حب الوطن بين الحقيقة والإدعاء


  

بسم الله الرحمن الرحيم

أساء الكثيرون إدراك الكيفية الحقيقية لحب الوطن، فجعلوها ألحاناً وترانيم، وطقوساً وشعارات لا تمت إلى الوطنية الصحيحة بصلة، فنشأت أجيالٌ هزيلةٌ في ولاءاتها ساذجة في مخزونها الفكري بل والعاطفي!!

إذ سرعان ما تتنكر لأمتها، وتبادر إلى بيع ولاءاتها لمن يدفع أكثر!!

ولنأخذ القضية العراقية مثالاً حياً فهي من أشد قضايا الساعة سخونة وهيجاناً، ونتأمل كيف تمكن المحتل الأجنبي من شراء الذمم، وصنع الولاءات المعروضة للبيع، لأعلى صاحب مزاد، رغم أن كثيراً من الباعة كانوا منتمين لحزب البعث الذي أُنفق عليه الملايين، وتمتع أعضاؤه وأسرهم بامتيازات لا تخطر ببال!

ذلك أن العلائق الدنيوية، والمصالح المادية، لا يمكن أن تصنع ولاءً صادقاً بل سرعان ما تذوب تلك الولاءات عند أول تيار ساخن يعصف بها كما أن تلك الوطنيات المزعومة سرعان ما تسقط عند الدفعة الأولى.

 والحب الحقيقي للوطن هو الذي يُقدس العقيدة ويرسخها في الأجيال، فينشأ عنها حب الوطن لإيمان أهله وإسلامهم وخلو أرضهم من مظاهر الشرك والبدعة لا الحب المُعظم للحجارة والأتربة والمناخ والتضاريس والحدود الجغرافية!

إنَّ الحب الحقيقي للوطن يتجلى في أمور منها :

أولاً: الحرص الأكيد، والعمل الجاد في نشر العقيدة الصحيحة لتعم أرجاء الوطن كي يتمتع المواطنون بالإيمان الحقيقي بالله تعالى ويصدقون في حُبه والاعتماد عليه وحده دون غيره حتى إذا ما حاولت قوة في الأرض الاعتداء على دينهم وعقيدتهم أو استباحة أرضهم وأموالهم إذا بهم ينتفضون انتفاضة الأسد دفاعاً عن الدين والعقيدة وذباً عن الأعراض، والأوطان، معتمدين على الله تعالى دون غيره، موقنين بأن قوته الباهرة كفيلة بهزيمة أي عدو غاشم، وعقر كل جواَّظ غليظ، وقهر كل صائل أثيم!!

ثانياً: القضاء المحكم على أسباب الشر والرذيلة، وعوامل الخلاعة والميوعة التي تغرق المجتمع في أوحال الفساد والخنا، فتنشأ الأجيال الشهوانية العابدة لملذاتها ومتعها الرخيصة بحيث يتعذر عليها القيام بأدنى دور ذي بال يحفظ لها كرامتها وشرفها عند تعرضها للامتهان على يد عدو متربص وصائل حاقد.

فضلاً عن جهاده ومقاومته وطرده ودحره!

إذ أن تجفيف منافع الفساد والفتنة هو الكفيل بصنع الرجال الحقيقيين المحبين لربهم ودينهم المدافعين عن وطنهم المؤمن الموحد، بصدق وعزيمة.

ثالثاً: العمل الجاد على قيام الوحدة والألفة بين أبناء المجتمع على أساس العقيدة السلفية الخالصة البعيدة عن المساومات، والمزايدات، والمهاترات، والمشاحنات، وهي وحدة لا تقبل أنصاف الحلول أو التلفيق والتجميع غير المنضبط بضوابط الشريعة المحكمة والملة الخالدة.

وكل من يرفض الوحدة على هذا الأساس الراسخ والمبدأ القويم فهوعدو حقيقي لوطنه، خائن لأمته مهما تغنى بغير ذلك وأظهر من النفاق الاجتماعي ما أظهر!!

 ولا بد من قيام الكوادر الخيّرة من علماء ودعاة وفضلاء بدورهم المأمول في بث القيم الفاضلة، والمثل العالية في أوساط المجتمع المسلم ودعوة الناس إلى الدين الحق، و الإسلام الصحيح وفق فهم السلف الصالح ومن ذلك أن الإسلام دين ودولة وراع ورعية وحقوق وواجبات والعمل على تبادل المحبة الشرعية بين الولاة ورعاياهم على أساس راسخ من التعاليم الشرعية الفاضلة.

رابعاً: الحذر من كيد الأعداء ومكرهم وخداعهم، ومحاولتهم اختراق المجتمع المسلم، وبث الفتنة في أرجائه، وتأجيج العداوات بين أبنائه ومحاولة إذكاء الخصومات وأسباب الفُرقة والنزاع بين أبناء العقيدة الواحدة ليسهل لهم الانقضاض واستثمار الظروف المضطربة، والأوضاع الملتهبة، والشواهد كثيرة حاضرة، لا ينساها العقلاء النجباء.

بدءاً من لبنان إبّان الحرب الأهلية الدامية، ومروراً بأزمة الجنوب السوداني، وانتهاء باحتلال أفغانستان والعراق!!

إنّ الكثيرين يدّعون حبّ الوطن، ويؤيدون دعاواهم تلك ببراهين أوهى من بيت العنكبوت لا يمكن أن يصدقها إلا الفارغون!

 فهل من الوطنية الحقيقية والانتماء الجاد حبّ إشاعة الفاحشة في مجتمعات المسلمين بدعوى الترفيه، والتنشيط السياحي، وعبر بوابة الاحتفالات الموسمية، والفعاليات العائلية؟ !

وهل من الوطنية إغراق المجتمعات بطوفان من الفضائيات المخلة بالآداب والحشمة والعفة؟ !

 وهل من الوطنية إغراق الأوطان الإسلامية بملايين السياح الأجانب من ذوي العقائد الوثنية أو اللادينية فضلاً عن اليهود والنصارى فيتصدّع جدار الولاء والبراء وتُلتقط الصور التذكارية الجماعية لمسلمين وكفار!!

 وهل من الوطنية محاولة بعث الآثار الغابرة، وترميم الحجارة والقرى التي عبثت بها عوامل التعرية وصروف الزمان؟ !

 إنّ الحبّ الحقيقي للوطن لا يمت إلى هذه المظاهر بصلة، بل يتبرأ منها أشدّ البراء وأكدها.

 إذ أننا لا نفهم الوطنية الحقّة إلا عقيدة راسخة، ومجتمعاً موحّدًا وشعباً عفيفاً وقيادة راشدة.

 ولا نفهم الأمن إلا أمن التوحيد والإيمان، وأمن الأخلاق والشرف، وأمن المال والعرض والدم، والله المستعان..

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

ممتاز

11:14:04 2021-09-23

مقال رائع