الخلاف وأسبابه


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله أمر بالتعاون على البر والتقوى، ونهى عن الفحشاء والبغضاء، والتعاون على الإثم والعدوان.

إذا كان الخلاف أمراً واقعاً.

فما هي أبرز أسبابه؟

1- من أسباب الخلاف والافتراق تفاوت الناس في الطبائع والميول، وتفاضلهم في العقول والفهوم، فسبحان من فاوت بين الناس في الحفظ وفي الاستنباط، والموفقُ من لم يُزَكِّ نفسه، بل اتهمها حتى يُقللَ مساحةَ الخلاف، ويضيعَ الفرصة على الشيطان.

2- ومن أسباب الفُرقَةِ: الإعجابُ بالرأي الذي يحملُ صاحبهُ على الغرور وتسفيه آراء الآخرين، وإيثارُ الهوى على الهدى الذي يمنع من قبول الحقِّ وإن كان واضحاً، وقد جاء النهيُ صريحاً عن العجب والهوى: ((ائتَمِرُوا بِالمَعرُوفِ، وَتَنَاهَوا عَن المُنكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيتَ شُحّاً مُطَاعاً، وَهَوىً مُتَّبَعاً وَدُنيَا مُؤثَرَةً، وَإِعجَابَ كُلِّ ذِي رَأيٍ, بِرَأيِهِ فَعَلَيكَ بِنَفسِكَ وَدَع عَنكَ العَوَامَّ)) رواه أبو داود والترمذي (وهو صحيح لغيره 4341، 3085).

3- ومن أسباب الفُرقَةِ: البغيُ والحسد، فقد يرى بعضُ الناس ما عندهُ أولى وأصوبُ من غيره، ويبلغُ به الغرورُ بما عنده حدَّاً يزدري به ما عند غيرهِ، إما بنوع بغيٍ, أو حسد، ثم تقودهُ هذه المشاعرُ إلى احتقار الآخرين ولمزهم، والتشكيك فيما عند غيره، ولو كان حقاً فات عليه التأملُ فيه بعين العدل والإنصاف، وإذا انتشر داءُ البغي والحسد ثارت رياحُ الفرقة، وسادت البغضاء، وحصل النفورُ والافتراق.

4- ومن أسبابِ الفُرقَةِ: شهوةُ الزعامة وحبٌّ الصدارة، بحيث يسعى صاحب هذا المرض إلى أن يكون متبوعاً لا تابعاًº وآمراً لا مأموراًº ويدعوه ذلك إلى رفض ما عند الآخرين، وعدم تقبل وجهاتِ نظرهم وإن كانت صائبة، بل قد يُخيل لهذا المريض أنه وحدهُ حامي حمى الإسلام، وإنَّهُ الأجدرُ بالقيادة والريادة دون سواه.

5- ومن أسباب الفُرقَةِ: سوءُ الظن بالآخرين، وتغليب التشاؤم على التفاؤل، فهو في الغالب يُسيءُ الظن بالآخرين إلى حدٍ, لا يثقُ بأحد، ولا يُصوبُ عملاً، ويطغى عليه جانبُ التشاؤم، بحيث يرى أن كلَّ عمل لم يعملهُ أو يشرف عليه مصيرهُ الفشل ونهايته الخسران، وهذا الداء يخفى وراءهُ أمراضاً وأدواءَ أخرى، كالأثرة وحبِّ الذات، واتهام الآخرين، والرغبةِ في الوقيعة بأعراض المسلمين.

بينما عكس ذلك من حُسن الظن وحُسن الفألِ، يعبرُ عن قلب سليم، ونفسٍ, كريمة تُحب للآخرين كما تُحب لنفسها، وتحاول تعليلَ الأخطاء وإيجاد المعاذير قبل إصدار الأحكام، ورحم اللهُ عمرُ وهو القائل: [لا تظن بكلمةٍ, خرجت من أخيك المسلم سوءً وأنت تجد لها في الخير محملاً] (تفسير ابن كثير 4/212، الضويان، منهج المحدثين وأثره في وحدة الصف /10).

6- ومن أسباب الفُرقَةِ: الخلط بين الثوابت والمتغيرات، وبين الأصول والفروع، فهناك ثوابت لا يجوز لأحدٍ, أن يتهاون فيها، أو يُفرِّط في الحفاظ عليها، وهناك أمورٌ وقضايا فرعيةٌ يسع الخلافُ فيها، ولا ينبغي أن تكون أساساً للمفاصلة أو سبباً للفرقة، وحين تختلط الأمور ولا يُميز بين هذه وتلك يقعُ الخلافُ لأدنى سبب، ويظن هذا المختلف أنه يُحكِّمُ الشرع ويحمي حمى العقيدة، وينسى أنَّ ما أحدثهُ من شرخ الفرقة والخلاف أعظمُ، بل نسي أن من مقاصدِ الشرع الاجتماع لا الافتراق، والاتفاق لا الاختلاف، وبالتالي فلا ينبغي أن نوالي أو نعادي على أمرٍ, من الدين فيه متسعٌ للحوار والنقاش، وفي المقابل لا ينبغي أن نضيعُ حرمات الدين وأصوله في سبيل جمع الكلمة ونبذ الفرقة، والاختلاف على حساب الأصول والثوابت.

ولا تقفُ أسباب الفرقة والاختلاف عند هذه الأسباب، فثمةَ أسبابٌ أخر، ولكن الجامعُ لها ضعفُ الإيمان والتقى، وتغليبُ الهوى على الهدى، وحبٌّ الذات في مقابل سحقِ الآخرين، والجهل بأحكام الشريعة ومقاصد الإسلام، والعصبية الممقوتة للمذهب أو للطائفة أو للبلد أو الجنس، وإيثارُ الدنيا على الآخرة، وعدم الوعي بآثار الخلافِ وسلبياته.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply