بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام ديناً ومحمداً - صلى الله عليه وسلم - نبياً رسولاً، أحمده لا إله إلا هو - سبحانه - بكرة وأصيلاً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل، وخلق كل شيء فقدره تقديرا ً \"مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ, وَمَا كَانَ مَعَهُ مِن إِلَهٍ, إِذاً لَذَهَبَ كُلٌّ إِلَهٍ, بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ, سُبحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ. عَالِمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشرِكُونَ\"(1).
فلا إله إلا الله والله أكبر عما يقوله المبطلون ويصفه الجاهلون وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وخيرته من خلقه بعثه الله بخير ملة وأحسن شرعة أرسله إلى جميع الثقلين الجن و الإنس عربهم وعجمهم حاضرهم وباديهم ذكرهم وأنثاهم بعثه الله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وجعل بحكمته وعزته الذل والصغار على من كذبه وخالف أمره فصلى الله عليه في الأولين والآخرين وجزاه خير ما جزى أحداً من المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين وعلى سائر المؤمنين.
أما بعد..
فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، فإن الإسلام عصمة لمن لجأ إليه وجنة لمن استمسك به وعض عليه، فالإسلام يا أمة الإسلام دين الله الذي من دخله كان آمناً وحصنه الذي من التجأ إليه كان فائزاً.
أيها المسلمون إن الإسلام دين الله الذي لا يقبل من أحد سواه قال الله - تعالى -: \"وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِين\" (2) وقال الله - تعالى -: \"إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسلامُ \"(3)
أيها المسلمون إن نعمة الله عليكم بهذا الدين القويم نعمة عظيمة جليلة فإن الناس قبل بعثة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا في جاهلية جهلاء انتشرت فيهم الضلالات وراجت سوق الظلمات وفشت الشرور والجهالات.
كان الناس في الجملة صنفين أهل الكتاب وهم فريقان: الأول اليهود أهل الكذب والبهتان قتلة الأنبياء وأكلة السحت أخبث الأمم طوّية وأدواهم سجية وأبعدهم عن الرحمة وأحقهم بالنقمة أهل اللعنة والذلة، والفريق الثاني هم النصارى أهل الضلال وعباد الصليب الذين آذوا الله أبلغ الأذى فقالوا: اتخذ الله صاحبة وولداً ولقد افتروا على رب السماوات والأرض كذباً وقد جاؤوا والله شيئاً عظيماً إذاً \"تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرنَ مِنهُ وَتَنشَقٌّ الأَرضُ وَتَخِرٌّ الجِبَالُ هَدّا. أَن دَعَوا لِلرَّحمَنِ وَلَداً. وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً. إِن كُلٌّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ إِلَّا آتِي الرَّحمَنِ عَبداً. لَقَد أَحصَاهُم وَعَدَّهُم عَدّاً. وَكُلٌّهُم آتِيهِ يَومَ القِيَامَةِ فَرداً\"(4) وقالوا: إن الله هو المسيح بن مريم. فلا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا إله إلا الله لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، ولا إله الله والله أكبر عما يقول عباد الصليب الذين اتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً الذين جعلوا عبادة الصلبان ديناً وشرب الخمر وأكل الخنزير للمؤمنين سبيلا. فالحلال عند النصارى المسيحيين ما أحله القس والراهب والحرام ما حرمه، والدين ما شرعهº يدخل الراهب من يشاء الجنة ويدخل من يشاء النار \" اتَّخَذُوا أَحبَارَهُم وَرُهبَانَهُم أَربَاباً مِن دُونِ اللَّهِ وَالمَسِيحَ ابنَ مَريَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ - سبحانه - عَمَّا يُشرِكُونَ\"(5).
أيها المؤمنون هذه حال أهل الكتاب قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - أما من لا كتاب له، فهو بين عابد وثن أو عابد نار أو عابد شيطان فهم في الكفر بالله العظيم على صور وألوان، ويبين لنا حال الكفر والضلال الذي بلغه الناس قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما رواه مسلم: ((أن الله - سبحانه وتعالى - نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب))(6).
فبعث الله برحمته وفضله محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق أرسله رحمةً للعالمين وحجةً على الخلق أجمعين أيده بالآيات والبراهين وأنزل عليه الكتاب المبين مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه، وفرض الله طاعته واتباعه والتصديق به على العالمين وقد أخذ على ذلك ميثاق النبيين فقال - تعالى -: \"وَإِذ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيتُكُم مِن كِتَابٍ, وَحِكمَةٍ, ثُمَّ جَاءَكُم رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُم لَتُؤمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ \"(7).
أيها المؤمنون إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - مبعوث إلى عامة الناس وكافـة الـورى كمـا قـال - تعالى -: \"وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيرا\"(8) وقال - تعالى -: \"قُل يَا أَيٌّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيكُم جَمِيعاً\"(9) وقال - سبحانه -: \"وَأَرسَلنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً \"(10).
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((بعثت للناس عامة))(11) فواجب على كل أحد من الجن والإنس والعرب والعجم والذكور والإناث أن يؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ومن لم يؤمن به فإنه من أصحاب السعير كائناً من كان أقسم على ذلك من لا ينطق عن الهوى فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)(12) رواه مسلم. فاتقوا الله أيها الناس وآمنوا بالله ورسوله \"يُؤتِكُم كِفلَينِ مِن رَحمَتِهِ وَيَجعَل لَكُم نُوراً تَمشُونَ بِهِ وَيَغفِر لَكُم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ\"(13).
الخطبة الثانية:
أما بعد..
فاعلموا عباد الله أنه لا يؤمن أحدكم ولا يصح إسلامه إلا بأمرين الأول: أن يؤمن بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه رسول رب العالمين إلى الإنس والجن أجمعين. الأمر الثاني: أن يكفر بكل دين سوى هذا الدين وأن يعتقد أن أهله من أصحاب الجحيم قال الله - تعالى -: \"مَن يَكفُر بِالطَّاغُوتِ وَيُؤمِن بِاللَّهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقَى\"(14) فجعل الله - تعالى -الاستمساك بالعروة الوثقى وهي دين الإسلام مرتباً على هذين الأمرين: على الكفر بالطاغوت والإيمان بالله.
وفي صحيح مسلم قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله)) (15) قال الشيخ السعدي في شرح هذا الحديث: ((تبين من ذلك أنه لابد من اعتقاد وجود عبادة الله وحده لا شريك له ومن الإقرار بذلك اعتقادًا ونطقاً ولابد من القيام بعبودية الله وحده طاعة لله وانقياداً ولابد من البراءة عما ينافي ذلك عقداً وقولاً وفعلاً ولا يتم ذلك إلا بمحبة القائمين بتوحيد الله وموالاتهم ونصرتهم وبغض أهل الشرك ومعاداتهم \".
فاتقوا الله عباد الله وحققوا إيمانكم بالله العظيم وبمحمد خاتم النبيين عسى أن نكون بالجنة من الفائزين ومن جهنم ناجين.
----------------------------------------
(1) سورة: المؤمنون: آية (91 ـ 921).
(2) سورة: آل عمران: آية (85).
(3) سورة: آل عمران: آية (19).
(4) سورة: مريم: آية (90 ـ95)
(5) سورة: التوبة: آية (31)
(6) مسلم (2865).
(7) سورة: آل عمران: آية (81).
(8) سورة: سبأ: آية (28).
(9) سورة: الأعراف: آية (158)
(10) سورة: النساء: آية (79).
(11) هو عند الطبراني كما قال الحافظ في الفتح.
(12) مسلم (153).
(13) سورة: الحديد: آية (28).
(14) سورة: البقرة: آية (256).
(15)مسلم (23).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد