زلزال إيران


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 الخطبة الأولى:

الحمد لله اللطيف بعباده فلا يكون أمر يقضيه عليهم إلا دائر بين عدله و حكمته. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: ((لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ويتقارب الزمان وتكثر الزلازل وتظهر الفتن ويكثر الهرج)) صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً فاتقوا الله عباد الله، واخشوا يوماً ترجعون فيه إليه، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون، اتقوا الله حق التقوى، واحذروا مكره، فإنه لا يأمن من مكر الله إلا القوم الخاسرون. أيها المسلمون: إن في هذه الدنيا مصائب وفتن ومحن وزلازل مدمرة وأعاصير مهلكة وفيضانات مفرقة آلام تضيق بها النفوس ومزعجات تورث الخوف والجزع، كم ترى من شاكي وكم تسمع من لوام وكم تبصر من مبتلى، تتنوع الابتلاءات وألوان الفتن يبين الناس أفرادا ومجتمعات

 

حسب ابتعاد الناس عن المنهج الإلهي وبحسب قربهم من هذا المنهج وهو التزام كتاب الله وسنة نبيه يكون التخفيف من البلاء والمحنة، والمعصية عندما تكون جماعية يفعلها القاصي والداني في المجتمع المسلم يكون لها أثر مدمر ومخيف لاتساع المساحة التي يظهر فيها شؤم هذا الأثر، فهي تعرض المجتمع الذي فشت فيه بأسره لغضب الله وانتقامه، وتجعله فاقد المناعة، يهوي ويندثر عند تعرضه لأدنى هزة. لقد قصّ الله علينا في القرآن الكريم خبر كثير من الأمم التي أهلكها بسبب المعاصي الجماعية وذكرنا جريمتهم التي استحقوا بها ذلك العقاب مثل قوم عاد (وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد)، ومثل قوم لوط (فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك، وما هي من الظالمين ببعيد) ، ومثل قوم شعيب (ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود)ثم يبين الله - تعالى - سنته المطّردة في عقوبة المجتمعات التي تفشو فيها المعاصي التي يتواطأ عليها المجتمع ويقرها أهله فيقول عز من قائل: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد)، والعذاب والبأس الذي ينزله الله بمن يتعارفون ويتميزون بهذه المعاصي والمنكرات ويفتخرون بها ويبذلون الأموال الطائلة في استنباتها وترسيخها بين الناس، قد يكون من الكوارث والزلازل والأعاصير والجوائح التي تجعلها نكالا لمن يأتي من بعدهم كما عذب القرون السابقة وقد يكون غير ذلك من البلاء والفتن التي تسل! بهم نعمة الأمن والاستقرار وتضر بهم بالخوف والجوع والذلة والمسكنة كما قال - تعالى -: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض) وكما فعل الله بقارون فقال عز من قائل: (فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين) والإنسان عندما يتصور العذاب الذي يأتيه من فوق أو يأتيه من تحت يكون أشد وقعا في النفس من تصوره آتياً عن يمين أو شمال، فالوهم قد يخيل للإنسان أنه قد يقدر على دفع العذاب من يمين أو شمال أما العذاب الذي يصب عليه من فوق أو يأتيه من تحت فهو عذاب غامر قاهر ولا يدبر أمره إلا الله اللطيف الخبير. أيها المسلمون: لقد فشا في كثير من المجتمعات الربا والزنا وشربت الخمور والمسكرات وأدمنت المخدرات، كثر أكل الحرام وتنوعت الحيل شهادات باطلة وأيمان فاجرة وخصومات ظالمة، ارتفعت أصوات المعازف والمزامير وفشت رذائل الأخلاق ومستقبح العادات في البنين والبنات، حورب الدين وأهله وسيم الدعاة والمصلحون أشد العذاب والنكال سخر منهم واستهزيء بهم ونال سفلة القوم الترحيب والرفعة وصدروا في المجالس وأصبح قدوة الشباب الفنان فلان والمطرب فلان حين ابتعد الناس عن الطريق المستقيم كثر الكفر والفسوق وقل الشكر وإرجاع الحقوق، كذب وتزوير للحقائق غيبة ومراودة، استبشار بالذنوب، خيانة خداع، أمر بالمنكر ونهي عن المعروف، وإصرار على الذنوب وعدم التوبة، عدم ذكر الله تبرج وسفور، زنا ولواط، الإشمئزاز من ذكر الله التجسس، النميمة، منع الخير، الجدال في الله، ترك الصلاة إلى غير ذلك من الذنوب والآثام التي تؤذن بعذاب الله وعقابه وكان حقا على الله أن يعاقب من فعل بعض هذه المنكرات فكيف بها جميعا. (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى). وقال: (ولو يؤاخذ الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة). فمن فضل الله ورحمته أنه لا يؤاخذ الناس بكل ذنب ولكن إذا نسوا تذكير الله لهم خوفهم بالآيات التي تهتز لها المشاعر والأبدان كالزلازل والبراكين وسيلان الأودية بالنيران وما يقع في بعض البلدان من الفيضانات وما ذاك إلا ليخوف الله به الإنسان إذا تمادى في الطغيان ولعذاب الآخرة أكبر ولأمر الله أعظم. (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب)، (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)إن الأمة حين تغفل عن سنن الله تغرق في شهواتها وتضل طريقها حتى تقع في مصارع السوء، إنها سنة الله حين تفشوا المنكرات وتقوم الحياة على الذنوب والآثام، والانحلال الخلقي وفشو الدعارة وسلوك مسالك اللهو والترف حينها ينزل الله العذاب والعقاب، والعذاب يعم الصالح والفاسد كما ورد في الحديث ((... أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث)). (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون). أيها الإخوة: لقد طغت النظرة المادية على كثير من أبناء هذا العصر فضعف عندهم الربط بين الأسباب ومسبباتها، ولم يدركوا العلاقة بين الأعمال وآثارها لهذا عندما زلزلت المدينة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل عائشة عن سبب هذا فقالت له: (كثرت الذنوب) فقال عمر: (والله لئن عادت فزلزلت لا أساكنكم فيها). قد يقول قائل ممن يدرس الجيولوجيا إن سبب هذه الظاهرة الطبيعية هو تقلص القشرة الأرضية وما إلى ذلك، ونحن نقر بهذا التحليل العلمي النظري ولكن ما وراء ذلك من الأسباب، وما السبب في تقلص القشرة الأرضية وحدوث الزلزال إنها الذنوب والمعاصي. ولقد ورد في علامات آخر الزمان أنه تكثر الزلازل والخسف فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقوم الساعة حتى تكثر الزلازل)) رواه مسلم، وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يكون في آخر الزمان خسف ومسخ وقذف، قالت: قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث)) رواه الترمذي، وهو حديث صحيح. أيها الإخوة: لقد سمعنا ما تناقلته وسائل الإعلام المقرؤة والمرئية عن الزلزال الذي تعرضت له إحدى قرى دولة إيران الإسلامية يوم الجمعة الماضية 0 زلازل مدمرة وخسوف مهلكة ابتلعت قرية كاملة بأهلها الألوف من المسلمين ، ربى عدد القتلى أكثر من أربعين ألف مسلم إيراني، قرى بأكملها بسكانها ، وبهائمها، وسياراتها ، ومستشفياتها وشوارعها ، وحقولها ، ومزارعها، وأسواقها، ومصانعها ابتلعتها الأرض بأمر ربها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 0 ثواني من الساعة كانت كافية لتدمير كل شيء. قرية أصبح عاليها سافلها 0 مساكن بأهلها ثواني تململت فيها الأرض ومادت بأهلها واضطربت بمن عليها فكانت الكارثة وجاءت الأخبار المفجعة المؤلمة. أكثر من أربعون ألف قتيل، والجرحى لا يحصون. آلاف الأحياء تحت الأنقاض لا يدرون أيعودون إلى الحياة أم تكون هذه نهايتهم. آلاف الجثث لا يعرفها أحد. المقابر الجماعية تفتح لصعوبة دفن كل واحد في قبر! ملايين البشر يبيتون في الشوارع والطرقات خشية من هزة أخرى. فرق الإنقاذ تقف حسيرة عاجزة لا تدري ماذا تصنع؟ ونقلت لنا عدسات المصورات صوراً مؤلمة محزنة. هذه أم تبكي على ابنها القتيل. وهذه عائلة تحيط بعائلها المسجى وقد فارق الحياة. وهذان زوجان يقفان على أطلال منزلهما يبكيان وقد صارا بغير مأوى. وهذا طفل يخرج من تحت الأنقاض لا تكاد تميز وجهه من قفاه من كثرة الدماء. هكذا كان … وذهبت ثوان قلائل بجهد عشرات السنين، وأدرك الإنسان بعدها حقيقة حجمه في هذا الكون. لقد اغتر الإنسان في هذا العصر بما عنده من العلم والقدرة، وظن أن لن يقدر عليه أحد، وتوهم أنه سيطر على الأرض وامتلك مقاليدها … غره علمه، وغرته قوته، وغرته سطوته … فأراد الله أن يعلمه الدرس وأن يبصره بحقيقته (وَخُلِقَ الإِنسَـانُ ضَعِيفاً) [النساء: 28]. \"الإنسان الذي صنع الكمبيوتر وغزا الفضاء ووصل إلى القمر ووقف على سطحه، لم يستطع أن يفعل شيئاً\"، لم يقدر على منع الزلزال ولا على تخفيف آثاره، ولقد تقاطرت فرق الإنقاذ من أنحاء الأرض بعددها وعتادها فكم روحاً أنقذت؟ وكم حياة حفظت؟ ولقد رآها الراؤون تتنقل بين الأنقاض تتنصت إلى نأمة جريح أو غياث مستغيث فما تزال تردد النظر ثم ينقلب إليها البصر خاسئاً وهو حسير. \"وصدق علي رضي الله عنه: مسكين ابن آدم تؤلمه البقة (البعوضة) (وَمَا أَنتُم بِمُعجِزِينَ فِي الأرضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِىّ وَلاَ نَصِيرٍ,) [العنكبوت: 22]\". أراد الله أن يبين للعالم أنه مالك الملك، العزيز القهار الجبار، لا تقف قوة أمام قوته، ولا توازي عظمة عظمته، وهل يقدر غير الله أن يأمر الأرض فتهتز فتدك ما عليها؟ لنا ياعباد الله مع هذين الحادث محطات تأمل ومنازل تفكر واعتبار منها: بيان عجز الإنسان وضعفه وإحاطة قوة الله وقدرته به من كل الجهات من فوقه ، ومن تحته ، وفي أرضه ، وسمائه ، وهوائه ، وكأني بملائكة الموت قد نزلت على أرض إيران تنتظر الأجل المحتوم ، والموعد المرسوم ، لقبض الأرواح واستيفاء الأعمار، ما أغنت عن الناس أجهزة ولا استعدادات ، ولا عمائر أو ثكنات، ولا جند أو حرس إنما هي لحظات فوقع الحادث الأليم وألم بالناس القضاء. بيان عظيم بطش الله وقهره وجبروته وشدته وقوة محاله وعظمته: (إن بطش ربك لشديد) [البروج: 12]. (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه)[الزمر: 67]. فإن الله - سبحانه - عزيز ذو انتقام. إنه - سبحانه - قوي عزيز. إنه - سبحانه - فعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير. إنه - سبحانه - شديد المحال. إنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم. إنه هو الرزاق ذو القوة المتين. ولاشك ـ يا عباد الله ـ أن هذه عقوبات على ما يرتكبه العباد من الكفر والفساد، وفيها لمن حولهم عبر وعظات لا يدركها إلا أولو الألباب، وهي تظهر قدرة الله الباهرة، حيث يأذن لهذه الأرض أن تتحرك لبضع ثوان، فينتج عن ذلك هذا الدمار وهذا الهلاك وهذا الرعب. ولقد أكدت الآثار بأن ذلك يكثر في آخر الزمان، حتى لا يكاد يمر الشهر والشهران حتى تسمع بزلزال في موضع من هذه الأرض، جاء في الحديث الذي رواه الإمامان أحمد والبخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، ويتقارب الزمان، وتكثر الزلازل، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج))، قيل: الهرج؟ ـأي ما هو؟ ـ قال: ((القتل القتل)). وروى الترمذي عن أبي هريرة، بإسناد فيه مقال، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا اتخذ الفيء دولاً، والأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً، وتعلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته، وعقّ أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلةَ فاسقُهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور، ولعن آخرُ هذه الأمة أولهاº فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء وزلزلة وخسفاً ومسخاً وقذفاً وآيات تتابع، كنظام بال قطع سلكه فتتابع)). ولقد شهد الواقع لبعض ما أشار إليه هذا الحديث، من ذلك هذه الزلازل المتتابعة التي لا تخفى عواقبها. عباد الله، إن الله لا يخلق شراً محضاً، فكم من شر في نظر الناس، يحمل في طياته خيراً كثيراً، والله يعلم وأنتم لا تعلمون. لقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن الزلازل ستحدث وتكثر حين يكثر الفساد وتظهر الفتن وستكون من علامات الساعة فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقوم الساعة حتى تقتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعوتها واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم. وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان)). وللعلم فهذه الزلازل والآيات بصفة عامة؟ ليست مختصة بأرض معينة، ولا بمكان معين؟ فالله عندما حذر الناس من الخسف بسبب ذنوبهم لم يحدد جنسيات معينة ولا بلاداً مرصوفة، بل خاطب الجميع وقال (أَءمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخسِفَ بِكُمُ الأرضَ فَإِذَا هِي تَمُورُ) وقال (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيّئَاتِ أَن يَخسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرضَ أَو يَأتِيَهُمُ العَذَابُ مِن حَيثُ لاَ يَشعُرُونَ)[النحل: 45]. اعلموا عباد الله أن مما يلزمنا تجاه هذا الحدث وأمثاله من أهمها ما يلي: 1- التوبة والرجعة إلى الله سريعاً فَفِرٌّوا إِلَى اللَّهِ إِنّي لَكُم مّنهُ نَذِيرٌ مٌّبِينٌ [الذاريات: 50]، من قبل أن يحل بنا ما حل بغيرنا ولا تأمنوا من مكر الله. 2- الدعاء والتضرع لتخفيف المصاب وكف البلاء ورفع العقوبة وإن يرحم الله عباده ويتوب عليهم. 3- تسلية أهل المصائب ومواساتهم بالاتصال أو المراسلة وإمدادهم بالمعونات المادية والمعنوية. فاتقوا الله عباد الله، واعتبروا بما جرى حولكم، فلنتب إلى الله جميعاً، فإن الله هو التواب الرحيم، ولنتذكر قول الله - تعالى -: (قُل هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبعَثَ عَلَيكُم عَذَاباً مّن فَوقِكُم أَو مِن تَحتِ أَرجُلِكُم أَو يَلبِسَكُم شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعضَكُم بَأسَ بَعضٍ, انظُر كَيفَ نُصَرّفُ الايَـاتِ لَعَلَّهُم يَفقَهُونَ وَكَذَّبَ بِهِ قَومُكَ وَهُوَ الحَقٌّ قُل لَّستُ عَلَيكُم بِوَكِيلٍ, لّكُلّ نَبَإٍ, مٌّستَقَرُّ وَسَوفَ تَعلَمُونَ) نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:  

الحمد لله ينزل البلاء برحمته وعدله، ويرفعه إذا شاء بالتوبة والإنابة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها المسلمون اتقوا الله - تعالى -، وتوبوا إليه من ذنوبكم، وخذوا على أيدي سفهائكم قبل أن يحل بنا ما حل بمن حولنا، ولنعلم جميعاً أن الذي جعل غيرنا عبرة لنا قادر على أن يجعلنا عبرة لغيرها، عباد الله، ولنا مع سلفنا الصالح - رحمهم الله - وقفة مباركة لنتبين كيف كان حالهم في مثل هذه المواقف العظيمة فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - زلزلت الأرض في عهده فجمع الناس ووعظهم فقال: (لئن عادت لا أساكنكم فيها). وقال بعض السلف - رحمهم الله - لما زلزلت الأرض: (إن ربكم يستعتبكم). ولنعلم أن ما وقع إنما هو من كسب الناس، قال الله - تعالى -: (ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرّ وَالبَحرِ بِمَا كَسَبَت أَيدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ))وَمَا أَصَـابَكُم مّن مٌّصِيبَةٍ, فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُوا عَن كَثِيرٍ,) [الشورى: 30]. فهل نعتبر يا عباد الله؟! إن حالنا لا ينطق بذلك، إننا على كثرة ما نسمع ونقرأ ونشاهد من حوادث مروعة وعقوبات مفزعة، لا يزال الكثير منا مصراً على طغيانه وفجوره، أيها المسلمون: إننا والله لنخشى من العقوبة، أليس الله يقول: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِى إِسراءيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابنِ مَريَمَ ذالِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعتَدُونَ كَانُوا لاَ يَتَنَـاهَونَ عَن مٌّنكَرٍ, فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ [المائدة: 78، 79]. وجاء في الحديث: ((إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده)). فما الذي أمات الغَيرة في قلوبنا؟ ما الذي ينجينا من عذاب الله؟ ما الذي يؤمننا من مكر الله؟ عباد الله، اعلموا أنه لا يقينا من ذلك إلا أن نصلح ما فسد من أحوالنا، نبدأ بأنفسنا ونحملها على الحق، نبدأ بأهلنا وجيراننا ونسائنا وأولادنا، نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ولنعلم أن لا صحة للإنكار باللسان مع القدرة على التغيير باليد، ولا صحة للإنكار بالقلب مع القدرة على الإنكار باللسان. ولا يصح الإنكار بالقلب ما لم يتم الابتعاد عن العصاة وهجر أماكنهم وعدم مجالستهم، وذلك عند عدم انتفاعهم بالموعظة والنصيحة. قال الله - تعالى -: (لاَّ تَجِدُ قَوماً يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَادٌّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا ءابَاءهُم أَو أَبنَاءهُم أَو إِخوانَهُم أَو عَشِيرَتَهُم) [المجادلة: 22].

عباد الله: ارجعوا إلى دينكم، تعرّفوا على الله في الرخاء يعرفكم في الشدة، اصدقوا الله يصدقكم، واذكروه يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأدّوا إليه حقّه يوفّيكم حقكم فإن الله أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، وأجود الأجودين. ألم تسمعوا إلى قول الله - تعالى -: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)، أو لم تسمعوا إلى خبر الله - عز وجل -: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً، كذلك نصرّف الآيات لقوم يشكرون). ومن أصدق من الله حديثاً. واعلموا يا عباد الله: أن عذاب الله إذا حلّ بقوم عمّهم فهو لا يصيب ناساً دون آخرين، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أراد الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم)). وسألته عائشة - رضي الله عنها -: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم، إذا ظهر الخبث)). فاعتبروا يا أولي الأبصار، اعتبروا يا أولي الألباب، ومن لم يتّعظ بالموت فلا واعظ له، واعلموا أن الدنيا دار بلاء وفناء، وأن الآخرة دار جزاء وبقاء، وأن الله - تعالى - لن يجمع لعبد أمنين ولا خوفين، فمن خافه في الدنيا أمّنه في الآخرة، ومن أمنه في الدنيا أخافه في الآخرة نسأل الله - تعالى - الأمن التام والهداية. اللهم يا ربنا يا من خلقتنا ورزقتنا وأحسنت إلينا يا أمان الخائفين.. يا رب العالمين. اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم اجعلنا ممن يأخذون صحائف الأعمال باليمين في يوم الزلزال الأعظم، اللهم يا رحمن يا رحيم كن لعبادك المستضعفين في كل مكان، يا ربنا.. مَن للمستضعفين من ضحايا الزلزال يا ربنا من لمن ظلوا تحت الأنقاض، يا ربنا مَن للجرحى والمتألمين، يا ربنا من لمن تيتم أو ترمل، يا ربنا من لمن فقد العائل أو السكن والمال، يا ربنا أرحم ضعف إخواننا، وأنصر المجاهدين في سبيلك في جميع أوطان المسلمين، الله أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك الكريم وسنة نبيك الأمين،! اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، والكفرة الملحدين، واحم حوزة الدين، يا رب العالمين. اللهم ادفع عنا الربا والوباء والبلاء والزلازل والمحن ما ظهر منها وما بطن اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اللهم إن اليهود قد طغوا وبغوا وأسرفوا وأفسدوا واعتدوا اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم وألق الرعب في قلوبهم واجعلهم غنيمة للمسلمين، وعبرة للمعتبرين، يا رب العالمين. اللهم عليك بهم وبمن شايعهم وعاونهم وحماهم يا أكرم الأكرمين. اللهم احقن دماء المسلمين وصن أعراضهم واحفظ أموالهم وديارهم من كل معتد ظلوم يا رب العالمين. اللهم ارحم إخواننا المستضعفين المشردين في كل مكان، اللهم ارفع راية الجهاد واقمع أهل الزيغ والشر والحقد والفساد والعناد، وانشر رحمتك على العباد والبلاد يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد. وصلّوا وسلّموا على سيّد الأوّلين والآخرين وإمام المرسلين. اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجي! د، وسلّم تسليماً كثيراً. اللهمَّ وارضَ عن الصّحابة أجمعين وعنا معهم بعونك وجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين وأقم الصلاة فان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply