يشهد المجتمع الأردني في الآونة الأخيرة رواجاً ملحوظاً لظاهرة الإعلانات الجنسيّة التي تزخر بها الصحف الإعلانيّة الأسبوعيّة و غيرها من وسائل الإعلام المبطّنة و غير الرسميّة. و يترافق هذا الرواج مع ازدياد حدّة الأصوات الممتعضة و المطالبة بضرورة احترام خصوصيّة المجتمع الأردنيّ المحافظ، كما أصوات الأطباء المختصّين الذين ينادون بوجوب التحرّك حيال هذه الظاهرة نظراً لازدياد أعداد من وقعوا ضحيّة النصب و الاحتيال و الابتزاز، و الغريب في الأمر أنّ الجرائد الإعلانيّة هي أوّل الممتعضين من هذه الظاهرة التي تتسلّح بتصريح رسمي من وزارة الصحّة. فكان لابدّ من الحديث عن قرب مع كلّ الأطراف المرتبطة بالقضيّة، مع استطلاع الرأي الشرعيّ و الطبيّ و الرسميّ في المسألة. انتهاك للمعايير الأردنيّة المحافظة تستذكر الأمّ (نهيل العلي، 36 عاماً) عندما جاءتها ابنتها (دنيا، 11 عاماً) لتسألها عن مفردات إعلان جنسيّ ورد في إحدى الصحف الإعلانيّة التي توزّع أسبوعيّاً. و تتابع نهيل قائلة: \"اعترتني الدهشة و الوجوم عندما تفوّهت ابنتي بتلك الألفاظ ببراءة و بساطة شديدة غير مدركة لما تعنيه تلك الكلمات \". و تضيف: \" لم أتمالك نفسي من الغضب فألجمت سؤالها ناهرة و قمت بإلقاء كلّ الجرائد الإعلانيّة الموجودة في منزلي و منذ ذلك اليوم لم أسمح أن تدخله تلك الجرائد \". من جهته يشير الطالب الجامعي (نضال حوّا، 23 عاماً) إلى إعلانات من هذا النوع يراها منشورة على (بورد) إحدى مرافق الجامعة، و يشير لكون الصيغة هي: \" إذا كان لديك أيّ مشاكل جنسيّة تخشى أو تخجل من طرحها فلا تتردّدّ في الاتصال على الرقم التالي و سيعامل اتصالك بسريّة تامّة و مصداقيّة عاليّة\". و يرى حوّا أنّه لا ضير من إعلان كهذا لأنّه على حدّ قوله \"لا يحمل ألفاظاً أو تفاصيلاً خادشة للحياء بل هي مساعدة طيّبة مشكور من تطوّع بها \". يعلّق على ذلك من منظور شرعيّ عميد كليّة الشريعة السابق في الجامعة الأردنيّة الدكتور محمود السرطاوي قائلاً: \" لم يترك الإسلام موضوعاً إلاّ و تحدّث عنه، و من هذه المواضيع موضوع الجنس، واضعاً له ضوابطاً مهذّبة بلغة راقية و سموّ واضح في معالجة المسـألة \". و يستدلّ السرطاوي بآيات قرآنيّة و أحاديث نبويّة عدّة، منها على سبيل المثال لا الحصر قوله - تعالى -: \"وإن كنتم جنباً فاطهروا\". وقوله: \"وقدّموا لأنفسكم\". كما أنّ الآية الكريمة \"و يسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض و لا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهنّ من حيث أمركم الله \" لتُعدّ دليلاً واضحاً على إقرار الإسلام بأحقيّة الفرد في التساؤل و الحصول على الإجابة و لكن من غير أن تكون هذه الإجابة بلغة هابطة مبتذلة مثيرة لغرائزه. و يتابع قائلاً: \" الحكم في هذه الإعلانات المنشورة هو عدم الجواز، لأنّ كلّ ما ترتّب عليه سلبيّات و مضارّ يعدّ غير جائز. و من شأن هذه الإعلانات أن توقع الضرر لذا فهي غير جائزة \". كما يشير لوجوب \"إيجاد ضوابط واضحة في المسألة فليس كلّ من أراد معرفة معلومة ما في هذا الصدد يلجـأ للاتّصال على هذه الأرقام التي لا يعرف من صاحبها و ما مدى معرفته و ثقافته، و حتّى إن افترضنا النوايا الطيّبة فلا يضمن المتحدّثين ألاّ تضعف نفوسهما عند مناقشة هذه الأمور بمكاشفة و مصارحة \". و يقترح السرطاوي حلاّ عبر \"عقد لجنة ما بين الفترة و الأخرى تضمّ أسماءً معروفة من ذوي العلم و الاختصاص من أهل الشريعة و الطبّ \". لا مسؤول مباشر عن القضيّة و بتعريج على هذه الإعلانات يرصد المطّلع عليها وجود سمات مشتركة في صيغة الطرح، حيث تستخدم عبارات رائجة تحمل إيحاءات جنسيّة لا تلبث أن تنكشف تفصيلاً بعرض خدماتها المتعدّدّة مع السعر لكلّ منها، و نادراً ما يضع المعلِن رقماً أرضيّاً بل أرقاماً خلويّة لمراجعته. مختتماً الإعلان بعبارة \"إن لم تحصل على النتيجة المرغوبة استردّ نقودك فوراً \". و عادة ما ترفق هذه الإعلانات بصورة لثنائيّ في وضعيّة حميمة، أو بصورة لثنائيّ في ملابس سباحة. بدوره يشير أحد أصحاب هذه الإعلانات (أحمد أبو حويجة) إلى حتميّة \"وجود الحرج في هذه الإعلانات\" إلاّ أنّه يستدرك قائلاً: \" ماذا تقترحون من وسائل أخرى لعرض خدماتنا الطبيّة غير هذه الإعلانات؟ \". و يزيد قائلاً: \" على من ينزعج من هذه الإعلانات أن يقلب الصفحة فوراً، أمّا من يعاني المشكلة التي نطرح علاجها فهو من يبحث عن إعلاناتنا و يهمّه معرفة تفاصيل العلاج و أسعاره عبر إعلاننا المنشور\". و يؤكّد أبو حويجة على \"نجاعة و فاعليّة العلاجات الطبيّة المطروحة و التي أثبتت نجاحها مع الحالات التي تأتينا بكثافة \". إلاّ أنّ الاستشاريّ المعروف في تخصّصّ الأمراض الجلديّة و التناسليّة الدكتور نادر يونس ينفي ذلك تماماً. فهو يؤكّد من منظور طبّي أنّ هذه العلاجات المعلن عنها \"لا تخضع لرقابة طبيّة و غير مشهود لها طبيّاً \". و يهيب يونس بكلّ من يعانون من هذه الأمراض أن \"يلجؤوا للأطّباء المختصّين \" مستشهداً بحالات عدّة أتته \"بعد فوات الأوان \" و بعد أن أخفق هؤلاء المعالجون فكانت النتيجة \"تضاعف الحالة و استنزاف مبالغ كبيرة \". و يؤكّد رئيس قسم التسويق في إحدى الجرائد الإعلانيّة (وليد مخلوف، 33عاماً) أنّ \" الجريدة الإعلانيّة هي من أكثر الممتعضين من هذه الإعلانات و لكن عندما يأتي صاحب الإعلان بترخيص من وزارة الصحّة فلا نملك كمشروع إعلامي أن نصدّه من غير عذر مقنع \". تعليقاً على ذلك يقرّ مدير ترخيص المهن و المؤسسّات الصحيّة (الدكتور أحمد البرماوي) بما ذكره مخلوف، حيث أنّ \" قانونا الصحة العامّة و الدواء الصيدلي ينصّان على عدم جواز نشر أيّ إعلان بدون موافقة وزارة الصحّة، و إذا حدث و نشر أحدهم إعلاناً من غير ترخيص فتتولّى حينها ملاحقته و مجازاته قضائيّاً \". و يشير البرماوي إلى أنّ \"الأجهزة الطبية التي يعرض عنها هؤلاء مرخّصة من وزارة الصحّة بيد أنّ الموادّ الأخرى كالأقراص و البخّاخّات و غيرها غير خاضعة لرقابة و لا موافقة وزارة الصحّة و بالتالي تمنع الجرائد الإعلانيّة من نشر إعلاناتها \". و يؤكّد الباحث القانوني في المجلس الأعلى للإعلام الأردني (محمد عبيدات) على أنّ دور المجلس لا يمتّ للرقابة بصلة و لا يعدو عن \"التدخّل في حال تقدّم أحدهم بشكوى في كلّ ما له علاقة بالجانب الإعلاميّ \".و يشير عبيدات \" للخطأ الجسيم في نشر إعلانات من هذا النوع و لو حملت تصريحاً من وزارة الصحّة \"، فيشبّههم عبيدات ب \" المخمور الذي يقود سيّارته تحت ذريعة أنّ دائرة السير قد منحته رخصة قيادة \".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد