فغيرُ غائبٍ, عن البال ما كان يعيشهُ العربُ إبّان العصورِ الجاهليةِ الغابرة، من الفسادِ العقدي، والانحلالَ الأخلاقي، والتشتتَ الأسري المُريع!
فعبادةُ الأوثان، وتقديسُ الأصنام، سمةٌ بارزةٌ لعربِ الحجاز والجزيرةِ آنذاك، وتعاطي الفواحش، وشُرب المُسكرِ، كان محلُ حفاوةَ المجتمعِ وترحيبه، وحسبنا شاهداً لما نقولُ، ما أخرجهُ البخاري وغيره من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: ((إنَّ النكاحَ في الجاهليةِ كان على أربعةِ أنحاء، فنكاحٌ منها نكاحُ الناسِ اليوم، يخطبُ الرجلُ إلى الرجلِ وليتهُ أو ابنته فيُصدقها ثمَّ يُنكحها، ونكاحٌ آخرَ كانَ الرجلُ يقولُ لامرأتهِ إذا طهُرت من طمثها، أرسلي إلى فلانٍ, فاستبضعي منه، ويعتزلُها زوجها ولا يمسها أبداً حتى يتبين حملُها من ذلك الرجلِ الذي تستبضعُ منه، فإذا تبين حملُها أصابها زوجُها إذا أحب، وإنَّما يفعلُ ذلك رغبةً في نجابةِ الولد، فكان هذا النكاحُ نكاحُ الاستبضاع، ونكاحٌ آخر يجتمعُ الرهطُ ما دون العشرةِ فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومرَّ عليها ليالٍ, بعد أن تضع حملَها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجلٌ منهم أن يمتنعَ حتى يجتمعوا عندها، تقولُ لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت، فهو ابنُك يا فلان، تسمي من أحبت باسمه فيلحق بهِ ولدها، لا يستطيعُ أن يمتنع منهُ الرجل، ونكاحُ الرابع يجتمعُ الناسُ الكثير، فيدخلون على المرأةِ لا تمتنعُ ممن جاءَها، وهُنَّ البغايا كنَّ ينصبنَ على أبوابهنَّ راياتٍ, تكونُ علماً، فمن أرادهُنَّ دخل عليهنَّ، فإذا حملت إحداهُنَّ ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة، ثُمَّ ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاطَ به ودُعي ابنهُ لا يمتنعُ من ذلك، فلمَّا بُعث محمد - صلى الله عليه وسلم - بالحق، هدمَ نكاحُ الجاهليةِ كلهِ إلا نكاح الناس اليوم)).
إنَّ هذه الروايةَ الدقيقة، لتصورُ بجلاءٍ, الحالَ المزرية، وطبيعةُ الإسفافِ التي آل إليها أمرُ القومِ في جاهليتهم البغيضةِ المنتنة!!
فهل بعد هذه الدياثةِ والزنا الجماعي من شيءٍ, يمكنُ أن يُفخر به في منظومةِ الأخلاق والصيانة الأدبية؟!
وحتى لو سجّل لنا التاريخُ في المقابلِ غيرةَ بعض العرب على بناتهم، لدرجةِ (الوأد) الشهير، فإنّ تيارَ الإباحيةِ والمجون، ظلَّ هادراً مرعباً، لا يقومُ له شيء!
حتى إذا ما أشرق الإسلامُ بسراجه الوهّاج فوق جبال مكة والحجاز، وفاضت أنوارهُ على جزيرةِ الإسلام، إذا بتيار الرذيلةِ يتوارى سريعاً، وينقلبُ خاسئاً وهو حسير.
فكان البديلُ المنطقي، والوريثُ الشرعي لتلك الحالةِ النشاز، من الخلاعةِ والمجون، هو بساطُ الفضيلةِ والحشمةِ، الذي ملأ أرجاءَ الأرضِ العربيةِ الأصلية، والمفتوحةِ معاً.
وإذا بالعربي الذي كان يبعثُ بامرأته إلى رجلٍ, أجنبي، تستبضعُ منهُ بكلِّ صفاقةِ وجهٍ, ودياثة، ينتفضُ غيرةً وحمية، حين تخيَّلَ امرأتهُ تحت رجلٍ, ماجنٍ, خائن، يمارسُ معها السفاحُ والفجور.
فهذا سعدُ بن عبادة - رضي الله عنه - يقولُ: يا رسول الله، لو رأيتُ رجلاً مع أهلي، لا أمسّه حتى انطلق فآتي بأربعةِ شهود؟
قال: نعم، قال: لا والذي بعثك بالحق إن كنت لآخذُ به بالسيف غير مصفح!!
فقال: - عليه الصلاة والسلام -: (أتعجبونَ من غيرةِ سعد؟ إنَّه لغيور، وأنا أغيرُ منه، واللهُ أغيرُ منّي!! ) متفق عليه.
الله أكبر!! ما أروعَ الإيمانَ! وما أجملهُ! حين يلامسُ شغافَ القلوب، ويسكنُ أعماقَ الضمائرِ الحيَة، فيصنع من الإنسانِ كائناً فريداً في أخلاقهِ وقيمه، وعظيماً في مبادئهِ وعقائده، فيمتلئُ غيرةً وأنفةً، من رأسهِ حتى أُخمص قدميه، لا على أهلهِ ومحارمهِ فحسب، بل على كلِّ امرأةٍ, مسلمة، وإن نأت بها الديارُ، أو بعدت بها البلاد!
ولقد حولَّ الإسلامُ العربَ، إلى أمةٍ, ذات وزنٍ, وقيمة، وذات سيادةٍ, وريادة، بين الأممِ قاطبةً، بل أمةً متميزةً، عقيدةً وأخلاقاً وقيماً، يندرُ مجاراتُها بتميزها ذاك!
ويخطئُ من يتصورُ أنّ للعربِ قبلَ الإسلامِ مجداً ذا بال، أو حضارةٍ, ذات معنى، بل العكسُ هو الصحيحُ، فقد كانوا محلّ ازدراءٍ,، وامتهان أممِ الأرض، وتربعوا بجدارةٍ, في أدنى مراتبَ السُلّمَ الحضاري والمدني!
واليومَ حين تخلَّى العربُ عن الإسلامِ عقيدةً ومنهجاً وأخلاقاً، عادَ الفجورُ عربياً كما بدأ، وأطلَّت الدياثةُ بوجهها القبيحِ عربيةُ الملامح، عربيةَ اللغةِ، عربيةَ السوأةِ!!
فها هي القنواتُ العربيةُ الفضائية، تُمطرنا أربعاً وعشرين ساعةً، طوالَ العامِ، ببرامجَ الرذيلةِ والمجون، ومسلسلاتِ الخنا والفحش، وأغاني العُهرِ والفساد.
مكمِّلةً بذلك الدورُ الذي ابتدأتهُ القنواتُ الأرضية، لعُقودٍ, طويلةٍ, من الزمن بمشاركة المسرحُ والإذاعات، والمجلةُ والرواية!!
حتى كانت ثالثةَ الأثافي، وقاصمةَ الظهرِ، ذلك البرنامجُ الدياثيٌّ الماجن \" ستار أكاديمي \" الذي عرُض قبلَ أشهُرٍ,، ويُعادُ عرضهُ هذه الأيام، في حلقته الثانية.
وهو برنامجٌ يفوقُ في خستهِ وفُحشه، وجرأتهِ البالغة على اللهِ والدينِ والقيم، جرأةَ الديوثين الجاهليين، الأنفَ ذكرُهم في حديثِ عائشة.
ففي \" ستار أكاديمي \" يجتمعُ شرذمةٌ من الزناةِ والزواني، في بيتٍ, واحدٍ,، وتحت سقفٍ, واحد، ويُصورُونَ على الهواءِ مباشرةً، ويطالعُهم ملايينَ المفتونين والفارغين، ومحبي الفاحشةِ وعديمي الخوفِ من الله.
في هذا البرنامجِ الخليع، يرتدَّ العربي إلى أسفلَ سافلين، ويعودُ عربياً فاجراً، بعد أن رفعهُ الإسلامُ لأعلى عليين، وصورَهُ ربَهُ في أحسن تقويم!
يرتدَّ العربيٌّ وينتكس، ويفقدَ كرامتهُ حين تخلى عن سرّ تفوقه، ومبعثَ عزَّته، وأساسَ مجدهِ، وهو الإيمانُ الراسخُ، والعقيدةُ الصافيةُ النقية!
وهو إن دلَّ على شيءٍ, فإنَّما يدلُّ على أنَّ العربي لا يقلٌّ خُبثاً ولا شراً عن غيرهِ من البشر، حين يتجردَ من إسلامهِ ومبادئهِ السامية، وهو ما نلمسهُ بجلاءٍ, في هذه الدعارةِ الفضائية، التي تُقدمُها بكلِّ وقاحةٍ, وسفاهة، قنواتُ البثِّ العربيةِ، والتي تُعدٌّ بالمئات، وتتسابقُ في إغواءِ المشاهد المسلم، وتأجيجَ الشهوةِ في صدورِ المراهقين، وقتلَ الغيرةِ والشهامةِ في نفوسِ الجماهير المُضللة المستغفلة.
إنَّ أفلامَ الدعارةِ والجنس، المنتجةِ في أوربا وأمريكا، والتي أغرقتِ العالم، وأفسدت الدنيا، وتدهدهت من هولها الجبالُ والشجرُ والدواب، قابلةً لأن تُقدمَ هذهِ المرةِ بثيابٍ, عربية استغفر الله أقصدُ بأجسادٍ, عربيةٍ, عاريةٍ, من الثياب، والقيمِ والأخلاق، وهكذا كانَ في \" ستار أكاديمي \" الذي ما أظُنُهُ إلاَّ المرحلةَ الأخيرةِ قبل إتمامِ تصويرَ الفاحشةِ الكُبرى، بأجسادٍ, عربيةٍ,- عياذاً بالله.
ولسنا نعجبُ في الواقعِ من جرأةِ القائمين والمشاركين، في هذا البرنامج الخسيس الخليع، فلستُ أشكُ بأنَّهم حُفنةً من الماسونيين العرب، وفي أحسنِ أحوالهم شرذمةٌ من الإباحيين الشهوانيين، الحاقدين على أخلاقِ الأمةِ وشبابها، المتاجرين بقيمها ومبادئها العليا.
لكنَّ العجبُ لا ينقضي من أُسرٍ, مسلمةٍ,، ذاتَ شرفٍ, وسُمعة، يأذنونَ لقنواتٍ, إباحيةٍ, كهذه، بالدخولِ إلى منازلهم، ويتحلقُ حولَ عُروضها الماجنةِ، ذواتُ الخدور، وشبابُ الأمةِ المجبولِ على الدين والعفة.
ولسنا نرى كبيرَ فرقٍ, بين من علمَ مقاصدَ وأهدافَ هذا البرنامجُ وأمثاله، من برامجِ الخنا والفاحشة، ثمَّ أصّر على مطالعةِ أهلهِ وأولاده وبناته لهذه الفواحشِ، وبين من قامَ بإنشاءِ محطةَ البثِّ نفسها، ونفَّذَ البرنامجَ وموّله، حتى أطلَّ بوجههِ القبيحِ، وسوءَتهِ المشبوّهة.
كما أننا لا نرى أيٌّ حرجٍ, حين نَصمُ كلّ من رضي لأهلهِ ومحارمه بمطالعة \" ستار أكاديمي \" وأشباههِ بالدياثةِ وذهابَ الغيرةِ، إلى درجةٍ, فاقت الخنازير، في ذوبانِ الغيرةِ واضمحلالها- فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
إننا ندعو الجميعَ إلى التوبةِ من مطالعةِ هذه الفضائياتِ المُدمرة، وهذه البرامجُ على وجهِ الخصوصِ، وإلاَّ فليتربصَ الجميعُ بعقوبةٍ, لا تُبقي ولا تذر
((وَاتَّقُوا فِتنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَّةً وَاعلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ)) (لأنفال: 25).
وعلى من ولاهُ اللهُ أمراً من أمورِ المسلمين، أن يقومَ بدورهِ المُمكن، وواجبهِ المشروع، في كفِّ هذا البلاءِ عمن يستطيعُ ممن استرعاهُ الله أمره، ولنكن على ذكرٍ,، بأنَّ اللهَ - تعالى -يغارُ، وغيرتُه أن يأتي المؤمنُ ما حرمَ اللهُ عليه.
ألا ما أهونَ الخلقِ على الخالقِ إذا هم عصوا أمره.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد