خطورة سؤال الناس أموالهم


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فإن الله - تعالى -قد ابتلى الغني بالفقير، وابتلى الفقير بالغني، فقال - تعالى -: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُم خَلاَئِفَ الأَرضِ وَرَفَعَ بَعضَكُم فَوقَ بَعضٍ, دَرَجَاتٍ, لِيَبلُوَكُم فِيمَا آتَاكُم [الأنعام: 165]

وقال - تعالى -: ثُمَّ جَعَلنَاكُم خَلاَئِفَ فِي الأَرضِ مِن بَعدِهِم لِنَنظُرَ كَيفَ تَعمَلُونَ [يونس: 14]. ولقد أوجب ربنا- تبارك وتعالى -الزكاة في أموال الأغنياء، بل وجعلها ركنًا من أركان الإسلام وقرنها بالصلاة في كتابه العزيز فقال - تعالى-: فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخوَانُكُم فِي الدِّينِ [التوبة: 11]. وقال أيضًا: وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة: 43، 83، 110، النساء: 77، النور: 56، المزمل: 20]. والآيات في هذا الباب تفوق الحصر.

ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصوم رمضان». [متفق عليه] وقال أيضًا: «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله». [متفق عليه] ولما تُوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتولى الخلافة أبو بكر - رضي الله عنه -، منع قومٌ الزكاة فقاتلهم أبو بكر - رضي الله عنه - وقال: «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعه». [متفق عليه] ولقد حدد الله - تعالى -مصارف الزكاة فقال: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُم وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابنِ السَّبِيلِ

فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [التوبة: 60].

 

فضل الصدقة

وقد رغَّب الله الموسرين في الصدقة (زيادة عن الزكاة) فقال - تعالى -: يَمحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُربِي الصَّدَقَاتِ [البقرة: 276]، وقال - تعالى -: لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبٌّونَ [آل عمران: 92]. وقال أيضًا: خُذ مِن أَموَالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكِّيهِم

بِهَا [التوبة: 103]، وقال كذلك: وَفِي أَموَالِهِم حَقُّ لِلسَّائِلِ وَالمَحرُومِ [الذاريات: 19]، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: إنه حق سوى الزكاة. وبيَّن ربنا- تبارك وتعالى -أن الصدقة لا تنقص المال بل تزيده، فقال - تعالى -:

وَمَا أَنفَقتُم مِن شَيءٍ, فَهُوَ يُخلِفُهُ [سبأ: 39]، وقال أيضًا: وَمَا تُنفِقُوا مِن خَيرٍ, يُوَفَّ إِلَيكُم [البقرة: 272]. والآيات في هذا الباب كثيرة. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما نقصت صدقة من مال». [رواه مسلم] وقال

أيضًا: قال الله - تعالى -: «أنفق يا ابن آدم يُنفق عليك». [متفق عليه] والأحاديث الصحيحة في هذا الباب كثيرة.

 

حثٌ على الإنفاق وعدم البخل

والإسلام يحث أصحاب الأموال على الإنفاق ودفع الزكاة، ويحذرهم منعها والبخل بها، فيقول - تعالى -: وَلاَ يَحسَبَنَّ الَّذِينَ يَبخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ هُوَ خَيرًا لَـهُم بَل هُوَ شَرُّ لَهُم سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَومَ القِيَامَةِ [آل عمران: 180].

ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من يوم يُصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلانº فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا». [متفق عليه]

وقد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لا يرد سائلاً. [رواه البخاري]

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له». [رواه مسلم]

وقال أيضًا: «اتقوا النار ولو بشق تمرة». متفق عليه.

وعن جابر - رضي الله عنه - قال: «ما سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قط فقال لا». [متفق عليه]

 

لزوم التعفف لمن كان فقيرًا

وفي المقابل نرى أن الإسلام يحث الفقراء على التعفف والرضا باليسير والاجتهاد في اجتناب سؤال الخلق، يقول ربنا - سبحانه وتعالى -: يَحسَبُهُمُ الجَاهِلُ أَغنِيَاءَ مِنَ التَّعَفٌّفِ تَعرِفُهُم بِسِيمَاهُم لاَ يَسأَلُونَ النَّاسَ إِلحَافًا [البقرة: 273].

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ومن يستعفف يُعفه الله، ومن يستغن يُغنه الله». [متفق عليه]

وقال أيضًا: «لا تُلحفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحدٌ منكم شيئًا فتُخرج له مسألته مني شيئًا وأنا له كاره فيُبارك له فيما أعطيته». [رواه مسلم]

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله - تعالى -وليس في وجهه مزعة لحم- أي قطعة لحم-». [متفق عليه]

وعن ثوبان - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من يتكفل لي أن لا يسأل الناس شيئًا فأتكفل له بالجنة؟ » فقلت: أنا، فكان لا يسأل أحدًا شيئًا. [رواه أبو داود وصححه الألباني]

 

مَن تحل لهم المسألة

 

ولا شك أنه يُعفى عن السائل المحتاج لقوله - تعالى -: وَفِي أَموَالِهِم حَقُّ لِلسَّائِلِ وَالمَحرُومِ [الذاريات: 19]، أما الذين اعتادوا المسألة رغبة في الاستكثار من المال فهؤلاء يقعون تحت قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من سأل الناس تكثرًا فإنما يسأل جمرًا، فليستقل أو ليستكثر». [رواه مسلم] والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلَّت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش، فما سواهن من المسألة سحت يأكلها صاحبها سحتًا». [رواه مسلم]

وقال - صلى الله عليه وسلم - عن الزكاة: «إنما هي أوساخ الناس». [رواه مسلم]

 

حرمة سؤال الناس أموالهم تكثرًا

ولقد حذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التسول والمتسولين فقال: «ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يُغنيه ولا يُفطن له فيُتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس». متفق عليه. وهذا هو المحروم الذي يتعفف وهو المذكور في قوله - تعالى -: وَفِي أَموَالِهِم حَقُّ لِلسَّائِلِ وَالمَحرُومِ [الذاريات: 19]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «قد أفلح من أسلم وكان رزقه كفافًا ومتعه الله بما أتاه». [رواه مسلم]

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تُسد فاقته، ومن أنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل». رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني، ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا سألت فاسأل الله». [رواه الترمذي، وصححه الألباني]

والله - تعالى -يقول: أَم مَن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل: 62].

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذم السؤال والسائلين: «ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر». [رواه الترمذي، وصححه الألباني]

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أُعطي رضي، وإن لم يُعط لم يرض». [رواه البخاري] وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لأن يحتطب أحدكم حُزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيُعطيه أو يمنعه». [متفق عليه] كذلك يقول - صلى الله عليه وسلم -: «اليد العليا خير من اليد السفلى». [متفق عليه]

 

يسألون الناس إلحافًا

وهكذا نرى أن الإسلام يحض الأغنياء على الإنفاق ويحث الفقراء على التعفف، ولكن أغلب السائلين اليوم لا يتعففون، وإنما يسألون الناس إلحافًا حتى يعطوهم أو ينهروهم، مع أن الله - تعالى -يقول: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنهَر [الضحى: 10].

فإذا أعطاهم الناس رضوا، وإن لم يعطوهم سبٌّوهم.

والله - تعالى - تكفل بالأرزاق فقال - تعالى -: وَمَا مِن دَابَّةٍ, فِي الأَرضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزقُهَا [هود: 6]. والأرزاق مقدرة لكل إنسان وهو جنين في بطن أمه، والله - تعالى -يقول: وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ, لاَ تَحمِلُ رِزقَهَا اللَّهُ يَرزُقُهَا وَإِيَّاكُم [العنكبوت: 60].

والسائلون «رجالاً ونساءً - شبانًا وشيوخًا» يجلسون على أبواب المساجد ليأخذوا الصدقة من الداخلين ومن الخارجين، ولا يشهدون الصلاة! بل إن بعضهم يدخل المسجد ليطوف على المصلين واحدًا واحدًا ليأخذ منهم الصدقة، وبعضهم يستعطف الناس، (وربما يحلف كذبًا) ليعطوه، فهؤلاء الذين ذمهم الشرع لعدم عفتهم وعدم اكتفائهم بما يقضي حاجتهم.

وأمثال هؤلاء يثقون فيما في جيوب الناس أكثر من ثقتهم فيما في خزائن الله، ولذلك يسألون الناس ولا يسألون الله، والسبب في ذلك أنهم بعيدون عن الله - ما قدروه حق قدره وما عبدوه حق عبادته، ولو سألوه لأعطاهم، والله- تعالى -يقول: فَابتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزقَ [العنكبوت: 17]. ويقول - تعالى -: وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ, مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ [الأعراف: 96]، ويقول أيضًا: وَلَو أَنَّهُم أَقَامُوا التَّورَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم لَأَكَلُوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِم [المائدة: 66]، ويقول - تعالى -: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ [الذاريات: 58].

وعلى من لقي هؤلاء المتسولين (وغيرهم) أن يعرفوهم مفاتيح الرزق من دعاء واستغفار وتوكل وتقوى ويقين بعد الأخذ بالأسباب في تحصيل الرزق...إلخ.يقول - تعالى -: وَقَالَ رَبٌّكُمُ ادعُونِي أَستَجِب لَكُم [غافر: 60]، ويقول أيضًا: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: 186]، ويقول جل شأنه: استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا (11) وَيُمدِدكُم بِأَموَالٍ, وَبَنِينَ وَيَجعَل لَكُم جَنَّاتٍ, وَيَجعَل لَكُم أَنهَارًا [نوح: 10- 12].

ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا». [رواه الترمذي وصححه الألباني] ويقول - تعالى -: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجًا (2) وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لاَ يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسبُهُ [الطلاق: 2، 3].

وقد يجد الإنسان نفسه مضطرًا لإعطائهم إيثارًا للسلامة ودرءًا لشرهم، وهنا يتعين على المرء ألا يعطيهم إلا اليسير بقدر ما يدفع عنه أذاهم. وهكذا: صدقة بالإكراه لمن شاء، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يرد سائلاً. [رواه البخاري] ومن أبى أن يعطيهم فعليه أن يردهم ردًا جميلاً. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply