العلماء و الأُغيلمة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 من المعروف لدى عقلاء طلاب العلم و نبهائهم أن العلم متشعب متفرِّع. و هذا عام في كل فن من فنون العلم.

و ذاك التشعب و التفريع نعمة كبرى إذا كان من باب التفريع المعوَّل على أصل العلم، و هما متضمنان خلافاً في المسائل التي هي تفريع على الأصل.

و الخلاف قسمان:

الأول: خلاف تضاد.

الثاني: خلاف تنوع.

و الأصل في علماء الإسلام _ عموماً _ أن الخلاف فيهم هو من النوع الثاني.

و أما النوع الأول فقليل القائل به، و لم يقل و لن يقول به إلا من تلبس بهوى، و شهوة نفس، هذا أصل سار عليه علماء السنة _ خاصة _ و سائر علماء الدين. لكن لما ضاق الأفق في بعض الناس _ المنتسبين للعلم _ بذاك النهج، و قد تلبَّسَ _ مسبقاً _ بـ ( الإمبراطورية ) النفسية، ضيق المسائل الخلافية، و جعلها أمراً مجمعاً عليه، ناسفاً بذلك كل قولٍ, و كتاب و مذهب اعتمد القول الذي خالف ما حققه بعض (النكرات).

فكان من ذلك أن أطلق للسان العنان، و شهر صارم قَلَمِه، و مُظهِراً سطرَ كتابه على كل من خالف قوله (المُحقَّق)، و أصبحت القاعدة الأساس عنده هي القاعدة البوشية [ من لم يكن معي فهو ضدي ]، فحجَّر بجهله الواسع ، و ضيَّق الشاسع، و تلك بلية ( الأقزام )، و آفة ( الذبابيين ).

فإذا ما قال ( عالم ) قولاً له فيه ( إمام ) سابقٌ له بالقول بهذا الرأي إلا و انبرى له من ( الأقزام ) من هدَّ كيانه، و نسف بنيانه، و السبب الدافع لذاك ( النسف ) هو مخالفته ما تقرَّر عند ( الطِّوال ) الذين تبنوا كفالة ( غلمان ) الكتاتيب.

و إن كان في الأمر إنصافاً، و سعياً للحق لكان الهجوم على القائل به أولاً لا من قاله مقلِّداً، بغضِّ النظر عن كون نهج أولئك ( الأقزام ) خالفوا الكتاب في: ( الإنصاف ) و ( العدل ) و( إتباع الحسن من القول ) و ( الحكمة في الطرح ).

 و ثمة سؤالات تتبادر إلى ذهن طالب الحق و هي:

هل المُعتَبَرُ في العلم ما حققه المعاصرون؟  و هل الخلاف سُدَّ بابه حين تبنى أحدٌ قولاً من الأقوال؟  و هل الخلاف ( التنوعي ) يكون خلافاً ( تضادياً )؟  و هل ( الهجران ) و ( التضليل ) و ( التبديع ) يكون في المسائل الفرعية؟  و هل مخالفة عالم لرأي آخر تُعَدٌّ مسوغةً لـ ( التضليل ) و ( التفسيق )؟ 

أسئلة أطرحها على كل ( قزم ) ناطح ( طويلاً ).

الكل يرى بين فينات عدَّةٍ, أطروحات ردودية على كبارٍ, من المشتغلين بالعلم في مسائل فرعية الخلاف فيها سائغ، و لِيُلحَظ أن الردَّ على من لم يسلك مسالك( الأقطاب ) المبجلين عند بعض الناس.

 الأمر في الخلاف ( التنوعي ) واسع، فلابد من مراعاته مراعاةً تليق به، يُحتَفى فيها بالمُخالف.

 و العجبُ أن أصاب بعض العلماء خوفٌ من إبداء أقوالٍ, خلافية بين طلاب العلم بسبب التصرفات ( الصبيانية ) التي يقوم بها بعض ( المتعالمين ).

و لو كان الرد من ( فاقِهٍ, ) و ( نابهٍ, ) لكان الخطب هيِّناً، لكن و الأمر خرج من ( غلمان ) الكتاتيب، و ذوي الفهاهة، و أرباب السفاهةº فما نقول إلا ( الله المستعان ).

بل لو كان الرد و النقض من ( الغلمان ) محفوفاً بـ ( الإنصاف ) و ( العدل ) و ملازماً ( الأدب ) و ( الخلق ) مع ( المخالف ) لكان مقبولاً.

و لكن تخلَّفَت كل تلك المُؤملات فانبرى ( الغلام ) قاتلاً ( السيد )، و استطال ( الوضيع ) ناطحاً مقام ( الشريف ).

فلا الأسد أصبح سيد الغاب، و لا حاكى مشيَ الطاووس الغرابُ.  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply