لما أظهر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، دعوته وجهر بها، امتثالا لأمر الله - عز وجل -، لم يبعد عنه قومه، ولم يظهر العداوة له، حتى ذكر آلهتهم بسوء وعابها واستنكر عبادتها، فلما فعل ذلك، عارضوه وأظهروا العداوة والبغضاء له، فحماه عمه أبو طالب، ومنعه عنهم وقام دونه، أما رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقد مضي على أمر الله - عز وجل -، مظهرا له وداعيا إليه، لا تأخذه في الله لومة لائم، فلما رأت قريش ذلك، مشي رجال من أشرافها إلى أبي طالب: وكان منهم: عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس، وأبو سفيان بن حرب، والعاص بن هشام، والأسود بن المطلب، وأبو جهل، والوليد بن المغيرة وغيرهم وقالوا: يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا، وأما أن تخلي بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافة. فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا، وردهم ردا جميلا، فانصرفوا عنه خائبين، وكانوا يرجون أن يظفروا برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، أو يتخلى عنه عمه فيفتقد إلى النصير والمعين، ومضي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بهمة عالية وعزيمة لا تلين، يظهر دين الله - عز وجل -، ويدعو إليه، ثم اشتد الأمر بينه وبين المشركين، حتى تباعد الناس وتعادوا، وأكثرت قريش ذكر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فخض بعضهم بعضا عليه، وأضمروا له الشر. ثم مشى القرسيون مرة ثانية إلى أبي طالب فقالوا له: يا أبا طالب، إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا، وأنا قد عرضنا عليك أن تكف ابن أخيك عنا، وتمنعه من تسفيه أحلامنا وسب آلهتنا، وأنا والله لن نصبر على هذا حتى يكف عنا، أو تتركه لشأنه حتى يهلك أحد الفريقين. ويبدو من كلام المشركين، أنهم هددوا أبا طالب، إن استمر في نصرة ابن أخيه، فعظم عليه فراق قومه وعدواتهم له، وبنفس الوقت، لم يكن أبو طالب راضيا بتسليم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، لهم ولا خذلانه. فبعث إلى ابن أخيه محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -. فقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاؤوني وقالوا لي: كذا وكذا. فأبق علي وعلى نفسك ؤ، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق، فظن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن عمه ضعف وأنه لا بد خاذله فقال: \" يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه، ما تركته \". ثم بكى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- وقام نحو الباب يريد أن يخرج، فناداه أبو طالب وقال: اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدا. وعندما رأت قريش أن أبا طالب، ماض في نصرة ابن أخيه والدفاع عنه، وأن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- ماض هو الآخر في دعوته الإسلامية وفي محاربة الأوثان والشرك، اجتمعت بعد أن خرجت بحيلة جديدة، وذهب وفد منها إلى أبي طالب للمرة الثالثة ليفاوضه في أمر ابن أخيه، فقال أحدهم: يا أبا طالب، هذا عمارة بن الوليد، أقوى وأشد فتى في قريش وأجمله، فخذه ولدا فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا، الذي قد خالف دينك ودين آبائك وفرق جماعة أهلك، وسفه أحلامهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل. فقال أبو طالب: والله لبئس {1} ما تسومونني {2}! أتعطونني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه!! هذا والله ما لا يكون أبدا .
----------------------------------------
1- بئس:فعل ماض لإنشاء الذم
2- تسومونني: تكلفونني
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد