بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و على آله و صحبه و سلم و بهد :
البيئة كلمة قديمة وحديثة، أما كونها قديمة فلأن العرب عرفوها واستعملوها في ألفاظهم بمعنى: الموضع الذي ينزل فيه الإنسان، سواء كان دارا، أو ساحة، أو شاطئ نهر، أو بحرا، في المدن أو الأرياف أو البراري وما يظلها· وأما كونها حديثة: فإنها نالت من اهتمام الدول والهيئات حظا كبيرا، وما من وقت يمر إلا ونسمع أحاديث وأخبارا عن البيئة وسلامتها ونظافتها أو تشويهها وتلويثها·
وقد حظيت البيئة باهتمام الإسلام، وإن من يتتبع آيات القرآن وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ليطيب نفسا من غزارة النصوص الداعية إلى رعاية البيئة والاهتمام بسلامتها ونظافتها، وكذلك النصوص المحذرة من الإساءة إلى البيئة والتسبب في إفسادها وتلويثها·
وإن أول ما يقرره الإسلام أن الله خلق البيئة نقية، سليمة، نافعة، جميلة، تسر الناظرين قال الله - تعالى -: {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج (6) والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج} [ق: 6 - 7] والبهيج هو الشيء الجميل الذي يدخل البهجة والسعادة والسرور على من نظر إليه ثم تأتي الآية: {ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد (9) والنخل باسقات لها طلعِ نضيدِ (10) رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا} [ق: 9 - 11] وقال عز من قائل: {وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج} [الحج: 5] وقال - جل وعلا -: {هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شرابِ ومنه شجرِ فيه تسيمون (10) ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} [النحل: 10 - 11]، ثم يقول الله - جل وعلا - في نفس السورة: {وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون (13) وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} [النحل: 13 - 14].
وهكذا تشير هذه الآيات إلى أن الله خلق الفضاء والأرض والبحار والأشجار ومصادر المياه وغيرها من مظاهر البيئة وعناصرها خلقها سليمة نقية نافعة للإنسان، بل إن هذه الآيات أضفت على هذه المذكورات بعدا جماليا وذوقيا لتنبه الإنسان إلى ضرورة مراعاة هذا الخلق النقي الجميل، والحرص على استمراره والمحافظة عليه، وإذا كان الأمر كذلك، فإن في المحافظة على سلامة البيئة ونظافتها طاعة لله والتزاما بتوجيهاته الكريمة، والخير كل الخير يكمن في ذلك، كما أن في العدول عن ذلك بالإساءة إلى البيئة وتلويثها، وتشويه جمالها مسئولية دينية، لما يترتب عليها من ضرر وأذى، وكثيرة هي النصوص المرغبة في الثواب الجزيل لمن أحسن إلى البيئة، وكذا النصوص المحذرة من الإساءة إلى البيئة وما يترتب على ذلك من مسئولية وعقاب·
فروى مسلم ومالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله جميل يحب الجمال) ولا شك أن من الجمال الحرص على مظاهر البيئة التي خلقها الله - تعالى -زاهية بهيجة خضراء مزدهرة وروى مسلم أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (عرضت علي أعمال أمتي، حسنها وسيئها فوجدت من محاسن أعمالها، الأذى يماط عن الطريق، ووجدت من مساوئ أعمالها النخاعة - أي: البصاق والبلغم - تكون في المسجد لا تدفن) وفي الحديث إشارة وتنبيه للأفراد - وبخاصة المرضى- أن يجتنبوا البصق ونحوه في الأماكن العامة وطرقات الناس ومرافقهم.
وروى البخاري ومسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إماطة الأذى عن الطريق صدقة)، وهو يشمل أن يكف الإنسان أذاه عن الطريق برمي النفايات والفضلات من سيارته، أو نافذة بيته، أو متجره أو مصنعه وفى حديث آخر رواه مسلم أيضا وجاء فيه ما نصه: (لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة أي بسبب شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين) وفي حديث رواه مسلم: (اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم) وروى مسلم أيضا: (أن رسول الله نهى أن يبال في الماء الراكد) وذلك لما يسببه من تلوث للبيئة وعدوى للناس ونشر للأمراض والأوبئة، وإذا كان أكثر الآيات والأحاديث السابقة يتصل بالمحافظة على البيئة من حيث المنظر والصحة البدنية، فهناك نصوص أخرى تنبه على أن للسمع والشم والذوق نصيبا من حقوق البيئة العامة في الإسلام·· قال الله - تعالى - منفرا من رفع الأصوات دون حاجة أو سبب {·· واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} [لقمان: 19] ولا يخفى على ذي عقل ولب ما للضجيج والضوضاء من أثر سيئ على البيئة، وتلويث لسمع الإنسان، وتضييع لنعمة الهدوء والطمأنينة، ولحسن التفكير والإنتاج والعطاء في حياة الناس.
وفى حديث مسلم: (من عرض عليه ريحان فلا يرده، فإنه خفيف المحمل، طيب الرائحة) وفي هذا إرشاد إلى الحرص على الروائح الطيبة وإشاعتها بين الناس، وتجميل البيئة بها لتربي حاسة الشم عند المسلم على محاسن الأمور ومكارمها، فيسعى في محاربة ما يلوث البيئة عبر التكثير من الأراضي الخضراء.
وهكذا نجد أن للبيئة مكانة مرموقة في تعاليم الإسلام وتوجيهاته، وذلك من خلال نهيه عن تلويثها وتشويهها والإساءة إليها، سواء كان التلويث من مخلفات وفضلات الأفراد أو المصانع أو السيارات أو المتاجر أو الأسواق، بل إن الإسلام سبق الاهتمام الإنساني المعاصر في الدعوة إلى الارتقاء بالبيئة، من خلال ترغيبه في تجميلها وتحسين مظاهرها وعناصرها، والمحافظة عليهاº لكي تبقى نقية نظيفة كما أوجدها الخالق العظيم خضراء زاهية ومن هذا يتضح أن كلمة (البيئة) كلمة خفيفة على لسان الإنسان، ثقيلة في ميزانه إن هو ابتعد عن تلويثها ويحمل على الارتقاء بها، وإضفاء مزيد من مظاهر الجمال فيها ليسعد هو أولا بآثارها، وتفيض هي عليه وعلى من حوله مزيدا من السلامة والأمن والرفاهية والازدهار.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد