مصنع الأكاذيب (1)


 

بسم الله الرحمن الرحيم

في أواخر العام الماضي قامت مجلة \"مذر جونز\" الأمريكية بنشر تحقيق صحفي يوضح بإسهاب كيف أنه بعد مرور أسابيع على أحداث الحادي عشر من سبتمبر قامت إدارة الرئيس بوش بتكوين وحدة سرية بالبنتاجون من أجل العمل على اختلاق أسباب تبرر غزو العراق.

واليوم تقدم المجلة تحقيقاً من الداخل يوضح كيف قامت هذه الوحدة السرية بالعمل على نشر المعلومات المغلوطة والمعلومات الاستخبارية المزيفة، وقادت الأمة إلى الحرب، وأنجز التحقيق صحافيين من المجلة هما روبرت درايفوس وجاسون فيست، وصدر بعدد المجلة 2004، تبدأ القصة بزيارة قام بها المحرران للكولونيل كارين كوياتكوسكي التي لم يفصح التقرير عن هويتها الرسمية.

بحسب الكولونيل كارين كوياتكوسكي لم يتم بعد البدء في أي تحقيق رسمي لا من قبل وكالة المخابرات المركزية التي قامت بتحقيق داخلي حول المعلومات المخابراتية عن العراق، ولا حتى من لجنة المخابرات بالكونجرس الأمريكي، ولا من قبل اللجنة الاستشارية المختصة بتقديم معلومات استخبارية للرئيس عن الشئون الخارجية، كل هذه الجهات التي ورد ذكرها منوطة بإعادة النظر في المعلومات الاستخباراتية عن العراق التي قدمتها إدارة الرئيس بوش في فترة ما قبل الحرب، وذلك في ظل اتهامات تقول بأن البيت الأبيض والبنتاجون إما بالغت، أو حرفت، أو حتى كذبت حول علاقة العراق بعناصر القاعدة، وكذلك حيازة نظام صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل.

غير أن الكولونيل كوياتكوسكي يبدو أنها تمسك بالعديد من خيوط اللغز شأنها في ذلك شأن معظم الضباط الكبار الذين تقاعدوا، أو نقلوا إلى وظائف أخرى، كوياتكوسكي التي عملت بالقوات الجوية، وخدمت في وحدة الشرق الأدنى وجنوب آسيا بالبنتاجون (نيسا) لسنوات عدة قبيل غزو العراق، كشفت عن أن وحدة التخطيط لحرب العراق بالبنتاجون عملت على اختلاق (ابتداع) قصص تثير المخاوف حول أسلحة العراق وعلاقاته بالإرهابيين.

تقول كوياتكوسكي بأن الأمر لم يكن له علاقة بالمخابرات، وإنما كان من قبيل الدعاية، وكشفت عن الآلية التي كانت تتم بها خلق هذه القصص، حيث تقوم الوحدة بتوظيف معلومة ما وبانتقاء معلومات وترك أخرى، ثم يقومون بجعلها تبدو أكثر إثارة حينما يقدمون هذه المعلومات خارج الإطار الذي يجب أن تقدم فيه، بل وكانوا يقومون أحياناً بالخلط بين أجزاء مختلفة من المعلومات.

وقد نجحت الإدارة الأمريكية من خلال هذه الآلية التي تفضي إلى تقديم المعلومات المزيفة لمسئولي الإدارة في شكل نقاط يمكن التحاور بشأنها وتضمينها في خطابات الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني ووزير الخارجية كولن باول، الذي قدم بعضاً من هذه المعلومات خلال شهادته الشهيرة في جلسة مجلس الأمن في فبراير الماضي، في دفع الرأي العام الأمريكي لأن يمنح تأييده لحرب غير ضرورية، وحتى اللحظة فإن الكيفية التي أنتجت بها إدارة الرئيس بوش تقديراتها المبالغ فيها للمخاطر التي شكلها العراق لم يتم الكشف عنها بالكامل، ولكن للمرة الأولى فإن أسبوعية \"مذر جونز\" قدمت تحقيقاً مطولاً بناء على عشرات المقابلات - بعضها مع مسئولين حاليين - كشفت عن وجود خلية مخابراتية سرية تعمل داخل البنتاجون، وكذلك فريق العمل المكلف التخطيط للحرب في وزراة الدفاع الأمريكي، ومكتب التخطيط الخاص.

هي قصة فريق عمل منغلق على ذاته، يتكون بالأساس من عدد من المنظرين الأيدلوجيين الذين أمضوا حقبة من الزمن أو تزيد يرسمون الخطط للهجوم على العراق، وقد استخدموا أحداث الحادي عشر من سبتبمر كذريعة لأن يضعوا خططهم قيد التنفيذ.

بعد ستة أشهر من انتهاء العمليات الحربية في العراق، كانت الولايات المتحدة قد أنفقت 300 مليون دولار في محاولة البحث عن الأسلحة المحرمة في العراق، وكان بوش يسعى للحصول على مبلغ آخر يعادل حوالي 600 مليون دولار لمواصلة البحث، وما لم يتم العثور عليه هو صواريخ سكاد وغيرها من الصورايخ ذات المدى البعيد، وعشرات البراميل والأطنان من مادة الأنثراكس، ومخزون البلوتونيوم، وغاز السارين، وغيرها من غازات الأعصاب والأسلحة البيولوجية والكيميائية، والمعامل المتنقلة التي تنتج الأسلحة البيولوجية، وكل الأدلة على برنامج الأسلحة النووية التي تم توفيرها -وهي كلها أسلحة - تكرر الإشارة إليها باعتبارها مبرر لبدء الحرب.

كما أنه من بين الحلقات المفقودة كان الدليل على تعاون النظام العراقي السابق بتنظيم القاعدة.

كل هذه التقارير المزيفة بدأت في التدفق في ذات الوقت التي تولت فيها إدارة الرئيس بوش مقاليد السلطة، وفي أول اجتماع مع فريق الأمن القومي في اليوم التالي بعد حلف اليمين في يناير 2001 تم إثارة موضوع غزو العراق، وبحسب أحد المشاركين في الاجتماع لقد أدرك المسئولون الأمريكيون الرسالة قبل وقوع أحداث سبتبمبر بوقت طويل بالفعل،  حتى إنه قبل أن يتشكل فريق بوش بالبنتاجون، وقبل أن يبدأ بول ولفوفيتز نائب وزير الدفاع، ودوجلاس فايث مساعد وزير الدفاع للسياساتº في رسم خططهم في أن يكونوا الرواد الأوائل لتغيير النظام في العراق.

وبطبيعة الحال فإن كلا من ولفوفيتز وفايث لديهم جذور عميقة في حركة المحافظين الجدد، ولفوفيتز هو أحد أهم المحافظين الجدد في واشنطن، وأكثرهم نفوذاً في رسم السياسة الخارجية خلال سنوات حكم المحافظين في التسعينات من القرن الماضي، وقد آمن ولفوفيتز بأن عدم غزو بغداد أثناء حرب الخليج الثانية والاستيلاء عليها كان خطأ فادحاً، وكرر ولفوفيتز وآخرين في الإدارة هذه المقولة مراراً عبر السنوات الماضية، وكتبوا مجموعة من الخطابات والأوراق البحثية مع مجموعات أخرى من المحافظين الجدد وعلى رأسهم بعض مراكز الفكر مثل: مشروع القرن الأمريكي، ولجنة تحرير العراق.

أما فايث فهو عمل مساعداً لريتشارد بيرل في البنتاجون في الثمانينات، وهو ناشط في الدوائر اليمين المتطرف الصهيونية الذين آمنوا بأن الأمن القومي الأمريكي مرتبط بالإسرائيلي، وأن أفضل وسيلة لتأمين مستقبل البلدين هو تسوية المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية ليس من خلال كون واشنطن الوسيط ولكن من خلال اعتبار الولايات المتحدة قوة تفرض عملية تغيير النظام، ومن بين من ساهموا في رسم خطط الحرب على العراق كان أحد مسئولي البنتاجون هارولد رود وهو خبير بالشئون الإسلامية، ويتحدث الفارسية، والعبرية، والتركية، والعربية.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply