اليقين بزوال الظلم وهلاك الظالمين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

الخطبة الأولى:

أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله فإن تقواه أفضلُ مكتسب، وطاعته أعلى نسب، \" يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مٌّسلِمُونَ \" [آل عمران:102].

 

أيها المسلمون، المؤمن مهما تفاقم الشرّ وتراقى الخطر والضرّ فإنه يعلم أن ما قُضِي كائن، وما قُدِّر واجب، وما سُطِّر منتظَر، ومهما يشأِ الله يكن، وما يحكم به الله يحقّ، لا رافع لما وضع، ولا واضع لما رفع، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وما شاء ربٌّنا صنع، فلا جزع ولا هلع، وإنما صبرٌ ومصابرة، وفأل بأنَّ لأهل الإسلام السلطة والانتصار والفلج[1] والإظفار، ولعدوّهم الذلّة والصغار والدمار والخسار، \" وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ وَلَـكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لاَ يَعلَمُونَ \" [يوسف:21].

 

أيها المسلمون، إن الأمة المسلمة تواجه اليومَ خصاماً بعنف وتآمراً بقَحةٍ, وحرباً بجبروت، يقودها قومٌ لئام، أماطت عنهم اللثام الأحداثُ والوقائع والأيام، يجرّون الضغائن، ويحملون مسمومَ الدفائن، ملؤوا الدنيا عدواناً، وأشعلوها نيرانا، وأنَّى يُحقِّق هؤلاء سلاماً دائما وسكونا دائباً. أحداثٌ تُفتعَل، وأدوارٌ تُمثَّل وتُنتحَل، إفكٌ وافتراء، واتِّهام وادِّعاء، وغطرسة وغرور، واستبداد وفجور، وجَور واشتطاط، وظلم واختباط، وتلاحم بالظالمين واختلاط، أدَّى إلى تفجّر العنف وانعدام الأمن وانتشار الخوف واختلال الأوضاع في كثير من الأصقاع والبقاع.

 

إن العالم باتت تحكمه شريعةُ الغاب وسياسات التهديد والإرهاب ولغة التحدّي والإرعاب، مصالح ذاتية، ونظمٌ أُحاديّة، وإدارة فرديّة، تتعامل مع الغير معاملةَ السيّد للمسود والقائد للمقود، سياسةُ مصالح لا قيم، سياسة لا تحكم بالسويّة، ولا تعدل في قضيّة، ولا تتعامل إلا بحيف وازدواجية، غيُّ وبغي، وتسلّط وتمرّد، ورؤًى خاصَّة يقرّرها صاحبُ القوّة وفق عقيدته ومصلحته، ومحاولاتُ إحداثِ خلخلة وضعضعة وانشقاقٍ, وافتراق في صفوف الأمة المسلمةº لتكونَ أمصاراً متنافرة وبلاداً متناثرة متناحرة.

 

إنها صورةٌ واضحة المعالم جليّةُ الأبعاد للواقع المرّ الذي تأباه نفسُ كلّ أبيّ حرّ، وستظلّ المباركة والتأييد التي يلقاها الإجرام الإسرائيلي والصلف الصهيوني وتهيئة الأجواء له وإفساح المجال لارتكاب مزيدٍ, من الهدم والتشريد والتقتيل شاهداً على الحقد الأعمى، وأنَّه ليس عند القوم للعدل حظُّ ولا معنى.

 

أيها المسلمون، لقد بلغ السيل زُباه، والكيدُ مداه، والظلم منتهاه، والظلم لا يدوم ولا يطول، وسيَضمحلّ ويزول، والدهر ذو صرفٍ, يدور، وسيعلم الظالمون عاقبة الغرور. أين الذين التحفوا بالأمن والدَّعَة، واستمتعوا بالثروة والسَّعة، من الأمم الظالمة الغابرة الظاهرة القاهرةا! لقد نزلت بهم الفواجع، وحلّت بهم الصواعق والقوارع، فهل تعي لهم حِسًّا، أو توجَّسُ لهم رجسا، أو تُدسٌّ لهم رزًّا، أو تسمَعُ لهم ركزاًا! فعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته))، وقرأ: \" وَكَذلِكَ أَخذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِىَ ظَـالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ \" [هود:102] متفق عليه[2].

 

أيها المسلمون، مهما بلغت قوّةُ الظلوم وضعفُ المظلوم فإنَّ الظالم مقهور مخذول، مصفّد مغلول، وأقربُ الأشياء صرعة الظلوم، وأنفذ السهام دعوة المظلوم، يرفعها الحيّ القيوم فوق الغيوم، يقول رسول الهدى: ((ثلاثة لا تردّ دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبوابَ السماء، ويقول لها الرب: وعزَّتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعدَ حين)) أخرجه أحمد[3].

 

فسبحان من سمع أنينَ المضطهدِ المهموم، وسمع نداءَ المكروب المغموم، فرفع للمظلوم مكاناً، ودمَغ الظالم فعاد بعد العزّ مهاناً.

 

أيها الناس، إنه ليس شيءٌ أسرع في خراب الأرض ولا أفسد لضمائر الخلق من الظلم والعدوان، ولا يكون العمران حيث يظهر الطغيان، وإن الظالمَ الجائر سيظلّ محاطاً بكلِّ مشاعر الكراهية والعداء والحقد والبغضاء، لا يعيش في أمان، ولا ينعَم بسلام، حياتُه في قلق، وعيشه في أخطار وأرقº لأنَّ الظلم جالبُ الإحن ومسبِّب المحن، والجَور مسلبةٌ للنعم مجلبة للنقم، وقد قيل: الأمن أهنأ عيش، والعدل أقوى جيش.

 

إن تحقيق العدل ونبذَ الظلم والجور مدرأةٌ لغائلة كلِّ محذور، وضمانةٌ لدفع سائر الشرور من غير بذل مونة واستمداد معونة.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply