن شؤم المعصية أنها تفسد العقل الصحيح العقل الزاكي العقل الكامل العقل الذي يسعى لخلاص نفسه من غضب الله, من لعنة الله, من نار الله, من عقاب الله, ولكنك تنظر كثيراً من الناس لم تغن عنهم عقولهم شيئاً كما قال الله - تعالى -: {وَلَقَد مَكَّنَّاهُم فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُم فِيهِ وَجَعَلنَا لَهُم سَمعًا وَأَبصَارًا وَأَفئِدَةً فَمَا أَغنَى عَنهُم سَمعُهُم وَلَا أَبصَارُهُم وَلَا أَفئِدَتُهُم مِّن شَيءٍ, إِذ كَانُوا يَجحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَستَهزِؤُون} [(26) سورة الأحقاف] ويعدون أنفسهم عقلاء {قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرِينَ أَعمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَهُم يَحسَبُونَ أَنَّهُم يُحسِنُونَ صُنعًا} [103-104 سورة الكهف] إلى أن يأتي يوم يقولون فيه {وَقَالُوا لَو كُنَّا نَسمَعُ أَو نَعقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصحَابِ السَّعِيرِ} [(10) سورة الملك] {أَم تَحسَبُ أَنَّ أَكثَرَهُم يَسمَعُونَ أَو يَعقِلُونَ إِن هُم إِلَّا كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلٌّ سَبِيلًا} [(44) سورة الفرقان], فالمعاصي تفسد العقل والذهن والفكر, فيعيش الإنسان بليد لا يهمه إلا شهوته شهوة بطنه وفرجه ليس عنده من الثقافة ولا من الوعي ولا من الفهم شيء, إن أعظم شيء يتلذذ به الإنسان في الحقيقة هو روح المعاني فقوت الروح هو أرواح المعاني وليس بأن أكلت وإن شربت هكذا يقول علماء المسلمين, فقوت الروح أرواح المعاني وليس بأن أكلت وإن شربت.

أقبل على النفس واستكمل محاسنها    * * *  فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

فتجد أنه ليس له هم إلا كيف يأكل أكلاً جيداً كيف يشرب شرباً جيداً, كيف تكون له زوجة حسناء, كيف يكون له مسكن طيب, كيف يكون له مركب فاره هذا هدفه هذا عقله هذا منتهى التفكير!! اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا غاية رغبتنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من يخافك فينا ولا يرحمنا.

أيها الأخوة نكتفي بهذا في شؤم المعاصي والذنوب ولها آثار كثيرة جداً ونعطيكم مختصراً عن أحكام الصيام.

أيها المسلون الصيام واجب بإجماع المسلمين قال - تعالى -: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] ويمسك الإنسان عن المفطرات الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى أن تغرب الشمس وأهم شيء الابتعاد عن ما حرم الله من معاصي العين والأذن واللسان واليد والرجل.

كذلك أيها الأخوة الصيام الهدف منه تطهير الأخلاق ومن ثم إذا أحد سبك أو شتمك فقل له إني صائم إني صائم هذا من أحكام الصيام لا تغضب, والصيام هو الصبر لا تغضب لا تغضب لا تغضب هذه وصية من الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبعض الناس يجعل شهر رمضان شهر المشاكل حتى أنه ليتشاءم برمضان وأكثر القبائل يجعلون حروبهم الطاحنة إنما هي في رمضان نسأل الله العافية والسلامة.

كما أنه لو أكل الإنسان أو شرب ناسياً فصومه صحيح وعليه أن يتم الصوم, وأنه لو أصبح جنباً من الليل فعليه أن يغتسل ويصلي الفجر ويتم صومه وصومه صحيح, كما أنه إذا غلبه القيء يجب عليه قضاء ذلك اليوم إذا حاول أن يخرج القيء حتى قاء فعليه القضاء, كما أن الأدوية والحقن لا بأس بها وإنما الممنوع المغذية الإبر المغذية, وكذلك من أحكام الصيام أنه يجوز لك أن تستاك, وأن تكتحل, وأن تتعطر, وأن تغتسل عند اشتداد الحر, كما أنه يجوز للمرأة أن تطعم الطعام هل زاد ملحه أو نقص أو ما أشبه ذلك, كما يتمضمض الإنسان في وضوءه عليه أن يتمضمض ولكن لا يبالغ في المضمضة والاستنشاق, كما أن السواك مستحب له في كل حال في الصباح وبعد الظهر وما ذكره بعضهم أنه مكروه بعد الظهر لم يقم على ذلك دليلاً والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: \"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة أو مع كل صلاة\".

ثم إن من أحكام الصيام المهمة جداً المحافظة على الصلاة وللأسف بعض الناس ينام عن الصلاة كيف لك بصيام ليس فيه صلاة؟! أم كيف لك بصلاة ليس فيها طهارة, هل تصح الصلاة بدون طهارة؟ فكذلك أخشى أن لا يصح صيام بدون صلاة, فإن الصلاة للصيام بمنزلة الطهارة للصلاة، وذلك لأن بعض العلماء بل كثير من العلماء يذهبون إلى كفر تارك الصلاة من ترك الصلاة تهاوناً وكسلاً يكفرونه ويخرجونه من الدين, فكيف إذا ترك الإنسان الصلاة ويحافظ على الصيام هذا من الاشتغال بالأدنى عن ما هو أهم, فيجب عليك أن تعلم أن الصلاة أهم من الصيام وأهم من الحج وأهم من الزكاة, ذهب بعض الصحابة إلى أنه ليس شيء تركه سوى الصلاة ذهب بعض السلف إلى أن تركه كفر, وأجمع العلماء على أن ترك الصلاة أعظم من قتل النفس ومن شرب الخمر ومن الزنا ومن عقوق الوالدين ومن كل جريمة بعد الشرك فترك الصلاة أعظم من هذا كله.

ومن أحكام الصيام أن صيام رمضان يتكون من شيئين النهار والليل أما النهار فتمتنع عما حرم الله - تعالى - كما هو معلوم, وأما في الليل فأن تشغل ليالي رمضان بالعبادة والقيام والتهجد وذكر الله أو بالعمل الذي يجب عليك أن تفعله من الأعمال التي أنت لا بد أن تفعلها من الأشغال ومن التجارة وما أشبه ذلك, أما أن تقضي نهار رمضان في نوم وليله في لعب ولهو وعند التمثيليات الخليعة فإنك يا أخي ما أنصفت رمضان وما أعطيته حقه \"من قام رمضان\" ما معنى قام رمضان أي أعطى حقه ليلاً ونهاراً \"من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه\", كما أنه ينبغي لنا أن نعلم أن السنة تعجيل الإفطار وتأخير السحور إلا أنه ينبغي ألا تفطر إلا بعد التأكد من غروب الشمس, ومن أين لنا أن نتأكد بين هذه الجبال من غروب الشمس فالأحسن والأفضل ألا يتعجل بعض الشباب فينتظر حتى يعلن عن انتهاء الوقت ويؤذن فيفطر ما لم تشتبك النجوم, إذا رأيت النجوم قد اشتبكت فحينئذ هذا لا يجوز لأنه من علامات اليهود أنهم يؤخرون الإفطار إلى أن تشتبك النجوم فليس لنا هذا, ولكن ينبغي التأكد من غروب الشمس فلا ينبغي التعجل ولو قُدِرَ أن شخصاً أو أية مجموعة اعتقدوا أن نهار رمضان قد انتهى لسحاب أو غيم أو كذا ثم ظهر لهم أن الشمس ما تزال قريبة لم تغرب فهنا خلاف: بعض العلماء يقول يجب عليه أن يعيد اليوم والبعض الآخر يقول هو مثلما إذا ظن أنه لم يؤذن للفجر فإذا به قد أذن فأكل فإنه يتم صومه لقوله - تعالى -: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذنَا إِن نَّسِينَا أَو أَخطَأنَا} [(286) سورة البقرة].

ومن ضمن أحكام الصيام ما ذكرته الآية الكريمة {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ، أَيَّامًا مَّعدُودَاتٍ, فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ, فَعِدَّةٌ مِّن أَيَّامٍ, أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِديَةٌ طَعَامُ مِسكِينٍ, فَمَن تَطَوَّعَ خَيرًا فَهُوَ خَيرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيرٌ لَّكُم إِن كُنتُم تَعلَمُونَ} [183-184 سورة البقرة] التقدير يعني فأفطر {فَعِدَّةٌ مِّن أَيَّامٍ, أُخَرَ} فقوله: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ,} هنا فيه محذوف تقديره فأفطر لأنه لو كان مسافراً على سفر أو مريضاً فصام لا يجب عليه أن يصوم عدة أيام وأخر كما ذهب بعضهم قال {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ, فَعِدَّةٌ مِّن أَيَّامٍ, أُخَرَ} قال حتى ولو صام فالله يقول فعدة من أيام أخر لكن في تقدير فأفطر يعني فعليه عدة فعدة من أيام أخر\" هذه الأيام الآخر فالواجب عليك أن نقضيها في أقرب وقت \"خير البر عاجله\" لكن إذا قدر أن أتى رمضان ولم تقض هذه الأيام التي عليك من سفر أو مرض أو على المرأة من حيض وما أشبه ذلك, فلا يزال الواجب في ذمتك لم تبدأ بمجيء رمضان آخر فتقضيها في أيام أخر بعد رمضان الجديد, يقول  الله - تعالى - فعدة من أيام أخر وأطلق وبعض العلماء يقول لا بد أن يقضي في نفس العام وإلا يكون آثماً وفي نفس الوقت عليه كفارة ولا يوجد دليل على الكفارة لكن يجب عليه أن يعجل الصيام وأن يؤدي حق الله - سبحانه وتعالى - لأنه واجب ولا يجوز تأخير الواجب وتبرأ ذمته لا يزال واجباً عليه هذا شيء.

الشيء الثاني من رحمة الله - سبحانه وتعالى - علينا أن جعل هذا التيسير: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ, فَعِدَّةٌ مِّن أَيَّامٍ, أُخَرَ} والواجب علينا أن لا نتجاوز الشريعة بغلو ولا بجفاء وتقصير, فإذن الفطر في السفر جائز وبعض الناس يمنع ذلك ويقول قد تسهلت الأمور كل شيء سهل فالسيارات والطائرات.. إلخ يقال هذه رخصة من الله رخصها وهو كريم, أرأيت لو رجل ولله المثل الأعلى كريم أهدى لك شيء فقلت لا أقبل هديتك, فالفطر في السفر يعني هذه رخصة من الله ومنحة من الله فلا يجوز رد هذه الهدية على جهة كراهية هذا التشريع إلا إذا كنت قادر على الصيام ولا يلحقك أذى ولا شدة فلا بأس أن تصوم, وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم في السفر وكان يفطر في السفر, وفي حديث حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال: يا رسول الله! إنني أصوم في السفر؟ قال: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر\" ولا يوجد للسفر حد معلوم قطعي الدلالة في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والغالب في مثل هذه الأمور أن الشرع يعود إلى العرف، والمرأة الحائض مثلاً ترجع إلى عرفها في قدر أيامها التي كانت تحيض، والرجل الذي كان ينفق على زوجته يرجع في مقدار النفقة إلى العرف كيف نفقة الدخل المتوسط فيرجع إلى العرف مقدار أجرة الرضاع, كل هذه الأمور ترجع إلى العرف مقدار السفر مسافة السفر فما سمى سفر يُقصر فيه وما لم يسم سفر فلا, والذي يطلق عليه عرفاً سفراً هذا الذي يناط عليه الرخص من الفطر والقصر وغيره فلم يثبت مسافة محددة صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من المدينة إلى ذي الحليفة فقصر في ذي الحليفة ولكن لم يكن سفره من المدينة إلى ذي الحليفة بل كان سفره من المدينة إلى مكة ولم تكن تلك هي المسافة, والمرأة المرضع إذا خافت أنها إذا صامت نقص حليبها على وليدها, وكذا الحامل فجار لهما الإفطار وتصوم بعد ذلك قضاء والبعض يقول بأنها تطعم وتكفر والشاهد أنها ملحقة بالمريض {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ, فَعِدَّةٌ مِّن أَيَّامٍ, أُخَرَ}.

كذلك من أحكام الصيام كما في هذه الآية {فَعِدَّةٌ مِّن أَيَّامٍ, أُخَرَ} هل يشترط في القضاء التتابع، لا يشترط فيها التتابع وإن كان رمضان يشترط التتابع قال - تعالى -: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسرَ وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ} [(185) سورة البقرة] أي أن السبب في أمركم بالقضاء أنكم تكملوا العدة.

وقال - تعالى -: {أُحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُم هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُم وَأَنتُم لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُم كُنتُم تَختانُونَ أَنفُسَكُم فَتَابَ عَلَيكُم وَعَفَا عَنكُم فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابتَغُوا مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُم وَكُلُوا وَاشرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ مِنَ الفَجرِ ثُمَّ أَتِمٌّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُم عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ تِلكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ} [(187) سورة البقرة] كلمة تختانون نزلت في عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جاء فوجد امرأته نائمة فأيقظها يريد منها شيئاً فقالت قد نمت وكان عليهم أن من نام حرم عليه الأكل والشرب والجماع وكل شيء فأنزل الله هذه الآية بعد أن جاء إلى الرسول يشتكي فخفف الله - سبحانه وتعالى - عنهم ذلك...

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply