غزوة تبوك .. رسالة إلى أثرياء الأمة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حدثت غزوة تبوك في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة، ولقد كانت هذه الغزوة العظمى مواجهة قوية بين المسلمين وبين الروم المتربصين بهم في تخوم الجزيرة، ومواجهة الروم القوة الأعظم في العالم آنذاك غير مواجهة القبائل العربية داخل الجزيرة، ولقد كان زمان هذه الغزوة فصل القيظ الشديد، وكان الناس في عسرة وجدب من البلاء وقلة من الظهر، ولقد كانت المسافة بعيدة والطريق وعرة صعبة.. فلا عجب إذن أن تكون هذه الغزوة هي غزوة العسرة ولقد وصفها المولى - عز وجل – بذلك: (لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ العُسرَةِ) (التوبة: 117).

وفي هذا الجو المشحون المتوتر حيث تُحاك المؤامرات بالمسلمين تحركها قوة عالمية كبرى من الخارج، ويتلقفها من الداخل طابور من المنافقين يتخذون مسجدًا ضرارًا يكيدون فيه للإسلام وأهله، في هذه الأجواء حين يعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - حالة التأهب للخروج لمواجهة الروم، حينها تعظم مسؤولية أثرياء المسلمين وأغنيائهم، فلابد للجيش من عدة وعتاد، فالجيش الذي دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أعظم جيش عرفه المسلمون في حلقات صراعهم المرير ضد الباطل، بل لعله أعظم جيش عرفته عرب الجزيرة، ثلاثون ألفًا كاملا.. فمن يجهز مثل هذا الجيش الضخم؟

يدعو النبي - صلى الله عليه وسلم - للتصدق لتجهيز الجيش، فيتقدم عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وأرضاه فيتصدق بثلاثمائة بعير بأقتابها وأحلاسها، ويضع مائتي أوقية وألف دينار بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيدعو الرسول له بخير ويقول: \"ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم\" جامع الترمذي مناقب عثمان بن عفان..

وينتشي عثمان - رضي الله عنه - بهذه البشرى، فلا يزال يتصدق على الجيش ويتصدق حتى يقدم تسعمائة بعير بجهازها، ومائة فرس غير النقود، ويأتي عبد الرحمن بن عوف بمائتي أوقية، ويأتي الصديق أبو بكر بماله كله أربعة آلاف درهم ويأتي عمر بن الخطاب بنصف ماله وهو يومئذ مال كثير - (يقول عمر عن ذلك: دعانا الرسول إلى الصدقة يوما وصادف ذلك مال كثير عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر فأتيت بنصف مالي فإذا بأبي بكر قد جاء بماله كله، فقلت لا أسبقه إلى شيء أبدا) ويأتي طلحة وسعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة والعباس بمال كثير، وجاء عاصم بن عدي بتسعين وسقا من التمر، وغيرهم من تجار المسلمين وأغنيائهم، وينجح مشروع تجهيز الجيش، ويتحرك الرسول - صلى الله عليه وسلم - في جيش لم تسمع العرب بمثله من قبل.

إن أغنياء الأمة وأثريائها وأصحاب رؤوس الأموال فيها عندهم الفرصة اليوم- وربما أكثر من أي وقت مضى- أن يجتمعوا على مشروع إسلامي واحد يقولون فيه بقوة قوة المال والاقتصاد لن نستثمر مع رؤوس الأموال الصهيونية التي يذهب جزء من ربحها لدعم قوة العدو وتسليحه.. يعلنون فيها قصر استثماراتهم المليارية والمليونية على الذين يدعمون قضايا الأمة، أو على الأقل مع الذين لا يعادونها ويجهزون سرًا وعلانية للقضاء عليها أو النيل من مكانتها أو الانتقاص من أرضها أو دينها..

 

إن أثرياء الأمة اليوم مطالبون برفع شعار: (بماذا سبقتنا يا عثمان إلى الجنان)

إن الصحابي الجليل عثمان بن عفان ذلك الثري الموسر، الذي جعل من ماله النصيب الأوفى لنصرة الإسلام ودعوته ورفع الضُرّ والحاجة عن المسلمين، ولقد اشترى بئر رومة من قبل وجعلها وقفًا للمسلمين، وغيره من الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم أجمعين - لتوجه سيرتهم العطرة تلك الرسالة الخالدة إلى أثرياء المسلمين: إن تبني قضايا الأمة المصيرية في المراحل الحرجة التي عبر عنها بعض العلماء بمرحلة (تكون أمتنا أو لا تكون) أو مرحلة الوجود والاستمرار أو الضياع والاندحار.. يا أثرياء أمتنا: إن دعمكم لقضايا أمتكم عز لكم في الدنيا وربح لكم في الآخرة.

 

ولعمري لعل مستثمرًا مسلمًا من أصحاب المليارات ينفض اليوم يده من الاستثمار مع أعداء الإسلام يناديه رب العزة - عز وجل - يوم القيامة:ربح البيع يا فلان..كما ربح بيع صهيب الرومي من قبل.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply